لجريدة عمان:
2025-05-20@09:21:36 GMT

العـرب والغـرب والمعـرفـة المتبادَلـة

تاريخ النشر: 13th, November 2024 GMT

يعـتـقـد العـرب والمسلمون أنّهم يعرفـون الغرب - ثـقافةً واجتماعاً سياسيّاً ومنظوماتِ قـيمٍ - بما يكـفي لِيَسُوغ لهم الحكـمُ عليه: سلـباً وإيـجابـاً؛ من هذا الموقع ومن ذاك. ويعتـقـد الغربيّون، من جهتهم، أنّهم يعرفون العرب والمسلمين - ديناً وحضارةً ومجتمعات - بما يجوز لهم معه أن يصدروا أحكاماً عليهم «مطابِقة» أو «صحيحة».

وقد تجـد بين هـؤلاء وأولئك مَن يدّعي أنّه يَعـرِف آخَـرَهُ أكـثر ممّا يعـرفُه ذلك الآخَـر، ويَسُوق للاستدلال على ذلك الكثيرَ ممّا في حوزته من القرائن والشّواهـد - مصدوقِها والمكـذوب - التي يقوم بها الدّليلُ على ما يذهب إليه. بل إنّ الغالب على كلّ فريقٍ منهما ادّعاؤُهُ التّـفـوُّقَ على الثّاني في المعرفة به، حتّى بالنّسبة إلى أولئك الذين لا يجهرون بذلك الاعتـقاد من الجانبيْـن.

بعيداً عن لعبةِ المقارنات بين مَـقامات المَعَارف التي لـدى كـلّ مجتـمعٍ وثـقافـةٍ عن آخَـرِهما - والتي ينغمس فيها بعضٌ من هنا ومن هناك - ما من مناصٍ من الاعتراف بأنّ قـدْراً مّا من العِـلْم بعالمَيْ الغـرب والعـرب والإسلام تَحَصَّل لدى كـلّ مجموعةٍ اجتماعيّة وثـقافـيّة عن الأخرى، بمعزلٍ عمّا يمكن أن يخالِط بعضَ ذلك العِلْـم، أو أكـثـرَه، من مزاعـمَ أو، على الأقـلّ، من ميْـلٍ - صريحٍ أو مضمَـر- إلى تضخيم قيمته أو مدى موضوعـيّـتـه. لا يـتبـيّـن مَـنَاطُ ذلك الاعـتراف إلاّ متى أحرزنا نجاحاً في أن نَـمِـيـز بين المصادر التي منها مَأْتى ذلك العِلْم أو تلك المعرفة المتبادَلة بالآخَـر؛ وهذه مهمّة تستدعي من الجَهـد كـثيرَه: إن على صعيد الاستطلاع والسَّـبْـر، أو على صعيد تصنيف أنماط ذلك العِـلْم بالآخَـر ومستوياتـه. على أنّ المدخل الأساس إلى ذلك هـو الإبَـانة - السّريعة - عن وجوه تلك المعرفة المتبادَلة، والشّروط الموضوعيّة التي حصلت فيها، والبيئات التي وقعتْ في نطاقها فصولُ الاتّصال والتّواصل بين العالميْـن اللّذيْـن تبادلا الصُّـوَر والتّمـثُّـلات عن بعضهما؛ ففي ذلك ما يُسعِـف عمليّـةَ التّبيُّـن الواقعيّ والمنطقيّ لحجّـيّـةِ قـوْلِ كلّ فريقٍ بحيازة معرفةٍ بآخَره. وليس شرطاً لاستقامةِ أمْـرِ هذا التبيُّـن أن نعود به إلى زمنٍ سحيـقٍ من العلاقة بين العالَميْن، بل تكفي تجربةُ الصّلات الحديثة والمعاصرة بينهما (منذ قرنين مثلاً) لتكون مختَـبَراً ملائماً لفحص فرضيّة المعرفة المتبادَلة تـلك.

