لم أجد أفضل من شطر أبيات الشاعر الكويتي خالد الشايجي التي تقول:
يفنى الزمان وحبنا لك ما فني
ومن الهوى ما ليس يدركه الفنا
ليست فحسب قلوبنا لك موطنا
يا موطني فهواك في أرواحنا
عنوانًا لمقالي لأعبّر به عن حبي وولائي لوطني وسلطاني، حيث ارتبطنا نحن العُمانيين بوطننا والتففنا حول سلطاننا، ولطالما تميز الشعب العُماني بأصالته وتماسكه ووحدته عبر العصور.
هذه الشراكة بين القائد والشعب ظلت المحفز الذي يدفع مسيرة النهضة والبناء للأمام. علاقة قوية متنت النسيج الوطني وعززت اللحمة الوطنية ورفعت من مكانة سلطنة عُمان بين الأمم وكانت بمثابة صمام الأمان للصمود في وجه المصاعب والتحديات التي مر بها الوطن على مدار تاريخه، شراكة ممتدة أسست لمجتمع متجانس يعيش أفراده في ظل منظومة قيمية تحترم التنوع وتعزز التسامح والاحترام المتبادل بين الحاكم والرعية.
بالاصطفاف خلف الحاكم استطاعت سلطنة عُمان التغلب على الأزمات وحولت المحن إلى فرص، كلنا يتذكر كيف واجهت الأنواء المناخية المتعددة التي تعرضت لها خلال العقدين الأخيرين وكيف خرج العُمانيون أكثر قوة وتماسكا وازدهارا رغم - الخسائر الفادحة في الممتلكات والبنى الأساسية، وبفضل التكاتف والتعاضد استطاع العُمانيون مداواة الجراح وإصلاح الأضرار واستئناف مسيرة النهضة بوتيرة متسارعة دون طلب مساعدة من الخارج.
وأصرت القيادة على أن يكون التعافي بأيادٍ عُمانية شمّرت عن سواعد الجد وراحت تسابق الخطى لتعيد البناء، في ملحمة وطنية فريدة وقف العالم أمامها مبهورًا إجلالًا واحترامًا أمام روعة المشهد، حيث تحولت أحياء وميادين عُمان إلى حلقة عمل لا تنام من أجل إعادة الأوضاع أحسن مما كانت. تجربة تجلّت فيها قيمة الوحدة الوطنية من مسندم إلى صلالة، علّمت العالم كيف يكون الالتفاف الوطني ووحدة الهدف بين الحكومة بكافة أجهزتها المدنية والعسكرية والأمنية وبين الشعب.
تمسُك العُمانيين بثوابتهم وحضارتهم، يعكس قوة الشخصية والأصالة التي يتميزون بها، فقد عُرفوا بتحضرهم وتمدنهم وطيبتهم، واحترام القانون والنظام العام، والوشائج المتينة التي تجمعهم بسلطانهم، من أجل بناء مستقبل أفضل، والحفاظ على المنجزات الوطنية التي تحققت على مدار العقود الماضية، والتي وضعت سلطنة عُمان في مصاف الدول المتقدمة حضاريا والمستقرة اقتصاديًا وسياسيًا، بفضل حكمة القائد وجهود الحكومة التي أحسنت توظيف الموارد الوطنية المتاحة.
كلنا تابع كيف استطاعت الحكومة التعامل مع الأزمة المالية التي مر بها العالم وسلطنة عُمان جزء منه، جراء جائحة كورونا، وكيف نجحت في الخروج منها بسلام دون اللجوء إلى صندوق النقد الدولي الذي يفرض شروطًا وإجراءات مجحفة على البلاد التي تقترض منه.
تمكنت حكومتنا من تحقيق إنجازات لافتة لا ينكرها منصف ولا تخطئها عين باصرة خلال السنوات الخمس الماضية في مجالات الإصلاح الاقتصادي والإداري وضبط المالية العامة وسداد جزء كبير من الديون الخارجية وتحقيق فائض في الموازنة العامة بعد سنوات من العجز والاستدانة.
إنجازات حظيت باعتراف الهيئات العالمية ومؤسسات التصنيف الدولية، التي رفعت التصنيف الائتماني لسلطنة عُمان عدة مرات خلال العامين الأخيرين، الأمر الذي يقلل كلفة الاقتراض ويعيد الثقة للبنوك والشركات والمؤسسات المالية العُمانية، ويسهل التبادل التجاري مع كافة دول العالم.
إن الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي الذي تنعم به البلاد بفضل حكمة جلالة السلطان المعظم وجهود حكومته في توفير الرعاية والخدمات الأساسية للمواطن وتوفير احتياجاته، جعل سلطنة عُمان واحة للهدوء والسلام ومقصدًا للباحثين عن الراحة والاطمئنان والأمان وهذه نعم لو تعلمون عظيمة لا تقدر بثمن، فعندما ننظر حولنا نجد دولًا سقطت في أتون الفوضى وأنظمة انهارت وبلادا قسّمت بسبب غياب الرؤية وضعف القيادة وفشل الحكومات في توفير احتياجات المواطنين والانشغال بالصراعات والمصالح الآنية الضيقة.
