(نص + فيديو) المحاضرة الرمضانية الرابعة عشرة للسيد القائد 1446هـ
تاريخ النشر: 20th, March 2025 GMT
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
نستكمل ما كنا قد ابتدأنا الحديث عنه، فيما يتعلق بغزوة بدرٍ الكبرى، وعن أهميتها في التاريخ الإسلامي، وفي سيرة رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ”، وعن امتداد تأثيرها عبر الأجيال، فآثارها ممتدةٌ إلى عصرنا، وإلى ما بعد عصرنا، وهي آثار ونتائج، في غاية الأهمية.
في الحديث عن ذكرى غزوة بدرٍ، وعن أهميتها، وعن مجرياتها، وعن بعض الدروس والعبر منها، نبتدئ أولاً بالحديث عن العنوان المهم، الذي سمَّاها الله به في القرآن الكريم، وسمَّى غزوة بدرٍ الكبرى، سمَّى يومها (يوم الفرقان)، وهذه تسمية لها دلالتها المهمة، التي ينبغي أن نستوعبها جيداً؛ لأن الله قال في القرآن الكريم: {إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ}[الأنفال:41]، في الآية التي تحدثت عن مسألة (الخُمُس)، فسمَّاه يوم الفرقان، لماذا؟ لأنه يومٌ مهمٌ فارقٌ، فارقٌ في جوانب متعددة، فارقٌ في التاريخ، ليس بعده كما قبله، هناك فارق، وهذا الفارق المهم هو: في إحقاق الحق، وفي إبطال الباطل وإزهاق الباطل، هو أيضاً في حالة المسلمين، في واقعهم، وفي واقع أعدائهم، ولكن ذلك الفارق هو لصالح المسلمين المستضعفين، الذين كانوا في غاية الاستضعاف، هو فارقٌ لمصلحة الحق، والخير، والعدل؛ في مواجهة الباطل، والشر، والظلم، والطغيان، والفساد.
وهذا درسٌ مهمٌ جدًّا لنا نحن، في أن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” يصنع المتغيرات الكبيرة، في إطار هدايته لعباده المؤمنين، وما يحققه على أيديهم، حينما يستجيبون له في النهوض بمسؤولياتهم المقدَّسة والعظيمة والمهمة.
البعض من الناس، حينما يرى واقعاً معيناً، تستحكم فيه قوى الطاغوت، والاستكبار، والظلم، والكفر، بإمكاناتها الهائلة والضخمة، ونفوذها الكبير، واستحكام سيطرتها على الناس، وتَحَكُّمِها في الواقع، وحضورها الكبير في الساحة، يتصوَّر أن ذلك الحال سيستمر، ولا يمكن تغييره، وبالذات عندما تكون المسألة أن يتحرَّك المستضعفون في إطار الحقِّ، والخير، والعدل، والتعليمات الإلهية، يتحرَّك المسلمون بواجباتهم المقدَّسة والعظيمة، وهم في ظروف استضعاف شديدة، وفي نُدْرَةٍ من الإمكانات، ويكون واقع الحال وصورة الوضع كما أنه لو كان من المستحيل إحداث تغييرٍ كبير في واقعٍ كذلك.
لكنَّ المسألة أنَّ الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو الذي يتولَّى صنع المتغيرات؛ إِنَّما تكون المسألة فيما يتعلق بالمسلمين والمؤمنين، عندما يستجيبون لله، ويتحرَّكون وفق تعليماته وهديه، أنَّهم يأخذون بالأسباب؛ أمَّا الذي يصنع المتغيرات فهو الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وهو القائل في القرآن الكريم: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[آل عمران:26].
فالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” مثلما هو يصنع المتغيرات الكونية، في تدبير حركة الكون، في الليل والنهار، فيولج الليل في النهار؛ ويتغير الحال تماماً، ويولج النهار في الليل؛ فيتغير الحال بعد ذلك بشكلٍ تام، من ظلمة الليل إلى ضوء النهار، وإلى دفء النهار أيضاً، فأيضاً يخرج الحيَّ من الميِّت، من البذرة الميِّتة، ومن النواه الميِّتة يُخْرِج النبتة التي قد جعل فيها الحياة وتنبت، وهكذا يخرج الميِّت من الحي؛ فالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” قادرٌ على خلق المتغيرات وصُنع المتغيرات، فيبدل من كانوا في عِزَّة، وقوة، وتمكُّن، وسيطرة، ونفوذ، واستحكام، يبدل حالهم ذلك إلى ذِلَّة؛ لبغيهم، لطغيانهم، لإفسادهم، لإجرامهم؛ أو لمخالفتهم لهديه، وتعليماته، وانحرافهم عن نهجه، وإخلالهم بالتزاماتهم الإيمانية والدينية، مثل ما هو في واقع المسلمين، هو قادرٌ على أن يصنع المتغيرات، هو المُدَبِّر لأمور عباده، وهو الذي رسم السُّنَن في هذه الحياة، في الأسباب ونتائجها، ويتدخل مع ذلك، ليست مسألةً متروكةً هكذا في واقع الحياة، دون تَدَخُّلٍ منه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، هذا درسٌ مهمٌ جدًّا؛ لأن البعض من الناس ينسى الله وييأس، وبالذات في واقع المستضعفين.