تكـوّنت معرفةٌ بالغـرب من قِـبل العرب والمسلمين منذ ابتـدأ الاحتكاكُ بين العالَميْـن، في نهايات القـرن الثّامن عشر، حتّى اليوم وتطوّرت مع الزّمن متأثّـرةً بحوادثَ كبيرة على طريق العلاقة أو على طريق التّطـوُّر التّاريخيّ العامّ. من البيّن أنّها معرفة صُـقِـلَت في مجرى النّـموّ وانتقـلت من «معرفة» انطباعيّـة مبْناها على ما انطبع في الذّهن من مشاعرَ وانطباعات، في لحظة الاتّصال الأولى، إلى معرفة أدنى إلى التّـكامل من سابقاتها الجزئـيّـة، وأقرب من المحتوى من سابقـتها الدّائرة على سطوح الغرب وقـشوره؟ ولقد ظلّ يسع تلك المعرفة أن تستـفـيدَ من مواردَ وإمكانـيّاتٍ أتاحها تطـوُّر الصّلة بين العالميْـن من أجل إنماء ذاتها وتغـذيتها باستمرار. لعلّ أظهر تلك المُـتاحات من الموارد تلك المتمثّـلة في حيازة المعرفة بألْسُن الغـرب وثـقافـته؛ وفي يُسْـر الاتّصال اليوميّ المباشر من طريق تجربة العيش المشترك في مجتمعات العالميْن، خاصّةً في مجتمعات الغـرب التي استقبلت موجاتٍ متعاقـبةً إليها من المهاجرين العرب والمسلمين. قـد لا تكون هذه المُتاحات فـتحت إمكاناً فعليّاً لتصويب العلاقة بين العرب والغرب لكـنّها، قطعاً، وفّرت فرصاً أجزلَ لتـنمية المعارف المتبادَلة، وصارت في حُكْم البوابّات الأعرض التي وَلج منها الوعيُ العربيّ إلى عالَم الغرب قصد فهْـمه وبناءِ معرفةٍ به، بصرف النّـظر - في سياقـنا الابتـدائيّ هـذا - عـمّا يمكن أن يكون عليه مضمونُ تلك المعرفة ومدى «انطباقها» على موضوعـها.

نظيرُ هذه المعرفة تَكَـوَّن لدى الغـرب عن العـرب منذ نـيّـفٍ وقرنين؛ منذ داهمت عساكرُه ديارَهم وأحكَمَتْ إداراتُه الاستعماريّة قبضتها على شعوبهم. ولقد خضعت هذه المعرفة لِمَا خضعتْ له الأولى من أحكام التّـطوّر فوجدتْ نفـسها، هي الأخرى، تـنـتـقـل من لحظة اكـتـشاف منظومات تلك المجتمعات العربـيّة الموطوءةُ أراضيها، واكتـشافِ اختلافها عن مألوف الغـرب، إلى لحظة العِلْم التّـفصيليّ بتلك المنظومات وقواعدِها المؤسِّسة. وسواء تعلّق الأمر في هذه الأخيرة بمعرفة المؤسّسة الكولونيالـيّـة وأجهزتها عـالَم الاجتماع العربيّ، الواقع تحت سيطرتها العسكريّـة والسّياسيّة، ومنظومات اعتـقاداته وعوائـده، أو تعلَّق بمعرفة النّخب الفـكريّة الغربـيّة - والمستشرقون في جملتها- ذلك العالَم وتراثَه الثّـقافيّ والدّينيّ وتاريخَه السّـياسيّ، فهي اتّسعـتْ نطاقـاً - في الحاليْـن - وتعـمّـقـت أكـثـر من ذي قـبـل نظراً إلى ما أتاحه الاتّصـالُ المباشر بعالم العرب والمسلميـن من إمكانـيّـات شتّى للوقـوف على كـثـيـرٍ ممّا كان محجوباً عن مجتمعات الغـرب ونُخبـه من ظواهـرَ ومعطيـات، في ما مضى، أو الوقوف على ما كـان العِلْـمُ به لا يُجـاوِز، في السّابـق، نطاق تمـثُّـلاتٍ شاحبةِ الملامـح.

