وزير الأوقاف: التجديد والفتوى والاجتهاد آليات الإسلام للتفاعل مع العصر
تاريخ النشر: 5th, February 2025 GMT
شارك الأستاذ الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف - رئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، في ندوة بجناح دار الإفتاء المصرية في معرض القاهرة الدولي للكتاب تحت عنوان "الفتوى والشأن العام" ، بدعوة كريمة من الأستاذ الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية ونخبة من المفكرين والعلماء، من بينهم: الأستاذ الدكتور مصطفى الفقي، المفكر السياسي؛ والأستاذ الدكتور عبد الله النجار، عضو مجمع البحوث الإسلامية.
هدفت الندوة إلى مناقشة أهمية الفتوى في ضبط مسار المجتمع، والحفاظ على التوازن الفكري والديني، وضرورة الالتزام بالضوابط الشرعية في تناولها إعلاميًا، واستشراف مستقبل الفتوى في ظل التطورات التكنولوجية والاجتماعية والاقتصادية.
وقد استهل الأستاذ الدكتور أسامة الأزهري كلمته بتأكيد أن الانتماء الوطني يأتي في مقدمة دوائر الانتماء، يليه الانتماء إلى العروبة، ثم إلى الإسلام، مشيرًا إلى أن هذا الترتيب هو المدخل الصحيح لخدمة الإسلام، إذ لا يمكن أن تُخدم الشريعة على أنقاض أوطان منهارة.
كما أشار إلى أن معرض القاهرة الدولي للكتاب يُعد ملتقىً للعقول والمفكرين من مختلف أنحاء العالم، إذ تقوم مصر من خلاله برسالتها العلمية والمعرفية.
وأوضح أن الإسلام يتفاعل مع الواقع والمستجدات عبر آليات ثلاث:
١. التجديد: الذي تُبعث به روح الإسلام وفق متطلبات العصر، مستشهدًا بحديث النبي ﷺ: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها".
٢. الاجتهاد الفقهي: وهو استنباط الأحكام الفقهية وفق معطيات الواقع.
٣. الفتوى: التي توجه الأفراد والمجتمعات وفق الضوابط الشرعية.
وأكد وزير الأوقاف أن التجديد هو أوسع هذه الدوائر، بينما يركز الاجتهاد على القضايا الفقهية، والفتوى تعد حلقة الوصل بينهما لتلبية احتياجات المسلمين المعاصرين، مشددًا على أن العالِم بحق هو الذي يدرك طبيعة العصر وتحدياته وتعقيداته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ليصدر الفتوى بمنهج علمي يحقق التوازن، ويحفظ الأوطان، ويضيء العقول.
كما أكد الوزير أن الفتوى التي تتعلق بالشأن العام يجب أن تقتصر على المؤسسات العلمية المعتمدة، نظرًا لتشابكها مع قضايا الدولة والمجتمع، مشددًا على ضرورة إصدار تشريع قانوني يحدد الجهات المخولة بإصدار الفتاوى العامة، حفاظًا على استقرار المجتمعات وصيانة الشريعة.
وفي كلمته، أشار الأستاذ الدكتور أشار نظير عياد إلى أن الفتوى المتعلقة بالشأن العام تختلف عن الفتاوى الشخصية، إذ يجب مراعاة المصلحة العامة، واستحضار التنوع الفكري والديني والاجتماعي عند إصدار الفتوى.
كما أكد أن دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح في القضايا الكبرى، وأن على المؤسسات الدينية أن تتعاون مع الجهات التنفيذية والتشريعية لضمان صدور الفتاوى في إطار يحافظ على الاستقرار المجتمعي.
وفي كلمته، أشاد الأستاذ الدكتور مصطفى الفقي بموسوعة الدكتور أسامة الأزهري، مؤكدًا أنها وثقت سير علماء الأزهر في مصر وخارجها بدقة؛ ما يؤكد دوره الفكري والمعرفي الرائد. كما شدد على خطورة الفتوى العشوائية وأثرها السلبي على المجتمعات، داعيًا إلى ضرورة وجود مؤسسات قوية قادرة على ضبط الخطاب الديني وحماية المجتمعات من الفوضى الفكرية.
من جانبه، أكد الأستاذ الدكتور عبد الله النجار أن الوطن جزء لا يتجزأ من الحكم الشرعي، وأن استقرار الدين مرتبط بوجود أرض آمنة مطمئنة بشعبها وجيشها. وأوضح أن الفتاوى التي تتعلق بالشأن العام يجب أن تراعي المصلحة العامة، وتقدم حق الله على حقوق الأفراد إذا تعارض الأمر بينهما، فالدين لا يمكن أن يستقيم في بيئة مضطربة.
