بخت السيد شمران وقصيدتي في المهرجان!
تاريخ النشر: 7th, May 2025 GMT
بقلم : فالح حسون الدراجي ..
أقام مركز ( شمران الياسري ) الثقافي يوم الجمعة الماضي، مهرجاناً ثقافياً، سياسياً، شعبياً كبيراً، استذكر فيه أحد أهم رموز الثقافة الوطنية والنضالية العراقية، وأقصد به الكاتب الفذّ شمران الياسري.. ولعل الشيء الملفت ( شكلاً ) في هذا المهرجان، أن قاعة جمعية المهندسين العراقية في بغداد التي احتضنت هذا الاستذكار، قد ازدانت بصور وأعلام وألوان وأزياء وطوائف عراقية وعربية مختلفة، فرسمت بشكل مباشر ملامح شخصية أبي گاطع، وعرضت بشكل صادق تضاريس تجربته الثقافية والسياسية والشعبية.
كما أعطت صورة واضحة لمن لا يعرف هوية هذا الفلاح الذي أرعب بصوته أشرس سلطة استبدادية عرفها العراق والمنطقة، وأقضّ عليها مضجعها الناعم والوفير !
وإذا كان هذا المهرجان -الفريد من نوعه عراقياً – قد حقق نجاحاً كبيراً بحيث تعجز عن تحقيقه أكبر الوزارات العراقية، فإن ذلك يعود إلى عدة أسباب أهمها: أن أصحاب فكرة المهرجان والقائمين عليه كانوا من ( أهل البيت وحبايبهم)، وهذا يجعلهم أكثر حرصاً من غيرهم على نجاحه.. وهي حقيقة يجب الإقرار بها.. نعم فقد اشتغل أبناء وأحفاد وأخوة وعمومة شمران الياسري بأنفسهم على المهرجان، ولم يوكلوا المهمة لأحد رغم الجهود الطيبة التي بذلها الزملاء والأخوة في مركز شمران الياسري من أجل نجاحه.. لذلك وجدنا شخصاً مرموقاً في الدولة العراقية مثل الأستاذ إحسان الياسري – نجل الراحل شمران – يمسح بيده منصة الحفل من الغبار، أو يحمل أقداح الماء إلى المدعوين.. ولم يكن عيباً قط أن تجد موظفاً بارزاً في رئاسة الوزراء مثل علي جاسم الياسري -ابن أخ شمران – يقوم بتقديم الطعام بنفسه إلى المشاركين، وتجد ياسر فائز شمران يقوم بخدمة كل من يحتاج الخدمة من ضيوف مهرجان جده بتواضع جمّ، ناهيك من الحضور البهيّ لكبار العائلة أمثال النائب السابق رشيد الياسري – أبو أحمد – وغيره من شخصيات الأسرة الذين اشتغلوا بصمت وهدوء على تهيئة وإعداد ونجاح هذا المهرجان الكبير..
أما السبب الثاني لنجاح المهرجان برأيي، هو عدم اعتماده على الدولة سواء من ناحية التمويل، أو مكان وقاعة المهرجان، أو الدعاية والإعلان، او حتى التغطية، رغم دعم رئيس الوزراء ووزارة الثقافة للمهرجان، وقد تجلى ذلك بحضور الشاعر عارف الساعدي مستشار رئيس الوزراء والمسؤول البارز في وزارة الثقافة، رغم أني أجزم أن الشاعر الساعدي كان سيحضر هذا المهرجان أيضاً حتى لو كان (عرضحالچي) وليس مستشاراً لرئيس الوزراء، فالرجل ينتمي لعالم شمران الياسري الثقافي والوطني والقيمي والإبداعي والاجتماعي ..
وحول تمويل المهرجان، فإن إحسان – وهو سرّ أبيه – لم يترك الموضوع يمر مرور الكرام، فقال في كلمته بالمهرجان:
( نشكر دولة الرئيس على دعمه للمهرجان، ولو آني عود چمّلت من جيبي) !!
ثمة سبب مهم جداً لنجاح المهرجان، وهو المتعلق بشخصية شمران الياسري ذاتها.. فالرجل كان يشتغل في عدة ميادين، ويبدع فيها جميعاً، فهو مثلا، علم في الصحافة وفي رأسه نار، بل وفي قلمه نار أيضاً لم يرحم الطغاة والقتلة والخونة قط .. لذلك حضر عدد كبير من فرسان الصحافة العراقية لحفل مهرجانه وفي مقدمتهم الدكتور كاظم المقدادي..
ولأنه علم عالٍ وخفاق في الرواية الشعبية، بل هو مؤسس الرواية (الريفية) التي غاص في أعماقها وأخرج لنا لؤلؤ ( الرباعية)، فقد حضر عدد من الروائيين والنقاد من بينهم الناقد شجاع العاني والناقد علي حداد والأستاذ علي الأمارة والروائي جمال العتابي وغيرهم من كبار الكتاب والمثقفين العراقيين..
