سقوط نظام الأسد… وإرهاصات نظام شرق أوسطي جديد؟
تاريخ النشر: 16th, December 2024 GMT
بدأ بشار الأسد حكمه الدموي باستخفاف كلي بالشعب السوري بتعديل مجلس الشعب الدستور خلال دقائق ليتطابق مع سنه حينها. لم يعرف جيلان من الشعب السوري، حوالي 75 في المئة من الشعب سوى حكم البعث تحت حكم الوالد والولد، وقد تسبب حكمهما وخاصة بعد عسكرة الثورة السورية منذ عام 2011 ـ حسب احصائيات الأمم المتحدة بقتل أكثر من 600 ألف مدني وإجبار 6 ملايين سوري على اللجوء للخارج وأكثر من 7 ملايين سوري إلى النزوح داخل سوريا، بعد تدخل إيران وميليشياتها الطائفية منذ عام 2013 وخاصة حزب الله والميليشيات العراقية وميليشيات فاطميون وزينبيون الشيعية الباكستانية والأفغانية، وأعقب ذلك تدخل روسيا في الثورة السورية منذ عام 2015 ـ والمساهمة بقمع الثورة ـ وإطالة مأساة السوريين.
منح الأسد روسيا قاعدتي طرطوس البحرية وحميميم الجوية موطئ قدم الساحل السوري على البحر الأبيض المتوسط. وأدخل روسيا لمنطقة الشرق الأوسط من بوابة سوريا.
واليوم أولوية روسيا بعد سقوط وفرار الأسد وعائلته ومنح بوتين له اللجوء السياسي لأسباب إنسانية-الإبقاء على القاعدتين بالتفاوض مع حكم المعارضة والفصائل العسكرية المسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام التي اكتسحت ونجحت بعملية «ردع العدوان» العسكرية، على مدى 11 يوماً من السيطرة على مدن ومحافظات سوريا الرئيسية إدلب وحلب وحماة وحمص وفصل الشمال عن الجنوب والساحل عن البادية حتى وصلت الفصائل إلى دمشق من ريف دمشق الشمالي ومن ريف دمشق الجنوبي والشرقي من درعا إلى دمشق العاصمة ودخلتها فجر الثامن من ديسمبر، وسبق ذلك فرار بشار الأسد وسقوط نظامه إلى الأبد… وحسب تقرير لوكالة رويترز ـ «خدع الأسد الجميع من كبار المسؤولين والدائرة المقرّبة منه بمن فيهم مستشاروه وقادة الجيش».
واليوم يبرز مأزق حقيقي حول كيفية تعامل دول المنطقة والنظام العربي وجامعة الدول العربية وحتى القوى الغربية مع الوضع الجديد، خاصة أن إدارة ترامب السابقة صنفت هيئة تحرير الشام منظمة إرهابية أجنبية ـ وصنفت واشنطن أبو محمد الجولاني زعيم هيئة تحرير الشام الذي استخدم اسمه الحقيقي بعد سقوط نظام الأسد «أحمد حسين الشرع» ـ إرهابيا منذ عام 2013.
ووضعت إدارة ترامب فدية على رأسه بقيمة 10 ملايين دولار منذ عام 2018. برغم انتقال الشرع من تنظيم القاعدة ـ إلى تنظيم داعش، قبل أن ينشق عنها ويشكل ويقود «حركة تحرير الشام» التي قاتلت مقاتلي القاعدة وداعش في سوريا. واتهمت وزارة الخارجية الأمريكية عام 2020 هيئة تحرير الشام بارتكاب تجاوزات خطيرة بالتعدي على «الحريات الدينية» بالقتل والخطف وتجنيد قصّر داخل سوريا تخضع لسيطرتها».
والمعضلة اليوم كيف تتعامل إدارة بايدن والحلفاء الأوروبيون مع أحمد الشرع وحركته المصنفة منظمة إرهابية أجنبية. والملفت تلميحات الرئيس بايدن وإدارته ووزير الخارجية بلنكين ودول أوروبية وخاصة ألمانيا وبريطانيا على إعادة النظر بتصنيف هيئة تحرير الشام والشرع.