اختُتمت الندوة بتأكيد المشاركين أن التجديد الفقهي ضرورة لضمان استمرارية الشريعة في مواكبة العصر، وأن ضبط الفتوى وفق أسس علمية رصينة يسهم في حفظ الأمن الفكري والمجتمعي. كما شددوا على أهمية التعاون بين المؤسسات الدينية والإعلامية لضمان تقديم الفتاوى بطرق دقيقة ومتزنة، تحافظ على مقاصد الشريعة، وتخدم قضايا المجتمع المعاصر.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: وزير الأوقاف الأوقاف دار الإفتاء الإفتاء بمعرض القاهرة الدولى للكتاب القاهرة الأستاذ الدکتور وزیر الأوقاف
إقرأ أيضاً:
مؤتمر الإفتاء العالمي: ضوابط صارمة لتوظيف الذكاء الاصطناعي لمواجهة الفتاوى الشاذة
سلطت فعاليات الجلسة العلمية الثانية بالمؤتمر العالمي العاشر للإفتاء، الضوء على أهمية وضع إطار شرعي وأخلاقي يحكم توظيف هذه التقنيات الحديثة للحفاظ على صحة الفتوى واستقرار المجتمع، كما عُرضت مجموعة من الأبحاث المهمة التي تناولت تحديات وضوابط استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الإفتاء والبحث الفقهي.
يأتي ذلك في إطار المؤتمر الذي تنظمه دار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، برعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، وبحضور دولي كبير يضم نخبة من كبار علماء الشريعة والخبراء في الشأن الديني والتقني من مختلف دول العالم.
رئيس قسم الفقه بكلية البنات الأزهرية: لا يمكن لتقنية رقمية أن تحل محل المفتي البشريوفي إطار الجلسة، قدمت الدكتورة سمحاء عبد المنعم أبو العطا عطية، أستاذ مساعد ورئيس قسم الفقه بكلية البنات الأزهرية، بحثًا بعنوان: "مزالق استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الإفتاء والبحث الفقهي"، وأكدت أن الفتوى أمانة عظيمة لا يمكن لتقنية رقمية أن تحل محل المفتي البشري الذي يجمع بين العلم والورع ومقاصد الشريعة.
وأوضحت الباحثة أن توظيف تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجالات الفتوى والبحث الشرعي بات واقعًا متناميًا، لكنه يفرض تحديات بالغة الخطورة، أبرزها غياب الفهم العميق للسياق، وعدم القدرة على مراعاة البعد الإنساني والاعتبارات الشرعية الدقيقة. وأشارت إلى أن هذه المزالق قد تؤدي إلى إصدار فتاوى غير منضبطة، مما ينعكس سلبًا على ثقة الجمهور، ويتسبب في تراجع مهارات الباحثين الشرعيين أمام الاعتماد المفرط على الآلة.
وفي الختام، أوصت الباحثة بضرورة برمجة تطبيقات الإفتاء الرقمي لتلتزم بدين الإسلام وألا تصدر محتوى مسيئًا، إضافة إلى إدراج زر للتدقيق والتغذية الراجعة، وتأكيد المراجعة البشرية للفتاوى، مع وضع علامة توضح مراجعة الفتوى بشريًّا، ودعت إلى إصدار ميثاق دولي لأخلاقيات الإفتاء الرقمي، وإطلاق حملات توعية مجتمعية مثل: "اسأل عالمًا لا خوارزمية"، وتأسيس قاعدة بيانات لرصد الفتاوى الرقمية المخالفة.
المؤتمر العالمي العاشر للإفتاء: "الإفتاء الافتراضي" المعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي يوفر سرعة الوصول للمعلومةوفي سياق متصل، قدّم الدكتور محمد عبد الله عبد الله متولي فايد، أستاذ الدعوة والثقافة الإسلامية المساعد بكلية أصول الدين والدعوة بطنطا، بحثًا بعنوان: "آليات مواجهة الفتاوى العشوائية المدعومة بالذكاء الاصطناعي"، مؤكدًا أن الإفتاء الديني يمثل صورة حقيقية للاجتهاد الفقهي ووسيلة راسخة في الدعوة الإسلامية، وركيزة أساسية لبث الطمأنينة في المجتمع.
وأشار البحث إلى أن الفتوى الدينية، عبر التاريخ، تطورت من الأساليب الشفوية والمكتوبة إلى الإفتاء الإلكتروني، وصولًا إلى "الإفتاء الافتراضي" المعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، التي توفر سرعة الوصول للمعلومة لكنها لا تغني عن دور الفقيه في التحقق من صحة الأحكام وضبطها من الناحية الشرعية، وشدّد الباحث على أن هذه التقنيات تمثل وسيلة دعوية مرنة، تكشف عن قدرة الشريعة على الجمع بين الثبات والمرونة في آن واحد.
وركز الباحث على ضرورة ضبط الفتاوى في عصر التكنولوجيا عبر الإفتاء الجماعي للمجامع الفقهية والمجالس الإفتائية، لا سيما في قضايا النوازل، وتوفير إشراف علمي يضمن سلامة الفتوى من التخبط أو الانحراف، كما أوصى بضرورة تأهيل المفتين علميًّا وشرعيًّا، وتزويدهم بمهارات التعامل مع أدوات الذكاء الاصطناعي، إلى جانب عقد دورات تدريبية متخصصة لمواجهة الفتاوى المزيفة أو المتحيزة خوارزميًّا.
