إستنفار الجهاديين و خروج الإرهابيين من السجون هل تفتح الباب أمام دعشنة الواقع السوداني؟
تاريخ النشر: 24th, August 2023 GMT
إستنفار الجهاديين وظهور كتيبة البراء بن مالك وخروج الإرهابيين من السجون هل تفتح الباب أمام دعشنة الواقع السوداني؟
الهادي محمد الأمين
(مع تزايد حدة التصعيد العسكري بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع رمت القوات المسلحة السودانية بورقة مشتعلة في ساحة الصراع المسلح بين طرفي النزاع حيث أعلن الجيش السوداني حالة الإستنفار والتعبئة العامة وتجييش الشباب وفتح معسكرات التدريب في مناطق متفرقة بالعاصمة الخرطوم ومدن الولايات الأخري الأمر الذي أدي لتدفق المقاتلين الجهاديين الذين سبق وأن شاركوا في مسارح العمليات بجنوب السودان في عقد التسعينات من القرن الماضي في وضع يتماثل مع معسكرات الدفاع الشعبي وبما يشبه إستدعاء (الحالة الجهادية) في فترات سابقة من حكم الإنقاذ في ذات الوقت الذي ظهرت فيه عناصر كتيبة البراء بن مالك التي تستوعب جهاديو الحركة الإسلامية الذين إنخرطوا ضمن ألوية الجيش السوداني وأعلنت الحركة الإسلامية مقتل العديد من كوادرها في مقدمتهم أمين منظومة الفكر والتأصيل بالحركة الإسلامية محمد الفضل عبد الواحد عثمان الأمر الذي حرّك الكثير من الشكوك والهواجس حول طبيعة وشكل إلتحاق مقاتلي الحركة الإسلامية بصفوف القوات المسلحة كمتطوعين وهل من الممكن أن يفتح هذا التطور المفاجئ أبواب التطرف الديني وإنتقال الحرب من كونها حرب عسكرية إلي معارك ذات طابع ديني عقائدي ومن ثمّ ظهور العناصر الراديكالية والمتطرفة وصعودها علي سطح الأحداث في ظل إحتدام النزاعات المسلحة) ؟
{إصطفاف عقائدي جديد}
• تجئ هذه الهواجس والمخاوف في وقت تداولت فيه مجالس المدينة علي نطاق واسع أن هناك تحالفاً برز علي السطح بين قيادات النظام البائد التي زارت مدينة كسلا مؤخراً ومقاتلي حركة الإصلاح الإسلامي الإرتري التي يتزعمها (أبو الحارث) آدم إسماعيل وتعد الحركة أكبر فصيل جهادي مسلح معارض لنظام الرئيس إسياسي أفورقي في أسمرا ورغم أن العمليات العسكرية المسلحة لحركة الإصلاح الإسلامي الإرتري تنطلق من داخل الأراضي الإرترية حيث تتوزع معسكراتها وأماكن تمركزاتها إلا أنها إرتبطت إرتباطاً وثيقاً بشرق السودان وذلك من خلال إستقرار العديد من قياداتها في مدينة كسلا حيث كانت الحركة في وقت سابق تقاتل تحت راية حركة الجهاد الإسلامي الإرتري وظهرت مؤخراً بمسمي حركة الإصلاح الإسلامي الإرتري وتأسست داخل الحدود الشرقية لتضم عناصر مقاتلة من الجماعة السلفية ومن حركة الأخوان المسلمين ولها شبكة علاقات واسعة مع حركة الشباب المجاهدين في الصومال وقد يُشكّل هذا التحالف تطوراً جديداً وخطيراً في مسارات النزاع المسلح بالسودان بفتح جبهة قتال جديدة في شرق السودان تكون نقطة ساخنة بطابع ديني له إمتدادات محلية وإقليمية بالنظر لشكل العلاقة بين النظام البائد والحركات الجهادية سواءً الإرترية أو الصومالية ، هذا وتزعم قوات الدعم السريع أنها تقاتل حالياً كتائب المتطرفين والعناصر الراديكالية التي تحركها الحركة الإسلامية في الخفاء ومن وراء ستار وقامت بالقبض علي محمد علي الجزولي أبرز مؤيدي داعش في السودان ولم تُفرج عنه حتي الآن .
{تسخين المشهد}
• وقطعاً لا يمكن قراءة هذه التطورات بمعزل عن جملة من المستجدات في المشهد السوداني الراهن علي ضوء خروج العديد من سجناء السلفية الجهادية والقاعدة وداعش الذين كانوا محتجزين في عدد من السجون السودانية وتم إخلاء سبيلهم بعد عمليات إقتحام السجون وتحرير المعتقلين وفرار كثير من الموقوفين في سجني الهدي شمالي أم درمان وسجن كوبر العتيق بالخرطوم بحري ومن بين المعتقلين إلي جانب المتطرفين السودانيين مقاتلون من جنسيات عربية وإفريقية كانوا متورطين في تنفيذ عمليات إرهابية وكذلك خروج متطرفين مصريين كانوا يخضعون لمحاكمة أمام القضاء السوداني ومن بين أخطر العناصر التي أُخرجت من المعتقلات أبو حذيفة السوداني أحد أبرز رفقاء أسامة بن لادن وألّف أبو حذيفة السوداني في العام الماضي كتاباً حمل عنوان “الأمير المنسي” رسالة إلي “أبي مصعب الزرقاوي بلاد النهرين” يدعو فيه إلي بناء تشكيلات عسكرية وتأسيس جبهات قتال بالسودان والتخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية وتفجيرات ضد أهداف غربية بالسودان تلاه إصدار كتاب آخر تحت عنوان “الآن جاء القتال ، رسائل حرب للمجاهدين في السودان” يحث فيه العناصر المقاتلة لمهاجمة المصالح الغربية واستهداف الوجود الأجنبي ومقاتلة الأمريكان وسبق ذلك قرار السلطات السودانية بالإفراج عن عبد الرؤوف أبوزيد أحد المدانين قضائياً بالإعدام لتورطه في حادثة إغتيال الدبلوماسي الأمريكي جون مايكل غرانفيل في مطلع العام 2008 وسجّلت واشنطن إعتراضاً علي قرار الخرطوم بإطلاق سراح عبد الرؤوف أبوزيد مؤكدة أنه لا زال مُدرجاً ضمن قوائم الإرهابيين الدوليين عاليْي الخطورة .