النقلات التي تَحَقَّقت في واقع المسلمين في بداية عصر الإسلام، كانت من هذا القبيل: الواقع القائم، كانت تسيطر فيه قوى الطاغوت والكفر والضلال والباطل، في الجزيرة العربية معروفٌ كيف كان هو الحال، وفي- أيضاً- في خارج الجزيرة العربية، حيث كانت امبراطورية الرومان الامبراطورية الكبرى آنذاك، وكانت امبراطورية الفرس أيضاً مُنَافِسَة لها ومناوئة لها، وكانت هناك قوى إقليمية ودوليَّة أخرى، فالحال الغالب والحال السائد في الساحة هو: سيطرة قوى الشرك، قوى الكفر، قوى الباطل، قوى الضلال، قوى الطغيان، واستحكام نفوذها.
وتلك الحالة في نظرة الكثير من الناس آنذاك، في مسألة أن يتغير واقع المسلمين، المستضعفين، الذين بدأوا من ظروف صعبة، وهم قلةٌ قليلة، بإمكانيات محدودة جدًّا، معظمهم من الفقراء المُعْدِمِين، كانت مسألة أن تتحقَّق نقلات في الواقع، وأن يتحوَّلوا هم يومٍ من الأيام إلى القوة الكبرى في هذه الساحة، والقوة المسيطرة والمتمكنة، كانت نقلة كهذه في حساب وتقديرات الكثير من الناس في قائمة المستحيلات، يعني: ينظرون إلى واقع الآخرين، إلى واقع المسلمين، إلى الظروف المحيطة بهم، فيعتبرون مسألة أن يتحوَّل أولئك المستضعفون، القلة، القلة القليلة، الذين لديهم ظروف بالغة الصعوبة، هم القوة الكبرى المؤثِّرة في الساحة، وأن تتغير في الواقع تلك: المفاهيم، العقائد، الثقافة السائدة، الكثير من العادات والتقاليد الباطلة، التغيير الكبير جدًّا؛ لأن مسار الإسلام هو إحداث تغيير كبير وشامل، تغيير جذري بما تعنيه الكلمة؛ فلـذلك كانت التقديرات لدى الكثير أن هذا في قائمة المستحيلات.
ثم حينما تَحَقَّقت النقلات العظيمة، يعني: في الصراع مع قريش، وفي الساحة العربية، وما بعد ذلك فيما يتعلق بالصراع مع اليهود، والتَّمَكُّن من القضاء عليهم في الساحة، وفي المناطق التي كانوا منتشرين فيها، ثم فيما بعد ذلك في الصراع مع الرومان، وصولاً إلى انتصارات المسلمين الكبرى على دولة الروم وامبراطورية الروم… وغير ذلك، تلك النقلات التي تَحَقَّقت كانت آيةً من آيات الله، وكانت تَدُلُّ بشكلٍ واضح على أن منهجية الإسلام، التي تحرَّك فيها رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ”، منهجية صحيحة، تُمثِّل صلةً عظيمةً بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، برعايته، بنصره، بتأييده، ويصنع الله المتغيرات.
أمَّا بالنظر إلى ظروف المسلمين في قلتهم، وضعف إمكاناتهم، وغربتهم؛ وبالنظر إلى أعدائهم، وإمكانات أعدائهم، وقوتهم، ونفوذهم؛ وبالنظر إلى محيطهم المجتمعي المُتَرَبِّص بهم، والمنتظر ماذا سيكون عليه حال هؤلاء، وكيف ستكون عاقبتهم، فكانت التقديرات أنَّ التغيرات الكبيرة التي تَحَقَّقت فيما بعد هي في قائمة المستحيلات.
في بداية أمر الإسلام في مكة، ما قبل هجرة النبي “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ” والمسلمين معه إلى المدينة، كانت وضعية المسلمين في مكة صعبة للغاية: استضعاف كبير، كانوا قلةً قليلة، بين مجتمع قريش، الذي أبى أكثره أن يؤمن، ووصل إلى درجةٍ قال الله عنه: {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}[يس:7]، وكانوا يشعرون بالغربة في ذلك المجتمع، كما في الحديث النبوي: ((بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيباً، وَسَيَعُودُ غَرِيباً كَمَا بَدَأ، فَطُوبَى لِلغُرَبَاء))، قِيْلَ: مَنْ هُمْ يَا رَسُوْلَ اللَّه؟ قَال: ((الَّذِينَ يَصْلَحُون عِنْدَ فَسَادِ النَّاس))، أو كما في الحديث.
