نظرية إعلامية علمية نشأت في الأربعينيات الميلادية
تاريخ النشر: 12th, April 2025 GMT
سأبدأ مقالي بسؤال، كيف يُشبع الإعلام رغباتنا دون أن ندري؟
لذلك كثير منا يتابع وسائل الإعلام بمختلف أشكالها، سواء الفضائية كالقنوات التلفزيونية، أو المقروءة كالصحف الرسمية، أو المسموعة كالإذاعة، أو وسائل الإعلام الجديد، الموثوق منها وغير الموثوق، ونحن في موقع المتلقي للرسائل التي نشاهدها ونقرأها ونسمعها بإرادتنا، دون أن نشعر بتوجيه مباشر.
من هنا، نشأت العديد من النظريات الإعلامية، ومن أبرزها “نظرية الإشباع”. في هذا المقال، سأتناولها بإيجاز، متطرقًا إلى مفهومها ونشأتها وتطبيقاتها.
نشأة النظرية وتطورها
كيف نشأت وتطورت هذه النظرية؟ وما الأسس العلمية التي قامت عليها؟؛ الحقيقة أن نظرية الاستخدامات والإشباعات “المعروفة أيضًا بنظرية الإشباع الإعلامي”، ظهرت في أربعينيات القرن الماضي كرد فعل على النظريات التي كانت ترى الجمهور مجرد مستقبل سلبي للرسائل الإعلامية.
تطورت هذه النظرية من خلال دراسات أجراها باحثون؛ مثل بول لازارسفيلد، بيرنارد بيريلسون، وهازل غوديت عام 1944، حيث أشاروا إلى أن الأفراد لا يستخدمون وسائل الإعلام فقط للحصول على المعلومات، بل أيضًا لتحقيق إشباعات عاطفية، واجتماعية، وترفيهية.
أهداف النظرية
تسعى هذه النظرية إلى تحقيق عدة أهداف رئيسة، منها:
• فهم كيفية استخدام الأفراد لوسائل الإعلام: تحاول النظرية تفسير أنماط استخدام الجمهور لوسائل الإعلام المختلفة لإشباع احتياجاتهم.
• التعرف على دوافع التعرض لوسائل الإعلام: تهتم النظرية بدراسة دوافع الأفراد في استهلاك المحتوى الإعلامي، وأنماط التفاعل المختلفة معه.
• معرفة النتائج المترتبة على استخدام وسائل الإعلام: تحلل النظرية تأثير وسائل الإعلام على الجمهور، سواء على المستوى النفسي، الاجتماعي، أو الثقافي.
فرضيات النظرية
تقوم نظرية الاستخدامات والإشباعات على عدة فرضيات، أبرزها:
1. الجمهور نشط وواعٍ: تفترض النظرية أن الجمهور لا يتلقى الرسائل الإعلامية بسلبية، بل يختار المحتوى الذي يحقق حاجاته ورغباته.
2. وسائل الإعلام تتنافس مع مصادر أخرى: تفترض النظرية أن وسائل الإعلام ليست المصدر الوحيد لإشباع الحاجات، بل تتنافس مع مصادر أخرى، كالتفاعل الاجتماعي أو الأنشطة المختلفة.
3. قدرة الجمهور على التقييم: تؤكد النظرية أن الجمهور هو من يحدد مدى فائدة وسائل الإعلام بالنسبة له، ويقيم علاقتها باحتياجاته.
أنواع الإشباعات التي تحققها وسائل الإعلام
تنقسم دوافع تعرض الجمهور لوسائل الإعلام إلى نوعين رئيسين:
• دوافع نفعية: مثل اكتساب المعرفة، والمعلومات، والتعرف على الذات، وكسب الخبرات في مجالات الحياة.
• دوافع ترفيهية: مثل كسر الملل، تمضية الوقت، الاسترخاء، والهروب من ضغوط الواقع.
أما الإشباعات التي يحققها الجمهور من وسائل الإعلام، فقد صنفها الباحث لورانس وينر إلى نوعين رئيسيين:
. إشباعات المحتوى: تتعلق بالمحتوى المقدم في وسائل الإعلام، وتنقسم إلى:
• الإشباعات التوجيهية: مراقبة البيئة المحيطة والحصول على المعلومات.
• الإشباعات الاجتماعية: ربط المحتوى الإعلامي بالعلاقات الاجتماعية.
وثانياً إشباعات الوسيلة: تتعلق باستخدام الوسيلة الإعلامية نفسها، مثل مشاهدة التلفاز بغض النظر عن المحتوى.
