رؤية فوق الخلافات: نحو وحدة وطنية لإنقاذ السودان من التقسيم
تاريخ النشر: 1st, December 2024 GMT
زهير عثمان
في ظل الحرب التي تمزق السودان، تصاعدت الخلافات بين القوى المدنية، حتى تلك التي تدعو لوقف الحرب. بدلاً من العمل معًا لتحقيق أهداف مشتركة، تبرز النقاشات على مواقع التواصل الاجتماعي وكأنها سجالات عقيمة مليئة بالتلاسن والسباب، مما يعكس غياب الانسجام بين الأطراف المدنية. ومع تنامي المخاطر التي تهدد وحدة السودان، يصبح من الضروري أن ترتقي هذه القوى فوق الخلافات وأن تتبنى رؤية موحدة لإنهاء الحرب ومنع تقسيم البلاد.
جذور الخلافات بين القوى المدنية
غياب الثقة المتبادلة: تعاني القوى المدنية من انعدام الثقة، حيث يُنظر إلى المبادرات الصادرة عن أي طرف بعين الشك والتخوين.
التأثيرات الخارجية: تتأثر بعض القوى بمواقف داعميها الإقليميين والدوليين، مما يعمق التباين في رؤاها السياسية.
تضارب الأجندات: بينما يركز البعض على التحول الديمقراطي، يرى آخرون ضرورة تحقيق العدالة الانتقالية أولاً، وهو ما يؤدي إلى تضارب الأولويات.
الانقسامات الإيديولوجية: تبرز الخلافات الإيديولوجية كعامل رئيسي في تعميق الشقاق بين القوى، حيث تتحول النقاشات إلى صراعات شخصية.
كيف تؤثر النقاشات العقيمة على المشهد الوطني؟
النقاشات التي تهيمن على مواقع التواصل الاجتماعي لا تقتصر على عرض الأفكار، بل تتحول إلى معارك لفظية تسيء للآخرين، مما يزيد من الاستقطاب والتباعد. هذا التلاسن العقيم يضعف فرص الوصول إلى توافقات سياسية، كما يعزز خطاب الكراهية الذي قد يهدد بتفكيك النسيج الاجتماعي.
رؤية فوق الخلافات: خارطة طريق لإنهاء الحرب
لحماية السودان من مخاطر التقسيم، يجب أن تتبنى القوى المدنية رؤية تسمو فوق الخلافات الضيقة. يمكن أن تستند هذه الرؤية إلى المبادئ التالية:
تعزيز الوحدة الوطنية
الاتفاق على أولوية وحدة السودان فوق كل الاعتبارات.
وقف التلاسن العلني والتركيز على القواسم المشتركة.
مبادرة شاملة للحوار الوطني
إطلاق حوار وطني يضم جميع الأطراف الفاعلة، بما في ذلك القوى المسلحة والمدنية، لضمان تمثيل شامل.
الاعتماد على وسطاء محايدين لضمان النزاهة في الحوار.
لابد من تحديد أهداف واضحة لإنهاء الحرب
وقف إطلاق النار كخطوة أولى.
تشكيل حكومة انتقالية ذات طابع مدني تدير المرحلة الحرجة.
وضع خطة للعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية.
إشراك الشعب في الحلول
توعية المجتمع بأهمية إنهاء الحرب عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي.
تقديم حلول تعكس احتياجات وتطلعات المواطنين، خاصة في المناطق المتضررة.
التعاون مع المجتمع الدولي
الاستفادة من الدعم الإقليمي والدولي بطريقة تحفظ السيادة الوطنية.
دعوة الأطراف الدولية للضغط على الجهات التي ترفض الحلول السلمية.
السمو فوق التخوين والمقاطعة
لإنجاح هذه الرؤية، يجب على القوى المدنية أن تتوقف عن تخوين بعضها البعض، وأن تركز على مسؤوليتها الوطنية. بدلاً من الانزلاق في النقاشات العقيمة، يمكنها تقديم نموذج جديد للعمل الجماعي يعكس تضحيات الشعب السوداني وآماله.
