في سجن إيراني ... صحفي أمريكي يضرب عن الطعام
تاريخ النشر: 9th, March 2025 GMT
دخل الصحفي الأميركي الإيراني، رضا ولي زاده، المعتقل بسجن إيفين في طهران، في إضراب مفتوح عن الطعام، احتجاجاً على "تجاهل المحكمة لكافة جوانب" قضيته.
وأكد مصدر مقرب من عائلة زاده في تصريحات صحفية أن زاده مستمر في الإضراب حتى تتم "مراجعة شاملة لجميع النقاط التي أثيرت خلال جلسات التحقيق والوثائق المدرجة في ملفه ومداولات المحكمة".
وبين المصدر أن الصحفي المحتجز وصف محاكمته بـ"الصورية"، مشدداً على "ضرورة إدراك الرأي العام أن إجراءات التعامل مع قضايا السجناء السياسيين تجري بشكل متعجل وسطحي، مما يفضي إلى إصدار أحكام قاسية وجائرة".
واحتُجز زاده، بعد استجوابه من قبل استخبارات الحرس الثوري الإيراني، ونقل إلى سجن إيفين الخاضع لإشرافها.
كما أصدر القاضي إيمان أفشاري حكماً ضده بعد محاكمتين سريعتين، يقضي بسجنه 10 سنوات، ومنعه من الإقامة في محافظة طهران والمحافظات المجاورة، وحظر سفره خارج البلاد، وحرمانه من الانضمام إلى أي أحزاب أو تجمعات سياسية واجتماعية لمدة عامين.
ووُجهت للصحفي تهمة "التعاون مع الحكومة الأمريكية".
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: أمريكا الحرس الثوري الحكومة الأمريكية إيران سجن ايفين اضراب عن الطعام المزيد
إقرأ أيضاً:
قبل أن يتحولوا إلى أفاتارات!
في إجازة اليوم الوطني، قررنا زيارة أقرباء لنا يقطنون في جبال بعيدة، بدت لأبنائي وكأنّها خارج المجرّة. أثار الأمر بعض امتعاضهم، فهم -كأقرانهم- لا يحبّون مغادرة غرفهم والانفصال عن شاشاتهم. فتشبثوا طوال الطريق بأجهزتهم، ولم تُفلح دعوتي لهم برفع رؤوسهم -ولو قليلًا- لتأمّل مزارع النخيل والطرق التي شُقّت في صلابة الجغرافيا. لكن، عندما وصلنا إلى منطقة تناءت فيها الشبكة، رفعوا رؤوسهم كمن يستعيد حواسّه المُخدّرة، فامتلأت السيارة بالأحاديث والضحك.
ومجدّدًا، لا أستطيع تجاوز كتاب «نهاية المحادثة» لديفيد لوبروتون، الذي يرى في التقنية اختزالًا للفرد؛ فهي تحصره في الإطار الذي تتيحه له، في المساحة الضيّقة التي ترسمها الشاشة، فلا يعود الفردُ المُستلبُ راغبًا بأكثر من هذا.
تساءلتُ آنذاك: هل استُبدلت أعينُ أبنائي والجيل الجديد حتى لا يلفتهم الجمالُ المُتجلّي في ينبوع ماءٍ مُمتدّ، أو في مرور طيرٍ في سماء غائمة؟ يرى لوبروتون أنّ الحدث في المجتمع المُتشظّي المُعاصر، لم يعد يُعاش بالوعي نفسه الذي كان في الماضي؛ فقد اعترضته الشاشة وحجبت تلقائيّته. ويضرب مثالًا: فعندما سافر إلى البرازيل قبل سنوات، أذهله مشهدُ الزوّار عند شلّالات إيغواسو؛ إذ لم يكونوا ينظرون إلى الشلّالات ذاتها، بل إلى أنفسهم على شاشات هواتفهم. وكأن غاية مشاهدة الطبيعة تنتفي في سبيل إبلاغ العالم بأنّهم كانوا جزءًا من التجربة ومن الهوس الراغب في تسجيل الشيء لا في عيشه !