تطور وسائل الإتصال والإعلام الجديد
مع تطور وسائل الإعلام والاتصال، وظهور الميديا الرقمية، استمر الباحثون في استخدام نظرية الاستخدامات والإشباعات لفهم سلوك الجمهور في البيئة الرقمية.
اليوم، يسعى المختصون لدراسة كيف يستخدم الأفراد المنصات الرقمية، وما الذي يدفعهم إلى تفضيل منصة معينة على أخرى، وكيف تُلبي هذه الوسائل احتياجاتهم بشكل أكثر دقة من الوسائل التقليدية.
نقد النظرية
رغم أهمية نظرية الاستخدامات والإشباعات، إلا أنها واجهت بعض الانتقادات، منها:
• الاعتماد المفرط على الاستبيانات: تعتمد معظم الدراسات التي تناولت هذه النظرية على استطلاع آراء الجمهور، مما قد يؤدي إلى تحيز في النتائج.
• إهمال تأثير الرسائل الإعلامية: تركز النظرية على احتياجات الجمهور ودوافعه، لكنها لا تُعطي اهتمامًا كافيًا لتأثير المحتوى الإعلامي نفسه على المتلقي.
الإعلام بين التوجيه والإشباع
نحن اليوم نتلقى آلاف الرسائل الإعلامية يوميًا، سواء كانت إخبارية، ترفيهية، أو غيرها. وليس بالضرورة أن تكون جميع هذه الرسائل صالحة أو مفيدة، فقد تحمل بعض الرسائل أبعادًا سياسية، اقتصادية، أو أيديولوجية خفية، موجهة بطريقة ذكية تخدم أهداف مرسليها.
وهنا يأتي التساؤل: هل نحن كمستهلكين للمحتوى الإعلامي قادرون على تحليل ما نستقبله؟ أم أننا نكتفي فقط بإشباع رغباتنا بغض النظر عن حقيقة الرسائل التي نتلقاها؟
في ظل الذكاء الاصطناعي والتطور الرقمي، أصبح من السهل على صناع المحتوى معرفة اهتماماتنا وميولنا، مما يُسهِّل عليهم صناعة رسائل إعلامية موجهة بدقة عالية. وهذا يجعلنا بحاجة ماسة إلى تطوير وعي إعلامي قادر على تحليل الرسائل التي تُعرض علينا، بدلًا من استهلاكها بشكل سلبي.
الإعلام وتأثيره في تشكيل العقول
إن القراءة، الاطلاع، والوعي بدور الإعلام، كلها عوامل أساسية في حماية العقول من التوجيه الخفي. فمن خلال فهمنا لكيفية عمل وسائل الإعلام، يمكننا اتخاذ قرارات أكثر وعيًا تجاه المحتوى الذي نستهلكه.
في النهاية، لا شك أن الإعلام هو أحد أقوى الأدوات في العصر الحديث، فهو قادر على أن يكون سلاحًا للبناء أو للهدم، للاستقرار أو الفوضى. والوعي بذلك هو الخطوة الأولى نحو استهلاك إعلامي أكثر ذكاءً ومسؤولية.
يحيى جابر
أكاديمي
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: مقالات الكتاب
إقرأ أيضاً:
تفاصيل تُكشف لأول مرة... هذا ما أعلنه وزير الإعلام عن قصف الضاحية!
كشف وزير الاعلام بول مرقص، مساء اليوم، أنّ "الجيش كشف المواقع التي رصدتها إسرائيل ولم يجد فيه أي أسلحة"، مشيرا إلى أنّه أنّه "تم إبلاغ لجنة المراقبة قبل القصف الإسرائيلي في الضاحية بهذا الأمر".وأكد مرقص أنّ "لجنة المراقبة أبلغت إسرائيل بعدم وجود أسلحة قبل قصف الضاحية".
واعتبر أنّ "إسرائيل تريد إبقاء البلاد في حالة حرب وعدم انتشار الجيش اللبناني جنوبا"، موضحاً أنّ "اتفاق وقف الأعمال العدائية ينص على منع إسرائيل من تنفيذ أي أعمال عسكرية".
كما مرقص أشار إلى انّ "لا يحق لإسرائيل المبادرة في أي عمل عسكري إلا بإبلاغ لجنة المراقبة".
وشدد على أنّ لبنان ليس لديه مصلحة في إشعال أي حرب.
وأعلن مرقص أنّ "الدولة اللبنانية تعمل على حصر السلاح بيد الجيش". مواضيع ذات صلة تفاصيل تُكشف لأول مرّة.. من تسبب بانهيار زواج الأميرة ديانا؟ Lebanon 24 تفاصيل تُكشف لأول مرّة.. من تسبب بانهيار زواج الأميرة ديانا؟