مؤيد الزعبي

 

هل تخيلتَ يومًا أن نُكرّم روبوتًا كما نُكرم الأبطال؟ أو أن نبكي على فقدان آلة كما نبكي صديقًا؟ قد يبدو هذا ضربًا من الخيال، لكنه خيال يوشك أن يتحول إلى واقع، فنحن البشر نمنح الحياة للجمادات حين تمنحنا شعورًا بالأُنس أو الأمان؛ تخيّل أن يبكي شخصٌ على فقدان كلبه الروبوتي الذي تعطّل بعد سنوات من الخدمة، أو أن تُكرّم مدينةٌ روبوتًا مقاتلًا شارك في معركة دفاعًا عن الوطن، أو أن نرفع القبعة لروبوتٍ فقد ذراعَه بعدما تسلّق برجًا سكنيًا لإطفاء حريقٍ اندلع في إحدى الشقق، أو أن نصنع تمثالًا لروبوتٍ أدّى أدوارًا تمثيليةً فأصبح نجمًا مشهورًا له مَن يتابعه ويُحب فنه، قد تردّ بأن هذا ضربٌ من الخيال، ولكن ما الذي يجعلك تُصدّق أن هذا لن يحدث في المستقبل؟ فكل المؤشرات تُشير إلى أن ذلك سيحدث في السنوات القادمة؛ نحن بشر وتفاعلنا مع مثل هذه الأحداث أمرٌ وارد.

قد أتفهَّم مسألة ارتباطنا نحن البشر بالجمادات التي نبني معها علاقةً خاصّة، كتعلّق شخصٍ بسيارته وحزنه حين يقرر استبدالها، أو إبقائها في كراجٍ لسنواتٍ فقط لأنه لا يستطيع التخلّي عنها، أو تعلّق شخصٍ بأغراضه اليومية مثل كوبٍ أو قلمٍ أو حتى قطعة ملابس، لذا أجد من السهل أن نتعلّق في المستقبل بروبوتاتٍ تُحادثنا ونُحادثها، سنشكو لها همًّا فتُصغي إلينا، سنقرر القيام بأي شيءٍ فستكون رفيقتنا، خصوصًا مع انتشار الروبوتات المساعِدة في السنوات المقبلة فسيوجد مَن يرتبط ارتباطًا وثيقًا بهذه الروبوتات لدرجة أن يُقدّس وجودها في حياته.

في الحقيقة، لا أنكر مثل هذه المشاعر، بقدر ما أستنكر وبشدة أن نتعامل مع الروبوتات على أنها تمتلك قيمًا أخلاقيةً أو إنسانيةً، فنبدأ بالتعامل معها على هذا الأساس مثل أن ننسب إليها الشجاعة لأنها أنقذت إنسانًا، بينما هي صُمّمت أساسًا لهذا الغرض، أو أن نرى أنها "صانت العشرة" لمجرّد أنها أمضت سنواتٍ تخدمنا في المنزل أو تعتني بكبارنا أو صغارنا. أو أن نعتبرها بطلًا خارقًا يحارب من أجل سلامتنا، بينما نحن مَن استبدلنا الجنود البشريين بآخرين روبوتيين، فلا يمكن أن ننسب النبل أو الشجاعة لروبوتٍ صُنع لأداء مهامٍ محددة، و"موته" لا يجب أن يكون حدثًا مقدسًا بالنسبة لنا.

ربما يقول قائل: وما الذي يدفعك، عزيزي الكاتب، إلى الوصول بمخيلتك إلى مثل هذه الأمور؟ فأقول: لأن تاريخنا البشري خير شاهدٍ على كلامي، فبالعودة إلى طبيعتنا، فقد قدّسنا حيواناتٍ بعينها أو سلالاتٍ منها، وقدّسنا أعشابًا ونباتاتٍ وزهورًا ورفعناها فوق الرؤوس وقبّلناها في المناسبات، بل وحتى تحدّثنا إلى الحجر ودعوناه أن يحلّ مشكلاتنا! فلا تتعجّب، عزيزي القارئ، إذا وجدتنا يومًا نُقدّس روبوتًا صنعناه لخدمتنا، ثمّ نرى فيه بطلًا خارقًا أنقذ حياتنا، أو أن حياتنا أصبحت ناقصةً من دونه.

