قال الشيخ الدكتور أحمد الحذيفي،  إمام وخطيب المسجد النبوي، إن هنالك نوعًا من الحبّ يتسنَّم مراتبَه ويعتلي منازلَه، لأنه يتسامى عن قيود المادّيّات والدنيويات، ويتعالى عن حدود الشهوات الدَّنِيّات.

حبّ الله تعالى

وأضاف " الحذيفي" خلال خطبة الجمعة الأولى من رجب اليوم من المسجد النبوي بالمدينة المنورة :  ولأنه يُفِيضُ ذلك الحبَّ المنهمرَ من القلب إلى مُبْدِع ذلك القلبِ وخالقِه، إنه حبّ الله تعالى وتقدّس، منوهًا بأن  الحبّ الصادق الذي يغمُرُ القلوبَ الشفيفةَ من أرَقّ المشاعر الإنسانيةِ وأرْقاها.

وتابع: وأصدقها وأنقاها، ولَكَمْ عبَّر البلغاء وحبَّر الفصحاء فيه من بدائع القولِ ومحاسنِ الكَلِم ما يحرِّك سواكنَ العاطفة ويستثير كوامنَ الشعور، مشيرًا إلى أن  محبة الله تعالى هي روح العبادة وحقيقتُها وسرُّها.

وأوضح أنه لا يستحقّ أحدٌ كمالَ ذلك الشعورِ وبذلَ منتهاه إلا أن يكون محبوبًا لذاته ومحبوبًا من كل وجه، وليس شيءٌ يُحَبّ لذاته ومن كل وجهٍ إلا اللهُ -جل وعز- وحده، فلذلك لا يستحق أحدٌ العبوديةَ ولا كمالَ المحبةِ سواه.

ونبه إلى أن الله تعالى هو الـمُسدي للنِّعَم على الحقيقة، والفاتح لأبوابها، والـمُوصِل لأسبابها، مشيرًا إلى أن النفوس الكريمة مجبولةٌ على حبّ مَن أحسن إليها، فكيف إذا كان هو الذي منه كلُّ إنعامٍ وإحسان.

أعلم الخلق بالله

واستشهد بقوله تعالى (هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ)، لافتًا إلى أن نبينا ـ عليه الصلاة والسلام ـ أعلمَ الخلق بالله، وأكملَهم عبوديةً لمولاه، كان أكثرَهم له استغفارًا وتوبةً وإنابة.

ودلل بما قال أبو هريرة: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: (والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة)، هذا وقد غفر له ربّه ما تقدم من ذنبه وما تأخر.

وأفاد بأنها المحبة الصادقة التي تترجم تلك العبودية الكاملة من ذلك النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه، فالمؤمن حين يتفكر في جليل صفات الله وجزيلِ مِنَنِه عليه يتعاظم في قلبه حبّه، حتى يكونَ الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما.

واستند لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ (ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، ومن أحبَّ عبدًا لا يحبه إلا لله عز وجل، ومن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار).

وأشار  إلى أن الحب الصادق لله يستلزم طاعةَ الله، وطاعةُ الله لا تكون إلا باتباع رسوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ فإذا اتبع المؤمن المحبّ لربه حبيبَ ربه ـ عليه الصلاة والسلام ـ فقد بشّره الله في كتابه ببشارتين: محبتِه سبحانه له، ومغفرتِه لذنوبه.

واستشهد بقوله جل شأنه (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، مبينًا أن هذا اليوم تُندب فيه كثرة الصلاة والسلام على خير الخلق وسيد الأنام.

وأوصى المسلمين بتقوى الله عز وجل، فهي ميزان الكرامة وسر الاستقامة، لقوله جل وعلا (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، والإكثار من الصلاة والسلام عليه، لتكون لكم قربة إلى الله وزلفى لديه، مستشهدًا بقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة عليّ).