مؤتمر الإفتاء العالمي: الفتوى الإلكترونية والذكاء الاصطناعي نموذج للتكامل بين الثوابت الدينية والمتغيرات التقنيةواختتم الباحث بالتأكيد على أن العلاقة بين الفتوى الإلكترونية والذكاء الاصطناعي تمثل نموذجًا للتكامل بين الثوابت الدينية والمتغيرات التقنية، شريطة وضع أطر شرعية صارمة تضمن دقة الفتوى وتستفيد من إيجابيات العصر.
وفي إطار الأبحاث العلمية التي تناقش دور التكنولوجيا في خدمة العمل الإفتائي، قدّمت الدكتورة رضا عبد الخالق إسماعيل، مدرس الفقه بجامعة الأزهر، بحثًا بعنوان: "توظيف الذكاء الاصطناعي لمواجهة الفتاوى الشاذة"، تناولت فيه أبرز القضايا الشرعية والفنية المرتبطة باستخدام التكنولوجيا الحديثة في ضبط الفتوى وحماية المجتمع من الانحرافات الفكرية.
وأجابت الباحثة في دراستها عن تساؤلات جوهرية شملت تعريف الذكاء الاصطناعي وأهم مجالاته، ومفهوم الإفتاء، والفارق بينه وبين الفقه، وحكم الإفتاء، وشروط المفتي وسماته، إلى جانب تعريف الفتوى الشاذة، وحكم العمل بالآراء الشاذة أو الضعيفة، وأسباب انتشارها وطرق مواجهتها، والدور الذي يمكن أن يلعبه الذكاء الاصطناعي في كشفها وضبطها.
وبيّنت النتائج أن الانفتاح على الذكاء الاصطناعي وتطوير تطبيقات شرعية متخصصة يتطلب تعاونًا بين جهات الإفتاء والمؤسسات التقنية، وأن مواجهة الفتاوى الشاذة مسؤولية علماء الشريعة، داعية إلى تسلح المفتي بالعلوم الحديثة مثل: علم الحاسوب، وإنشاء مراكز لتأهيل المفتين بهذه المعارف.
واختُتمت الدراسة بعدة توصيات، أبرزها: دمج الذكاء الاصطناعي في التعليم الشرعي، وإنشاء تطبيق متقدم للفتوى بأشهر اللغات العالمية، وتطوير أدوات للتدقيق الفقهي الآلي، بما يضمن دقة الفتوى ويواكب تحديات العصر.
ومن بين الأبحاث العلمية المهمة التي عُرضت في الجلسة، قدّم الدكتور فياض عبد المنعم، أستاذ الاقتصاد بكلية التجارة بجامعة الأزهر، بحثًا علميًّا بعنوان: "دور الذكاء الاصطناعي في مساعدة المفتي – بالتطبيق على فتاوى المعاملات المالية الحديثة"، وطرح البحث مجموعة من التساؤلات المحورية التي تشكّل أساس النقاش حول توظيف الذكاء الاصطناعي في مجال الإفتاء، من أبرزها: ما الدور الذي يمكن أن يؤديه الذكاء الاصطناعي في عملية الإفتاء وفق منهج أهل السنة والجماعة؟ وما الضوابط الشرعية والأخلاقية الواجب مراعاتها عند استخدام هذه التقنية في الفتوى؟.
كما تساءل الباحث عن إمكانية أن يكون الذكاء الاصطناعي مساعدًا للمفتي، وما حدود هذه المساعدة، إلى جانب استكشاف التحديات والمخاطر المحتملة لاستخدامه في إصدار الفتاوى.
وتضمّن البحث تجربة عملية تم خلالها توجيه 21 سؤالًا فقهيًّا في المعاملات المالية الإسلامية إلى برنامج ChatGPT، ومطالبته بذكر الأدلة الشرعية لكل إجابة، والمصادر التي استقى منها الإجابة، وأظهرت النتائج قدرة النموذج على تقديم ردود دقيقة وسريعة خلال أقل من دقيقة، مع الاستشهاد بالمراجع الشرعية.
وأوصى البحث بضرورة الاستثمار في تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي موجَّهة لخدمة العلوم الشرعية، وإنشاء قواعد بيانات شاملة ضخمة وموثوقة وتشمل هذه القواعد القرآن الكريم وتفاسيره، والسنة النبوية وشروحها، وكتب الفقه المعتبرة، والفتاوى الصادرة عن المؤسسات الرسمية، مع تصنيفها وفهرستها بشكل دقيق، وأيضًا نبه إلى ضرورة تدريب هذه الأنظمة على المنهج الوسطي المعتدل، إضافة إلى توعية الجمهور بضرورة التحقق من مصادر الفتوى الإلكترونية.