يخوض أبناء اليمن معركة استثنائية في مواجهة الأمريكيين، يمكن القول إنها على المستويات والمقاييس كافة -العسكرية والأمنية والسياسية والاستراتيجية- معركة غير تقليدية وغير مسبوقة تاريخيًا، لا في عناصرها ولا في وقائعها.
آخر الوقائع والمعطيات عن هذه المعركة المفتوحة، منذ أن اتخذ القرار اليمني بإسناد غزة والشعب الفلسطيني بعد طوفان الأقصى، أضاء عليها المتحدث العسكري اليمني العميد يحيى سريع مشيراً الأحد 30 مارس 2025 إلى أن: “القوات المسلحة اليمنية تواصل -للأسبوع الثالث على التوالي- التصدي المسؤول والفاعل للعدوان الأمريكيّ المستمرّ على بلدنا”.


ومضيفًا: “قواتنا اشتبكت مع “ترومان” والقطع الحربية المعادية في البحرِ الأحمر لثلاث مرات خلال الـ 24 ساعة الماضية”، مشيرًا إلى أنّ عملية المواجهة والاشتباك نفذت “من خلال القوة الصاروخية، وسلاح الجوّ المسيّر، والقوات البحرية، وذلك بعددٍ من الصواريخ المجنحة والطائرات المسيّرة”.
لناحية التفاصيل التقنية والعسكرية التي تضمنها البيان الأخير للعميد سريع، ما من شيء جديد لناحية الأهداف التي تم التدخل ضدها: (سفن ومدمرات حربية وحاملات طائرات)، أو لناحية الأسلحة المستعملة في الاشتباك من قبل الوحدات اليمنية: (صواريخ باليستية، وصواريخ كروز مجنحة ومسيّرات)، أو لناحية جغرافية الاشتباك:(البحر الأحمر ومحيط باب المندب وخليج عدن وبحر العرب وصولًا إلى المياه الجنوبية لخليج عمان).
فكل ذلك (الأهداف والأسلحة والجغرافيا)، تتكرر بشكل دائم، في الاشتباكات أو في البيانات، وكأنها أصبحت أعمالاً قتالية روتينية، لا أحد يبحث أو ينظر في حسمها، أو كأنها أصبحت حرباً ثابتة دون أفق واضح لنهايتها، وهنا تكمن الناحية الغريبة وغير التقليدية أو غير الطبيعية في الأمر: اشتباك متواصل في الزمان وفي المكان، بين الوحدات اليمنية التي تقودها حكومة صنعاء وقيادة أنصار الله الحوثيين، والمحاصرين – منذ نحو عشر سنوات – برًا وبحرًا وجوًا ، وبين وحدات البحرية الأمريكية والملحقة بها بعض الوحدات الغربية – بريطانية بشكل خاص – والمجهزة بأهم حاملات الطائرات في العالم، بمواكبة مروحة واسعة من سفن الدعم والدفاع الجوي والمدمرات البحرية.
الأهم والحساس في الموضوع، أن هذه القدرات والإمكانيات العسكرية الضخمة التي تنشرها واشنطن في المنطقة البحرية المذكورة أعلاه، هي نفسها التي تشكل بالأساس، إحدى أجنحة القوة الموضوعة بتصرف القوات الأمريكية، والمخولة بتحقيق التوازن العسكري الأمريكي على الساحة العالمية، وهي ذاتها من الوحدات الأساسية، والمكلفة بفرض الردع الاستراتيجي بمواجهة القوى الكبرى المنافسة، أي الصين وروسيا، في الشرق الأوسط وامتدادًا إلى شمال المحيط الهندي وصولاً إلى شرق آسيا.
من هنا، ولأن أمر صمود وثبات الوحدات اليمنية بمواجهة هذه الإمكانيات، هو أمر استثنائي وغير طبيعي، ولم يعد مفهوماً لناحية المعادلات العسكرية المعترف بها، أو لناحية قواعد الحروب المعروفة عالمياً.
ولأن الأمريكيين كما يبدو، فقدوا القدرة على اكتشاف مفاتيح الحسم وإنهاء هذه المواجهة لمصلحة تحقيق الأهداف التي وضعوها لها. ولأن الأمر أصبح مكلفاً للأمريكيين معنوياً وسياسياً، وبات له تأثير سلبي في موقعهم وفي موقفهم على الساحة الدولية. ولأن استمرار هذا النزف المعنوي نتيجة فشلهم في حسم المواجهة، سيفرض تأثيراً سلبياً غير مسبوق في موقعهم الدولي.
لأجل كل ذلك لم يعد من المستبعد أن يجد الأمريكيون طريقهم نحو إنهاء هذه المواجهة بالتي هي أحسن وبالقدر الذي يحفظ موقفهم، وبالمستوى المناسب لموقعهم الدولي.
كاتب لبناني

