سودانايل:
2025-10-16@00:29:13 GMT

ذكريات على جدار الزمن مع صلاح و أبوقطاطي

تاريخ النشر: 23rd, October 2024 GMT

بقلم: حسن أبو زينب عمر

(1)
أجمل كؤوس الذكريات مذاقا تلك التي عشتها وتعرفت عبرها وعن كثب على الذين صاغوا وصنعوا أحداثها سيما في مجال الفن وأنت تكتشف الوجه الآخر أو مناطق العتمة في الفنان أو الشاعر .. أتحدث هنا عن علاقة خاصة ربطتني بأثنين من عمالقة الشعر الذين أثروا حياتنا الفنية ولكن لطف الله بهم أنهم غادروا الفانية قبل أن يجتاح سماء السودان ظلام مخيف كفيف البصر كما يقول الحسين الحسن في رائعته (حبيبة عمري) ويحول آل دقلو الخرطوم التي ترنم بها سيد خليفة ( يالخرطوم ياللي عندي جمالك جنة رضوان) الى أنقاض مماثلة لأنقاض هيروشيما و نجازاكي اللتين انقض عليهما الطيار الأمريكي بول تيبيتش بطائرته B.

29 في صباح 6 أغسطس عام 1945 بأوامر صادرة من الرئيس الأمريكي وقتها هاري ترومان وجعلهما نسيا منسيا .
(2)
أول هاذين العملاقين كان الشاعر الرقيق صلاح حاج سعيد الذي جمعني به حوش العمل تحت سقف المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية في السبعينات ..كان صلاح يعمل في الإدارة القانونية وكنت أعمل مديرا لمكتب الخرطوم بحري وحينما كانت تعقيدات العمل كثيرة مع انطلاق مسيرة التأمينات كنت كثير التواصل معه حتى حدثت بيننا علاقة خاصة . كان صلاح من الذين غسلوا أحزاننا بالثلج والبرد .. شيدوا لنا مدنا من الشعر وحفروا لنا جداولا من الماء الرقراق وغرسوا على ضفافه أشجارا من زهر البنفسج والياسمين. وقد زين شاعرنا الكبير الغناء السوداني بأعذب الكلمات وكان أحد حبات عقد فريد لمع فيه كثيرون منهم محمد على أبو قطاطي وسيف الدين الدسوقي ومحمد يوسف موسى ومدني النخلي وهاشم صديق واسحاق الحلنقي وعوض جبريل وعبد الوهاب هلاوي ويحي فضل الله ولكن وحدها الثنائية التي جمعته بعراب التطريب مصفى سيد أحمد هي أزهى محطاته وكانت ميلاد أشهر أغنياته (المسافة وقلت ليها وكتبت ليك وكان نفسي أقول لك من زمان ووعد وفات) لكن تظل قصيدة الحزن النبيل أكثرها عذوبة بقيت أغني عليك غناوي الحسرة والأسف الطويل عشان أجيب ليك الفرح رضيان مشيت للمستحيل ومعاكي لى آخر المدى فتيني يا هجعة مواعيدي القبيل ..بعتيني لى حضن الأسى سيبتيني للحزن النبيل .
(3)
اجتمع صلاح مع مصطفى سيد أحمد في ثنائية أخرى تحمل ملامح ثنائيات حسين با زرعة وعثمان حسين وعثمان حسين وعوض أحمد خليفة ووردي وإسماعيل حسن يقول فيها ومرقت من قلبك مشيت طفت الشوارع والمدن ..لفيت حواري الدنيا جيت فنشتت في الزمن سكتك لا بعدك الأيام صفن ولا قدرت أعرف وجهتك التقى صلاح مع كوكبة من الفنانين منهم الطيب عبد الله (يخلق من الشبه أربعين) ومع البلابل في كلمات بسيطة دسمة المعاني نور بيتنا وشارع بيتنا يوم ماجيتنا يالهليت فرحت قلوبنا وأطربتنا الليلة وجيتنا وغنى من كلماته أيضا الفنان عثمان مصطفى (البينا ما ساهل وصدقني وموعود) وتغنى لصلاح أيضا محمد ميرغني (ما قلنا ليك الحب طريقه قاسي وصعيب من أولو ما رضيت كلامنا وجيت براك ..أهو دا العذاب اتحملوا )
(4)
حينما رحل زميله الفنان مصطفى سيد أحمد رثاه بكلمات بطعم الحنظل وكأنه يرثي نفسه ماكنت قايل نفسي يوم أرثيك يا أصدق خليل أنا كنت بتخيل أكون قبلك أسافر غنوة في الوتر الجميل زي ما عبرت معاك حروف زمن المسافة وجينا للحزن النبيل ورحلت ما كان دا الأوان رحت وحرقت حشا الغناء
(5)
كان الحياء من أبرز صفات راحلنا العظيم فكأنه العذراء في خدرها فلا تسمع منه الا همسا ..أعطى قصيدة لوردي وظلت حبيسه أدراجه قرابة العشرة سنوات ومنعه الحياء من سؤال فنان أفريقيا الأول حتى عثر عليها مصطفى سيد أحمد وقام بتلحينها ..في الثالث والعشرون من نوفمبر 2022 و في مستشفى الجودة بالخرطوم رحل صلاح عليه شآبيب المغفرة والرحمة عن دنيانا الفانية بهدوء كالنسمة العطرة وكالغيمة الماطرة بعد صراع مع المرض لم يمهله .