اليوم.. عندما تبحث دول العالم عن الجهة التي تستطيع حل الخلافات والصراعات الدولية المستعصية، يشار إلى سلطنة عُمان بالبنان، بعدما نالت ثقة العالم شرقه وغربه كوسيط نزيه قادر على التعامل مع أعتى الملفات الشائكة.
ومؤخرا تابعنا بكل فخر، المباحثات التي جمعت بين الولايات المتحدة وإيران اللتين اختارتا مسقط مكانًا لأول اجتماع بين الطرفين منذ عشر سنوات، بعد لقائهما السابق في عام 2015م، الذي شهد توقيع الاتفاق النووي بين إيران وست دول غربية من بينها أمريكا على الأرض العُمانية.
تم اختيار مسقط لحاجة كلا البلدين لوسيط موثوق فيه، ولم تجدا أنزه من الدبلوماسية العُمانية وسيطًا وضامنًا لسرية المباحثات، وملمًا بالتفاصيل الفنية للملفات المطروحة، وسيط يمتلك خبرة دولية واسعة، ودبلوماسيين أكفاء تخرجوا من مدرسة الدبلوماسية العمانية العريقة، التي أرسى قواعدها السلطان قابوس -طيب الله ثراه- وأكمل رعايتها قائد النهضة المتجددة جلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله ورعاه - دبلوماسية تحتكم لصوت العقل والضمير الإنساني الحي تسعى للخير وحل الخلافات بين الدول بإخلاص دون مآرب أو أطماع أو انتظار مغانم أو مصالح أو امتيازات.
اعتمدت سلطنة عُمان سياسة تصفير الخلافات، فلن تجد هناك أزمة أو مشكلة بين عُمان ودولة شقيقة أو صديقة، فقد حرصت على اتباع سياسة الحياد الإيجابي وأقامت علاقات خارجية متوازنة عمادها حسن الجوار مع الأشقاء والشراكة والتعاون مع الأصدقاء.
لعل جولات جلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله ورعاه - الخارجية خير دليل على ما تحظى به سلطنة عُمان من مكانة دولية رفيعة، واحترام كبير من سائر دول العالم كبيرها وصغيرها، وكلنا لمسنا حفاوة الاستقبال الذي حظي به جلالته في زياراته الأخيرة لبعض الدول الأوروبية، وتهافت هذه الدول على إبرام اتفاقيات التعاون والشراكة في كافة المجالات الاقتصادية والأمنية والثقافية، وأصبح جواز السفر العُماني وثيقة تحترم من كافة دول العالم التي تفتح أبوابها للمواطن العُماني للدخول دون تأشيرة تقديرًا واحترامًا لعُمان دولة وقيادة.
السياسة الخارجية العُمانية المتميزة، والعلاقات التي بناها جلالة السلطان المفدى مع قادة الدول، كان لها مردود إيجابي على الاقتصاد الوطني انعكس بصورة مباشرة في جذب الاستثمارات الأجنبية وانتعاش السياحة التي شهدت رواجا كبيرا في السنوات الأخيرة بفضل مناخ الأمن والاستقرار الذي يحظى به البلد.
كما تحولت سلطنة عُمان إلى مركز عالمي للطاقة النظيفة والمتجددة ومن أكثر دول العالم تقدمًا في مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر الذي ينبئ بمستقبل زاهر لعُمان في زمن الحياد الصفري وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
نكمل معًا مسيرة البناء والتنمية بالاصطفاف خلف القائد الأعلى، نجدد عهد الولاء والوفاء لسلطاننا المعظم هيثم بن طارق - حفظه الله ورعاه - وأطال في عمره وسدد على طريق الخير خطاه، وعلى درب الوطن نسير معًا من أجل مستقبل أكثر إشراقًا لعُمان وأجيالها القادمة، نساند حكومتنا وندعم أجهزتنا الأمنية التي تبسط الأمن والأمان وتنشر الطمأنينة في ربوع البلاد لتتحول بلدنا إلى واحة للهدوء والاستقرار في عالم مضطرب، ومنطقة ملتهبة تحاصرها الأخطار والصراعات من كل جانب.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: جلالة السلطان دول العالم الع مانیة ع مانیة
إقرأ أيضاً:
تقرير أممي: اليمن ضمن أكثر البلدان التي تعاني من ندرة المياه في العالم
قال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (undp)، إن اليمن يعد من أكثر البلدان التي تعاني من ندرة المياه في العالم، في ظل الصراع الذي تشهده البلاد منذ عقد من الزمن.
وقال البرنامج الأممي في تقرير حديث له إن حصة الفرد من موارد المياه المتجددة لا تتجاوز ال80 مترًا مكعبًا سنويًا، وهي أقل بكثير من العتبة العالمية البالغة 1000 متر مكعب التي تُعرّف الإجهاد المائي.
وأضاف "بما أن اليمن لا يمتلك أي أنهار دائمة، فإنه يعتمد بشكل كبير على هطول الأمطار والمياه الجوفية التي تتناقص بسرعة".