الحالة تلك في مكة كان البعض فيها من المسلمين في حالة اضطهاد، وتعذيب، حالة صعبة؛ ولهـذا يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[الأنفال:26]، هذه الآية المباركة هي تَحْكِي لنا تلك الأحوال، كيف كانت في بداية الأمر، ثم ما صنعه الله من تغييرٍ لذلك الحال، وهي درسٌ لهم ولكل المؤمنين، على مدى التاريخ إلى قيام الساعة، كيف يمكن أن تكون هذه الآية حالةً قائمة في واقع المؤمنين، الذين يتحركون في واقع استضعاف، وقِلة قليلة، ثم تتغير أحوالهم بتوفيقٍ من الله، ونصرٍ من الله، ورعايةٍ من الله، إلى عِزّ، إلى نصر، إلى تمكين، إلى نفوذ، إلى سَعة… إلى غير ذلك.
بعد هجرة النبي “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ” إلى المدينة تحسَّنت أحوال المسلمين بدايةً، فكانت نقلةً في وضعهم، وكانت فرجاً من الحالة التي كانوا فيها من الاضطهاد، والتعذيب، والظلم، فيما توفر لهم في المدينة من حالةٍ جيدة: بيئة حاضنة، واستقبال، واستقرار، وتحسنٌ في أحوالهم، بعدما كانوا يعانونه في مجتمعهم في قريش من: التكذيب، والاضطهاد، والإذلال، أصبحوا عند إخوةٍ لهم هم الأنصار، احتضنوهم، فهيَّأ الله لهم المأوى، {فَآوَاكُمْ}[الأنفال:26]، هذا كان هو من أول المتطلبات لتغيير أحوالهم، ومن أول المتطلبات لبناء أُمَّة مُسْلِمَة، تحتاج أولاً إلى حاضنة اجتماعية، ونطاق جغرافي تنهض منه هذه الأُمَّة، ويقوم فيه أمر الإسلام، {فَآوَاكُمْ}[الأنفال:26].
مع ذلك كان لا يزال محيطهم في المدينة نفسها، في محيط المدينة، وفي الجزيرة العربية، محيطاً متغيراً عنهم، يُشكِّل تهديداً لهم، يعني:
هناك في الجزيرة العربية أعداء أَشِدَّاء أَلِدَّاء لهم. وهناك اليهود- كذلك- يعادون الرسالة الإسلامية والمسلمين، ويعادون رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”. وهناك على المستوى الدولي قوى دولية ضخمة: امبراطورية الرومان… وغيرها.فلـذلك كانوا في ظل ذلك الوضع لا يزالون يواجهون التحديات الكبيرة؛ بدأ الفرج، بدأ تَحَسُّن الحال بالإيواء لهم في المدينة، بالبيئة الحاضنة هناك، لكن التهديد واسع من حولهم؛ فهم بحاجة انتصارات، وبحاجة إلى ما يُعَزِّز ثقتهم هم بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بانتصار أمر الإسلام، وكذلك نظرة الكثير من المُتَرَبِّصِين، فالبعض منهم عندما يشاهد- مثلاً- أنه تَحَقَّق للمسلمين انتصارات، وَثَبْتَ أمر الإسلام، قد يُقبِل إلى الإسلام، ممن هم في ما يسمى (في المنطقة الرمادية) كما يقال في التعبيرات، يعني: فئة مترددين، مُتَرَبِّصِين، منتظرين إلى ما ستؤول إليه الأمور: هل سينتصر الإسلام؟ هل سيتقوَّى المسلمون؟ كيف سيكون الحال إذا واجهوا تهديداً عسكرياً، إذا شُنَّت عليهم حرب، هل سيتمكن أعداؤهم من القضاء عليهم، وإنهاء أمر الإسلام، أم لا؟ كثيرٌ من الناس ينتظرون هذه النتائج، فهم في حالة تَرَبُّص، ماذا ستؤول إليه الأمور، لِيُقَرِّرُوا فيما بعد.
البعض من الناس– مثلاً- كانوا مستحسنين للإسلام، دعوة الإسلام، مبادئه؛ جذَّابة، وعظيمة، ومنسجمة مع الفطرة، حقٌّ واضح، لكن الكثير من الناس يتصوَّر: [كيف سينتصر هذا الحق الواضح!]، يعني: الإسلام بنظره: [جيد، ورائع، وشيء عظيم، لكن هل هناك فرصة لأن يَتَحَقَّق في واقع الناس، وأن يقوم له أمر في واقع الناس؟!]، يرى ما عليه أعداؤه من إمكانات، وقوة، وشدة، وحقد في نفس الوقت؛ فيتردد.
فكــان المسلمــون بحاجــة إلى نقلــة:
تُعَزِّز من ثقتهم بثبات أمر الإسلام. وتُخَفِّف من حالة المخاوف لدى البعض من فئة المُتَرَبِّصِين، إذا لمسوا هناك دلائل مطمئنة، قد يُقْبِلون على الإسلام، البعض من المُتَرَبِّصِين. وفي نفس الوقت نقلة تكسر من شَرَهِ الأعداء وأطماعهم، تُخَفِّف من أطماعهم؛ لأن الأعداء حينما ينظرون إلى ظروف المسلمين، قِلَّتِهِم، ضعف إمكاناتهم المادية، فهم يطمعون، ويتصوَّرون أنَّه من الممكن القضاء على المسلمين.فما قبل أن يكون هناك مواجهة عسكرية، الطمع كبير عند الأعداء، ولديهم أمل كبير في أنَّه من الممكن استئصال المسلمين، والقضاء على أمر الإسلام، والقضاء على رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، وإنهاء هذه المسألة بالكامل؛ لأنهم يرونها مشكلةً عليهم.