وليس بعيدا عن ذلك، كان تناول وجبة الطعام مع العائلة -على حصير أو طاولة واحدة- فسحةً ذهبيةً لتبادل الحديث، ولمعرفة الأبناء وهواجسهم وما يعبرُ أيّامهم من فرح ومشقّة. لكنّ المحادثة أثناء الطعام في طريقها إلى الانقراض أيضا؛ ليس لأنّنا نمارسُ فضيلة الصمت، بل لميلٍ جماعيّ لتناول الطعام بأفواهٍ شاردة، إذ تهيم الرؤوس على الهواتف، وينصرفُ الانتباه عن الطعام وعن الآخرين!
ومن المواقف التي تستدعي الالتفات أيضا، استنكار الأبناء أن تُرسل لهم رسالة صوتية تتعدّى الدقيقة! إنّ ذلك يدفعهم إلى اتخاذ آليات عجيبة، من قبيل تسريع الرسالة حتى تفقد ملامحها. ولنا أن نتصور هذا المجتمع القائم على «السرعة والنفعية»، والذي تُرهقه رسالة صوتية تتجاوز الدقيقة !
وبحسب لوبروتون، لا يقتصر تأثير الوسيط الرقمي على المراهقين فحسب؛ فوجود هاتف جوّال على الطاولة بين شخصين يكبحُ المحادثة الحميميّة؛ إذ يحضر الهاتف كجسدٍ ثالث قادرٍ على إرباك الحوار وتعطيل تدفّقه.
عندما مشينا لأكثر من ساعة في الهواء الطلق، في ذلك الجوّ الشتويّ المُنعش، شعر الأبناء بوخزٍ مُربك، كأنّ شيئًا يفوتهم. لم يكن يسيرًا عليهم أن يستمتعوا -ولو قليلًا- بما نراه نحن دفئًا عميقًا وقيمةً أصيلة. فانغلاقهم في شرنقتهم التكنولوجية؛ حيث يُحدّثون آخرين لا يعرفون هويتهم، وحيث «التنسّك ما بعد الحداثي» كما يسميه لوبروتون، يعدو سلوكا تتشبّعُ فيه الحواس حتى يغدو المرء أشبه بـ«أفاتار» يحتمي من شراسة العالم وقلّة العلاقات المباشرة. إذ يختبئ المراهقون وراء رسائل مُقتضبة تستبعد كلّ ما قد يتبدّى على الوجوه من انفعالات، وكلّ ما تحمله الأصوات من إشارات خفيّة. هكذا تُقصى الحميميّة، ويبهتُ الحضور، ويغدو الحديث مجرّد إجراء وظيفيّ من تبادل المعلومات. فهم لا يثقلون أنفسهم بأجسادهم، ولا يلتزمون بحضورهم الفعليّ أمام الآخر؛ فالاتصال عبر الكتابة يسمحُ لهم أن يحضروا بخفّة، أو أن ينسحبوا دون ترك أثر.
لم تُشر الدراسات فقط إلى تراجع اللياقة البدنية، وآلام الرقبة والظهر وضعف النظر؛ بل تحدّثت أيضًا عن أثرٍ عميق في النمو الذهني واللغوي. فالبقاء الطويل في الغُرف لا يُحرّك الأفكار ولا يجدّدها، كما قد يفعل التنوع الحيوي للبيئة، فضلًا عن ذلك الميل الجارف إلى السلبية والكآبة.
لا أدري إن كنّا نفعل الصواب كآباء وأمهات في مراقبتنا الحثيثة؛ أعني محاولتنا الدؤوبة لانتشالهم من غيابهم الطويل، وربطهم بصورة دائمة بالحياة الواقعية، كيلا ينقطع الرابط الاجتماعي، كيلا يُصابوا بتنائي التعاطف والرأفة والاكتراث، كيلا تموت المحادثة بيننا، وكيلا نفقد وجوههم.. نفعل ذلك باستماتة. فإذا كان بطل «كافكا» قد استيقظ يومًا، ليجد نفسه وقد تحول إلى حشرة في رواية «المسخ»، فإننا نخشى أيضا أن يستيقظ أبناؤنا يوما ليجدوا أنفسهم وقد تحوّلوا إلى «أفاتارات»!
هدى حمد كاتبة عُمانية ومديرة تحرير مجلة «نزوى»