ولما كان أبو گاطع مناضلاً وطنياً بارزاً في صفوف الحزب الشيوعي العراقي، ومثالاً ساطعاً للفروسية والتصدي لعصابة البعث.. فقد كان من الطبيعي ان يحضر مهرجانه، المناضل رائد فهمي سكرتير الحزب الشيوعي العراقي، وعدد غير قليل من اعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية وجمهور من قواعد ومؤيدي الحزب ..
وبما أن شمران الياسري ( عابر للقارات) كما يقال في الإصطلاح السياسي، فقد تسابق على الحضور لمهرجانه، عراقيون ينتمون لأطياف ومذاهب وأديان شتى، فقد حضر مسلمون من المذهبين، ومندائيون يتقدمهم ( الريشما ) ستار جبار الحلو رئيس ديانة الصابئة المندائيين في العراق والعالم، وحضر أخوة مسيحيون، بعضهم من الداخل والبعض الآخر جاء من خارج العراق مثل الطبيب فايق جمو وغيره.
وطبعاً أنا تحدثت لكم عن العراقيين، ولم أتحدث عن حضور ومشاركة عدد من المثقفين المغاربة الذين عطروا فقرات المهرجان، بأريج عطائهم وفيض إبداعهم الشعري والنقدي الأدبي الرصين..
إن هذه الأسباب كافية لأن تجعل هذا المهرجان ناجحاً، فما بالك لو علمت أن ( اللجنة الشمرانية ) التي أشرفت وعملت على إعداده اشتغلت بالتشاور مع الأستاذ مفيد الجزائري رئيس تحرير جريدة طريق الشعب سنة كاملة، لذلك كانت المحاور مدروسة بعناية، والمواد المقدمة ذات قيمة كبيرة.. كما كان التنظيم مضبوطاً، فضلاً عن الدقة اللا متناهية في السيطرة على التوقيتات لكل فعالية وكل مشاركة محددة من قبل ادارة المهرجان مسبقاً.. وهو لعمري أمر عجزت عنه أكبر المهرجانات الرسمية، والفعاليات الثقافية في العراق والدول العربية..
لايفوتني أن أشير إلى أني أعجبت جداً بكل فقرات المهرجان، لاسيما كلمة الشاعر عمر السراي التي كانت أشبه بقصيدة خضراء.. وبما قدمه أيضاً الكبيران ناظم الحاشي وماجد السفاح، إذ تمكنا من حملنا بجناحيهما من قاعة المهندسين إلى بساتين وبراري وبيوت قضاء الحيّ خصوصاً، ودواوين الكوت عموماً ..
ختاماً أودّ أن أشير إلى نقطتين مهمتين: الأولى تتمثل بالشعور العام الذي انتابنا جميعاً في القاعة والمتمثل بوجود أبو گاطع معنا في قاعة المهرجان.. نعم لقد كان حاضراً معنا بغليونه وألقه وقهقهته وصراحته وبهائه
أما النقطة الثانية فتتعلق بي شخصياً، إذ ربما لايعرف الكثير من الاخوة بأنني أحد الأربعة أو الخمسة المؤسسين لمركز شمران الثقافي وتحديداً العام 2014، بصحبة الاستاذ احسان الياسري، وقد تشرفت بدخول بيت الراحل شمران مرات ومرات، بل وأكلت وشربت فيه منذ أكثر من نصف قرن، وأن للراحل فضلاً كبيراً عليّ.. لذلك حين تم اختياري للمشاركة وإلقاء القصيدة الوحيدة في المهرجان، كان عليّ كتابة قصيدة بمستوى هذه العلاقة، لكنها – أي القصيدة -استعصت عليّ تماماً حدّ ليلة المهرجان، فشعرت بحرج شديد، وحزن كبير، إذ ماذا سأقول، وبماذا سأعتذر ؟!
فوقفت وسط غرفتي وصحت بصوت عال: وين بخت السيد ابو جبران ويجيني الشعر.. وأخلص من هذي المشكلة!!
فجأة وأنا نائم نهضت فجراً وقبل ساعات قليلة من بدء المهرجان على وهج الشعر وهو يضيء في رأسي، بل وينهمر كالمطر في مخيلتي .. يا الهي لقد جاءت القصيدة، كتبتها، وذهبت إلى القاعة منتشياً .. فحمدت الله وشكرت ( بخت السيد) !!
وأقسم لكم أن هذا الأمر قد حصل فعلاً رغم أني من الصنف الذي لايؤمن بمثل هذه (الهدايا) ، بل ولا يطلبها حتى !
