لا للحرب.. نعم لفرحٍ مُتبَّصِر
تاريخ النشر: 12th, January 2025 GMT
فائز السليك
مع دخولها إلى مدينة ود مدني، في شهر ديسمبر ٢٠٢٣ كنتُ قد كتبتُ هنا أنَّ قوات الدعم السريع خسرت سياسياً وأخلاقياً وانتصرت عسكرياً، وسبب الخسارة هو الانتهاكات الكبيرة لحقوق الإنسان التي ارتكبتها القوات في كل قرى الجزيرة، ولذلك كان من الطبيعي أن يفرح أهل الجزيرة بعد أن فقدت القوات المدينة، لأن من حق أي مواطن ومواطنة العودة إلى قريته أو مدينته ليعيش بأمان، ويمارس حياته الطبيعية مثلما كانت قبل اندلاع الحرب اللعينة.
يظلُّ موقفي ثابتاً هو رفض الحرب، دون التفاتة إلى أي محاولة للابتزاز أو التخويف، وقد يقول قائل لولا الحرب لما عادت مدينة، وبالحرب ستعود الخرطوم، لكني أقول لولا الحرب أيضاً لما قتل مئات الآلاف، ولما اضطَّر ملايين السودانيين للهروب من جحيم العبث، ولولا الحرب لما عاشوا بلا كرامة في ظل أسوأ الظروف كان داخل أو خارج البلاد.
وبعد ثلاثة أيام ستدخل الحرب شهرها الثاني والعشرين، فماذا كسبنا خلال تلك الفترة؟ بل كم خسرنا؟ وكم متوقعاً لنا أن نفقد خلال الفترات المقبلة من حرب العبث هذه؟ وهل من مشهد درامي وعبثي أكثر من أن يكون من استلم الجزيرة من الجيش، وسلمها إلى قوات الدعم السريع هو ذات الشخص الذي شارك أيضاً في تسليمها من الجيش إلى الدعم السريع؟
وهل من عبث أكثر من أن يطلق البعض على ذات الرجل صفة (خائن) ثم يطلقون عليه صفة (البطل؟) وهل من عبث أكثر من محاربة “مليشيات ” بواسطة مليشيات” والحديث عن ” تمرد الجنجويد” على الجيش؟ وهل يا ترى سوف يعود (البراء) بكل براءة إلى حضن الجيش، ثم يتفرغ لتلاوة القرآن الكريم، والدعوة في المساجد بعد انتهاء الحرب؟ وهل سيضع كيكل بندقيته، ويختار رعي الإبل في مناطق البطانة، والاستمتاع بالدوبيت وبأشعار الحردلو
الشم خوخت بردن ليالي الحرة
والبراق برق من منا جاب القرة
شوف عيني الصقير بي جناحو كفت الفرة
تلقاها أم خدود الليلة مرقت برة
وهل سوف يسلم مني أركو مناوي بندقيته إلى الجيش، ويحترف العمل السياسي، ويختار طريق التنافس السلمي بلا بندقية؟ وهل سيكون في السودان جيشٌ واحدٌ احترافيٌ يؤدي واجباته المقدسة في حماية تراب البلاد ودستورها الدائم؟ أم سوف يتسلل الأشرار من بين مفاصله ليمارسوا ذات العنف الممنهج ضد الخصوم السياسيين وعسكرة الحياة السياسية.
هذه مجرد تساؤلات أطرحها وسط أجواء الفرح، وفي غمرة الحماس، وقد لا تجد قبولاً لدى البعض، ولسوف تغضب آخرين من الذين لا يستخدمون عقولهم للتفكير، ويحفظون دون أن يفهموا ما حفظوه، وسوف تجدون بعضهم هنا في تعليقات لا تجادل ولا تحاور ولا تطرح تساؤلات، ولا تقدم أجوبة، لكنها تخرج ما لديها من “الثلاث ورقات” للشتم واللطم والفجور في الخصومة والشخصنة، واحتفظ هنا في حسابي ببعضهم ليقدموا نماذج من الشتَّامين، وفاقدي المنطق. لم تنه الحرب، لكن البديل في مثل هذه الأجواء سيكون عسكرةً للحياة، واستنساخ ” تجربة الدعم السريع” هذا إذا انتهت الحرب في كل السودان بما في ذلك دارفور.
فليفرح الناس إذا ما عادوا إلى بيوتهم، لأن ما فعلته قوات الدعم السريع لم يكن سهلاً، لكن وجهة نظري تدعو الناس في ذات الوقت أإلى “الفرح المتبصر”، وأن لا يسقطوا من التفكير أن سيناريو الحرب في حد ذاته كان القصد منه عسكرة الحياة وإعادة ترسيم المشهد السياسي بالدماء، ووضع كل السودانيين أمام خيارين. .الحرب أم العساكر؟ مع أن الحرب في حد ذاتها نسخة من العسكرة الشرسة والفاجرة.
الوسومفائز السليكالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
باحث أميركي يكشف تفاصيل مرعبة عن انتهاكات الدعم السريع في الفاشر والجنينة
كشف ناثانيال رايموند، المدير التنفيذي لمعمل البحوث الإنسانية بجامعة ييل الأميركية، شهادات مروّعة عن قصة سقوط مدينة الفاشر عاصمة إقليم دارفور بيد قوات الدعم السريع.