{جبهات قتال}
• وعلي الرغم من أنه لا توجد إحصائية رسمية ترصد وتحصر أعداد المقاتلين المتطرفين في السودان ولا أحد يستطيع أن يحدد علي وجه الدقة تأثيرهم وأمكنة وجودهم وخارطة إنتشارهم وفي أي موقع يتخندقون ؟ إلا أن واقع الحال يشير إلي وجود كثير من المقاتلين لا زالوا منخرطين في صفوف الجماعات المقاتلة سواء تحت لواء القاعدة أو تحت مظلة داعش هذا عطفاً علي العائدين للسودان من جبهات القتال في سوريا والعراق وليبيا وأفغانستان ونيجيريا والصومال ومالي فضلاً عن عناصر ظلت لفترات طويلة مطلقة السراح لم تطالها حملة الإعتقالات هذا خلافاً للمتطرفين الذين يعملون تحت الأرض وفي الخفاء كخلايا نائمة لم تظهر علي السطح بعد غير أن أكثر العناصر المتطرفة ظهوراً خلال الفترة السابقة تلك التي بدأت تؤسس لـ (إرهاب الظل) و (الإرهاب الزاحف) مثل قائد الدبّابين الناجي عبد الله ومحمد علي الجزولي والناجي مصطفي والذي سبق وأن جمع عدداً من المقاتلين الملثمين قبل عدة شهور في منطقة نائية بولاية النيل الأبيض وهم يحملون الأسلحة الرشاشة وهددوا بإستهداف المُطبّعين مع إسرائيل بالسودان وتسببت هذه الواقعة في إعتقال الناجي مصطفي ومحاكمته قبيل إندلاع الحرب في الخرطوم وفي رمضان الماضي ظهرت تحركات نشطة من جماعات جهادية إتخذت الإفطارات الرمضانية مناسبة لبداية تأسيس تشكيلات ومنظومات قتالية لإجهاض الإتفاق الإطاري بحجة أنه يؤسس لسودان علماني .
{فيروس الإرهاب}
• والشاهد أن السودان وإلي وقت قريب إرتبط بالحروب الدينية والنزاعات المسلحة ذات الطابع العقائدي التي فتحت الطريق أمام بروز التطرف والإرهاب وظهور الفصائل الجهادية مما أدي لوضع السودان في اللائحة السوداء وتصنيفه كدولة راعية للإرهاب ومهددة لدول الجوار الإفريقي وللأمن الإقليمي بالمنطقة منذ العام 1997 فعقب قيام الإنقلاب العسكري الذي نفذته الجبهة الإسلامية القومية في العام 1989 بدأت حركة التجييش و(الجَهْدَنة) والتعبئة والإستنفار وفتح معسكرات التدريب من خلال ما يعرف بقوات (الإحتياط) أو (القوات المساندة) و (المليشيات المسلحة) وتطورت هذه المسارات خلال حرب الجنوب في عهد الإنقاذ إلي قوات الدفاع الشعبي من خلال (قيادة قوات الدفاع الشعبي) كمظلة عسكرية و (المنسقية العامة للدفاع الشعبي) كمظلة شبه عسكرية وتولدت في ذلك الوقت أدبيات الجهاد (زاد المجاهد ، خلافة المجاهد ، أعراس الشهيد) علاوة علي شعارات وهُتافات القتال وظهور دعايات وروايات أقرب للأساطير منها إلي الحقيقة علي شاكلة أن الملائكة تقاتل مع المرابطين في الثغور وكذلك زفاف القتيل إلي الجنة ليتزوج من الحور العين وما يصاحب ذلك من ثقافة الإنشاد الحماسي (الأناشيد الجهادية) المستوحاة من أشعار أقطاب الأخوان المسلمين كـ (سيد قطب ، يوسف القرضاوي وعمر النامي) فهذه الأشعار كانت تعمل علي شحن وتهييج العاطفة الدينية وتُغذّيها بالحماس وشكلت الزاوية أو الركيزة التي تأسست عليها فكرة الألوية وفلسفة الكتائب الجهادية والفصائل المقاتلة وهي جزء من الفكرة العامة لحركة الأخوان المسلمين المُعتمِدة علي الأجنحة العسكرية والمُتناسِلة من الأجهزة الأمنية السرية التي أسسها زعيم الأخوان المسلمين حسن البنا وأسندت قيادتها لعبد الرحمن السندي .