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

دعوة إسرائيلية لإعادة ترسيم الحدود مع لبنان وفق نتائج المواجهة مع حزب الله

رغم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين دولة الاحتلال ولبنان في نوفمبر، تتزايد الدعوات الاسرائيلية لإعادة النظر في مستقبل الحدود الشمالية، بعد أن شكلت جبهة استراتيجية متفجرة في العقود الأخيرة، ووصلت لذروة جديدة من التوتر بعد هجوم السابع من أكتوبر 2023.

وكشف عوديد عيلام المسئول السابق في جهاز الموساد، عما أسماها "الإخفاقات المتأصلة في الترتيبات الحدودية الحالية، مثل قرار الأمم المتحدة رقم 1701 وقوات اليونيفيل غير الفعالة، التي سمحت لحزب الله بترسيخ نفسه كقوة عسكرية مهيمنة في جنوب لبنان، وتهديد أمن مستوطنات الشمال، وبناء على إنجازات الحملة العسكرية الحالية، يمكن اقتراح نموذج جديد لتنظيم الحدود من خلال مخطط تدريجي يتضمن إنشاء منطقة أمنية موسعة ومنزوعة السلاح، تحت إشراف قوة متعددة الجنسيات فعالة بقيادة الولايات المتحدة، مع الحفاظ على حرية العمل الإسرائيلية حتى يستقر الوضع".

وأضاف عيلام الكاتب في مركز القدس للشئون الخارجية والأمن في مقال ترجمته "عربي21" أن "الانتصار العسكري الذي حققه الاحتلال ضد حزب الله في الحرب الحالية، خلق رافعة فريدة تسمح للحكومة اللبنانية، بدعم دولي، باستعادة سيادتها في الجنوب، مما سيكون له آثار بعيدة المدى على مطالب الاحتلال بتغيير الوضع القائم، لأن هجوم السابع من أكتوبر، والحرب التي اندلعت في عقابه، لم تكشف فقط عن مدى الضعف الشديد الذي تعاني منه حدود الاحتلال في الجنوب مع غزة، بل أظهرت بشكل دراماتيكي التهديدات المتصاعدة على حدودها الشمالية مع لبنان".

وأوضح أن "المعارك العنيفة التي اندلعت ضد حزب الله، وتضمنت إطلاق صواريخ كثيفة وطائرات بدون طيار ومناورات برية، أدت لإخلاء واسع النطاق للمستوطنات الشمالية، وأثبتت أن مفهوم الأمن القائم المستند لقرار مجلس الأمن الدولي 1701، انهار تماما، وأصبح الخط الأزرق، الذي مثّل الانسحاب من لبنان، ويضمن نزع السلاح في جنوبه، بمثابة خط أمامي نشط في الواقع، مما يتطلب إعادة النظر بشكل شامل في الافتراضات الاستراتيجية التي شكلت سياسة الاحتلال تجاه لبنان في العقود الأخيرة".

وأشار إلى أن "الضعف الاستراتيجي للمستوطنات الشمالية مثل المطلة وكريات شمونة وشلومي والمنارة وغيرها عاشت ظروفا مأساوية منذ أكتوبر 2023، وأصبحت نيران مضادات الدبابات والصواريخ قصيرة المدى وقذائف الهاون والطائرات بدون طيار روتينا يوميا، ما تسبب بأضرار جسيمة للممتلكات، وإلحاق الضرر بالبنية التحتية الحيوية، وشل حياة المستوطنين، وقد شكل إخلاء عشرات الآلاف منهم من منازلهم لعدة أشهر ضربة قوية لسيادة الاحتلال، مما كشف عن إخفاقات أساسية في ترتيبات الحدود الشمالية، وفشل منهجي لتثبيتها".



