في هذا التّقرير، نتتبّع تأثير التغيّرات المناخيّة في إنتاج العسل بتونس، من خلال بيانات وشهادات مربّي النّحل وخبراء من الميدان؛ في ظل غياب استراتيجيّة حكومية واضحة لمواجهة هذا التحدّي.

نورة الطرابلسي، ذات الـ 45 سنة، تعمل مربّية نحل بمنطقة « البريج » بمحافظة نابل في تونس؛ تشقّ طريقها لتتفقّد خلايا النّحل، غير عابئة بحرارة شمس ذلك اليوم، أو لسعات النّحل التي قد تتسلّل رغم احتياطاتها.

تعاين كل خليّة على حدة، وتراقب نشاط « أبنائها » كما تحبّ أن تناديها وتتغزّل بملكاتها. يسود الصّمت المكان، لا يخرقه سوى حفيف صوت أشجار « الكالاتوس » تحت جبل قربص، وصوت « الوروار »، « الميمون » باللّهجة التّونسية، الذي يحوم حول خلايا النّحل متصيداً بعضها.

تحكي دامعة عن شغفها بتربية النّحل، ونفوق العديد من الخلايا رغم عنايتها المستمرّة بها. بدأت نورة تشعر بتهديد مباشر لاستدامة عملها مربّية نحل. تضيف قائلة: « الوضع لم يعد كما كان منذ عام 2016… لم تعد هناك أمطار (كما كانت سابقاً) وارتفعت درجات الحرارة أكثر من العادة ».

في هذا التّقرير، نتتبّع تأثير التغيّرات المناخيّة على إنتاج العسل في تونس، من خلال بيانات وشهادات مربّي النّحل وخبراء من الميدان؛ في ظل غياب استراتيجيّة حكومية واضحة لمواجهة هذا التحدّي.

يشكّل قطاع تربية النّحل في تونس مصدر دخل للعديد من العائلات في المناطق الرّيفيّة، وخاصّة النّساء. ويتراوح عدد مربّي النّحل في تونس، خلال الفترة من 2011 إلى 2023، ما بين 11 ألفاً إلى 13 ألف مربّي.

وبحسب ديوان تربية الماشية، فإنّ 75 في المئة من هذا العدد هم من صغار المربّين المالكين لأقل من 50 خليّة، مضيفاً أن وزارة الإشراف لم تستكمل بعد عمليّة الإحصاء، وأن كل الأعداد المتوفّرة ما هي إلا تقديرات.

قطيع غير مستقرّ بسبب التغيّرات المناخيّة

تنقسم تربية النّحل إلى قطاعين، قطاع « تقليدي » في « أجباح »، ينتشر في أغلب أرياف تونس؛ في الجبال والغابات. وبسبب تقنياته القديمة، وضعف الرعاية الطبية، إلى جانب ضعف الإنتاجية السّنويّة، تذبذبت أعداد الخلايا؛ فتارة تتراجع، وتارة أخرى تزداد بنسب ضئيلة، خلال الفترة من 2014 إلى 2023.

والثاني القطاع « العصري » الذي يمتاز بسهولة التعامل معه، وهو خاضع للترحيل، يوجد في بيوت خشبيّة، لكنّه يتطلّب تمويلات باهضة. وقد اتّسم بتذبذب أعداد القطيع بسبب عدة عوامل، خلال الفترة من 2014 إلى 2023.

تتركّز تربية النّحل بالأساس في الشّمال الغربي بمحافظة بنزرت في غابات « الكلاتوس » بسجنان. كما تتركز أيضاً في الشّمال الشرقي بمحافظة نابل في مزارع التّوابل وغراسات القوارص، ومحافظة زغوان في غابات الزّعتر، وفي الوسط التّونسي في ولاية القصرين بغابات إكليل الجبل، وفي الوسلاتيّة بمحافظة القيروان.