{سودنة التطرف}
• وإتجهت الإنقاذ خلال فترة حكمها إلي توطين وسودنة شعارات الجهاد وتحويل القتال ضد الحركة الشعبية بجنوب السودان إلي حرب دينية بحجة أن الحركة الشعبية تستمد سندها الإقليمي والعالمي من المؤسسات الكنسية والنصرانية ومن ثمّ اتخذت الحرب طابعها الديني وظهرت قيادات سياسية ومدنية عرفت بـ (المجاهدين) وتوسعت الظاهرة عبر عدد من المسميات كـ (الدبابين ، الطيارين والقوات الخاصة والمرابطين) وقد تمازج وتلاقح المكون المحلي الذي أفرزته سياسات الإنقاذ بوجهها الآيدلوجي المتشدد مع المكون الخارجي من خلال إستقبال واستقطاب الخرطوم لما كان يعرف وقتها بـ (المجاهدين العرب) بقايا حركة الجهاد الأفغاني الذين تدفقوا نحو السودان بعد أن عمِدت الحكومة السودانية برئاسة عمر البشير بانتهاج (سياسة الباب المفتوح) وسمحت هذه السياسة بدخول أسامة بن لادن وجيشه وقيادات الجماعات الإرهابية مثل أيمن الظواهري بالإستقرار في العاصمة الخرطوم حيث طاب لهم المقام وتم تأسيس تيار أصولي متشدد تحت مسمي (المؤتمر الشعبي العربي والإسلامي) وتحولت الخرطوم وقتها لنقطة لتجميع المقاتلين الأفغان حول العالم ليجدوا المأوي والملاذ الآمن ليتم وقتها تشكيل جبهة قتال واسعة تضم العناصر السودانية مع الكوادر المقاتلة القادمة عبر الحدود ومن مختلف الجنسيات وحدوث تزاوج أسس لأول جبهة قتال عالمية شكلت النواة الأولي لتنظيم القاعدة وهي (الجبهة الإسلامية المُقاتِلة) حيث وقعت حينها العديد من الحوادث الإرهابية في مقدمتها مجزرة مسجد الثورة الحارة الأولي بأم درمان في العام 1994 والتي نفذها عبد الرحمن الخليفي أحد طاقم الحراسة المكلفة بتأمين أسامة بن لادن فمحاولة إغتيال الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك أثناء إنعقاد أعمال قمة منظمة الوحدة الإفريقية في أديس أبابا في العام 1995 وكذلك تفجيرات سفارتي أمريكا في نيروبي ودار السلام خلال العام 1998 وفي الخرطوم وقعت حادثة إغتيال الدبلوماسي الأمريكي جون مايكل غرانفيل مطلع العام 2008 ثم محاولة إغتيال رئيس الوزراء الأسبق عبد الله حمدوك في مارس 2020 وإنكشاف الخلايا الإرهابية في عدد من مناطق الخرطوم والتي تسببت في مقتل 5 من جنود وضباط مكافحة الإرهاب إلي جانب مقتل 7 من الإرهابيين في سبتمبر وأكتوبر 2021 ثم ظهور فتاوي دينية تجيز إغتيال رئيس بعثة اليونتامس بالسودان فولكر بيرتس .
{النقطة السوداء}
• وعوداً علي بدء فإن التطرف الديني في السودان تزاوجت فيه السلفية الجهادية مع حركات الإسلام السياسي والقاعدة وداعش إضافة إلي التأثر بأدب وفلسفة الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني وهذه الإصطفافات يستفزها التحدي الأمني والعسكري ممثلاً في الوجود الأجنبي علي صعيده المسلح كـ(القوات أممية ، حفظ السلام والمراقبة ، قوات هجين متعددة الجنسيات) وكذلك التدخلات الأجنبية العسكرية كما هو الحال في العراق ، أفغانستان والصومال علي سبيل المثال علي الرغم من أن إرهاب حركات الإسلام السياسي يختلف في (لونيته وبصماته) عن إرهاب القاعدة وداعش بيد أن الظروف والتحولات قد تعمل علي توليد الإرهاب من جديد له طبعة مختلفة مثل الحالة السودانية في وقتها الراهن من خلال ما يعرف بـ (مناخ البيئات المتأزمة) و (ظروف الإنتقال) من واقع حكم عمر البشير إلي واقع إنتقالي آخر بعد إندلاع الثورة السودانية 2019 ثم عهد الفترة الإنتقالية بحكوماتها المختلفة التي إنتهت بإنقلاب البرهان في العام الماضي ثم ظهور النزاع المسلح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع مؤخراً وهي مرحلة (العوامل المحفزة) و بروز (العوامل الكامنة) التي تفرّخ التطرف الديني والإرهاب من خلال ظهور الشبكات أو التشكيلات المسلحة وهو ظهور يحمل العديد من أنماط ونسخ الإرهاب كـ (إرهاب الظل ، إرهاب الجزر المعزولة وإرهاب الذئاب المنفردة) ويجعل من السودان (بؤرة مشتعلة) ودولة مقر للإرهاب وممراً للإرهابيين ونقطة ساخنة مشتعلة ذات إحتراق داخلي وخارجي تجعل السودان واقعاً ضمن الطوق أوالشريط الجهادي بدءاً من حركة الإصلاح الإرتري في إتجاه الشرق وحركة الشباب المجاهدين في القرن الإفريقي وإتصالاً بحركة بوكو حرام في نيجيريا وتشاد هذه بالإضافة إلي الجماعات الإرهابية في غرب ووسط إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء .
نقلاً عن باج نيوز
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
إقرأ أيضاً:
في حوار لـ الفجر.. الناطق الرسمي باسم الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال (الجبهة الثورية): مواقفنا واضحة والحل يبدأ من السلام العادل
• السودان يمر بكارثة إنسانية غير مسبوقة والحرب دمّرت مؤسسات الدولة
• الاتفاق الإطاري لم يكن شاملًا، وكان إعادة إنتاج للسلطة بين قوى محدودة
• لم نُشارك في السلطة التنفيذية فعليًا، وتم تهميشنا في العملية السياسية
• نرفض العودة للحرب، ولسنا طرفًا في الصراع بين الجيش والدعم السريع
• مأساة النازحين مسؤولية طرفي الحرب، ويجب فتح الممرات الإنسانية فورًا
• لا نرفض التدخل الدولي، لكننا نرفض فرض حلول تخدم أجندات خارجية
• نعمل على تجاوز الخلافات بالحوار، ومصلحة الوطن هي البوصلة
• سنظل نتمسك بخيار السلام لأن الوطن يستحق التضحية
بين ركام الحرب التي اندلعت في 15 أبريل 2023، والشلل السياسي الذي أصاب البلاد، تبرز أصوات تبحث عن مخرج عقلاني وواقعي يعيد السودان إلى مساره الوطني الصحيح.
وفي هذا السياق، تتجدد مواقف الحركة الشعبية – شمال، إحدى أبرز الحركات السياسية والعسكرية في السودان، التي خاضت تجربتها الطويلة في الكفاح المسلح والنضال السياسي من أجل بناء دولة تقوم على أسس المواطنة المتساوية، والتنمية المتوازنة، والوحدة على قاعدة التنوع.
وفي حوار خاص مع «الفجر»، فتح الناطق الرسمي باسم الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال (الجبهة الثورية)، سعد محمد عبدالله، ملفات حساسة تتعلق بموقف الحركة من العملية السياسية، وتقييمها للاتفاق الإطاري، والتعيينات الحكومية الأخيرة، وسير تنفيذ الترتيبات الأمنية. كما تناول الحوار رؤية الحركة للعلاقات الإقليمية والدولية، والتحديات الأمنية التي يشهدها إقليم النيل الأزرق، إلى جانب أدوارها الإنسانية والاجتماعية في ظل تصاعد موجات النزوح واللجوء.
هذا الحوار يضع رؤية الحركة في مرمى القارئ العربي والدولي، ويكشف أبعاد مشروعها السياسي في مواجهة واقع بالغ التعقيد، ويطرح تساؤلات حيوية حول البدائل المطروحة للخروج من مأزق الدولة السودانية الحالية.
إلى الحوار..
كيف تقيّمون موقف الحركة الشعبية من العملية السياسية الجارية في السودان؟ هل ترون أن الاتفاق الإطاري يمثل خطوة نحو حل الأزمة الوطنية، أم أن هناك تحفظات لديكم بشأنه؟ وما هي البدائل المطروحة من جانبكم إن وُجدت؟
الحركة الشعبية-شمال لديها رؤيتها السياسية الواضحة حول إدارة السياسة والحوار السوداني والتحول الديمقراطي وتأسيس سودان السلام والتنمية المتوازنة للريف والمدينة والمواطنة المتساوية والوحدة علي أساس التنوع والعمل علي معالجة عِلل الاقتصاد الوطني وقيام المؤتمر القومي الدستوري، وقبل كل ذلك ينبغي توحيد الصفوف أولًا لمقاومة الاستعمار الذي يهدد وجود السودان علي خارطة العالم؛ ثم مخاطبة مواضيع التأسيس التي تمثّل أولويات للمشروع الوطني التحرري الذي نطرحه الآن مع آخرين، وعندما نضع مشهد السودان تحت منظار تحليل عقلاني من خلال تتبع حركة التاريخ السياسي السوداني نلاحظ المتشابهات في الروئ المطروحة في كثير من الوثائق التي أبرمتها القوى السياسية وقدمتها للرأي العام وجددت طرحها في عدة محافل قبل اندلاع الحرب في 15 ابريل - 2023م، وربما يعتقد قارئ تلك الوثائق أن المسألة السودانية قد تُحّل في جلسة واحدة، وأن فرصة التوافق قريبة وممكنة، وهذا اعتقاد طبيعي استنادا علي قراءة ظاهرية للقضية؛ لكن المعضلة الجوهرية تكمن في غياب الإرادة الحقيقية للتوصل إلي حلول شاملة للأزمات التاريخية والمعاصرة، ولننظر بعمق إلي جدية الالتزام السياسي للذين وضعوا الاتفاق الإطاري بكل عِلل بنوده التي يُغض النظر عنها، وغيره من الاتفاقيات التي شاركنا في تشكيلها، وفي كل مرة تأتي فرص تاريخية لإحداث التغيير والتحرر فتضيع بسبب المطامع السياسية التي لا تضع الأولوية لقضايا بناء الوطن بل للسطو علي السلطة وإقصاء الآخر، وقد أوصلت السودان إلي هذه المرحلة الصعبة، لذلك نقوُّل أن المشكلة حلها في هزيمة العقلية السياسية الاستعمارية القديمة ومخاطبة أولويات البناء التأسيسي للدولة بفتح بوابة حوار سياسي وفكري سوداني ينتج الحلول المطلوبة للسودان.