فالح حسون الدراجيالمصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات هذا المهرجان
إقرأ أيضاً:
عرض "قضية أنوف" بالمهرجان الختامي لنوادي المسرح
قدمت فرقة مسرح 23 يوليو، الاثنين، عرض "قضية أنوف" على مسرح قصر ثقافة القناطر الخيرية، ضمن فعاليات المهرجان الختامي لنوادي المسرح، في دورته الثانية والثلاثين، والذي يقام برعاية د. أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، وتنظمه الهيئة العامة لقصور الثقافة، برئاسة خالد اللبان، بإشراف الكاتب محمد ناصف نائب رئيس الهيئة.
عرض "قضية أنوف"العرض عن نص الكاتب ماروشا بلانتا، وإخراج أحمد جمال، وتدور أحداثه حول رحلة بحث الإنسان عن مكان آمن للعيش، بعد أن تدمرت الأرض نتيجة للصراعات والحروب.
شهد العرض سمر الوزير، مدير عام الإدارة العامة للمسرح، الكاتب والناقد يسري حسان، وأعضاء لجنة التحكيم: د. محمد زعيمة، د. مصطفى حامد، الموسيقار د. وليد الشهاوي، الكاتب سعيد حجاج، والمخرج سامح مجاهد، وبحضور ربيع عوض، مدير قصر ثقافة القناطر الخيرية، ولفيف من المسرحيين، والمثقفين.
أشار المخرج أحمد جمال، إلى أن فكرة العرض تحمل رسالة تحذيرية من الوقوع في أخطاء الماضي، وتدعو للتأمل في آثار الحروب على مصير البشرية، حيث تدور الأحداث حول مجموعة من الأشخاص تم اختيارهم للعيش في الفضاء بعد أن أصبحت الأرض غير قابلة للحياة، لكنهم سرعان ما يكتشفون أن الصراعات البشرية لا تتغير، وأن الشر يرافقهم أينما ذهبوا.
وأضاف أن العرض يستلهم بعض الأفكار من الواقع والتوجهات العلمية الحديثة، ومنها المشروع الذي يهدف إلى إرسال مجموعة من البشر إلى كوكب المريخ، بحثا عن بداية جديدة.
أما عن العناصر الإخراجية في العرض، أوضح أنه تم توظيف القطع الديكورية وعناصر الإضاءة، بما يتناسب مع الحالة النفسية للشخصيات ويعكس الصراعات الداخلية والخارجية لكل حالة.
وأوضح الفنان أحمد فؤاد، أنه يؤدي دور "ليو"، يتعرض لظلم كبير من المجتمع، لكنه يمثل صوت الصدق والوعي، ويحاول إيقاظ الآخرين وإظهار الحقيقة التي لا يريدون رؤيتها، ولكنهم لا يدركون قيمته إلا بعد وفاته.
أما الفنان عبد الله رمضان، أشار أنه يجسد دور "الأب"، وهو نموذج للضحايا الصامتين الذين يزج بهم في صراعات لا تخصهم، فيخسرون عائلاتهم وحياتهم مقابل لا شيء، وذلك لإلقاء الضوء على الآثار القاسية للحروب غير المشروعة التي تشن من أجل مصالح أفراد، لا من أجل الأوطان.
"قضية أنوف" أداء: أحمد عبد الله، أحمد محمد فؤاد، عبد الله رمضان، شهد محمد، جنى أيمن هنا هاني، خلود عادل، الطفلة نانسي مؤمن.
تنفيذ ديكور أحمد البحاري، ماكياج وملابس نوردين بحر، إكسسوارات حبيبة أيمن، إضاءة حازم أحمد، وغناء طارق أحمد.
وينفذ المهرجان من خلال الإدارة المركزية للشئون الفنية، برئاسة الفنان أحمد الشافعي، ويشارك به هذا الموسم 27 عرضا مسرحيا من مختلف الأقاليم الثقافية، ويصدر عنه نشرة يومية.
عروض اليوم لمهرجان الختامي لنوادي المسرحوتتواصل فعاليات المهرجان اليوم الثلاثاء، مع عرضين مسرحيين، لفرقة دمنهور، الأول بعنوان "موت معلق" عن نص "انقطاعات الموت" للكاتب البرتغالي جوزيه ساراماجو، إعداد إسراء محبوب، وإخراج عمرو حجاج، ويعرض في السادسة مساءً، يليه "ماأ" تأليف وإخراج أحمد الحرفة.
ويعد المهرجان أحد أبرز المنصات الثقافية لاكتشاف ودعم المواهب المسرحية الشابة من مختلف المحافظات، حيث تتيح الهيئة العامة لقصور الثقافة من خلاله مساحة حرة للإبداع والتجريب، تأكيدا على دورها في تحقيق العدالة الثقافية وتعزيز الحراك الفني بالمجتمع.