لماذا يرونها مشكلةً عليهم؟! قوى الكفر والطاغوت والشَّرّ والإجرام ترى نفسها متناقضة مع الإسلام؛ الإسلام هو دين الحق، دين العدل، دين الرَّحمة، دين الخير، الدين الذي يرتقي بالمستضعفين، ويعيد للناس اعتبارهم وكرامتهم الإنسانية، وينقذهم من الاستعباد والاستغلال من قِبَلِ الطغاة والمجرمين والظالمين؛ فهم يعتبرونه يهدد مصالحهم، ونفوذهم القائم على الجور، والظلم، والطغيان، والاستعباد، والاستغلال؛ ولـذلك يرون فيه خطراً، فيتَّجهون لمحاربته بشكلٍ شرس، ويحاولون القضاء عليه.
قوى الكفر، الموجودة في الساحة العربية آنذاك، وفي الجزيرة العربية، قوى متعددة، وعبارة عن مجتمعات قَبَلِيَّة، وتَجَمُّعات قَبَلِيَّة، وهناك اليهود من جهة أخرى، وهناك قوى دوليَّة، وقوى إقليمية، كلها ليست مرحِّبةً بالإسلام، ولا بالنبي “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ” والمسلمين، كلها لها موقفٌ عدائيٌ تجاه المسلمين.
وهناك فئات من المجتمع– كما قلنا- فئات مُتَرَبِّصة، يعني: لم تتحرَّك عملياً لمحاربة المسلمين، وفي نفس الوقت بَقِيَت تراقب الأوضاع إلى ماذا ستتجه وتؤل إليه الأمور.
بين قوى الكفر في الساحة، القوة الأبرز في الجزيرة العربية وهي قريش. قريش هم قوم النبي “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ”، وهم من نسل نبي الله إسماعيل “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، ولهم نفوذهم وأهميتهم الكبيرة في الجزيرة العربية، وتأثيرهم الكبير؛ لأنهم المسيطرون على مكة آنذاك، وهم القائمون على أمور بيت الله الحرام، وإدارة شؤون الحج، وكان العرب لا يزالون يَحُجُّون، وَمُتَمَسِّكِين بالحَجّ، ولا يزال عندهم من المُقَدَّسات، وكذلك الكعبة لها قُدْسِيَّتها وعظمتها في نفوسهم، يُعَظِّمونها، ويَحُجُّون إليها؛ فلقريش المكانة الكبيرة في أوساط الناس، وأوساط بقيَّة القبائل في الجزيرة العربية، فهم كانوا القوة الأبرز- آنذاك- في العداء للإسلام، بدلاً من أن يشكروا الله على نعمته عليهم، وما منحهم ببركة بيته الحرام من سعةٍ في معيشتهم، وحياتهم، ووضعهم الاقتصادي، فالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو الذي أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف، كانوا في سَعَة، ورفاهية في معيشتهم، أحسن حالاً من بقية القبائل العربية، وكانوا في مأمن أكثر من غيرهم، واطمئنان؛ بفعل البركة الكبيرة، والأمن العظيم، الذي جعله الله لبيته الحرام، فهكذا كان حالهم، لكن لم يشكروا نعمة الله عليهم، وتصدروا هم- قبل غيرهم- العداء للنبي “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ” وللإسلام والمسلمين، واتَّجهوا هم لمحاربة الإسلام قبل غيرهم.
فالنبي “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ” هاجر عن مكة إلى المدينة، إلى الأنصار، إلى (الأوس، والخزرج) الذين هم من أصول يمنيَّة، وتوفَّقوا هم بتوفيق الله لهم، فكانوا هم البديل، وكانوا هم البيئة الحاضنة للرسالة الإسلامية، والمؤوين لرسول الله والمسلمين، الذين آووا ونصروا، وسمَّاهم الله بـ (الأنصار)، فكانوا هم ركيزة عظيمة لقيام أمر الإسلام، ودورهم عظيم ومهم.
حينما هاجر النبي “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ” إلى المدينة، كتبت قُريشٌ رسالة إلى الأنصار، إلى (الأوس، والخزرج)، فيها إعلان للحرب، وتهديدٌ صريح، عن أنَّ قريشاً ستهاجمهم إلى المدينة، وستعمل على القضاء على الإسلام والمسلمين هناك، وهذا كان يوضِّح التَّوجُّه لقريش، وماذا ستسعى له، وما تريده.