ما هو موقفكم من التعيينات الأخيرة في مجلس السيادة ومجلس الوزراء؟ هل تعتقدون أن هذه التعيينات تمثل تمثيلًا حقيقيًا للتنوع السوداني؟ وهل شملت الأطراف المهمشة؟لقد أصدرت الحركة الشعبية-شمال بيان صحفي بتاريخ ٢٠ مايو - ٢٠٢٥م أوضحت فيه موقفها تجاه تعيين عضوتان بمجلس السيادة ورئيس مجلس الوزراء، ويأتي ذلك في إطار تجديد قيادة الدولة، وكذلك تثبيت مفهوم المشاركة النسوية في حكم وإدارة شؤون البلاد، والمسألة لا تتعلق بقضية المهمشين وحقوقهم الدستورية بل هي تجديد كابينة قيادة الدولة بشكل طبيعي، ونتابع ردود الأفعال محليًا وإقليميًا ودوليًا حيال ذلك، ونأمل أن تساهم هذه الخطوة في إيجاد حلول للكثير من المشكلات الوطنية القائمة لا سيما في إدارة ملفات الاقتصاد ومحاربة الإرهاب وإعادة إعمار ما دمرته الحرب وتحقيق العدالة لضحايا الإبادة الجماعية والتهجير القسري وبناء استراتيجيات جديدة للتعامل مع العلاقات الدولية، وأعتقد أن الوقت للحفاظ علي كيان الدولة التي تشهد حربًا لا مثيل لها البتة، وهذا الأمر من المهام الأساسية للحكومة الجديدة، وبعد تحقيق الاستقرار سوف نأتي للتحدث عن قضايا التمثيل وتفاصيل معايره وآلياته ومهام الدولة القادمة في إطار الحوكمة وبناء سودان السلام والتنمية وإرساء دعائم الاستقرار في البلاد.
كيف تنظرون إلى دور الحركة الشعبية في دعم جهود السلام والاستقرار في السودان؟ وما هي المبادرات التي قدمتموها في هذا الصدد، سواء على مستوى الحوار الوطني أو المصالحات المحلية؟الحركة الشعبية تعتمد في منهج كفاحها التحرري علي آليات أساسية ظلت تعمل بها، ومنها "الحوار السياسي السلمي" الذي يفضي إلي حلول متفق عليها حول قضايا محددة، وعلي هذا الأساس حاورت الحركة "حكومة ما بعد الثورة" ووقعت إتفاقية جوبا للسلام، والتي تعتبر واحدة من أهم الوثائق الوطنية التي أوجدت الإجابات المنطقية لأسئلة المستقبل السوداني في ظِل وجود التنوع مع حالة من التهميش والعنصرية وقضايا الهوية وعلاقة الدين والدولة والحريات العامة والخاصة، وكذلك عندما وقعت أحداث ٢٥ أكتوبر ٢٠٢٢م، وحينها ماج الناس في الساحات السياسية بين رافض ومؤيد ومندهش؛ فكانت الحركة الشعبية أول تنظيم سياسي وقف وتحدث عن ضرورة الحوار العسكري والمدني لحل تلك المشكلة ومنع إنزلاق الدولة إلي الفوضى، ولكن للأسف الشديد شاهدنا فوضى سياسية وأمنية فوق ما كنا نتصور علي الإطلاق، وبعد كل ذلك؛ عملت قيادة الحركة الشعبية مع كثير من القوى الوطنية الحية علي فتح حوار سوداني موضوعي بغية بلورة خارطة طريق لإحياء العملية السياسية من أجل الوصول إلي توافق وطني يحقق المصالح العليا للسودان.
ما هو تقييمكم لعملية دمج قوات الجيش الشعبي في الأجهزة الأمنية السودانية؟ هل ترون أن هناك التزامًا من الحكومة المركزية بتنفيذ اتفاقات الترتيبات الأمنية؟تنفيذ برتوكول "الترتيبات الأمنية"، ودمج الجيش الشعبي في المؤسسة العسكرية بكل تشكيلاتها يُعد أمرًا ضروريًا لمصلحة السودان، وهذه واحدة من القضايا الاستراتيجية للحركة الشعبية التي تأمل التحول من ميادين الكفاح المسلح إلي سوح مسارح العمل السياسي المدني وسط الجماهير، وتعتبر عملية بناء الجيش الوطني المتنوع مخرج وحيد للسودان من ظاهرة تعدد الجيوش، وتمكنا من دمج عدد جيد من قوات الجيش الشعبي في مختلف الأجهزة العسكرية، ولكن بعد اندلاع حرب الاستعمار الاستبدادي المشؤم في السودان تم تأجيل تنفيذ البرتوكول الأمني طبقًا للمصفوفة المحددة لذلك الأمر إلي وقت لاحق لم يحدد بعد، وحملت قوات الجيش الشعبي أسلحتها وتوجهت إلي جبهات القتال المختلفة للنضال في صف واحد مع الجيش السوداني الذي يعمل علي تحرير السودان من المستعمرين والمتمردين، وهنالك مساعٍ جادة لإحياء إجراءات تنفيذ اتفاقية السلام بكل برتوكولاتها ومساراتها.