علّق الرئيس بايدن «وأخيراً سقط نظام الأسد» ـ ووصفها «باللحظة التاريخية المحفوفة بالمجهول على ما يمكن أن نشهده، لكننا سنتعامل مع القوى داخل سوريا ومع شركائنا وجيران سوريا». لكن ما يهم الولايات المتحدة وإسرائيل والغرب هو عدم عودة تنظيم داعش (شنت أمريكا بعد سقوط نظام الأسد 75 غارة على أهداف لداعش) وتدمير أسلحة الدمار الشامل السلاح الكيمياوي والبيولوجي ـ وتدمير قدرات القوات المسلحة والجيش السوري.
شنت إسرائيل أكثر من 500 غارة استباقية وعدوان وحشي، ودمرت سلاح الطيران والمضادات الأرضية السورية والأسطول البحري السوري ـ واحتلت المنطقة العازلة في جبل الشيخ داخل الأراضي السورية في اعتداء سافر على سيادة سوريا بعد احتلال الجولان وخرق لاتفاقية وقف إطلاق النار لعام 1974. وتأكيد وزير الدفاع الإسرائيلي بقاء جيشه في فصل الشتاء! برغم تأكيد نتنياهو وبلينكن أن الوجود الإسرائيلي (الاحتلال) مؤقت!
عيّن الشرع محمد البشير رئيسا لوزراء حكومة انتقالية لمدة ثلاثة أشهر وتعليق الدستور والبرلمان، والعمل على صياغة دستور جديد، وبذل الشرع وفصائله جهوداً واضحة ليغير الصورة النمطية عن التنظيم بربطه بالتطرف والإرهاب ـ برغم نجاح الفصائل السورية بقيادة «هيئة تحرير الشام» سياسة الاندماج وطمأنة الأقليات العلوية والمسيحيين وأنصار وحلفاء الأسد وأفراد وقيادات الجيش بتجنب الاعتداء والانتقام منهم بشكل ممنهج. مع التوعد بمحاكمة ومعاقبة من نكّلوا بالسوريين تحت حكم الأسد. استمرار ذلك النهج يرسّخ صورة إيجابية مطمئنة لمستقبل حكم سوريا الجديد.
لكن هناك من يشكك بمصداقية وواقعية حكم التنظيمات المسلحة المتشددة التي تصور بارتباطها بتنظيمات القاعدة وداعش والسعي لإفشال الثورة وحتى خطفها بثورة مضادة!
عدّد وزير الخارجية بلينكن شروط إدارة بايدن للتعامل مع الحكم السوري الجديد: احترام حقوق الأقليات، وعدم تحول سوريا لقاعدة لأنشطة التنظيمات الإرهابية، وعدم تهديد سوريا لجيرانها (إسرائيل) وتدمير مخزون أسلحة الدمار الشامل-كيمياوية وبيولوجية، وحماية الحلفاء الأكراد، وحراسة مخيمات معتقلي تنظيم داعش شمال شرق سوريا. وعدم تشكيل سوريا لجسر تنقل إيران سلاحها عبره لحزب الله في لبنان، وبقاء حوالي 900 عسكري أمريكي حول منشآت سوريا النفطية، وقد حاول الرئيس ترامب سحبهم مرتين في رئاسته الأولى.
لا شك أحدث القضاء على نظام الأسد زلزالا سياسيا بارتدادات، وانتكاسة لروسيا، وإيران ليكون عام 2024، الأكثر كارثية على إيران ومحورها. الواضح أننا نشهد تغيرا كبيرا في موازين القوى وتغير تحالفات إقليمية، وصعود قوى وتراجع قوى أخرى، وهذا يدفع إلى تشكيل نظام شرق أوسطي جديد ومختلف؟
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه سوريا روسيا الجولاني الولايات المتحدة سوريا الولايات المتحدة روسيا الجولاني سقوط الاسد مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة صحافة اقتصاد سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هیئة تحریر الشام نظام الأسد سقوط نظام منذ عام
إقرأ أيضاً:
سوريا ومحاولات الخروج من النفق المظلم.. والأطراف الرافضة لذلك!