ثم عملت قريش على إنشاء تحالفات في الساحة العربية لدى الكثير من القبائل، وبالذات القبائل ما بين مكة والمدينة، وفي مناطق أخرى من الجزيرة العربية، هذه التحالفات وهذه التنسيقات على أساس المضايقة الاقتصادية للمسلمين، فتلك القبائل التي تحالفت، والتي نسَّقت- يعني: البعض في مستوى تحالف، البعض في مستوى تنسيق وتعاون بينهم وبين قريش- اتَّفقوا على منع المسلمين من أسواقهم، من الحركة في مناطقهم، من المرور والعبور في مناطقهم، يريدون أن يفرضوا حصاراً وتضييقاً على المسلمين في المدينة؛ حتى لا يتمكَّنوا من الحركة، لا على المستوى الاقتصادي في البيع والشراء، والذهاب إلى الأسواق الأخرى، وكذلك في حركتهم في الجزيرة العربية، وعبورهم ومرورهم.
ثم بدأت قريش بالتحضير فعلياً، لما هددت به في رسالتها إلى (الأوس، والخزرج) الأنصار، من غزو المدينة، بدأت التحضير لعملية عسكرية كبيرة، ولكن المسألة تحتاج إلى تمويل كبير؛ لأنهم يريدون عملية كبيرة، وغزواً عسكرياً فعلياً وحقيقياً للمدينة؛ فلـذلك أرسلت قريشٌ قافلةً تجاريةً ضخمة إلى الشام، وكانت من أضخم القوافل التي قد بعثتها إلى الشام؛ بهدف أن يكون منها عائدات مالية ضخمة، وساهم فيها الكل في مكة، يعني: جعلوا كل القُرَشِيِّين، كل الناس هناك، جعلوهم أن يساهموا، وفرضوا عليهم أن يساهموا مالياً في تلك القافلة؛ ليكون الكل مساهم فيها، بحيث تكون قافلة ضخمة، وتكون عائداتها المالية- كما اتَّفقوا على ذلك وقَرَّرُوا- عائداتها المالية مُخَصَّصَةً، لماذا؟ للعملية العسكرية ضد رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ” والمسلمين معه في المدينة.
وذهبت تلك القافلة إلى الشام، ولأهمية تلك القافلة، كان على رأسها، والقائم بأمرها: أبو سفيان، القائد الأبرز بين قادة المشركين في قريش، فخرجت تلك القافلة إلى الشام، وأتى الخبر إلى النبي “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ”.
رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ”، ما بعد الهجرة إلى المدينة، هو يدرك طبيعة الظروف القائمة، وردَّة فعل قريش، والمعادين للإسلام، ومتطلبات تلك المرحلة، في ضرورة الاستعداد العسكري، والتحرُّك الجهادي، وأتاه من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” الإذن والأمر بذلك: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}[الحج:39]، فبدأ يتحرك في الاستعداد؛ ليكـون واقع المسلمين بمستوى مواجهة كل التحديات:
أنشأ معسكراً للتدريب القتالي في المدينة. بدأ يُحُثُّ الناس على الاستعداد، بما في ذلك: في التدريب وفي الإعداد العسكري، توفير السلاح، والسعي لتوفيره، بحسب إمكاناتهم وظروفهم. وبدأ يُحرِّك المسلمين في سرايا، يعني: تشكيلات عسكرية صغيرة، لم تكن كبيرة الحجم، (سرايا)، أحياناً يكون عدد السَّرِيَّة (عشرين، أحياناً أربعين، أحياناً ثلاثين، أحياناً خمسين، أحياناً سبعين، أحياناً عشرة، أحياناً…)، وهكذا، وفق المهام التي يرسلهم إليها، وفي إطار- أيضاً- ما يواجهونه من تهديدات في مهامهم، يَبُثُّ السرايا الاستطلاعية تلك، وهذه كانت عملية مهمة جدًّا: منها: تساعد في تنشيط المسلمين، في تهيئتهم نفسياً وذهنياً للمواجهة والجهاد. ومنها كذلك: الرصد وجمع المعلومات. ومنها كذلك: الفرض لحالة تَحَرُّك المسلمين، وكسر ما تسعى له قريشٌ في عدائها للإسلام والمسلمين من العزلة، تريد أن تفرض عزلةً مُحْكَمَةً على المسلمين في داخل المدينة، فرسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ” بتلك السرايا كان يكسر تلك العزلة، يُحَرِّك المسلمين في تلك السرايا، فتذهب إلى مناطق متعددة، وفي مهام- أيضاً- محدودة، كانت تلك المهام بحسب ما تقتضيه تلك المرحلة.رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ” كان يرصد تحركات الأعداء، ولم يكن غافلاً عنهم، وكان يسعى إلى إعداد المسلمين للتَّصدِّي لهم، حرَّك تلك السرايا، كسر حالة العزلة، لم يسمح بأن يكون واقع المسلمين في حالة انكماش في المدينة؛ حتى لا تتحول الساحة من حولهم إلى ساحة مغلقة في وجوههم؛ فَعَلِم بموضوع القافلة، وبأمرٍ من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وجَّهه الله لاستهداف تلك القافلة، التي هي مُخَصَّصَة في عائداتها المالية لعملٍ عدواني يستهدف المسلمين، وقَرَّر الاستهداف لها أثناء عودتها من الشام.
نكتفي بهذا المقدار، ونستكمل البقية فيما يتعلق بهذه الغزوة المباركة في المحاضرات القادمة إن شاء الله.
نَسْألُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
المحاضرة الرمضانية السابعة عشرة للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي 19 رمضان 1446هـ 19 مارس 2025م pic.twitter.com/xcMbjtloqh
— الإعلام الحربي اليمني (@MMY1444) March 19, 2025
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
كلمات دلالية: فی الجزیرة العربیة فی القرآن الکریم واقع المسلمین تلک القافلة المسلمین فی إلى المدینة أمر الإسلام ع ل ى آل ه فیما یتعلق فی المدینة القضاء على رسول الله فی الساحة الکثیر من إلى الشام س ب ح ان ه ت ع ال ى الم ت ر ب مسألة أن من الناس البعض من کانوا فی ال م ل ک من الله فی واقع التی ت فی مکة من الم ما بعد إلى ما
إقرأ أيضاً:
الهوية اليمنية .. عودة إلى الجذور وثبات على الأصالة
يمانيون / تقرير
التأكيدُ على ضرورةِ تمسك اليمنيينُ بالهوّية الإيمانيةِ هي مسألة حيوية مبنية على مكانة اليمنيين في الإسلام وما اتصفوا به على مدى التاريخ من صفات شكلت قواما أصيلا لهذه الهوية، وإنما يأتي التحفيز لإحياء مظاهرها تذكيرا لهم بأنهم لا يزالون المؤهلين لحمل راية الإسلام كما كانوا منذ بزغ نوره وشع على الأرض.
اليمنيون يتعرضون اليوم لأ بشع هجمة بسبب ثباتهم على أصالتهم وقيمهم، وثباتهم على هويتهم المتصلة بالله تعالى وكتبه ورسله.
هوّية إيمانية شاملةُ تتجاوز الهويّات الضيّقة الصّغيرة القبليّة والمناطقّية والعرقية والعصبوية، لا تعبر عن حقيقة اليمنيين وانتمائهم، باتت اليوم مطلباً حتمياً لمواجهة هذه المخاطر التي يحاول الواقفون على تأجيجها سلب إرادة الأمم والشعوب وإبقائها في حالة (المستضعفين).
هي مسألة ليست ببعيدة عن تعاليمنا الإسلامية ولا بغريبة على معتقداتنا، إنها تحفيز للعودة إلى الأصول والثوابت الدينية والثقافة القرآنية، لنكون جميعاً في خندق واحد بالقول وبمعية العمل، وبملازمة الفعل الذي يعكس القناعة والإيمان بهذه الثوابت وهذا الإيمان.
الهوية الإيمانية هي معرّف موضوعي لطبيعتنا كمسلمين، والتعاطي معها ينبغي أن يحتكم إلى عقلانية النقاش بروحية عالية مهيأة للتفهم والقبول بالطرح.
كثير من الأفكار نجحت للأسف الشديد في تسميم ثقافة شريحة لا يمكن الاستهانة بها من المثقفين، أدخلتهم في دائرة الشك التي طالت حتى الشك في المعتقدات يدخلون في جدال يضعفهم أكثر مما يوصلهم إلى الحقيقة، زعزعت ثقتهم بهويتهم فباتوا في حالة استلاب عن تحديد الحقائق بل حتى عن تمكين الذات فرصة للتأملّ في خلفيات المفهوم.
علماء الأمة، من حملوا على عاتقهم مسؤولية كبيرة في تصحيح الثقافات المغلوطة والوقوف بالناس على البينات بالاستناد على قاعدة متينة ثابتة قوامها المنهج الرباني ومضامينه آيات الله وأحاديث رسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، والاجتهادات الخالصة عن من ساروا على هديه.
في ذات مناسبة التقى عدد من هؤلاء العلماء وجعلوا من (الهوية الإيمانية) محورا للنقاش وخلصوا إلى أن الاحتفال بذكرى دخول اليمنيين في الإسلام هو بذاته تعبير صادق عن أصالة الهوية لليمنيين وارتباطهم المباشر بالمصادر الأصيلة في الإسلام من صحابة المصطفى وأهل بيته من الإمام علي ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما.
واعتبروا، جمعة رجب يوماً فارقاً في تاريخ الشعب اليمني الذي أسلم طواعيةَ واستجابةً لرسول الله عليه الصلاة والسلام .. مبينة أن الهوية الإيمانية هي الهوية الأصيلة للشعب اليمني التي تعبر عن ارتباط اليمنيين الوثيق بالإيمان وانتمائه العملي للإسلام.
وأشاروا إلى أن صمود وثبات اليمنيين خلال سنوات العدوان هو دليل ارتباطهم بالهوية الإيمانية، إذ أثبتوا بذلك أنهم عند عند شهادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي قال عنه “الإيمان يمان والحكمة يمانية والفقه يمان”.
وشددوا على أهمية العناية بالمساجد التي بنيت بأمر رسول الله عليه الصلاة والسلام في اليمن ومن ذلك الجامع الكبير بصنعاء وجامع الجند بتعز وإحياء دورها التنويري .. لافتة إلى ضرورة تعزيز التكافل الاجتماعي وقيم الإيثار والإحسان.