كيف تتعامل الحركة مع التحديات الأمنية في إقليم النيل الأزرق؟ وما مدى التنسيق بينكم وبين الحكومة المحلية أو الاتحادية في هذا المجال؟قوات الجيش الشعبي التي احتفلت في ١٦ مايو الجارٍ بعيد تأسيسها الـ(٤٢) تحت قيادة الدكتور جون قرنق دي مبيور ورفاقه الأبطال تعمل الآن مع القوات المسلحة بتنسيق وتناغم لتأمين إقليم النيل الأزرق من هجمات متمردي مليشيات الدعم السريع الإرهابية وقوات جوزيف توكأ، والتي كبدتها قواتنا الباسلة مؤخرًا خسائر كبيرة في معارك ضارية تم فيها تحرير "رُورُو ومقجى وبوط وسِلك وقُلي ومدى"، وأيضًا يناضل أبطال الجيش الشعبي في مواقع آخري من أرض السودان، ولكن إقليم النيل الأزرق يتمتع بموقع استراتيجي يجاور في حدوده دولتي أثيوبيا وجنوب السودان، ويجب أن نستشعر المخاطر الأمنية التي قد تحدق به وتنجم عن حالة الرخو علي الحدود المفتوحة، والأصوب أن تمضي كل القوات السودانية التي تقاتل في هذه المحاور بتنسيق عسكري عالٍ لحماية الممتلكات العامة والخاصة ومنع الانتهاكات ضد المواطنين وكذلك شَّل حركة المليشيات المجرمة علي الحدود، وهنالك إنجازات ملحوظة تحققت في هذا الاتجاه، ونثق بأن إقليم النيل الأزرق تحت حماية جيوش باسلة ومحترفة وصامدة صمود الجبال، وتحمل بيارقها تاريخ مسطر بحبر البطولات، وتستطيع التعامل مع كل أشكال الحروب بغية تحقيق الاستقرار.
كيف أثرت الانقسامات الداخلية، مثل خروج ياسر عرمان، على أداء الحركة؟ هل تمت مراجعة داخلية لأسباب هذه الانقسامات، وما النتائج التي خرجتم بها؟طبعًا تاريخ التنظيمات السياسية السودانية مليء بحالات من الانشطار السياسي والتنظيمي بمختلف الأسباب والدوافع، ولم تكن الحركة الشعبية بمعزل عن ذلك، ولكن في كل مرة يحدث الانقسام داخل الحركة تكتسب خبرة ومناعة في التعامل مع عِلاتها، وتدرك الاحتياجات لإصلاحها، وتبحث عن لقاحات ناجعة لمكافحة تلك الأمراض السياسية المتفشية، وطريقة خروج الرفيق ياسر عرمان من الحركة ذاتها كانت نتاج خلاف حول كيفية إدارة التنظيم، ولكن انتهت هذه المسألة عبر إقرار "فراق ودي"، وأضاف ذلك نوع جديد من آداب إدارة وحسم الخلافات السياسية داخل التنظيمات، والحقيقة لم يؤثر الأمر كثيرًا في أداء الحركة الشعبية سياسيًا وتنظيميًا لأن المعركة كانت من أجل "تحرير الرؤية والتنظيم" والوقوف مع السلام والحوار والاستقرار كأولويات قصوى لا يمكن تحقيقها عبر إغراق التنظيم في المشكلات السياسية وإرهاق الدولة وتفكيك أجهزتها المدنية والعسكرية كما كان سائدًا في الخطاب السياسي المضاد الذي يتبناه نشطاء سياسيين من مختلف التيارات السياسية، وقد اخترنا حينها مع طيف سياسي واسع أن نقف في الاتجاه الصحيح من ضفة التاريخ مهما كلف هذا الأمر، وإن دفعنا في قرارنا ثمنًا باهظًا لوجه الوطن وشعبه العظيم فإننا لا نندم أبدًا علي هذه الخطوة التي مشيناها بثقة وإرادة حرة؛ بل نعمل الآن بهمة عالية لبناء تنظيم سياسي فاعل يحمل قضايا الجماهير في الريف الواسع ومخاطبة قضايا المدن وفق مشروع سياسي وفكري متزن وموجه نحو بناء سودان جديد ومُوحد.
ما هو موقفكم من استقالة مبارك أردول ومشاركته في الحكومة؟ وهل ترون أن خروجه يمثل انشقاقًا مبدئيًا أم اختلافًا في الرؤى حول الوسائل؟خروج الرفيق مبارك أردول من الحركة الشعبية جاء في إطار خلاف محدد، وقد تم اتخاذ القرار التنظيمي الذي قضى بخروجه من الحركة آنذاك، وتلك مسألة قد مضت، وكان له ما اختار؛ كما لنا ما اخترنا، وبعدها احتفظ الجميع بمساحة الود التي تمثّل نموذج جديد في آداب الخلاف كما أسلفنا الذِكر آنفًا، ولكن ليس هنالك ما يدعو الآن للوقوف عند هذه النقطة بل علينا السير بقوة إلي الأمام في التحول نحو الريادة السياسية للحركة الشعبية بحمل قضايا الوطن في منعطف التاريخ المعاصر الذي يشهد فيه شعبنا حربًا لا خيار فيها بين البقاء أو الفناء إلا النضال بلا هوادة ولا حياد من أجل الثبات علي أرضنا وبين شعبنا، وبعد ذلك لا يوجد ما يمنع التحدث عن لملمة شمل التنظيم والعبور إلي فضاء المستقبل السياسي في حوار تفاعلي مع الجميع علي أساس مشروع السودان الجديد.
