عربي21:
2025-05-08@04:31:11 GMT

هل ينجح ترامب في توحيدنا؟

تاريخ النشر: 19th, February 2025 GMT

لا ننسى، لا نغفر
في العام 1973 انتشرت صورة لطفلة فيتنامية وهي تركض عارية، وتصرخ مرعوبة من هول القذائف الأميركية التي انهمرت على قريتها، وكانت صورتها آنذاك من بين أهم الأسباب المباشرة لإنهاء الحرب على بلادها؛ نظراً لقدرتها الفريدة على تجسيد بشاعة الحرب.. إنها الفيتنامية «كيم فونك»، التي زارت الولايات المتحدة بعد سنوات طويلة على انتهاء الحرب، وهناك قابلها الطيار الأميركي جون بالامار (الذي قصف قريتها بقنابل النابالم)، صافحها باكياً طالباً الصفح، فما كان منها إلا أن قابلته بابتسامة، وقالت: «إن التسامح أقوى بكثير من أي سلاح في العالم».



صارت فونك سفيرة للنوايا الحسنة، وتدير جمعية لرعاية ضحايا الحروب من الأطفال.
وفي العام 2004 قُتل بمدينة الفلوجة العراقية الصحافي الياباني «هاشيدا». يُقال: إن الجماعات المسلحة المتطرفة هي التي قتلته، ويُقال أيضاً: إنه قضى نتيجة القصف الأميركي على المدينة. في الحالتين، فإن أرملته التي فُجعت بالنبأ لم تتوقف كثيراً عند مَن قتله، ولماذا؛ فهي تدرك أنه مثل ملايين غيره: ضحية الصراعات والحروب، وبدلاً من غرقها في دوامة الحقد والكراهية، بادرت لجمع تبرعات بلغت قيمتها 17 مليون دولار، لصالح بناء مستشفى للمدينة التي قتلت زوجها.

عندما زرتُ مدينة هيروشيما قبل سنوات، توقعتُ أن أجد فيها الروح العدائية تجاه أميركا، وذكريات الموت والدمار، لكني لم أجد شيئاً من ذلك، وهناك فهمتُ أن روح المدينة المفعمة بالحيوية والتجدد يعود الفضل فيها لجماعة تُعرف بـ»الهيباكوشا»، وهم ممّن نجوا من القنبلة الذرية التي ألقاها طيار أميركي على مدينتهم في آب 1945، هؤلاء رغم أنهم فقدوا أحباءهم وذويهم وخسروا صحتهم، إلا أنهم تغلبوا على العذاب واليأس وتمسكوا بإنسانيتهم، واختاروا الحياة، يحدوهم الأمل بمستقبل لا يعرف الحروب.

وفي أثناء مشاركتي بورشة عمل أقيمت مؤخراً في السويد، التقيت بأشخاصٍ من مختلف قارات العالم، من راوندا شاب من «الهوتو» وفتاة من «التوتسي» نسيا أن الصراع العنيف والدامي بين قبيلتَيهما أودى بحياة مليون إنسان في غضون مائة يوم في مستهل التسعينيات، ومع ذلك كادا يصبحا عاشقين. الكوري الشمالي الذي يضع على ياقته صورة رئيسه المحبوب، والكوري الجنوبي الذي يتباهى بالجالكسي تناسيا الصراع الدائر بين حكومتيهما وصارا صديقين. ثلاثة شبان من ثلاثة أقاليم مختلفة من الهند، لم نميز مَن منهم المسلم، ومَن الهندوسي، أو السيخي.. كانوا يتحدثون بصوت واحد، ويتفاخرون بوطنهم الكبير: «الهند». الشاب «الكوسوفي» والصبية «الصربية» تناسيا حروب البلقان قديمها وحديثها وكانا خير رفيقين. من نيجيريا التي تتعايش فيها الملل والطوائف بسلام، ويتحدثون بـ250 لغة كان أبناؤها يتحدثون فيما بينهم بالإنجليزية، وهم على قلب رجل واحد. السيدة الفيليبينية التي وُلدت بعد انتهاء الحرب على بلادها، لا تذكر منها شيئاً، ولا تعلم أن مدينتها «مانيلا» كانت أكثر مدينة في العالم تعرضت لأهوال الحرب على أيدي اليابانيين والأميركيين، وليس في قلبها حقد على أحد. من جنوب إفريقيا صديقتان: بيضاء وسوداء، كان واضحاً أنهما لا تحتفظان بشيء من ذكريات الحقبة العنصرية.

السويديون أنفسهم، بعد أن فتحوا حدود بلادهم للمهجَّرين واللاجئين والفارين من حروبهم.. ورغم ما عانوه من سلوكيات مشينة من قبل بعض المهاجرين؛ إلا أنهم ما زالوا مُرحِّبين، ولطفاء، يلقون الأجانب بابتسامة ودودة.