(6)
أما الشاعر الثاني فقد رفض عديلي عصام المبارك الكشف عن هويته وكنت وقتها مقيما في حي الصفا شمال جدة ..اتصل بي من ميناء جدة الإسلامي وأخبرني أنه في الطريق الينا وفي معيته الضيف الغامض وتركني أضرب أخماسا في أسداس ولكن حينما رن جرس الباب وفتحته أطل على الضيف الذي كان خارج الحسابات ..أنه الشاعر الفذ الفحل محمد علي ابوقطاطي بشحمه ولحمه ..جاء ليؤدي مراسم العمرة ومكث معي قرابة الأسبوعين ضيفا عزيزا محبوبا لا تمل أحاديثه أبدا تعرفت عليه عن كثب .. فكان الطيبة والبشاشة والتواضع والابتسامة التي لا تفارقه شفتاه تمشي على قدمين.
(7)
تعلق به ابني عمر مهندس الاتصالات حاليا وكان عمره لا يتجاوز الخمس سنوات وصارت بينهما مودة خاصة ..كنت دوما أصرخ في الطفل (يا ولد جننت الراجل ..خليهو شوية يرتاح ويأتيني الرد من الشاعر الذي تغنى له الفنان الراحل خليل إسماعيل وحده 17 أغنية أشهرها (بكرة يا قلبي الحزين تلقى السعادة) وغنى له وردي 7 أغنيات أبرزها المرسال فضلا عن فنانين آخرين كثر . معترضا وهو يقول عن الطفل المشاكس (خليهو خليهو دا صحبي) . كان يحكي لعمر حكايات مكر الثعلب ودهاء الغراب وبالنسبة لي كان يحاضرني عن رحلته الى كوريا الشمالية بدعوة من رئيسها وقتها كيم ايل سونج الذي أكرمه بعمل تمثال له بالجلابية والعمامة. وقد ترجمت قصيدته في تمجيد كوريا الى اللغة الكورية.
(8)
كان رجلا يتقد بروح المرح ..قال لي ذات مرة انه سمع أن صلاح ادريس في البلد وصلاح كما يعرف الجميع هو رجل المال والأعمال السوداني وقال لي انه سيزوره في فلته في حي الحمراء على شاطئ البحر وحينما عاد سألته هل زرت الرجل فأجابني (كيف ..ما شوفتني مشيت طوالى باب شريف ؟) وباب شريف هو وقتها أشهر الأسواق التي يرتادها الزائرين وبالذات السودانيين لشراء حاجاتهم من الأقمشة والثياب النسائية الفاخرة فضلا عن العطور وغيرها من الهدايا .
(9)
بعد أسبوعين تقدم نحوي بأسمى آيات الشكر للضيافة وطلب منى ايصاله الى السفارة السودانية في طريق الميناء وقتها ..أوقفت السيارة أمام باب السفارة فأنزل قدمه اليمنى على الأرض متأهبا لانزال اليسرى وفي هذه اللحظة كان له الطفل عمر بالمرصاد فوجه له سؤالا بريئا زلزل كيانه (عمي محمد انت تاني ماجاي ؟) فتوقف عن النزول وتأملت الرجل وهو يحدق في الأفق البعيد فاذا بدمعتين حرى تسيلان من عيني شاعر (الفينا مشهودة عارفانا المكارم انحن بنقودا والحارة بنخوضا) قبل أن يغادر السيارة ويختفي في زحام السفارة دون أن ينبس ببنت شفه ..رحم الله أبوقطاطي فسأظل أبد العمر أعض بنان الندم عن فقداني لقصيدة شكر صغيرة سلمها لي وكانت عني وعن عمر ووالدة عمر عرفانا بكرم الضيافة .

oabuzinap@gmail.com

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: سید أحمد

إقرأ أيضاً:

الملك عبد الله الثاني صوت الحقيقة التي هزمت أكاذيب نتنياهو وحكومتة المتطرفة .

صراحة نيوز- بقلم:المهندس زيد نفاع أمين عام حزب عزم

لم يعد بنيامين نتنياهو مجرد رئيس وزراء لإسرائيل؛ بل أصبح رمزًا للغطرسة السياسية والقتل والعدوان الهمجي، ووجهًا قبيحا لمرحلةٍ سوداء اغرقت المنطقة بالدم والكراهية والدمار والفوضى والعنصرية.

كلما اقترب الأمل من بزوغ فجر سلامٍ حقيقي شامل وعادل خرج نتنياهو ليُطفئ النور، ويُشعل نارًا جديدة، نارا من الحقد والظلم والبطش والكذب كأن بقاءه في الحكم مرهونٌ ببقاء الحرب مشتعلة هذا الرجل لا يريد الأمن لإسرائيل كما يزعم، بل يريد الخوف وقودًا لحكمه، والدم درعًا يحمي مكانه السياسي المهدد بالسقوط ، وصولا الى السجن المؤكد .