وأكد التقرير أن المجتمعات الريفية تتأثر بالأزمة المائية بشكل غير متناسب. يفتقر أكثر من 14.5 مليون شخص في اليمن إلى خدمات مياه الشرب المأمونة والصرف الصحي، ويعيش معظمهم في المناطق الريفية والتي يصعب الوصول إليها.
وقال "في قرى مثل صبر في تعز، حيث تعيش رنا، لا يزال الناس يجلبون المياه من الآبار التقليدية، وكثيرًا ما يمشون مسافات طويلة في ظل ظروف قاسية. وبدون بنية تحتية موثوقة، تواجه هذه المجتمعات خسائر متكررة في المحاصيل، وتدهور الأراضي، وفرص اقتصادية محدودة. تدفعهم هذه العوامل إلى المزيد من الفقر وتزايد الهشاشة".
وزاد "النساء والفتيات يتحملن العبء الأكبر، لأنهن المسؤولات عادةً عن جمع المياه. ففي بعض المناطق الريفية من اليمن، تمشي النساء والفتيات لساعات في كل اتجاه لجلب المياه. لا يؤثر هذا العمل الذي يستغرق وقتًا طويلاً على صحتهن وسلامتهن فحسب، بل يساهم أيضًا في ارتفاع معدلات التسرب من المدارس بين الفتيات ويقيد قدرة النساء على المشاركة في التعليم أو الأنشطة الاقتصادية أو صنع القرار المجتمعي.
وتابع التقرير أن "عبء جمع المياه هو عبء جسدي واجتماعي واقتصادي. وإدراكًا لذلك، يعمل مشروع الإدارة المتكاملة للموارد المائية لتعزيز الصمود في قطاع الزراعة والأمن الغذائي (IWRM-ERA)، الممول من الوزارة الاتحادية الألمانية للتعاون الاقتصادي والتنمية (BMZ) من خلال بنك التنمية الألماني (KfW)، على ضمان الإدماج الهادف للنساء في جميع أنشطته. تشارك رنا قائلة: "نحن كنساء، نشارك في كل شيء. بدءًا من تحديد احتياجات المجتمع وصولاً إلى التخطيط وحضور الأنشطة".
ونقل التقرير عن رنا قائلةً: "تحدث صراعات أحيانًا على الوصول إلى المياه، خاصة عندما تكون المصادر شحيحة".
وطبقا للتقرير فإن الأبحاث تشير إلى أن 70-80 بالمائة من جميع الصراعات الريفية في اليمن مرتبطة بالمياه. ويؤكد هذا الانتشار الكبير للنزاعات المتعلقة بالمياه على هشاشة المجتمعات التي تعاني بالفعل من مصادر مياه محدودة وغير ثابتة. وتزيد عوامل مثل النزوح وتحول أنماط هطول الأمطار من الضغط على شبكات إمدادات المياه في اليمن، مما يؤدي إلى تفاقم الصراع المستمر منذ عقد من الزمان.
وأكد التقرير الأممي أن الأمن الغذائي في اليمن يرتبط ارتباطًا عميقًا أيضًا بالوصول إلى المياه. منذ عام 2024، يواجه أكثر من 17 مليون يمني انعدامًا حادًا في الأمن الغذائي وفقًا لتقارير الأمم المتحدة الأخيرة. يرتفع هذا العدد خلال فترات الجفاف أو الصراع.
ولفت إلى أن سوء الوصول إلى المياه يؤدي إلى الحد مما يمكن للمزارعين زراعته وكميته. وقال "تفشل المحاصيل بشكل متكرر، وتتأثر الثروة الحيوانية، مما يؤدي إلى انخفاض توافر الغذاء وارتفاع الأسعار. ويزيد الاعتماد على أنظمة الري غير المستدامة والمحاصيل التي تستهلك كميات كبيرة من المياه مثل القات من تفاقم المشكلة".
ويرى المزارعون مثل رنا تقدمًا ملحوظاً في جهود حصاد مياه الفيضانات وتحسينات البنية التحتية، ولكن البلاد بحاجة ماسة إلى حلول مائية مستدامة لتحقيق استقرار في الإنتاج الغذائي.
توضح رنا: "نفذ مشروع IWRM-ERA التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي العديد من التدخلات في منطقتنا، مثل بناء الجدران الاستنادية وتحسين الوصول إلى المياه. تساعد هذه الجدران على التحكم في مياه الفيضانات، مما يمنعها من إتلاف الأراضي الزراعية. كما أنها تساعدنا على جمع مياه الأمطار التي نستخدمها لري الأشجار والمحاصيل. وقد أدى هذا إلى نمو ملحوظ في أشجارنا وزيادة إنتاج المحاصيل".
ويرى التقرير أن الفقر يعد سببًا ونتيجة لأزمة المياه في اليمن. حيث يعيش حوالي 80% من سكان اليمن تحت خط الفقر، ويعتمد معظمهم على الزراعة والموارد الطبيعية من أجل البقاء.
في المناطق التي تعاني من ندرة المياه -وفق التقرير- تواجه الأسر خيارات مستحيلة بين شراء الطعام، أو الوصول إلى المياه، أو إرسال الأطفال إلى المدرسة.