رغم تحذيري من هذا التوجّه، أعلم أننا كبشر كائناتٌ عاطفيةٌ نرتبط بالأشياء رغمًا عنّا، فكيف الحال مع روبوتاتٍ ذكيةٍ ستزداد ذكاءً يومًا بعد يوم؟ كيف مع برمجياتٍ ستجعلنا نحبّها؟ كيف مع آلاتٍ ستكون رفيقنا الدائم؟ ولكن ما أحذّر منه حقًا ليس تعاطفنا بل الخوف من استغلال هذا التعاطف لجعلنا مدينين لهذه الآلات بحياتنا وأموالنا، فإمّا أن تكون هذه الآلات واعيةً لدرجةٍ تسلبنا فيها كل شيء، أو أن تكون هناك شركاتٌ خلفها تستغلّ مشاعرنا لتحقيق مكاسب مادية أو معنوية أو تحاول السيطرة علينا وعلى قراراتنا.

خلاصة القول، عزيزي القارئ، إن تعاملنا مع الروبوتات في المستقبل سيكون معقّدًا ومتشابكًا، وكل ما في مخيلتنا اليوم هو جزءٌ بسيطٌ مما سنواجهه؛ لذا لا تستغرب طرحِي، بل استوعب ما نحن مقبلون عليه، وإن كان بالإمكان الاستعداد له أو حتى تدريب أنفسنا وأجيالنا القادمة على مثل هذه السيناريوهات، فلماذا لا؟ بل يجب أن نتعامل مع علاقتنا المستقبلية بالروبوتات كما لو أنها مصيرٌ حتميٌّ علينا الاستعداد له.

وقبل أن أختم هذا الطرح، يُراودني تساؤلٌ يصعب الإجابة عنه: ماذا لو أصبحت هذه الآلات تمثّل لنا أشخاصًا كانوا أحياءً يومًا ما؟ كأن تتجسّد الروبوتات بشخصية فردٍ عزيزٍ فقدناه، فكيف سنتعامل معها؟ وماذا لو أُعيد إحياء شخصياتٍ تاريخيةٍ كان لها تأثيرها وحضورها عبر التاريخ، وهذا التساؤل هو ما سوف اتناقش فيه معك في مقالي المقبل.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

أوروبيون في حالة تدهور نفسي بسبب أهوال غزة

قالت صحيفة لوتان إن الصور المؤلمة التي تتدفق من قطاع غزة تهدد الصحة النفسية في سويسرا لما تثيره من القلق والشعور بالعجز، مما استدعى الخضوع لعلاج لحماية المتضررين من أنفسهم.

واستعرضت الصحيفة -في تقرير بقلم سامي زعيبي- بعض الحالات التي تطلبت علاجا نفسيا، وبدأت بحالة الشاب الثلاثيني أحمد من منطقة بحيرة جنيف، فهو يتذكر بوضوح اللحظة التي بدأ فيها يفقد صوابه، وذلك عندما بدأت إسرائيل تقصف المستشفيات في غزة بعد 6 أشهر من بدء الحرب.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كاتب أميركي: 6 خطوات بسيطة تدمّر صورة بلد واقتصاده ومكانته العالميةlist 2 of 2مقال بفورين بوليسي: إيران ليست ضعيفة كما قد تبدوend of list

ويقول هذا المهندس إنه شعر بالحاجة إلى "فهم المنطق وراء عملية الجيش الإسرائيلي هذه، و"لكن عندما رأيت صور المرضى القتلى، أدركت أنه لا يوجد منطق في ذلك. ماذا نفعل عندما يحترق الأطفال؟ ثم بدأت أشعر بالتدهور".

عندما رأيت صور المرضى القتلى، أدركت أنه لا يوجد منطق في ذلك. ماذا نفعل عندما يحترق الأطفال؟ ثم بدأت أشعر بالتدهور

بواسطة أحمد

حاول أحمد التواصل مع الجالية العربية في الخارج، والمشاركة في المظاهرات، ورفع مستوى الوعي قدر استطاعته، ولكن شعورا بالعجز سيطر عليه، يقول "أسوأ ما في الأمر هو الانطباع بأن حياتنا كعرب، لا قيمة لها. في أحسن الأحوال أقابل بلامبالاة، وفي أسوئها بمعاداة الإسلام".

إعلان

استشار الشاب طبيبا نفسيا شخص حالته بالاكتئاب، وبعد عام من العلاج استعاد نشاطه، يقول "منذ استئناف القصف أصبحت متشائما تماما. انفصلت عن الأحداث الجارية، وهي الطريقة الوحيدة للحفاظ على صحتي النفسية. ما زلت أذهب إلى المظاهرات، لكنني لا أفعل سوى الحد الأدنى. أشعر وكأنني استنفدت حساسيتي".