لقد عشنا طويلاً ونحن ضحية إعلام مضلل، إعلام هوليودي يصور شعوب العالم الثالث بأنهم على هامش الحضارة الغربية، وأن الإفريقيين شعوب غير متحضرة، وأميركا اللاتينية موطن الجريمة المنظمة، والهنود كسالى وبليدون، والمسلمين إرهابيون ويعشقون العنف.. في مقابل إعلام أيديولوجي لا يقل تضليلاً يزعم أن المجتمعات الغربية مفككة، وأنها لا تعرف الحياة الأسرية وعلاقات الحب والصداقة والجيرة، وأن الفساد الأخلاقي ينخرها.

عندما نخرج من قوقعتنا ونلتقي بالشعوب الأخرى، سرعان ما نكتشف أمرين: أن الإنسان هو الإنسان في كل مكان وزمان. نفس نقاط الضعف، والخجل والرغبات الدفينة، والحاجات البسيطة، بل ونندهش من عمق الصلات بينهم، ومدى التشابه بين الشعوب.. والاكتشاف الثاني (المخيف) أن كل ادعاءاتنا بأننا الأحسن، وأننا أصحاب الفضيلة والمجد والتاريخ ووو... ما هي إلا ترهات وأمانٍ.

نحن العرب، ما زلنا منقسمين بين سُـنّي وشيعي. وبين من يؤيد «مرسي»، ومن يؤيد «السيسي». وبين أنصار «الثورة السورية»، وأنصار «النظام». وبين «فتح» و»حماس». ولم نكتفِ بالانقسام والصراع على الحاضر، بل استحضرنا كل الثارات والأحقاد والصراعات التي مضى عليها أكثر من ألف عام، واستحضرنا معها كل أسباب الخلاف وإدامة النزاعات الداخلية.. ثم أجّجنا الكراهية، وافتتحنا موسماً جديداً من داحس والغبراء.

كل الشعوب تناست صراعاتها وثاراتها، ورمت ماضيها خلف ظهرها، وانطلقت نحو الفضاءات الرحبة، تصنع مستقبلها، إلا نحن، ما زالت الطائفة عندنا أهم من الوطن، والعشيرة أولى من الدولة، والتاريخ أهم من المستقبل، والكراهية تعلو على التسامح.

وما زالت مشاعر الحقد والانتقام ودعوات الثأر تسيطر على ثقافتنا وتهيمن على عقلنا الباطن، هذه المشاعر المريضة هي التي جعلتنا في هذه الوضعية المتدنية، وإذا لم نتجاوزها لن نتقدم خطوة واحدة، وسنظل في ذيل الأمم.

بقي في الكنانة سهم، الصهيونية جعلت الإسرائيليين حالة فريدة في التاريخ، بنموذج غير مسبوق من العنصرية والكراهية، وما فعلته إسرائيل طوال تاريخها الإجرامي، وبالذات في حرب الإبادة والتهجير، وما اقترفته من مجازر مروعة، وما تسببت به من معاناة وآلام، يجعل من المستحيل نسيانها.. وطالما هي قوة احتلال يتوجب مقاومتها بشتى السبل، ولكن المقاومة فعل إنساني نبيل، مجرد من نزعات الكراهية والحقد، هدفها دفع الظلم وطرد الاحتلال، وليس الثأر والانتقام.

المفارقة الوقحة، تمثلت في الشعار الذي وضعه السجانون الإسرائيليون على قمصان الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم «لا ننسى ولا نغفر»!! من الذي يجب ألا ينسى؟

ذكر صديقي معاوية تصريحاً لغولدا مائير، قالت فيه: «لن نسامح العرب لأنهم يجبرون أبناءنا على قتلهم»! بمعنى: غزة متهمة بأنها أجبرت أحفاد غولدا على قتل أبنائها، وعليه فإن غزة خدشت مشاعر الشعب الإسرائيلي.

إسرائيل احتكرت دور الضحية واستأثرت به، وحصّنته بترساناتها الإعلامية وأيديولوجية التوحش والعنصرية، وهي فوق اغتصابها للبلاد، وإمعانها في القتل ترفض أن يكون الفلسطيني هو الضحية! وبذلك تصل إلى أعلى درجات أيديولوجيا الحقد والعنصرية.

(الأيام الفلسطينية)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه فتح حماس الفلسطينيين غزة فلسطين حماس غزة فتح ترامب مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

الهدوء الذي يسبق العاصفة.. حرب أمريكا والصين علي الأبواب

في تحليل سياسي معمّق نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأميركية بتاريخ 2 مايو الجاري، حذّر الخبير في الشؤون الصينية تونغ جاو، الباحث البارز في "مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي"، من تصاعد خطر نشوب أزمة عسكرية بين الولايات المتحدة والصين، رغم ما يبدو ظاهريًا من استقرار نسبي في العلاقات بين البلدين.