سجّلت نسب إنتاج العسل في تونس تراجعاً إجمالياً خلال السّنوات الأخيرة، بلغ 15 في المئة، فبعد أن كان إجمالي الإنتاج ألفين و500 طن سنة 2020، بلغ نحو ألفين و135 طناً سنة 2023. واجه مربّو النّحل خلال هذه الفترة عدة صعوبات، خاصّة في ترحيل الخلايا وترويج منتجاتهم؛ ما دفع مربّين كثر إلى التركيز على إنتاج فروخ النّحل عوضاً عن إنتاج العسل.

بحرقة تقص نورة الطرابلسي فقدانها الكثير من النّحل، مثلها مثل غيرها من المربين: « الناس جميعاً يعانون من فقدان النّحل، فعندما لا تجد النّحلة المرعى، ولا مصدر إطعام صغارها، تقتلهم وتغادر… أضعت الكثير من النّحل السنة الماضية في حقول الزّعتر بسبب ارتفاع درجات الحرارة، مات الكثير منها ».

تواصل نورة الطّرابلسي حديثها عن خصائص العسل التّونسي، الذي تتعب من أجل تحصيله؛ لكنّها في المقابل لا تجد مسلكاً لتوزيعه.

ويتأثّر النّحل بالمناخ المحيط به؛ فواقع سلوك النّحل داخل الخليّة وخارجها مرتبط بالعناصر المناخيّة، فضلا عن تأثير عناصر المناخ في العمليّات الحيويّة للنّبات، كالتمثيل الضوئي والامتصاص والنّمو والإزهار.

كواحدة من دول منطقة البحر الأبيض المتوسّط، التي تعدّ من أكثر المناطق عرضة للتغيّرات المناخيّة؛ واجهت تونس جملة من الظّواهر الطّبيعيّة غير المألوفة، منها انخفاض كميات الأمطار. وبحسب تقرير المناخ والتنمية الخاص بتونس، الذي أعدّه البنك الدولي، فإن تأثير هذه التغيرات بدأ فعلياً يتجلى، من خلال الخسائر التي مُني بها القطاع الفلاحيّ بعد سنوات عجاف، اتسمت بقسوة الجفاف وانخفاض كبير في الإنتاج، خلال الفترة الممتدة من 2022 إلى 2023.

وأقرّ المرصد الوطني للفلاحة في تقريره الصادر في كانون الثاني/يناير 2024، أن العجز في كميات الأمطار المُسجّلة خلال الفترة من شتنبر 2023 إلى يناير 2024، تراوحت بين 19 في المئة و58 في المئة؛ ما أثر في المخزون المائي للسدود، بعد فقدانها نحو 45 في المئة من مخزونها منذ عام 2019 إلى بداية عام 2022.

يقول الخبير في تربية النّحل، عباس الزرلّي، إن خلايا النّحل عانت كثيراً نتيجة ارتفاع درجات الحرارة؛ إذ وصلت حدود 45 درجة مئوية، وأدّى الجفاف إلى تأثر حبوب اللقاح، وتغير سلوك النّحل، فأصبح يقضي وقتاً أطول في جمع الماء لتبريد الخلايا، بدلاً من جمع الرّحيق لتغذية اليرقات والخليّة، ما يتسبّب -حسب قوله- في نقص الإنتاج بنسبة 20 إلى 30 في المئة.

ووفقاً لبحث قُدّم في المؤتمر التاسع لاتحاد النّحالين العرب بدمشق عام 2016، فإن درجات الحرارة المرتفعة تؤثر مباشرة في نشاط النّحل، الذي يعمل للحفاظ على درجة حرارة مستقرّة داخل الخلية بين 35° و37°، لضمان التبييض ونمو اليرقات. وعند تجاوز حرارة الطقس 38 درجة، فإن النّحل نادراً ما يَسْرح في الحقل، إلا لجمع الماء.

يؤكد رشاد الخمير، أحد مربّي النّحل من محافظة نابل، تراجع محصول الخليّة الواحدة تحت تأثير ارتفاع درجات الحرارة؛ ما اضطرهم إلى إنقاص حجم الصندوق الخشبيّ المُستخدم، لأن المناخ غير مناسب والرحيق غير متوفّر؛ وهي طريقة لتيسير عمل النّحلة وعدم إجهادها، وفق قوله.