كيف تنظرون إلى دور المجتمع الدولي في دعم العملية السياسية في السودان؟ هل هناك تواصل رسمي مع الاتحاد الإفريقي أو الآلية الثلاثية؟ وكيف تقيمون جدية الدعم الدولي؟المجتمع الإقليمي والدولي مهم جدًا التعامل معه من قبل قيادة الدولة وفقًا لخطة حكومية جيدة تترجم عمق العمل الدبلوماسي الرسمي، وأعتقد؛ من واقع معايشة الأحداث والاستماع للمحللين في الفترة الماضية لم تضع الهيئات في الإقليم والعالم سياسات إستراتيجية واضحة للتعامل مع قضية السودان وتحسس مخاطر الهجوم الذي شنته بعض الحكومات ضده، وكان الأسلم النظر "بعين الاعتبار" إلي خلفيات الصراعات السياسية والعسكرية والاقتصادية وتأثيرها علي الأوضاع السودانية والمحيط الإقليمي قبل الاندفاع خلف التقارير الخاطئة لاتخاذ أيّ قرار بشأن السودان، ودولة السودان تعتبر مفتاح افريقيا نحو الشرق الأوسط من خلال البحر الأحمر، وتتوسط شريطًا واسعة ومضطربًا من القرن إلي الساحل الافريقي، وأيضًا يجب النظر بعناية إلي حركات التجارة العابرة للحدود مع كل دول الجوار المباشر والغير مباشر، ووضع حساب قضايا المناخ والأمن البيئي أمام كارثة الحرب، وأيّ انهيار للسودان يؤدي إلي وقوع مشكلات كبيرة في قارة افريقيا، والأجدى تحاشي ذلك بتوفير الأمن والاستقرار عبر الحوار الاستراتيجي والموضوعي الذي يحفظ استقرار السودان ويحقق مصالح الجميع، ولكن علي كل حال فان الحرب وتداعياتها جعلت المجتمع الإقليمي والدولي يقف ويتأمل الحقائق ويدرس النتائج ويبدأ في تصحيح المواقف السابقة عبر الابتعاد عن خطاب تفكيك السودان بحجج كاذبة، ونثمن الدعوة إلي المحافظة علي وحدة وسيادة واستقرار السودان، ونعتقد أن هنالك توجهات إيجابية ينبغي التعاطي معها بذهن صافٍ يتجه نحو البحث عن تحقيق المصالح الوطنية العليا للبلاد والحفاظ علي بناء علاقات جيدة مع العالم أجمع.
ما هو موقفكم من التدخلات الإقليمية في الشأن السوداني؟ هل ترون أنها تصب في مصلحة الاستقرار، أم أنها تُعمّق الصراع بين القوى السودانية؟انفجر الوضع في السودان بهذا الشكل المريع عند إسائة بعض المكونات الداخلية فهم وتقدير انعكاسات المواقف السياسية والعسكرية في ظِل تحديات جمة تواجه السودان، وكان استقوائهم بحكومات دول آخري من أجل تحقيق مطامع سلطوية في بلادهم جعل الأزمة تنفجر انفجارا داويًا دمر كل شيء، وهذا الوضع المختل في السودان فتح شهية حكومات الاستعمار المستبدة التي لم تتذكر بسالة شعبنا في مقاومة المستعمر ومعارك التحرر علي مدار حِقب تاريخية ماضية؛ لذلك حاولت الانقضاض علي الدولة بدعم وتمويل المليشيات المجرمة مثّل الدعم السريع وغيرها، ولكن اتخذنا قرار الدفاع عن الوطن، ولا تراجع عن ذلك حتى تحرير أخر شبر، وإذا لم تجد تلك الحكومات ما يكبح جبروتها وطغيانها فسوف تواصل في قتل وتشريد شعبنا بغرض نهب ثرواته واستلاب قراره الوطني، ولذلك ينبغي أن تتحمل الهيئات الإقليمية والدولية مسؤولياتها كاملة تجاه القضية السودانية، ونقصد هنا كل من هيئات الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي وجامعة الدول العربية إضافة إلي حكومات الدول العظمى "ذات القرار الأقوى والنفوذ الأوسع في عالم اليوم"؛ فحلحلة المشكلات السودانية يعني الحفاظ علي بوابات مهمة للتجارة والاستثمار علي الحدود والبحر والجو فضلًا عن السياحة العالمية التي تعتبر رافعة لنمو الاقتصاد وبوصلة مهمة لتعارف الشعوب، ويجب علينا تفعيل كل ذلك في دولة تحتل موقع استراتيجي يقع في قلب افريقيا.
ما هي جهود الحركة في دعم النازحين واللاجئين السودانيين؟ وهل لديكم شراكات مع منظمات أممية أو مجتمع مدني لتقديم المساعدة الإنسانية؟الحركة الشعبية-شمال منذ اندلاع هذه الحرب لم تتوقف عن دعم قضايا النازحين واللاجئين في كل مكان، ورفاقنا الآن يعملون في مختلف مواقع النزوح واللجوء تحت خدمة شعبهم، ودعني أشير إلي فتح دار الحركة الشعبية بولاية النيل الأبيض لاستقبال العائدين من مخيمات جنوب السودان قبل تفويجهم إلي إقليم النيل الأزرق تحت رعاية مفوضية العودة الطوعية للنازحين واللاجئين، وهنالك أعداد هائلة من العالقين في معبر جودة الحدودي بين دولتي السودان وجنوب السودان؛ فهم يعيشون أوضاع إنسانية قاسية، وينتظرون الإغاثات التي تحفظ حياتهم، ونأمل أن تعمل كل المنظمات الإنسانية في سبيل إنقاذ حياة هؤلاء المواطنين من الجوع والأوبئة ومساندتهم حتى يعودوا إلي مناطقهم سالمين، وللحركة مسؤولية أخلاقية تجاه الفقراء والمهمشين والكادحين، ونؤكد سعينا مع الدولة والمنظمات الإنسانية من أجل توفير ما يلزم لكل إنسان سوداني نازح ولاجئ إلي أن تتحقق أمنياته في العودة إلي الديار.
