الخارجية الأمريكية أكدت على لسان الناطقة بإسمها، تامي بروس، عزمها توقيع عقوبات على السودان، تشمل تعليق بعض الصادرات وحجب القروض، ويتوقع ذلك في أو حوالي الأسبوع الأول من يونيو القادم. والسبب هو ورود تُهَم غير مؤكدة باستخدام غاز الكلور من قبل القوات المسلحة خلال عام 2024م، دونما تحديد لمواقع متأثرة، ولا إبراز نتائج للجان تحقيق.
والواضح أن القرار بُني على خلفية تعيين رئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس، وبتدليس واضح من داعمي الميليشيا الذين أظهروا عداءهم عليه علنا، وفارت الأسافير بتأوهاتهم الغائظة.
لذا يتعين على وزارة الخارجية التواصل مع الجانب الأمريكي ومجابهة الفرية التي روّج لها داعمو التمرد، وجاءت إثر انتصارات الجيش المتلاحقة، وحالة الاستقرار المتنامية، والعزم على تطهير كافة أرجاء البلاد من أرجاس الإرتزاق والبنادق العميلة.
كما يتعين التواصل المباشر مع وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، الذي سبق له إتهام الميليشيا بالتطهير العرقي، ووصمها بإبادة المدنيين في مدينة الجنينة. كما يلزم توضيح دوافع هذه الفٍرية، وأنها تجيئ في مناخ الكيد السياسي، والتماهي مع أجندة خارجية، وأنها من جهات غير منتخبة، لا تتمتع بأي سند شعبي، وهي كذلك من مخلفات وتدخلات الإدارة الديمقراطية السابقة في عهد بايدن، والتي كانت ترسم للناشطين خارطة طريق محددة وتؤوي رموزهم، وتبرعت لهم بملايين الدولارات إثر زيارة مديرة المعونة الأمريكية USAID سمانثا باور الخرطوم في أغسطس 2023م.وأعلنت التبرع بملايين الدولارات للانتخابات والتحول الديمقراطي اللذين لم يحدثا قط.
كذلك يتعين مطالبة الخارجية الأمريكية برفع التدابير العقابية على شعب السودان، لأنها لم تُبنَ على بيّنات موثوقة، ولم تنعقد لها لجان تحقيق فنية، ولم تتم إحاطة السودان رسمياً بشأنها على المستوى الثنائي.
بيد أنه وبغض النظر عما تتمخض عنه تلكم المحادثات، فعلى بنك السودان المركزي اتخاذ تدابير تحوطية حاسمة واستباقية، وبصورة فورية، لوقف التعامل الكامل بالدولار الأمريكي في كافة المعاملات الرسمية الحكومية، وكافة مشتريات الدولة، وعمليات الصادر والوارد. وهذا أمر لا مناص منه لحماية المصالح العليا للوطن.
كذلك على البنك المركزي تشكيل سلة واسعة من العملات البديلة، كالتعامل باليوان الذي اعتمد من قبل صندوق النقد والبنك الدوليين كعملة دولية، والتعامل بعملات الشركاء التجاريين ذوي الأفضلية، كالهند وإندونيسيا، ودول الخليج الشقيقة، وعبر إبرام اتفاقيات ثنائية.
وبالمثل يتعين على وزارتي المالية والتجارة ابتدار تدابير صارمة لوقف تصدير الصمغ العربي لأمريكا حال توقيع هذه العقوبات، واستنادا على مبدأ التعامل بالمثل Reciprocity وعملا بالقاعدة الشرعية: “وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به”..
غني عن القول التذكير بأنه يتعين على السودان عدم ابتدار المشاكل مع الآخرين، وخاصة إدارة الرئيس ترمب، لأنها عموما تعتبر أفضل من الإدارة السابقة المتماهية عقائديا ومنهجيا مع العملاء المأجورين، والتي كانت تعلن عداءها لكل ما هو إسلامي وبأسلوب سمج وفاضح، وكانت تموّل منظماتهم المشبوهة بعشرات الملايين من الدولارات، وكانت السبب المباشر في التدمير الذي طال بلادنا ولا يزال.
وعموما فإن سيادة البلاد وحماية مكتسباتها لا تقبل أي قدر من التنازل أو التهاون ولا الإستكانة ولا الإزدراء.