سجّلت مدينة بنزرت أرقاماً قياسية في درجات الحرارة، بلغت في شهر آب/أغسطس عام 2021 نحو 48.9 درجة مئوية، كما سجّلت 48.6 في شهر تموز/يوليو 2023؛ ما يفسر تراجع إنتاج العسل بالولاية، بنسبة بلغت نحو 59 في المئة، خلال الفترة من عام 2018 إلى 2022.

إنتاج العسل في محافظة بنزرت 2018-2022

يرى الخبير في تربية النّحل، عباس الزرلّي، أن الغابات هي المكان الطبيعي لتربية النّحل، ولكن لم يتبقَ منها شيء، وفق تعبيره، خاصة في السنوات العشر الأخيرة؛ بسبب الحرائق التي أدت في النهاية إلى نقص الإنتاج.

في المقابل، تراجعت المساحات الغابيّة في تونس بسبب الحرائق، حيث فقدت تونس نحو 25807,624 هكتاراً من الغابات عام 2021، كأكبر حصيلة منذ عام 2002، وبنسبة زيادة قدّرت بألفين و308 في المئة.

وتعدّ محافظة بنزرت قبلة لمربّي النّحل؛ يتجهون إليها طمعاً فيما توفّره غابات « الكالاتوس » من غذاء النّحل بمدينة سجنان، التي تصدّرت إنتاج العسل بـ 32 طنّاً عام 2022، غير أنها تعرضت لحرائق متكرّرة، ما جعلها تحتل المرتبة الأولى على مستوى المحافظة في المساحات الغابيّة المحترقة؛ حيث سجّلت بين عامي 2001 و2023 أكبر خسارة في الغطاء الشجريّ بمساحة 5.92 ألف هكتار.

وقد أثر انتشار المبيدات والأدوية الفلاحيّة في قطعان النّحل ومنتجاته؛ بسبب تسرّب المبيدات الزراعية إلى داخل الخلايا، إما عن طريق الرياح أو أثناء جمع النّحل لرحيق ملوّث؛ فيُصاب النّحل بالتسمّم ويموت قبل عودته إلى الخليّة. وقد ينجح في نقل الرّحيق الملوّث وتخزينه في الخليّة؛ ما يؤدّي إلى تلوّث واسع النطاق.

يصف رشاد الخمير، أحد مربّي النّحل في محافظة نابل، طريقة الري المعاصرة، أو ما يعرف بالرّي بالتنقيط، « بالكارثة والمصيبة »؛ لأنها سبب مباشر في نفوق الكثير من النّحل لما تنقله من ماء ملوّث بالأدوية والمبيدات الفلاحية، على حدّ تعبيره.

ويضيف أن النّحل يحتاج إلى مياه كثيرة طوال اليوم، ونظراً لحالات الجفاف فقد قلّت مياه الأنهار والمستنقعات؛ لذلك يتوجه النحل إلى أنابيب المياه المُذاب بها المبيدات والأدوية الفلاحيّة، التي يستخدمها الفلاّح في ري مزروعاته، وبالتالي تموت النّحلة مباشرة بمجرّد شربها الماء الملوّث.

محافظة بنزرت ليست وحدها التي عانت ولا تزال من وطأة التغيّرات المناخيّة؛ إذ تتكدّس خلايا النّحل في فصل التّوابل بمحافظة نابل، ويدخل المنطقة أكثر من عشرين ألف بيت عصريّ؛ نظراً لما توفّره المحافظة من نباتات رعويّة على غرار غراسات القوارص والكروم، ومساحات التّوابل، والمناطق الغابيّة التي تمثّل مصدراً مهماً لتربية النّحل.

غير أنّ ارتفاع درجات الحرارة وزيادة البرودة، تسبّبتا منذ عقدين تقريباً، في انخفاض معدّل إنتاج العسل للبيت العصريّ بين خمسة إلى ستة كيلوغرامات للخليّة الواحدة عام 2023.