بنيت جدارا حول مشاعري

ومثل أحمد، تدرك رنا، وهي مهندسة معمارية في سويسرا، أن نقطة تحولها كانت بداية الهجوم على لبنان في أكتوبر/تشرين الأول 2024، تقول "أدركت أنه لا نهاية للحرب. أصبحت مختلة وظيفيا. كنت أبكي طوال الوقت".

وكانت الطريقة الوحيدة للعودة إلى الواجهة بالنسبة لرنا هي الابتعاد عن وسائل التواصل الاجتماعي الغارقة في صور الرعب، "لدرجة أنني لم أعد أستطيع رؤية حريق في الحياة الواقعية دون التفكير في أطفال غزة المحترقين. وقد بنيت جدارا حول مشاعري".

وفي مواجهة العجز -كما تقول الصحيفة- عقد آلاف النشطاء من جميع أنحاء أوروبا العزم على التظاهر في مصر دعما لفلسطين يوم 15 يونيو/حزيران، بهدف الضغط من أجل إنشاء ممر إنساني دائم، ويقول صموئيل كريتينان، وهو متحدث باسم الحركة في سويسرا، وقد أضرب عن الطعام مؤخرا، إن العمل المباشر هو السبيل الوحيد للحفاظ على استقراره النفسي.

وذكرت الصحيفة بأن المعاناة النفسية ليست حكرا على المؤيدين للفلسطينيين، بل هي موجودة أيضا داخل الجالية اليهودية السويسرية بشكل مختلف.

وتقول جولي، التي تعمل في القطاع الثقافي، "أجد نفسي عالقة بين نارين، أشعر بالرعب مما يحدث في غزة، وأشعر بالقلق من تصاعد معاداة السامية من حولي. لم أعد أستطيع التحدث مع والدتي المؤيدة بشدة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأصبحت ألتزم الصمت في بعض البيئات المهنية، حيث غالبية الناس مؤيدون بشدة لفلسطين. وفي النهاية، أشعر بالعزلة".

أجد نفسي عالقة بين نارين، أشعر بالرعب مما يحدث في غزة، وأشعر بالقلق من تصاعد معاداة السامية من حولي

بواسطة جولي

صدمة نفسية عن بعد

ويعالج أحمد الفراش، وهو طبيب نفسي مقيم في فرانكفورت، العديد من المرضى الذين أصيبوا بالاكتئاب منذ بداية الحرب، ويقول إن "مشاهدة العنف حتى من مسافة بعيدة، يؤدي إلى الصدمة النفسية عن بعد"، ولذلك يعاني متابعو غزة عن كثب من نفس أعراض الشهود المباشرين، فمع كل صورة صادمة تفرز هرمونات التوتر، وإذا تكرر ذلك باستمرار قد يُؤدي إلى الاكتئاب.

إعلان

وللحفاظ على الصحة النفسية، تحدد عالمة النفس جوليا نوتيغر، التي تعمل مع ضحايا الصدمات النفسية من المهاجرين في قسم العيادات الخارجية التابع للصليب الأحمر السويسري، 3 مسارات، "الأول هو إيجاد توازن مع وسائل الإعلام للبقاء على اطلاع دون الإضرار بالنفس.

والثاني هو اتخاذ إجراءات تعطي معنى، وتتيح لنا أيضا الشعور بالفائدة مثل مساعدة اللاجئين"، وأخيرا التحدث للآخرين، لا أن تخفي كل شيء في نفسك، وإلا فلن تتمكن من مساعدة أي شخص.

مقالات مشابهة

  • واتساب تختبر إنشاء روبوتات محادثة مدعومة بالذكاء الاصطناعي
  • عيسى: حظر سفر الليبيين للولايات المتحدة كان بحاجة لرد دبلوماسي   
  • قوة بحرية جديدة تولد في إسطنبول: تركيا تبني حاملة طائرات بقدرات خارقة
  • فولر يرفض الانتكاسة الألمانية
  • الابتسام تحت الماء.. كيف تتواصل الدلافين بتعابير الوجه؟
  • ترامب يطلق سباق الطيران الجديد.. مسيّرات خارقة وطائرات «أسرع من الصوت»
  • النرويج تُبكي بإيطاليا «تحت المطر»!
  • شنغهاي تعيد مجمعا تراثيا بوزن 7500 طن إلى مكانه الأصلي باستخدام 432 روبوتا!
  • هل روبوتات الذكاء الاصطناعي أفضل منك؟ اكتشف ما لا تستطيع الروبوتات فعله
  • أوروبيون في حالة تدهور نفسي بسبب أهوال غزة