كانت محاولات الثلة الحاكمة المُمثِلة للشعب السوري، والتي تصدرت عملية الإزاحة لحكم الأسرة العلوية الممتد منذ 54 عاما وحتى هروب "بشار الأسد" حاملا معه -كعادة اللصوص- ما خف وزنه وفحُش ثمنه في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، ولا تزال، للخروج من النفق المظلم؛ بمعالمه مثل الصراعات العِرقية والمذهبية مع التبعية المقيتة للقوى الدولية والإقليمية -دعك من الممانعة المكذوبة!!- وتبعية الأسد كانت لا من أجل الأمن القومي لسوريا، بل لضمان امتداد حكم الأسرة الجاثم على صدر الشعب السوري منذ حكم الأب "حافظ" عام 1970.
وحسنا فعلت حكومة "الشرع" التي قادت الثورة على دمشق قادمة من إدلب؛ بالشراكة الاستراتيجية المُوَفقة مع تركيا، تلك الجارة الكبيرة التي تُحسن إنجاح التفاهمات البينية التي تضمن مصلحة الدولتين، والمساعدة على دعم انطلاق سوريا الجديدة غير المُقيّدة بما ترغبه بعض القوى الإقليمية والدولية من الصراعات العِرقية والدينية، وقيد المطامع التي تُحرّك بعض قيادات الطوائف البارعة في الاختفاء خلف الطائفة التي تمثلها؛ لكنها في الحقيقة لا تسعى سوى لمصالح زعامتها وتدفئة حساباتها البنكية المدفوعة والمُحولة إليها من السيد الراعي -أو من أحد وكلائه الإقليميين-!..
وثمّة قوى إقليمية ودولية وأخرى محلية قد أزعجتها ما آلت إليه الأمور في سوريا الجديدة، والتي تعتبر -ولا شك- تهديدا لمصالحهم وتقويضا لأحلامها، بعدما عاشت هذه القوى هانئة بمصالحها في ظل حكم عائلة الأسد! وبديهي أن تنشط غرف العمليات من أجل إفساد التجربة وحمل الشعب السوري على الكفر بالحرية التي دفع ثمنها، ليعود إلى حظيرة الاستبداد خانعا مطأطئ الرأس كما حدث مع بعض الأقطار المجاورة!
ثمّة قوى إقليمية ودولية وأخرى محلية قد أزعجتها ما آلت إليه الأمور في سوريا الجديدة، والتي تعتبر -ولا شك- تهديدا لمصالحهم وتقويضا لأحلامها، بعدما عاشت هذه القوى هانئة بمصالحها في ظل حكم عائلة الأسد! وبديهي أن تنشط غرف العمليات من أجل إفساد التجربة وحمل الشعب السوري على الكفر بالحرية التي دفع ثمنها، ليعود إلى حظيرة الاستبداد خانعا مطأطئ الرأس كما حدث مع بعض الأقطار المجاورة
استنفار الأطراف الرافضة ضد الخروج السوري من النفق المظلم!
الكيان الصهيوني
ومن سواه يرفض كافة مظاهر الحرية لشعوبنا العربية؟! ومن سواه يكشف للمخدوعين الممانعة المكذوبة لنظام الأسد والحب الذي جمع الصهاينة بالنظام المخلوع؟! ومن سوى الصهاينة يفضحون الدور الكبير الذي قامت به عائلة الأسد في حماية أمن إسرائيل من خلال الجيش السوري العربي المُراقب للجولان والباطش بكل من تسول له نفس المساس بأمن إسرائيل؟!
وللعجب، فقد بلغ الكِبر مبلغه من الحكومة الائتلافية الحالية بقيادة "بنيامين نتنياهو" بحيث يصرّح غير واحد منهم، رغم فشلهم الذريع في القضاء على المقاومة وعجزهم عن استنقاذ أسراهم في غزة، بأنهم لن يسمحوا بأن تتوحد سوريا! وأن إسرائيل مستنفرة لتلبية دعوة زعيم الدروز في الأرض المحتلة "موفق طريف" لحماية الدروز في سوريا. وعليه فقد شن جيش الاحتلال هجوما متواصلا على القواعد العسكرية وعلى المدن السورية، بالتزامن مع بعض القلاقل التي قادتها مجموعات من الدروز السوريين، قريبة من الزعيم الديني "حكمت الهجري"، في بلدتي "جرمانا" و"صحنايا".