تسبّبت التغيّرات المناخيّة، وفق المهندس الزّراعيّ عبّاس الزرلّي، في تكاثر الأمراض والطفيليّات والآفات، مثل قراد النّحل (varroa). وقد أشار التّقرير السّنوي للمندوبية الجهويّة للتنمية الفلاحيّة بنابل إلى أنّ غياب الأدوية المضادة لمرض « القراد » دفع بالمربين إلى استعمال مبيدات فلاحيّة ضارة بخلايا النّحل، كما أنّ زراعة البذور المُحوَّرة جينيّاً في بعض الحقول أدت إلى إضعاف جهاز المناعة لدى النّحل الذي يرعى أزهارها.

وكان المهندس الأول بديوان تربية الماشية وتوفير المرعى، حسّان بن سالم، قد لفت -في تصريح إعلامي في ماي 2024- إلى أن تدهور الإمكانيّات الوراثيّة لسلالة النّحل التّونسية من بين أهم عوامل تراجع معدلات إنتاج العسل في البلاد.

يُمثّل قطاع تربية النّحل أهمّية بالغة في النّظم البيئيّة؛ فوفق منظمة الأغذية العالمية تعتمد 90 في المئة من النباتات المزهرة، وأكثر من 75 في المئة من المحاصيل الغذائيّة، على عمليات التلقيح التي لا غنى عنها، ويقوم بها النّحل وغيره من الملقّحات.

جودة عالية وارتفاع في الأسعار

يلفت عضو الجامعة الوطنيّة لمربّي النّحل مراد الشّمّاخي، في تصريح للإذاعة الوطنيّة، إلى أنّ تكلفة الكيلوغرام الواحد من العسل وصلت نحو مئة دينار، ما أدى إلى ارتفاع سعره للمستهلك.

الجدير بالذكر أنّ الدولة تستورد كميات كبيرة من العسل من عدة دول، تتصدّرها مصر، ثمّ فرنسا وإسبانيا. وقد بلغت تكلفة الاستيراد أكثر من ثلاثة ملايين دينار عام 2023، وبزيادة قدرها 32 في المئة مقارنة بعام 2022.

تهديد لاستدامة القطاع

ومع تواتر سنوات الجفاف، بات تأثير التغيرات المناخيّة على مربي النّحل حقيقة ملموسة. ورغم أهميته من الناحية الاقتصاديّة والبيئيّة، فقد تُركوا بمفردهم في غياب استراتيجيات واضحة للتّعامل مع تأثير التّغيّرات المناخيّة. تقول نورة الطّرابلسي: « نحن لا نأخذ شيئاً من الدّولة، هم لا يعطونا لا معلومات ولا دعماً مادياً ». ودعت الدولة إلى الاعتناء بصغار المربّين الذين يعانون وطأة التغيرات المناخيّة.

من جانبه يؤكّد رشاد الخمير، أحد مربّي النّحل في محافظة نابل، الاعتناء بخلايا نّحله بمفرده، في ظل غياب « اهتمام الدّولة »، على حد وصفه.

في المقابل حاولنا الاتصال بسلطة الإشراف، ممثّلة بالديوان الوطني لتربية الماشية وتوفير المرعى، من أجل التعرف أكثر إلى الاستراتيجيّة الوطنيّة والمجهودات المرصودة لدعم القطاع؛ لكنّ لم نتلقَ أيّ رد على مطالبنا المتكرّرة.

تدابير الإنقاذ لاستدامة القطاع

لعلّ ما لمسناه من تعلّق نورة بمهنتها مربية نحل، وشعورها بالعجز أمام ما أحدثته التغيرات المناخيّة من تأثير على القطاع وغياب الإرشاد الفلاحيّ، دفعها للتساؤل عن المصير الذي ينتظرها في ظل هذه الظروف الصعبة.