يرى التحليل أن بكين لم تعد تتعامل مع الولايات المتحدة كقوة مهيمنة مطلقة. فمنذ تصريح المسؤول الصيني الكبير يانغ جيه تشي عام 2021 بأن "أميركا لم تعد قادرة على الحديث من موقع قوة"، تشكّلت في العقل الاستراتيجي الصيني قناعة بأن موازين القوى الدولية تشهد تحولًا جذريًا، وأن "مرحلة الضعف الاستراتيجي" التي عاشتها الصين في مواجهة واشنطن باتت من الماضي.

ومع عودة دونالد ترامب للبيت الأبيض، ازدادت ثقة بكين بأنها أمام إدارة تتجه نحو مزيد من الانعزال والارتباك السياسي، ما يجعل فكرة التوازن أو حتى التفوق الاستراتيجي الصيني أمرًا قابلًا للتحقق، بل مرجّحًا. وفقًا لـ"فورين أفيرز"، فإن بكين تنظر إلى إدارة ترامب بوصفها تعجّل من أفول الهيبة الأميركية على المسرح العالمي.

رغم التصعيد التجاري مع إدارة ترامب، لم تُظهر بكين رغبة في الرد العسكري أو التصعيد الفوري، بل اتبعت سياسة "الصبر مع التسلّح"، حيث عملت على تطوير ترسانتها العسكرية، بما فيها الصواريخ التقليدية والنووية. وتدرك القيادة الصينية أن الصدام مؤجّل، لكنها تسعى لضمان تفوّقها المستقبلي عبر تعبئة القدرات وتوسيع النفوذ الإقليمي، وخصوصًا في بحر الصين الجنوبي وحول تايوان.

يؤكد التقرير أن التهديد العسكري الصيني تجاه تايوان لم يبلغ بعد مرحلة الهجوم المباشر، إلا أن بكين انتقلت من استراتيجية "منع الاستقلال" إلى "تحقيق الوحدة"، سواء بالترغيب أو بالضغوط غير العسكرية. وتشير "فورين أفيرز" إلى أن بكين تكثّف نفوذها داخل المجتمع التايواني عبر أدوات مدنية وشبكات ناعمة، من بينها منح بطاقات هوية صينية لتايوانيين واستقطاب شخصيات عسكرية وسياسية من داخل الجزيرة.

لكن مع تزايد الإجراءات المضادة من إدارة الرئيس التايواني لاي تشينغ-تي، وتنامي الشكوك في قدرة ترامب على حماية تايوان، ترى بكين أن اللحظة الحاسمة قد تقترب، وخاصة في ظل غياب مؤشرات على فوز أي زعيم تايواني موالٍ للصين في انتخابات 2028.

يفيد التحليل بأن قدرة الولايات المتحدة على الردع تضعف بفعل الخلافات الداخلية في الإدارة الأميركية. ويظهر ذلك في غياب رؤية موحدة داخل وزارة الدفاع بشأن أهمية تايوان، وفي تصريحات مسؤولين مثل إلبرج كولبي الذي قال إن "الأميركيين يمكنهم العيش بدون تايوان"، ما يعكس هشاشة الالتزام الأميركي تجاه الجزيرة.

كذلك، فإن سياسات ترامب القائمة على الولاء الشخصي وإقصاء الأصوات المخالفة تؤدي إلى تراجع القدرة المؤسسية على التقييم والتخطيط، وهو ما قد يضعف الجاهزية الأميركية لمواجهة أزمة حقيقية مع الصين.

تحذّر المجلة من أن هذا "الجمود الاستراتيجي" القائم حاليًا قد لا يستمر طويلًا. فمع تفاقم التوتر، وتآكل قدرة الطرفين على التقييم الذاتي، يمكن أن يتحوّل الجمود إلى صدام حاد، خاصة إذا رأت الصين أن المجتمع الدولي لن يتحرك دفاعًا عن تايوان، أو إذا اعتبرت واشنطن أن الصين تخطّت الخطوط الحمراء.

طباعة شارك الصين أمريكا تايوان ترامب

مقالات مشابهة

  • وتعاظم الحقد الصهيوأمريكي
  • ترامب يقترح عودة روسيا الى كأس العالم 2026
  • عام على رفح.. المدينة التي محاها القصف وبقيت تنتظر العالم
  • رئيس الوزراء: كان هناك تعمد للخلط بين قناة السويس كممر ملاحي وبين المنطقة الاقتصادية والأراضي التي نعمل على تنميتها
  • العالم لن يحتملها.. جوتيريش وترامب يحذران من الحرب بين الهند وباكستان
  • حملة طلابية من غزة تناشد العالم: أنقذوا العائلات التي تعيش بين الركام
  • تايمز: ما الذي يتطلبه إحلال السلام في غزة؟
  • البحر الأحمر: شريان التجارة الذي يغذي العالم ويختنق أمام أعيننا
  • أوزيبيو.. النمر الأسود الذي حرمته السياسة من غزو أوروبا
  • الهدوء الذي يسبق العاصفة.. حرب أمريكا والصين علي الأبواب