وأردف أن "الاحتلال دخل حرب الشمال بموقف مفاده أن الوضع الذي ساد مساء السابع من أكتوبر لن يستمر، والافتراض أن هذه الحملة انتهت بإنجازات عسكرية كبيرة، بما فيها إبعاد حزب الله عن الحدود، وإلحاق أضرار كبيرة بقدراته العسكرية، وتقليص كبير في هيمنته على لبنان، واستعادة الشعور بالأمن لدى مستوطني الشمال، صحيح أن هذا النصر لم يؤد للقضاء الكامل على الحزب، لكنه خلق واقعاً استراتيجياً جديداً له آثار قانونية وسياسية بعيدة المدى، مما يستدعي الحاجة لتغييرات جذرية في الترتيبات الأمنية الحدودية".

كما دعا الكاتب للقيام جملة مراحل تدريجية لتثبيت الوقائع الحدودية بما يتناسب مع نتيجة المواجهة العسكرية، تقوم أولاها على خلق واقع أمني جديد وضمان حرية عمل الاحتلال في لبنان، وتطبيقاً صارماً للتحرك العسكري بطريقة تضمن إبعاد كل قوات حزب الله وبناها التحتية العسكرية لمسافة كبيرة من الحدود، على الأقل حتى نهر الأولي، وأبعد من ذلك، وتدمير كافة بناه التحتية السرية، ومخازن الأسلحة الاستراتيجية في مختلف أنحاء لبنان، وصولا لإنشاء آلية أمنية بديلة ذات مصداقية، لمنع الحزب من إعادة تأسيس نفسه".

ولفت إلى أن "المرحلة الثانية تتمثل بإنشاء منطقة أمنية منزوعة السلاح وخاضعة للإشراف بقيادة قوة متعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة، أوسع بكثير بدءاً من الخط الأزرق، الممتد من خط الحدود الدولية شمالاً، على الأقل حتى نهر الليطاني وما بعده في المناطق ذات الأهمية الطبوغرافية، وإعلانها منزوعة السلاح تماما من أي وجود عسكري أو مسلح، باستثناء الجيش اللبناني وقوة متعددة الجنسيات، بقيادة الولايات المتحدة ودول الخليج والأردن ومصر، بجانب منطقة دفاع متعددة الطبقات داخل دولة الاحتلال".

مقالات مشابهة

  • قائد أنصار الله: عملية الثلاثاء أحدثت إرباك وتخبط واضح في المنظومة الدفاعية للعدو الإسرائيلي
  • كيف تمكن “أنصار الله” من قلب موازين القوة البحرية العالمية؟! صحيفة “إي كاثيميريني” اليونانية تجيب
  • دعوة إسرائيلية لإعادة ترسيم الحدود مع لبنان وفق نتائج المواجهة مع حزب الله
  • بوسكيتس يشيد بالنادي الأهلي قبل المواجهة المرتقبة ويؤكد: مواجهة بطل إفريقيا شرف كبير وبداية قوية لمونديال الأندية
  • «لا يمكن التحضير له».. مدرب الأهلي يتحدث عن مواجهة ميسي قبل مباراة إنتر ميامي
  • إسرائيل تقصف ميناء الحديدة باليمن وتهدد بحصار بحري وجوي
  • الاحتلال الإسرائيلي يجدد عدوانه على ميناء الحديدة في غرب اليمن
  • حين يصمت الجميع وتنطق صواريخ اليمن: غزة ليست وحدها
  • البحرية الإسرائيلية تدخل على خط المواجهة.. هجوم نوعي على ميناء الحديدة غرب اليمن
  • رسالة من الحوثيين لكتائب القسام تؤكد الالتزام بدعم المقاومة