أصالة الهوية
الباحث حمود الأهنومي في ورقة عمل يشير إلى أن الاحتفال بذكرى دخول أهل اليمن الإسلام تعبير عن أصالة الهوية لليمنيين وارتباطهم المباشر بالمصادر الأصيلة في الإسلام من صحابة المصطفى عليه الصلاة والسلام وأهل بيته، من الإمام علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل رضوان الله عليهما.
وتطرق العلامة الأهنومي إلى فضائل أهل اليمن في القرآن الكريم قال تعالى “وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”.
كما لفت إلى فضائل أهل اليمن أيضا في السنة المطهرة قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه بن عباس رضي الله عنه “يأتيكم أهل اليمن هم أرق قلوبا وألين أفئدة يريد القوم أن يضعوهم ويأبى الله إلا أن يرفعهم”، وقوله “الإيمان يمانٍ وهم منّي وإليّ وإن بعُد منهم المربع ويوشك أن يأتوكم أنصاراً وأعواناً فآمركم بهم خيراً”.
وبشأن أولئك الذين باعوا أنفسهم لأعداء الأمة جاء للباحث “إن ما يعيشونه اليوم هو حالةٌ من التنكُّر للهُوِيَّة اليمانية الإيمانية، وهو نتيجة من نتائج بُعْدِهم عن الهُوِيَّة الإيمانية اليمانية.. إن المسألة غاية في الأهمية، وهنا أقتبس بعض العبارات من كلام السيد القائد حفظه الله وهي أنه قال: “يجب أن ننظر لهذه المسألة مسألة الهُوِيَّة على أنها غاية في الأهمية”، وقال عن الهُوِيَّة الإيمانية بأنها تنتمي للإيمان، وأن “الإيمان مبادئ، وقيم، وأخلاق، والتزامات، ومفاهيم تَنزِل إلى واقع الحياة، وتُبْنَى عليها الحياة، وهو مواقف، وسلوكيات، وأعمال، ومسار حياة، ومشروع حياة”، وذكر أن: “القيمة الإنسانية قيمة عظيمة في الهُوِيَّة الإيمانية”، وذكر أن “أسوأ عملية مسخ للإنسان اليمني أن يخرج من الحالة الإيجابية الراقية التي عُرِفَ بها الإنسانُ اليمني الإسلامي وهويته، والتي توارثها منذ فجر الإسلام، ومنذ الصدر الأول للإسلام على يد رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلى يد تلامذته العظماء، وفي طليعتهم الإمام علي بن أبي طالب عليهم السلام، ومعاذ بن جبل، وغيرهما”.
وفي استعراضه لشواهد تاريخية تدل على الهوية الإيمانية لليمنيين.. أشار الباحث إلى أن “إسلام أهل اليمن إسلام قوي وقويم، ودائما، وبشكل سريع، ومن دون معارك كبيرة، بل بالحوار والإقناع”.. وقال “واليمنيون اليوم يقدمون نموذجا رائدا للإيمان النقي والمواجه والمحمدي الأصيل على مستوى العالم الإسلامي؛ ولهذا ليس بعيدا أن تكون اليمن هي رائدة العمل الإيماني والجهاد الإيماني في زمن الارتداد”.. ويضيف الباحث “وأظهرت الأحداث المعاصرة والمواقف اليوم في آخر الزمان، أن إيمان المؤمنين في اليمن علماء ومجاهدين وقادة ومواطنين “على نحو راق، ومتميز، وهم في طليعة الأمة بكل ما يمثله إيمانها من مبادئ وقيم وأخلاق وروحية” على حد وصف السيد القائد سلام الله عليه”.
الباحث أوصى في نهاية حديثه بأن تكون استجابتُنا مُعبِّرة عن هذه الهُوِيَّة، علما وجهادا وأخلاقا وفكرا وثقافة وتحركا وانطلاقة، وتُضَمَّين هذه الهُوِيَّة في الدستور والقوانين، وأن تُشتق منها فلسفة الدولة اليمنية العادلة، ومناهجها التعليمية والإرشادية والتثقيفية، وأولوياتها، وغاياتها.
الكتاب المهيمن
يبين العلامة عبدالرحمن شمس الدين “أن الهوية الإيمانية هي العلاقة والانتماء للإيمان بكل ما يعنيه ويشمله الإيمان من جوانب عبادية وفق ما أمر به الله ووجه إليه ونهى عنه وهي البطاقة التعريفية التي يعرف بها الإنسان المؤمن”
ويلفت العلامة شمس الدين في تناوله لهذا الموضوع: “أن الهوية الإيمانية قد عرفها الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي رحمة الله وسلامه عليه في ملزمة الهوية الإيمانية وهو يتحدث حول قول الله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وملائكته وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أو أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وارحمنا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} صدق الله العظيم.. وأردف الشهيد القائد قائلاً:- إن هذه الآية الكريمة، هي الهوية الإيمانية لأنبياء الله ورسله وللمؤمنين جميعاً، هي البطاقة الكاملة العناوين لأنبياء الله ورسله, والسائرين على طريقه من المؤمنين بهم، هي تقرير للمؤمنين أنه هكذا يجب أن يكون إيمانهم، هي تعريف بالمسيرة الإلهية لأنبياء الله ورسله والصالحين من عباده جيلاً بعد جيل.”