يتحدث عن “الإرهاب” ليُخفي إرهاب دولته، وعن “السلام” ليغطي نفاقه السياسي، وعن “الأمن” وهو أكثر من قوّض أمن شعبه وجرّهم إلى عزلةٍ دولية خانقة وخالف كافة الأعراف والمواثيق الدولية
كيف يطالب العالم الفلسطينيين بالتهدئة، فيما يقف نتنياهو على أطلال غزة يُبرر المجازر باسم الدفاع عن النفس؟
أي دفاعٍ هذا الذي يقتل الأطفال ويدفن الأحلام تحت الركام؟
وأي زعيمٍ هذا الذي يُكذب كل صوتٍ يدعو إلى السلام، ويُهاجم كل من يمد يده للحوار؟

لقد قالها جلالة الملك عبدالله الثاني بوضوح: “إن لم نجد حلًا، فسنُحكم بالهلاك.”
لكن نتنياهو، الذي لا يؤمن إلا بلغة السلاح، يجرّ المنطقة كل يوم إلى حافة الهاوية والفوضى والحرب الشاملة التي لن تبقي وتذر ثم يتباكى على “الضحايا الإسرائيليين” وكأن دماء الفلسطينيين لا وجود لها.
هو لا يخاف الصواريخ… بل يخاف السلام
لأن السلام يعني سقوط مشروعه المبني على الكراهية والعنصرية، وانتهاء حقبته التي قامت على الخداع والتهويل والكذب والتدليس.

ولهذا يهرب من كل مبادرة، ويُفشل كل فرصة، لأن بقاء النزاع هو بقاءه السياسي.

لقد نجح الملك عبدالله الثاني في أن يُعرّي هذا الزعيم أمام العالم، بخطابٍ أخلاقي وإنساني جعل الرواية الإسرائيلية تفقد بريقها، وكشف للعالم أن ما يجري في غزة ليس حربًا على الإرهاب، بل حربٌ على الحقيقة والحق والشرعية ولعل أكثر ما أوجع نتنياهو ليس الصواريخ ولا الضغوط، بل أن يرى صوتًا عربيًا حرًا يواجه أكاذيبه بالحكمة والمنطق، فيكسب ضمير العالم بينما يخسر هو صورته التي بناها على التزييف.
نتنياهو اليوم لا يقود إسرائيل نحو المستقبل، بل يسحبها إلى ظلامٍ أخلاقيٍّ عميق.
يزرع الكراهية في الأجيال القادمة، ويُحوّل كل طفل فلسطيني إلى شاهدٍ على جريمةٍ مفتوحة لا تعرف النهاية.
وإن كان العالم لا يزال يتردد في تسمية الأشياء بأسمائها، فإن الحقيقة باتت صارخة: نتنياهو ليس صانع سلام، بل صانع خراب ودمار.

لقد مثل جلالة الملك عبدالله الثاني صوت الانسانية والأخوة والتضامن والتي تشكل عنونا اردنيا هاشميا يفتخر به كل أردني وعربي ومسلم وتؤكد ان الأردن ينطلق من منطلقه الوطني العروبي وواجبة الديني والشرعي والاخلاقي مؤكدا أن لا أمن ولا استقرار ولا تنمية ولا حياة إنسانية كريمة ولا سلام في ظل الغطرسة الصهيونية التي تجاوزت كل الحدود وفي ظل النزاعات والصراعات التي تعصف بالمنطقة وعلى رأسها القضية الفلسطينية والقدس وحق الشعب الفلسطيني الشرعي بنيل حقوقة كاملة ضمن سلام دائم وعادل وشامل على أساس حل الدولتين واقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس .

مقالات مشابهة

  • الريشة السوداء لمحمد فتح الله.. عن فيليس ويتلي القصيدة التي تمشي
  • الملك عبد الله الثاني صوت الحقيقة التي هزمت أكاذيب نتنياهو وحكومتة المتطرفة .
  • الشاعر الاستثنائي عبدالواحد الزهراني
  • إبراهيم رضا: من لم يشكر القيادة التي حفظت الوطن لم يشكر الله
  • صلاح العزب يسابق الزمن للانتهاء من تصوير «سفاح التجمع»
  • وعكة صحية تدخل الشاعر أحمد ماضي المستشفى.. صور
  • بعد تعرضه لوعكة صحية.. نقل الشاعر أحمد ماضي للمستشفى
  • عمرو الجزار يكشف كواليس فشل انتقاله إلى الأهلي: “الصفقة توقفت في اللحظات الأخيرة.. وكل خطوة بتيجي في وقتها”
  • هتاف العاطفة في قصيدة “يا رب عونك ” للشاعر محمد الشيعاني
  • صورة نادية الجندي وفاروق الفيشاوي تشعل السوشيال ميديا وتعيد ذكريات الزمن الجميل