من أجل توفير الغذاء الكافي للنّحل، واستمرار القطاع كمورد رزق للعديد من العائلات المهمّشة، يقترح المهندس الزّراعيّ عبّاس الزرلّي، حلولاً بغرض التكيّف؛ إذ دعا إلى إعادة تشجير المساحات الغابيّة المحترقة وحراستها، واستغلال الأراضي الدوليّة الممتدة في كل مكان وتشجيرها، من أجل توفير المرعى وتنويع مصادر الرحيق.

كما دعا الدولة إلى دعم صغار النحالين وإرشادهم للتكيف مع الظروف المُناخيّة؛ وذلك بتفعيل برامج الإرشاد والإحاطة والدورات التكوينيّة، إلى جانب وضع سياسة خاصّة بمناطق تربية النّحل، تشجع بها المزارعين على ترشيد استخدام الأدوية والمبيدات، وزيادة زراعة النباتات المزهرة المقاومة للجفاف.

تواصل نورة عملها بكل شغف، من أجل الحفاظ على ما تبقى لها من خلايا نحل، منتظرة دعم الدولة في إيجاد حلول عاجلة؛ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

أنجز هذا التقرير بدعم من أريج

المصدر: اليوم 24

كلمات دلالية: ارتفاع درجات الحرارة إنتاج العسل فی خلال الفترة من التغیرات الم فی المئة من الکثیر من الغابی ة هذا الت أکثر من فی تونس من الن من أجل إلى أن إلى 2023

إقرأ أيضاً:

مصير قاتم ينتظر العالم في ظل التغير المناخي الحاصل

#سواليف

كشفت دراسة جديدة أن نحو 40% من #الأنهار_الجليدية الموجودة اليوم محكوم عليها بالذوبان بسبب انبعاثات الوقود الأحفوري المسببة للاحتباس الحراري.

ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 75% إذا وصل ارتفاع درجة #حرارة_الأرض إلى 2.7 درجة مئوية، وهو المسار الحالي للعالم.

وحذر الباحثون من أن الخسارة الهائلة للجليد ستؤدي إلى ارتفاع منسوب #مياه_البحار، ما يعرض ملايين الأشخاص للخطر ويزيد من موجات الهجرة الجماعية، كما سيؤثر بشكل كبير على المليارات الذين يعتمدون على الأنهار الجليدية في تنظيم موارد المياه اللازمة للزراعة.

مقالات ذات صلة انقلاب شاحنة يتسبب بفرار 250 مليون نحلة من خلاياها 2025/06/02

ومع ذلك، فإن خفض الانبعاثات الكربونية والحد من ارتفاع درجة الحرارة عند 1.5 درجة مئوية، كما هو متفق عليه دوليا، يمكن أن ينقذ نصف كمية الجليد المتبقية. ورغم أن تحقيق هذا الهدف يبدو بعيد المنال مع استمرار ارتفاع الانبعاثات، إلا أن العلماء أكدوا أن كل جزء من الدرجة المئوية يتم تجنبه سيوفر 2.7 تريليون طن من الجليد.

وأظهرت الدراسة أن الأنهار الجليدية في غرب الولايات المتحدة وكندا من بين الأكثر تضررا، حيث أن 75% منها محكوم عليها بالفناء. أما الأنهار الجليدية في جبال هندوكوش وكراكورام المرتفعة والباردة، فهي أكثر مقاومة، لكنها ستتقلص بشكل كبير مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة العالمية.

واعتمدت هذه الدراسة على نمذجة متطورة لمسار 200 ألف نهر جليدي حول العالم، باستثناء غرينلاند وأنتاركتيكا. واستخدم الباحثون ثمانية نماذج محاكاة مختلفة، تم معايرتها بدقة باستخدام بيانات واقعية، لتتبع مصير هذه الكتل الجليدية العملاقة تحت سيناريوهات مناخية متباينة.

وما يثير القلق أن الخسائر الجليدية لن تقتصر على القرن الحالي، بل ستستمر لآلاف السنين حتى لو توقف #الاحتباس_الحراري اليوم. وهذا التأخر الزمني الكبير بين سبب الذوبان ونتائجه الكاملة يجعل من الأنهار الجليدية مؤشرا فريدا على عمق الأزمة المناخية التي نواجهها.