وقال العلامة شمس الدين: لهذا نلاحظ أن الهوية الإيمانية أسمى وأشرف هوية يمكن أن ينالها ويتحلى بها الإنسان كيف لا وهي ترتبط بالعلاقة بالله سبحانه وتعالى والعلاقة بكتبه وفي مقدمتهم الكتاب المهيمن وهو القرآن الكريم والرسل والأنبياء جميعاً من عند نبي الله آدم إلى خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلوات الله عليه وعلى آله.
وأشار إلى أن الهوية الإيمانية ليست مجرد اسم أو مصطلح أو شعار فقط بل هي عبارة عن مضامين عملية تتجسد في بناء النفوس إيمانيا وهذا الإيمان يتجسد في واقع الحياة قولاً وعملاً استجابة لله سبحانه وتعالى على شكل أعمال ومواقف تنبع من قيم ومبادئ الإيمان، وقيم الدين كفيلة بأن ترتقي بالإنسان المؤمن وأن تجعله يحقق أعمالا قوية وناجحة سواء في مجال العبادة والطاعة لله أو في مجال الصراع بين الحق والباطل، ولا يمكن للأمة أن تنتصر على الطاغوت والاستكبار إلا إذا جسدت معنى الهوية الإيمانية في واقعها بالشكل الذي يرتضيه الله ويتوافق مع قيم ومبادئ الإيمان.
ويؤكد العلامة شمس الدين- على أنه إذا حصل التزام بما تحويه القيم الإيمانية من أوامر ونواهي فأن ذلك سوف ينعكس بشكل إيجابي كبير في واقع الأمة الإسلامية ويحصنها من الاختراقات الهجمات المتعددة التي تستهدفها وكذلك الحال بالنسبة لتأثير الهوية الإيمانية في الآخرة إذا كان الإنسان المؤمن يجسد مبادئ وقيم الهوية الإيمانية في واقع حياته هنا في الدنيا بالشكل الذي يريده الله تعإلى فبالتأكيد أنها سوف تجعل له مكانة رفيعة عند الله في الآخرة وتجعله من المفلحين والفائزين ويحظى برضوان الله وجنته.
واعتبر أن الهوية الإيمانية هي وقاية من الجراثيم الفكرية المسمومة والثقافات المغلوطة والعقائد الباطلة.. لافتا إلى أن أهم وأقوى الطرق للوقاية من أي اختراق أو استهداف لهويتنا الإيمانية هي معرفة من نحن ومعرفة من هم أعداؤنا والتمسك بقوة بما جاء من عند الله، والتذكير بالقرآن الكريم وبالأحاديث النبوية الشريفة وفي مقدمتها ( الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية).
هم المدد
رئيس ملتقى التصوف الإسلامي عدنان الجنيد في ورقة عمل بعنوان “الهوية اليمنية في مرمى الاستهداف الصهيو – وهابي”.. أشار فيها إلى التعايش المذهبي بين أبناء الشعب اليمني وأبرزهما هما المذهبا الزيدي والشافعي على مر التاريخ.
وأرجع استهداف الهوية اليمنية، إلى أن اليمنيين هم أوائل الذين أسلموا ولحقوا بركب المصطفى عليه الصلاة والسلام أفرادا وجماعات إلى جانب أن الإسلام انتشر عبر أبناء اليمن في أنحاء المعمورة وهم المدد للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ولفت الجنيد إلى خطوات استهداف الهوية اليمنية عبر الفكر الوهابي الذي عمل على إنشاء المعاهد الدينية والجمعيات الخيرية بغرض طمس الهوية الإيمانية والمعالم الدينية.. لافتا إلى أن هذه المعاهد والجمعيات ساهمت في تفريخ المراكز الوهابية وتوسع انتشارها خلال الفترة الماضية، في محاولة لضرب الهوية اليمنية بكافة شرائحها ومكوناتها.
برامج تفعيل
المعلم في الجامع الكبير محيي الدين علي محمد الحكمي قال “نركز في الجامع الكبير ومن خلال حلقات التعليم كيف تعمق الهوية الإيمانية في نفسية الطالب وكيف ننقلها إلى الآخر من خلال الطالب الذي يخرج خطيباً أو قاضياً الخ، وعندما يعايش المجتمع ينقل صورة عن تحديد الهوية”.. وأضاف “الجامع يرسل أيضا الخطباء والمرشدين والوعاظ إلى المساجد وإلى القرى والمناطق المختلفة لتوعية الناس بمعنى الهوية الإيمانية الحقيقية التي كادت أن تُطمس منطلقين من صنعاء القديمة التي هي الحاضنة الأساسية للجامع، طبعا منذ فترة مع دخول بعض الأفكار انطمست بعض المعالم والمظاهر ونحاول إحياءها ولكن سوف يكون ذلك إن شاء الله من خلال العديد من البرامج”.
المصدر / الثقافة القرآنية