إن السودان يمر بلحظة حرجة تتطلب من القوى المدنية أن تكون على قدر المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقها. يجب أن تدرك هذه القوى أن استمرار الخلافات والصراعات اللفظية لا يؤدي سوى إلى تعميق الأزمة. وحدها الرؤية الموحدة والعمل المشترك يمكن أن ينقذ السودان من التقسيم ويعيد له الاستقرار. علينا أن نتجاوز النقاشات العقيمة ونعمل معًا من أجل وطن يستحق الأفضل.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: القوى المدنیة
إقرأ أيضاً:
التناقضات والمعايير المقلوبة في اعتذار مبارك الفاضل
*يستحيل لدولة مشهورة بشراء الولاءات، مثل الإمارات، ألا تعرض الشراء على مشهور بالبيع، مثل مبارك الفاضل، لكن مبارك هو الذي سبقها إلى عرض خدماته. وهو الأدرى ــ بسبب خبرته المتراكمة ــ بتأثير ذلك على المقابل الذي يمكن أن يحصل عليه. ولأن الاعتذار للإمارات، في هذه الحالة، هو قلب للأدوار، فلا بد أن ينبني على كثير من التناقضات وقلب الحقائق والمعايير*:
١. *أول معيار مقلوب هو أن يسعى مبارك الفاضل للاعتذار للإمارات، بدلاً من أن تسعى هي لشرح موقفها له وإقناعه بصحته، أو الاعتذار له إن كان هناك ما لم يقنعه ورأت أنه يوجب الاعتذار. وهو ما أغناها عنه مبارك تماماً!*
٢. *هرب من الواقع إلى التاريخ، فلم يتحدث عن الدور الإماراتي الحالي في الحرب، لا نفياً ولا إثباتاً، وقام بقلب المعيار، فبدلاً من أن تمنع “العلاقات التاريخية” العدوان ابتداءً، أو توقفه وتمنع التمادي فيه. تحدث بمنطق أن العلاقات التاريخية يجب أن تغفر العدوان، وكأنه لم يحدث، وكأنه ليس مستمراً، وكأن ضرره ليس أكبر من أي دعم سابق، وكأنه لا يزيد حكام الإمارات إلا احتراماً وتقديراً!*
٣. *قام بقلب الحقيقة حين قال إن هدفه من زيارة الإمارات هو ( هدم “الجدار الزائف” الذي عمد علي صناعته جناح الكيزان الذي يقوده علي كرتي لهدم العلاقة مع دولة الامارات الشقيقة). بينما الحقيقة هي أنه لا يوجد (جدار زائف). يوجد عدوان مستمر وتسبب في القتل والتشريد والدمار الهائل، والتعامي عن كل هذا لا يلغيه، ولا يعكس الحقيقة، بل يكشف حقيقة المتعامين!*
٤. *هذا العدوان كان مبارك نفسه، لشهور بعد الحرب، يعترف بوجوده، بل إنه لا زال يفرض نفسه عليه من حيث يريد أن يخفيه، فالملاحظ أن مجاملة الإمارات قد أثرت على اللغة التي استخدمها تجاه الميليشيا في التغريدات التي تحدثت عن الزيارة، فقد جعلتها لغة باردة وخالية من أي هجوم على الميليشيا. وهذا دليل على قناعته بدعم الإمارات للميليشيا، وبأن الهجوم على الأخيرة يغضبها، ويصعب مهمته في نيل الرضا والدعم الإماراتي!*
٥. *حاول تصوير تنازلاته الخاصة على أنها “مصالحة سودانية مع الإمارات”، بينما الحقيقة هي أنها مصالحة خاصة ذات دوافع خاصة، ولا أثر لها سوى إقناع الإمارات بإضافة مدافع جديد عن دورها في الحرب!*
٦. *”الجدار الزائف” الوحيد الذي “هدمته” زيارة مبارك الفاضل هو “جدار الوطنية” الذي أوهم الناس، لفترة، أنه موجود لديه، ويحول بينه وبين دعم العدوان، والتسامح أو التعايش معه، وتصويره كعدوان سوداني/ كيزاني على الإمارات!*
٧. *الرفض لهذا العدوان هو “رد فعل طبيعي”، ولم “يصنعه” أحد من الجانب السوداني كما زعم، بل صنعته الإمارات بعدوانها، وهذا الرفض هو رفض شعبي، ويشمل معظم القوى السياسية، ما عدا الموالية للإمارات والميليشيا، وليس خاصاً بجماعة واحدة كما أراد أن يصوره!*
٨. *حاول غسيل سمعة الإمارات وتقديمها كوسيط محايد بين السودانيين، لا كطرفٍ معتدٍ. وتبنى موقفها الهادف لشرعنة الميليشيا. وتجاهل عمداً أن الحرب قد امتدت فعلاً إلى غرب السودان منذ شهورها الأولى، ولذلك لا معنى لحديثه عن “رفض امتدادها” إليه، إلا إن كان المعنى هو “رفض اكتمال هزيمة الميليشيا”، ودعم الاستسلام لسيطرتها، والقبول بها ككرت تفاوضي بيدها وبيد راعيها!*
٩. *قبل مدة من الزيارة قال إن السودان لا يقوى على محاربة الإمارات، ولذلك على البرهان أن يذهب إلى الإمارات ويتفاوض معها لإيقاف الحرب، وهذا منطق مقلوب، يعتمد على دعوى ضعف السودان، وعلى ضرورة استسلام حكومته للواقع، والذهاب صاغرة إلى الإمارات للاستماع إلى شروطها لإيقاف الحرب، والتفاوض حول هذه الشروط، الأمر الذي يمثل شرعنة كاملة للدور الإماراتي السلبي في السودان، تضح الإمارات في الموقع الأعلى وحكومة السودان في الموقع الأدنى!*
١٠. *كما هو متوقع لم يطرح مبارك الفاضل إيقاف العدوان كحل مسنود بالقانون الدولي وبالمنطق، وطالب بالتفاوض، الأمر الذي يمثل درجة من درجات شرعنة العدوان، والقبول بفكرة وجوب أن تحصل الإمارات على مقابل لإيقاف عدوانها!*
١١. *تتقوى الإمارات على السودان وشعبه بمواقف مبارك الفاضل، ومن على شاكلته، وتصور الشعب السوداني كمؤيد وداعم لموقفها. وهذا لا يمثل مساهمة في إيقاف الحرب، بل يمثل مساعدة للمعتدي في الاستمرار في عدوانه، باعتبار أنه ليس عدواناً يدان!*
*بهذا الموقف يعود مبارك إلى “موقعه الطبيعي” الذي يشبه تاريخه، وطبيعة شخصيته. وهذا ليس مستغرباً من مبارك، بل المستغرب هو ألا يحدث!*
ابراهيم عثمان
إنضم لقناة النيلين على واتساب