وذكر الباحث الأكاديمي أن شبكتهم الميدانية في الفاشر تواصلت معهم بعد السقوط مباشرة، وأبلغتهم في اليوم الأول أن 1200 من أفراد عائلاتهم وأصدقائهم قد قُتلوا من قِبَل الدعم السريع، ثم ارتفع الرقم إلى 10 آلاف خلال ساعات.
وبعد اليوم التالي -يضيف رايموند- "انقطعت الاتصالات تماما، ويرجح أنهم جميعا لقوا حتفهم".
تصريحات الأكاديمي الأميركي جاءت خلال ندوة أقيمت في كلية كينيدي بجامعة هارفارد لمناقشة تفاقم الأزمة في السودان حيث تخوض القوات المسلحة السودانية مواجهة مع قوات الدعم السريع.
بدأ رايموند بسرد كيفية استدعاء وحدته في بداية الحرب من قبل الحكومة الأميركية، في الوقت الذي كانت فيه الوحدة تعمل في أوكرانيا لصالح وزارة الخارجية.
وعندما اندلعت الحرب في السودان، تم جلبهم ليكونوا جزءا من فريق دعم مفاوضات جدة الأولى بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع خلال الأسابيع الأولى من الحرب.
كان دورهم -بحسب رايموند- يعتمد على تحليل صور أقمار صناعية عالية الدقة بهدف تزويد الولايات المتحدة والسعودية بمعلومات تساعد على تقييم الواقع الميداني.
وأشار إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي عرف بـ"إعلان جدة" انهار فورا تقريبا، وأن المجتمع الدولي نظر في ذلك الوقت إلى الصراع باعتباره مواجهة محصورة في الخرطوم وأم درمان.
لكن الواقع -يضيف رايموند- كان مختلفا تماما، إذ استغلت قوات الدعم السريع انشغال العالم بالقتال في العاصمة لتشن هجوما واسعا على شعب المساليت في مدينة الجنينة.
أكوام الجثثكشف ناثانيال رايموند أنهم كانوا أول جهة تؤكد للحكومة الأميركية مقتل والي غرب دارفور، خميس أبكر، وأنه قُتل بطريقة علنية عبر ذبحه، وهو ما أطلق شرارة موجة قتل من منزل إلى منزل استهدفت رجال وفتيان المساليت.
إعلانحصل الفريق على صور ميدانية مبكرة جدا لم تُنشر، وكانوا يقيسون عبرها أكوام الجثث التي تركتها قوات الدعم السريع في الشوارع، ويستخدمون تلك الأكوام كنقاط ملاحية لمتابعة خط سير القتل من الفضاء.
وأوضح أن متوسط طول جثث الفتيان كان حوالي 1.3 متر، وأن متوسط طول الرجال كان يظهر في الصور الفضائية على نحو يقارب مترين و30 سنتيمترا، ما يعكس فظاعة عدد الضحايا.
تابع رايموند قائلا إنهم لاحظوا إشارات حرارية عبر أجهزة استشعار وكالة الفضاء ناسا تشير إلى احتراق قرية سربا في الشمال، حيث كان الدعم السريع يهاجم القرى بأسلوب يشبه الضباع.
ويضيف "كانوا يدفعون السكان في اتجاه معين ثم يحاصرونهم من الاتجاه الآخر لتجري عمليات قتل جماعي عن قرب".
ومن خلال هذه المعطيات، قيّم الفريق أن قوات الدعم السريع كانت تستخدم القتال في العاصمة كغطاء لإكمال إبادة جماعية منهجية في دارفور، بدءا بالمساليت.
وذكر رايموند أنهم أرسلوا تحذيرا سريا للحكومة الأميركية وللبيت الأبيض ولمجلس الاستخبارات القومي بأن الفاشر ستكون الهدف المقبل على الأرجح، وقدّروا أن الهجوم سيبدأ بنهاية موسم الجفاف بين 2023 و2024.
كما أطلعوا مجلس الأمن الدولي في جلسة خاصة في يوليو/تموز 2023، أي قبل عامين ونصف العام من وقوع مذبحة الفاشر في 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
حصار طويلوأوضح أنهم راقبوا الحصار على الفاشر طوال 18 شهرا من الفضاء، وهو حصار أطول 3.5 مرات من حصار ستالينغراد، وأطول من حصار لينينغراد في الحرب العالمية الثانية.
وأشار إلى أن المدينة كانت تحت تصنيف المجاعة IPC5 لمدة 15 شهرا متواصلا، وهو رقم كارثي لا مثيل له تقريبا.
وبعد سقوط الفاشر، فرّ من استطاع الهرب إلى طويلة التي أصبحت الملاذ الأخير. أما من نجا، فقد كانوا في الغالب نساء وأطفالا غير مصحوبين، لأن المليشيا كانت تقتل الرجال والفتيان عند الحواجز الترابية.
كشف رايموند أيضا أن قوات الدعم السريع بنت جدارا ترابيا بارتفاع 9 أقدام يمتد 37 كيلومترا حول الفاشر، ما خلق ما سماه "صندوق قتل"، تم فيه حصر ما تبقى من الزغاوة داخل المدينة.
وبعد سقوط الفاشر، شاهد الفريق عبر الأقمار الصناعية آلاف الجثث بين عشية وضحاها في الشوارع، تظهر بأشكال منحنية على هيئة حروف "سي" (C) أو "جيه" (J) أو "إل" (L) نتيجة سقوط الضحايا فور إطلاق النار عليهم. كما ظهرت شاحنات تحمل مدافع ثقيلة، وظهرت بقع حمراء كبيرة على الأرض كانت عبارة عن دماء.