زعماء الطوائف السورية
من المعروف أن الأرض السورية معقدة التركيب ما بين عرب وكرد وتركمان، وسنة وشيعة ودروز، ومسلمين ومسيحيين، ومشكلة المشاكل ليست في تلك التباينات وحدها، بل في الزعامات التي تسيّر أمر هذه المكونات وهؤلاء -كما أسلفنا- لا يبالون بطوائفهم ولا أوطانهم، بل تغلبهم أحلامهم ومصالحهم الشخصية وعلاقاتهم الخارجية وأولى هذه الطوائف:
ممثلو الأكراد: "قسد" جنبا إلى جنب مع "بي كا كا"
ورغم أصالة الأكراد كأحد المكونات الرئيسة لبلادنا العربية والإسلامية، إلا أن هذين التنظيمين قد جنحا إلى مجموعة من التحالفات التي لا تضر بالأمن القومي السوري وحده، بل تضر بالأمن القومي العربي من أساسه؛ حينما نعلم حميمية العلاقة بينهما وبين دولة الكيان الصهيوني وخلفه أمريكا، وبديهي أن تتحرك تلك التنظيمات للحفاظ أولا على المكتسبات التي حققتها مستفيدة من ضعف قبضة النظام المخلوع ومباركته تحركها لتحقيق الهدف المنشود للنظام وللغرب معا؛ وهو أن تصبح تلك التنظيمات رأس حربة للنيل من وحدة تركيا وفصلها عن محيطها العربي والإسلامي، والقوى الغربية لا تريد أكثر من ذلك!
"طائفة الموحدين الدروز
على الثلة الحاكمة الاستعداد بالتحرك الاستباقي ضد كافة المؤامرات التي تحاك من قِبل الرافضين للخروج السوري من النفق المظلم
وهؤلاء في الشام (سوريا ولبنان وعرب 48 في الأرض المحتلة والأردن)، ولقد نجح الكيان في عزلهم عن محيطهم العربي وتعظيم انتمائهم للدولة العبرية وتجنيدهم دون سواهم من العرب في جيش الاحتلال، ولذا فقد أطلق "نتنياهو" بعض التصريحات لتبرير الاعتداء على سوريا لحماية الدروز السوريين. ولا يعني ذلك أن غالبية الدروز يدعمون ما ذهب إليه رئيس وزراء الكيان، ولقد تبرأ ممثلو الدروز في السويداء وإدلب وريف دمشق وعلى لسان زعيمهم الشيخ "حمود الحناوي"؛ من دعوة زعيم دروز الكيان وأعلنوا ولاءهم للدولة السورية على أكمل وجه.
فلول النظام السابق
وهؤلاء لا يدينون بدين وليست لديهم قيم يعيشون من أجلها سوى مصالحهم التي تكفلت بها الأنظمة التي عاشوا في أكنافها، ومن أجلها يبايعون الشيطان ويحرقون الأرض ويبيدون خضراءها إن تطلب الأمر ذلك! ولا تُجدي معهم أي لغة سوى والملاحقة لحماية البلاد والعباد والأعراض ومن أجل اتقاء شرورهم.
وثمة أطراف أخرى نذكرها في حديث آخر قد آلمها ضياع مكاسبها بإزاحة النظام العلوي عن حكم البلاد، وبانتزاع الشعب السوري حريته وكرامته بعد قرابة 6 عقود كاملة؛ عاش خلالها تحت العنف والقهر والإذلال المُتعمّد حتى يوم الثامن من كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وعلى الثلة الحاكمة الاستعداد بالتحرك الاستباقي ضد كافة المؤامرات التي تحاك من قِبل الرافضين للخروج السوري من النفق المظلم.