رمضان بين الروحانية والاقتصاد.. بين الزهد والاستهلاك
تاريخ النشر: 19th, March 2025 GMT
"وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" (الأعراف: 31).
يأتي رمضان كل عام حاملاً معه روحانيته وخصوصيته، حيث تتغير إيقاعات الحياة، ويتحول الشهر إلى فرصة للتأمل والعودة إلى الذات. ومع ذلك، أصبح رمضان أيضًا موسمًا اقتصاديًا نشطًا، حيث يشهد العالم الإسلامي ارتفاعًا ملحوظًا في معدلات الاستهلاك، مما يخلق تناقضًا بين جوهر الشهر القائم على الزهد والتقشف، وبين السلوكيات الاستهلاكية التي تميزه في العصر الحديث.
في العقود الماضية، كانت طقوس رمضان تتمحور حول البساطة، حيث كان الإفطار يعتمد على التمر والماء ووجبات متواضعة تعكس روح الصيام. أما اليوم، فقد تحول المشهد إلى سباق شرائي محموم، حيث تزدحم الأسواق بالمشترين، وتروج العلامات التجارية لعروض خاصة بشهر الصيام، وتتضاعف إعلانات المنتجات الغذائية بشكل لافت. أدركت الشركات قوة رمضان كسوق استهلاكي، فأصبحنا نرى حملات تسويقية ضخمة تستهدف المستهلكين، بدءًا من عروض السوبرماركت وحتى الإعلانات التلفزيونية التي تروج للولائم الفاخرة. كل هذا يخلق ضغطًا اجتماعيًا على الأفراد، حيث يشعر الكثيرون بضرورة مواكبة هذا الاتجاه، حتى لو كان ذلك على حساب ميزانياتهم الشخصية.
لكن هل المشكلة تكمن فقط في التسويق؟ أم أن هناك بُعدًا نفسيًا يدفع الأفراد إلى الإنفاق بكثافة خلال هذا الشهر؟ الناس في رمضان يشعرون بأنهم بحاجة إلى تعويض ساعات الصيام الطويلة بوجبات غنية ومتنوعة. كما أن التجمعات العائلية والولائم تلعب دورًا في زيادة الاستهلاك، حيث يسعى الجميع إلى تقديم موائد عامرة تعكس الكرم والضيافة. ومع ذلك، فإن هذا النمط لا يتماشى مع جوهر رمضان، الذي يهدف إلى تهذيب النفس وتعزيز الشعور بالامتنان والبساطة. المفارقة هنا أن الشهر الذي يُفترض أن يكون فرصة للتقشف الروحي، أصبح واحدًا من أكثر الفترات التي تشهد هدرًا غذائيًا وإنفاقًا زائدًا.
بين الروحانية والاستهلاك، هناك مساحة للتوازن. ليس المطلوب الامتناع عن الشراء أو تجنب الاستمتاع بمائدة رمضان، ولكن الأهم هو الوعي بكيفية الإنفاق. يمكن أن يكون رمضان فرصة لإعادة تقييم العادات الاستهلاكية، من خلال شراء الاحتياجات الفعلية فقط دون الانسياق وراء العروض الترويجية التي تخلق رغبة شرائية غير ضرورية، وتقليل الهدر الغذائي عبر تخطيط الوجبات وتحضير كميات مناسبة للاستهلاك العائلي، والتركيز على الجوهر الروحي لرمضان من خلال استثمار الوقت في التأمل والعبادة بدلًا من الانشغال بالماديات.
في النهاية، رمضان ليس مجرد موسم استهلاكي، بل هو فترة للتغيير الداخلي. إذا استطعنا تحقيق توازن بين الروحانية والاقتصاد، فربما نستطيع استعادة جوهر رمضان الحقيقي، بعيدًا عن الاستهلاك المفرط، لنعيش تجربة أكثر عمقًا وصدقًا.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: مقالات شهر رمضان الاقتصاد دعاء الهلاوي الزهد الروحانية
إقرأ أيضاً:
جيش الاحتلال يقتل 12 صحافيا ويهجّر 250 في غزة الشهر الماضي
يمن مونيتور/وكالات
قالت نقابة الصحافيين الفلسطينيين، إن منظومة الاحتلال الإسرائيلي بكل مكوناتها، واصلت ارتكاب جرائمها بحق الصحافيين الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية، وأنها رصدت 137 جريمة واعتداء وانتهاكا بحق الصحافة الفلسطينية، كان أبرزها ارتقاء 12 من الصحافيين شهداء الشهر الماضي.
ووفق بيانات ووقائع الرصد والتوثيق للجنة الحريات التابعة للنقابة خلال شهر أيار الماضي، أن شهر مايو الماضي، شهد ارتقاء 12 صحافيا جراء قصف قوات الاحتلال الإسرائيلي بقطاع غزة، بينما كانت حصيلة من أُصيبوا بجروح دامية نتيجة الرصاص وشظايا الصواريخ في الضفة وقطاع غزة 9 من الصحافيين بعضهم في حالة من الخطر الشديد.
كذلك سجل تعرض 14 حالة للضرب المبرح تم رصدها وتوثيقها، ارتُكبت من قبل جنود جيش الاحتلال، وكذلك من المستوطنين في الضفة الغربية، نُقل بعض الزملاء على إثرها إلى المستشفيات لتلقي العلاج.
كما قامت قوات الاحتلال بتدمير أربع مكاتب صحفية في قطاع غزة، وذكر التقرير أن صواريخ الاحتلال الإسرائيلي استهدفت بناية في قطاع غزة يشغلها مكتب إعلامي يضم 4 قنوات فضائية تم تدميرها.
كما أجبرت قوات الاحتلال الصحافيين على النزوح من أماكن سكناهم، حيث تم رصد نزوح وتهجير نحو 250 من الصحافيين، أغلبهم من خان يونس جنوب القطاع، ونحو 100 من شمال القطاع، مما أفقدهم مصدر رزقهم، وعرض حياتهم لخطر الموت، في ظل الإبادة الجماعية التي تُرتكب بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
وكشف التقرير عن تسجيل 64 واقعة احتجاز لأفراد وطواقم صحافية ومنعها من العمل، مع تعرض 15 حالة لاختناق بسبب الاستهداف بالغاز السام المسيل للدموع.
ورصد التقرير خمس حالات تعرضت لإطلاق النار بغرض الترهيب والابتعاد عن التغطية، فيما سُجلت 4 محاولات للدهس، و3 حالات اعتقال.
وعُرض أيضا خلال الشهر الماضي، 4 حالات من الصحافيين على المحاكم العسكرية، و2 حالة استدعاء، و3 حالات لهدم مبانٍ للصحافيين في قطاع غزة.