وأوضح الدكتور هاري زيكولاري، أحد قادة الفريق البحثي، أن “كل جزء من الدرجة المئوية التي نتمكن من تجنبها ستنقذ مليارات الأطنان من الجليد”. وهذه الحقيقة العلمية تضع البشرية أمام مسؤولية أخلاقية، حيث أن القرارات التي نتخذها اليوم ستحدد شكل العالم الذي سيعيش فيه أحفادنا بعد قرون.

وكان معروفا سابقا أن 20% من الأنهار الجليدية ستختفي بحلول عام 2100، لكن النظرة طويلة الأجل كشفت أن 39% من الجليد العالمي قد حكم عليه بالفناء بالفعل. وتمتد العواقب المتوقعة لهذا الذوبان الجليدي إلى مختلف مناحي الحياة. فبالإضافة إلى مساهمته في ارتفاع منسوب مياه البحار، سيتسبب اختفاء الأنهار الجليدية في اضطراب الأنظمة البيئية، وزيادة مخاطر انهيار البحيرات الجليدية، وتأثيرات خطيرة على المجتمعات التي تعتمد على هذه المصادر المائية للزراعة والشرب.

وفي هذا السياق، تحذر الدكتورة ليليان شوستر من جامعة إنسبروك من أن “ما نراه اليوم من تراجع للأنهار الجليدية هو مجرد بداية لقصة أطول بكثير”. وتضيف أن “الأنظمة الجليدية تتأخر في استجابتها للتغير المناخي، ما يعني أن الأسوأ لم يأت بعد”.

ورغم هذه الصورة القاتمة، تترك الدراسة باب الأمل مفتوحا. فبحسب النماذج، يمكن لالتزام العالم بحدود اتفاقية باريس للمناخ (1.5 درجة مئوية) أن ينقذ نصف كمية الجليد المهددة. هذا الهدف الذي يبدو بعيد المنال في ظل المسار الحالي، يبقى ممكنا مع الإرادة السياسية والتحول الجذري في سياسات الطاقة.

ويلخص البروفيسور أندرو شيبرد من جامعة نورثمبريا الموقف بقوله: “نحن أمام خيارين: إما أن نستمر في مسارنا الحالي لنشهد اختفاء معظم الأنهار الجليدية خلال القرون القادمة، أو نتحرك الآن لإنقاذ جزء مهم من هذا التراث الطبيعي”.

ومع انعقاد المؤتمر الدولي رفيع المستوى لحماية الأنهار الجليدية في طاجيكستان، تبرز هذه الدراسة كنداء استغاثة عاجل للبشرية. فمصير هذه العمالقة الجليدية، التي صمدت لعصور جيولوجية، أصبح الآن بين أيدينا.

مقالات مشابهة

  • المنتخب المغربي يواصل تحضيراته بمركب محمد السادس استعدادا لمواجهة تونس
  • تركيا.. التضخم يواصل الارتفاع خلال شهر مايو
  • النفط يرتفع 1% بدعم مخاوف تأثير التوترات الجيوسياسية على الإمدادات
  • فيبي فوزي: الحكومة نجحت في اتخاذ خطوات فعالة لمواجهة تداعيات التغيرات المناخية
  • كاتب بريطاني: أخيرا ها هو بوتين يتجرع مرارة ما فعله
  • مصير قاتم ينتظر العالم في ظل التغير المناخي الحاصل
  • الإنتر يشعر بالفخر رغم مرارة السقوط أمام سان جيرمان في نهائي الأبطال!
  • الركراكي يفضل التناوب بين بونو والمحمدي على حراسة المرمى خلال مباراتي تونس والبنين
  • الكوليرا في اليمن.. بدون إجراءات عاجلة ستُزهق المزيد من الأرواح
  • 139 كاتبا ومبدعا يتنافسون على الجائزة العربية لأدب الطفل في تونس