من البيّـن، إذن، أنّ معـرفةً مّـا متبادَلـة بين العـرب والغـرب تكـوّنت خلال المائـتيْ عام المنصرمة لا تُوزَن بمكايـيل معارف الماضي ولا هي تُـقَـاسُ بتلك المعارف، لأنّها فاقـت في الحجم والمحتوى سابقاتها التي تكـوّنت لمئات السّـنين، بين العالميْـن، في الحقـبة التي سبقت بداية القرن التّـاسع عشر. بهذا المعنى، لا يصدُر الغربيّـون ولا العـرب عن ادّعاءٍ حين يزعُـمون لأنـفـسهم حيازةَ مثـل تلك المعرفة عن آخَـر كـلٍّ منهما. غـير أنّ السّؤال الأجدر بالمـقاربـة، في المعرض هـذا، ليس السّؤال الذي يستـقصي في شأن وجود هـذه المعرفة أو عـدم وجودها، بـل الذي ينصـرف إلى البحث في نـوع تلك المعرفة التي لدى فريـقٍ عن آخـر والميدان الذي تدور عليه وفيه. هكذا لا نستطيع أن نجيب، على نحـوٍ مقـنع، عن سـؤالٍ من قـبيل: هل نعرف بعضَـنا بعضَـا؟ إلاّ مـن طريق البحث في سؤالٍ أدقّ عن تلك المعرفـة: ماذا نعـرف عن بعـضنا بالتحـديـد؟

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: تلک المعرفة ذلک الع

إقرأ أيضاً:

في إطار دعم التميز المؤسسي.. د. خالد بن محمد اليوسف يوجّه بتشكيل لجنة للابتكار والإبداع وإدارة المعرفة بديوان المظالم

وجّه رئيس ديوان المظالم رئيس مجلس القضاء الإداري، د. خالد بن محمد اليوسف، بتشكيل لجنة للإبداع والابتكار وإدارة المعرفة بديوان المظالم، تقوم على دعم أفكار ومشاريع الإبداع والابتكار من منسوبي ودوائر وإدارات ديوان المظالم، وكل ما من شأنه تطوير أداء الأعمال وأدواته، وما يدعم ذلك من معرفة وعلوم وتدريب وتطوير.

وتتمثل مهام اللجنة المشكّلة من عددٍ من الكوادر القضائية والإدارية من أهل الخبرة والتأهيل الملائم في تبنّي منهجيات وأهداف الابتكار المختلفة، والاستفادة من كافة التقنيات والأفكار في تحسين قدرات وكفاءات وأعمال ديوان المظالم، ودراسة احتياجاته في ذلك، والتخطيط للمشاريع والمبادرات الابتكارية وما تتطلبه من معارف قبل البدء بتنفيذها.

كما ألزم القرار الذي وجّه به رئيس ديوان المظالم رئيس وأعضاء لجنة الإبداع والابتكار وإدارة المعرفة بالعمل على زيادة الوعي بأهمية وفرص الابتكار والإبداع، ونشر ما تستوجبه من ثقافة وتحفيز، وبحث ودراسة فرص العلاقات التشاركية والتعاون مع المنظمات ذات العلاقة بالابتكار الرقمي داخل المملكة وخارجها، فضلاً عما يستلزمه تشكيل اللجنة من تحديد وتحديث لبرامج ودراسات وأبحاث معارف الابتكار في ديوان المظالم، وعرضها بشكل دائم على إدارته العليا لتحقيق الإبداع والتميز المؤسسي، والوصول لبيئة قضائية، ترتقي بالأداء، وتواكب التطلعات.

مقالات مشابهة

  • «محمد بن راشد للمعرفة» تطلق أول دليل عالمي لمعايير «أيزو» المتكاملة
  • “محمد بن راشد للابتكار الحكومي” يرصد نماذج عالمية لاستخدامات التكنولوجيا في العمل الحكومي
  • رئيس جامعة أسيوط يشيد بدور متاحف الجامعة في نشر المعرفة
  • قطر غيت تثير شبهات إسرائيلية حول اختلاط الفساد السياسي بغياب الرقابة
  • رئيس جامعة أسيوط يعلن انضمام مجلة "حوار جنوب-جنوب" لقاعدة البيانات الرقمية
  • «دبي للثقافة» والمعهد القضائي يتعاونان في تعزيز المعرفة القانونية
  • في إطار دعم التميز المؤسسي.. د. خالد بن محمد اليوسف يوجّه بتشكيل لجنة للابتكار والإبداع وإدارة المعرفة بديوان المظالم
  • وزير الطوارئ: تشكيل الهيئة الوطنية للمفقودين تكريس لحق أسرهم في معرفة مصيرهم
  • مسؤول: النظام الإحصائي لمراكز السكري يستهدف معرفة التوزيع الجغرافي للمرضى
  • مكتبة جامعة نجران.. خدمات معرفية ورقمية متكاملة