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: خطيب المسجد النبوي خطبة الجمعة من المسجد النبوي إمام و خطيب المسجد النبوي حب الله تعالى المزيد

إقرأ أيضاً:

الحوقلة.. كنز من الجنة وحسن التوكل على الله

قال الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن أساس العلاقة بين الإنسان وبين الله: لا حول ولا قوة إلا بالله، التي تفيد حسن التوكل على الله، وأن تؤمن أنه لا يكون في كونه إلا ما أراد، فيحدث لك التسليم بأمر الله، سواء أكان أمرًا كونيًّا، فلا تهتز أمام المصائب والبلايا، أو أمرًا شرعيًّا، فلا بد عليك أن تطيع ربك، وأن ترضيه، وأن تعود إليه.

وأشار في بيانه قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}، إلى أننا إذا ظللنا على ما نحن عليه من غير تغيير، فإن الله لا يغير ما بنا، بل إنه سبحانه وتعالى يقول {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}، فلا بد أن نستجيب لرسول الله ﷺ ، وأن نتخذ منهاجه في التغيير، من حالٍ إلى حال؛ حتى نصلح أحوالنا، فينظر الله إلينا بنظر الرحمة، ويعيننا على أن نبدل حالنا إلى أحسن حال، ولا بد على المسلم أن يدرك مناهج التغيير، وليس إلى منهج واحد، والنبي ﷺ في التغيير يقول: «ابدأ بنفسك ثم بِمَنْ تعول»، ومجمل ما في السنة: ابدأ بنفسك، ثم بِمَنْ يليك، فلا بد أن تبدأ بنفسك، ثم لا تَنْسَ عائلتك وأسرتك، وهذا يجعل التربية والتعليم أساس التغيير، لابد علينا من الاهتمام بالتربية والتعليم، فكل شيء في حياتنا لا يتم تغييره، إلا من خلال التربية والتعليم.

رأس السنة الهجرية.. دار الإفتاء تستطلع غدا هلال المحرم لعام 1447دعاء للحبيب في السنة الهجرية الجديدة 1447.. يصلح حاله ويوسع رزقهحكم التهنئة برأس السنة الهجرية الجديدة .. دار الإفتاء تجيب

وأوضح: غَيِّر العلاقة بينك وبين الله، على أساس: لا حول ولا قوة إلا بالله، التي تؤدي بك إلى التوكل، فالتسليم، فالرضا عن الله سبحانه وتعالى، {رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}، فحينئذ ينظر إليك الله؛ بنظر التأييد، والمعونة، والعطاء، الله خلقك، وهو يحبك ويرحمك، وأرسل لك رحمة للعالمين، فالعلاقة بينك وبينه ليست مخيفة، بل هي مضيئة، منيرة، جميلة، الرهبة من الله من خلال حبه، وتعظيمه سبحانه وتعالى، فكن حيث ما أمرك الله.

وأكمل علي جمعة: العلاقة بينك وبين الله تحتاج إلى تغيير؛ لأن الإنسان ينسى، والذكر يجعلك قريبًا من الله، مستوعبًا لمعنى: لا حول ولا قوة إلا بالله، {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}، مردفا: نعم أمرنا بالذكر وبالتذكير، «لا يزال لسانك رطبًا بذكر الله»؛ حتى تتذكر أنه: لا حول ولا قوة إلا بالله، وأن الأمر ليس بيدك، ولا من علمك وقدرتك، افعل وتوكل على الله، سترى نفسك تنسى بعض هذا، فَذَكِّرها وتوكل على الله، ودائمًا قُلْ: لا حول ولا قوة إلا بالله، فإن رسول الله ﷺ يقول: «لا حول ولا قوة إلا بالله من كنوز العرش».

ولفت إلى معنى العرش قائلاً: أتدري ما العرش؟ إنه أكبر كائن خلقه الله، إن السماوات السبع على اتساعها، كحلقة في صحراء كبيرة، بالنسبة إلى العرش، العرش تخيل أنه أعظم مخلوق حجمًا وقيمةً، فيه كنز، فإذا فتحت هذا الكنز وجدته: لا حول ولا قوة إلا بالله.