كيف تسهم الحركة في تعزيز التعايش السلمي بين المجتمعات المختلفة في السودان؟ وهل أطلقت الحركة مبادرات على مستوى القواعد الشعبية أو المجتمع الأهلي؟للحركة الشعبية-شمال تاريخ عميق وتجارب ثرة في ربط ورتق النسيج الاجتماعي في السودان، وتحتفظ الحركة بعلاقات وطيدة وممتدة مع المجتمعات المحلية في ريف السودان الواسع، وكل ذلك يعود إلي طبيعة نشأة الحركة الشعبية نفسها، والتي ولدت ونمت في أقصى الجنوب قبل أن تنقل إلي مناطق آخري في السودان، وظلت تعمل وسط تلك المجتمعات قبل وبعد توقيع اتفاق السلام الذي نص علي تكوين مفوضية السلام من أجل إدارة هذا الملف المهم، ولكن ظلت الحركة ترفد جميع المؤسسات الأهلية والرسمية بخبراتها وجهودها ووقتها وتبدي الاستعداد التام لمواصلة نشر تلك القيم النبيلة في أيّ زمان ومكان بغية بناء مجتمع إنساني تعاوني يعيش بسلام وأمان في سودان جديد يسع الجميع.
ما هي رؤية الحركة الشعبية لمستقبل السودان؟ هل تدعون إلى نظام فيدرالي؟ وما هي المبادئ الأساسية التي تنادون بها لتحقيق سودان جديد؟هنالك اختلال واضح في نظام الحكم ظل يمثّل تحديًا هيكليًا في إدارة الدولة والتخطيط التنموي وتوازن نهضة مجتمعات الأقاليم، ولذلك يجب إعادة تعريف المؤسسات وصلاحياتها من خلال الإطار الدستوري الجديد الذي ينبغي الاتفاق عليه، وكما ذكرنا من قبل فإن السودان وطن متنوع في الثقافات والأديان والألوان، وعاشت أطياف من شعبه في فصول طويلة من الحرب والاضطهاد، وهنا الحركة الشعبية تقترح بناء نظام ديمقراطي تعددي يُؤسس علي اللا مركزية بما يتماشى مع طبيعة الأوضاع السياسية وحاجات المجتمع في السودان الذي لم يعد يحتمل شعبه قبضة المركز علي الولايات/أقاليم؛ فهذه الدولة التي ورثناها بعد الاستعمار لم تكن تناسب طبائع السودانيين، وقد جرى تشويهها علي مدار فترات حكم الأنظمة الوطنية المتعاقبة، ولم تكن النُخَّب الحاكمة فيما مضى تضع اهتمام واضح لقضايا تطوير وتحديث مؤسسات العلوم والمعارف الكونية التي لا يمكن نهوض الدولة والمجتمع بدونها، وأيضًا هنالك قضايا المساواة أمام الأجهزة العدلية والقانون وقضايا النساء والأطفال والشباب والعمال من الرُعاة والمزارعين وبُناة ومشغلي المصانع في الأرياف والمدن، وهذه الفئات تمثل شرائح كبيرة من المجتمع السوداني المفعم بحيوية مورثاته الإنسانية وخبراته التقليدية في كافة المجالات، والتي تعتبر المحركات الأساسية للحياة وللدولة ويجب الحفاظ عليها وتطويرها للإنتاج وإصلاح الاقتصاد الوطني، وتواصل الحركة الشعبية في نضالها مع القوى الوطنية لمعالجة كل تلك القضايا وبناء دولة المستقبل التي يحلم بها الجميع.
كيف تخطط الحركة للمشاركة في الإنتخابات القادمة؟ وهل لديكم تحالفات أو اتصالات مع قوى سياسية أخرى للمشاركة في العملية الانتخابية؟
تعمل الحركة الشعبية-شمال ”الجبهة الثورية“ منذ لحظة توقيع اتفاقية جوبا للسلام علي هيكلة المؤسسات التنظيمية وتجديد برامجها السياسية وأدوات إدارة الحوار حول العملية السياسية مع الآخرين، وللحركة تفاعلاتها مع الجماهير التي لا تنفصل عنها بحكم القضايا التي تتبناها في تاريخ طويل من الارتباط العضوي مع مجتمعات الهامش في الريف والمدن الريفة، وهذا الحراك السياسي أنتج تحالفات مع العديد من قوى التغيير والتحرر الوطني من كافة الاتجاهات السودانية، والحركة مستعدة للحوار مع الفعاليات السياسية والمدنية التي تشاركها الهم الوطني، وهنالك لقاء مهم جدًا جمع قيادات ثلاث من حركات الكفاح المسلح بمدينة الدمازين بتاريخ ٢٢ مايو - ٢٠٢٥م، وقد صدر عن هذا اللقاء "بيان مشترك" حمل بشريات سياسية جيدة، وبالطبع نحن نعمل علي تهيئة مناخ ملائم لخوض العمل السياسي الذي سيقود إلي الإنتخابات التي يجب أن ندخلها بمشروع للتغيير والتعمير، وأعتقد أن الإنتخابات فرصة جيدة تمنحنا مساحات للحوار السياسي والفكري في إطار التنافس الجاد أمام الشعب مع الآخرين، وكذلك تحويل "السودان الجديد" من الشعار إلي برنامج عمل وبديل سياسي في إدارة التنوع وصناعة الدولة الجديدة القائمة علي عقد سياسي واجتماعي وثقافي واقتصادي، واختبرنا مشروع السودان الجديد عندما طرحناه في انتخابات العام ٢٠١٠م، وبعد مرور (١٥) سنة قمنا بتجديد الرؤية وتحديث آليات تنفيذها، ونؤكد جاهزية الحركة لخوض التجربة الانتخابية مرة آخري.