وأوضح: بهذه الكلمة نستطيع أن نملك الدنيا، أن نملك حياتنا، أن نعرف كيف نسير؛ بلا متاهة، لا حول ولا قوة إلا بالله، ليست كلمات ترص بجوار بعضها البعض، بل هي منهج حياة، ومنهج تغيير، فهيا بنا نُغَيِّرُ، ما بيننا وبين الله، على حد: لا حول ولا قوة إلا بالله.

وتابع: هناك منهج بينك وبين الخلق، هذا المنهج مبني على العفو والصفح، {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ}، أمر في غاية الصعوبة، يحتاج إلى صبر، وإلى تجرع مرارة، كيف تعفو عَمَنْ آذاك، وكيف تعفو عَمَنْ اعتدى عليك، وكيف تتجاوز مَنْ وقف بلا مبرر، يشتمك ويسبك، وكيف لو أنه كان على الباطل، وأنت على الحق، وعلى الرغم من ذلك، فإن العفو والصفح، هو منهج النبيين والصديقين، والعفو والصفح، هو الذي ينبغي أن نتقدم به بيننا وبين الناس، وهو أمر عظيم يوقعنا في نزاع مع أنفسنا، ولكن في النهاية: الأمر لله ولرسوله، وكلام الله ورسوله على أعناقنا، وفوق رءوسنا.

وأكد علي جمعة أن العلاقة بينك وبين الخلق، يجب أن تبنى على الصفح، والعفو، والمغفرة؛ لأننا نحب أن يعفو الله عنا، وأن يغفر الله لنا، وأن يوفقنا، وأن ندخل في محل نظره سبحانه وتعالى، والعلاقة بينك وبين نفسك، مبناها ذكر الله، والنبي ﷺ يقول: «لا يزال لسانك رطبًا بذكر الله».

وأبان لا حول ولا قوة إلا بالله، والعفو والصفح، والاشتغال بالذكر، إن لم تكن مشتغلًا به، وإن كنت مشتغلًا فَدُمْ عليه، واستمر فيه، فإن الناس قد نسيت ذكر الله، ونسيت العفو والصفح، ونسيت لا حول ولا قوة إلا بالله، إذا فعلنا ذلك، وشعرنا بأن الله يقف معنا، ازداد إيماننا به، وازداد تعلقنا به، جل جلاله، وإذا رأى الله منا ذلك ازداد في التوسعة علينا، في حل أزماتنا، في أن يقينا الفتن ما ظهر منها وما بطن، في أن يمر بنا بسلام، من كل ضيق.

وشدد عضو هيئة كبار العلماء أنه إذا فعلنا ذلك، سنشعر بأننا خرجنا من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن نزاعها ونكدها وقدرها، إلى وسيع رحمة الله سبحانه وتعالى، فعلقوا قلوبكم بربكم، وأخلصوا دينكم له، تجدوا الدنيا أهون من جناح بعوضة.

طباعة شارك أساس العلاقة بين الإنسان وبين الله لا حول ولا قوة إلا بالله ذكر الله

مقالات مشابهة

  • مراكز ضيافة الأطفال بالمسجد النبوي.. بيئة آمنة ومثرية لأبناء ضيوف الرحمن والزوار
  • مراكز ضيافة الأطفال بالمسجد النبوي.. بيئة تعليمية آمنة وبرامج متخصصة
  • الحوقلة.. كنز من الجنة وحسن التوكل على الله
  • «شؤون الحرمين» تقدم خدمات شاملة ونوعية لكبار السن وذوي الإعاقة بالمسجد النبوي
  • حكم الخروج من المسجد بعد الأذان.. الإفتاء تجيب
  • حكم اختصار الصلاة على النبي عند الكتابة إلى (ص) أو (صلعم).. الإفتاء تجيب
  • أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • في المسجد
  • هل عدم الخشوع في الصلاة يبطلها ويجب إعادتها؟ اعرف آراء الفقهاء
  • كيف أحقق الخشوع في الصلاة؟ 5 خطوات تنهي على الوسواس