فالإدارة الحالية في أمريكا لا تجازي الإنكسار إلا بمزيد من الإحتقار، وتزدري وتحتقر الناكصين، وتتشكك في نواياهم النفاقية، ولكنها بذات القدر، تزن كل تعاملاتها الخارجية وعلاقاتها الثنائية بحساب الربح والخسارة المادية المتوقعة ومبدأ السوقية
Transactional
فليس هناك اعتبار لما يسمى بحقوق إنسان، ولا التحول الديمقراطي، ولا حقوق المثليين ولا يحزنون. هناك فقط حسابات أرباح وخسائر، واحتساب الأصول والالتزامات. هذا ما يتعين فهمه. والدليل هو ما يحدث منذ أكتوبر 2023 م في غزة من إبادة بشرية، وتجويع متعمد، وقتل ممنهج للمدنيين، ولموظفي الأمم المتحدة، وتدمير مكاتبها، وإطلاق النار المتعمد من قبل جيش الإحتلال على الدبلوماسيين، واغتيال الصحفيين، وقتل وجرح وتعويق النساء والأطفال والمرضى داخل المستشفيات، وبوقع يومي وبمئات الآلاف.
ومن تلقاء ذلكم الواقع فلا يمكن إطلاقا المساومة ولا التماهي مع الفروض القسرية، وأجندة كافلي العملاء المأجورين، والخونة والمرتزقة، ودجاجلة الفكر الضال، ممن يتربصون بهذه البلاد الدوائر، ويسعون لفرض مخططات أوليائهم الحاقدين على السودان وشعبه، والطامعين في موارده. فالمخطط هو أن تتزايد العقوبات على شعب السودان ولا ترفع إلا بشرط إعادتهم للسلطة وبالقوة القهرية، والضغوط الدولية، دون اعتبار لمشورة شعبية، ولا انتخابات، ولا رضى من شعب السودان.
وعليه فنتوقع من السيدين: رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية، اتخاذ تدابير فورية، تعزز سيادة البلاد، وتنأى بها عن الإنكسار المهين للأجندة الخارجية، ورفض عقلية ومنهجية الترضيات المذلة، والخنوع المخزي للإملاءات، دون رأي عام راجح، ولا مشورة شعبية، ولا رضى من غالبية شعب السودان.
فقد كان ذلك هو ديدن سلطة الناشطين الخالفة، التي فُرضت على البلاد منذ أبريل 2019م والتي كانت تعمل للإرتكاس بالبلاد لعهود غردون وكتشنر واللورد كرومر، فهؤلاء هم سلفهم المُلهِمون.
فالإنكسار الدبلوماسي والإستخذاء المهين لن يعزز سيادة الدولة، ولا يبني دولة موحدة ولا محترمة، وهو فوق كل ذلك خيانة لدماء الشهداء، وتولي عن نصرة المغتصبين، والمنهوبين، وضحايا الإبادة في الجنينة، وود النورة، والصالحة، والمحاصرين في الفاشر، والمشردين واللاجئين في أركان الأرض.
فما تتعرض له البلاد بلطجة دبلوماسية معلومة، وبتحريض سافر، ولها سوابق مشهودة في التاريخ العلاقات الثنائية المشهود. لكنها تحتاج لإستجابة دبلوماسية قاصدة، ومنهجية سيادية مدروسة، وموزونة بدقة، وفق ما فعلته دول كالصين وإيران وكندا والمكسيك وجنوب أفريقيا وغيرها، وهي تدابير مطلوبة وحتمية لوأد الشر المحتمل في مهده.
يحتاج السودان لإبرام تحالفات دفاعية موثوقة، مع دول محورية فاعلة وصديقة للسودان، ومؤثرة على المستوى الدولي، ليس بقصد الإعتداء على أحد، ولا لإحتلال موارد الآخرين، ولكن كممارسة لحق مشروع ودستوري، لتعزيز الدفاع الوطني، ومع دول تربطنا معها علاقات تاريخية مثل روسيا والصين وتركيا، وكذلك مع كل من يمد للسودان يد العون والتعاون، وبقصد وهدف حماية وتعزيز الأمن القومي والدفاع الوطني.
وذلك لأن أعداء السودان يتربصون به الدوائر، ويستقوون على تدميره وتمزيقه بآخرين نافذين في المحيط الدولي، يتحركون بدوافع تآمرية متآزرة، لا يمكن دفعها إلا بتحالفات مماثلة لتحقيق التوازن المطلوب، وتحسين التدابير المطلوبة لحماية الأمن والدفاع الوطني.
فاليوم يدفع السودان وشعبه ثمن التقاعس والتسكع الإداري والتردد في عمل ما ينبغي لتعزيز الأمن القومي الاستراتيجي.
ليس للضعفاء والمترددين ولا المتقاعسين في عالم اليوم أي موقع معتبر. مكانهم فقط هو القعود المستخزي في وهاد التبعية وحضيض الإذلال.
من يهُن يسهل الهوان عليه..
ومن لا يتق الشتم يشتم.
د. حسن عيسى الطالب
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: شعب السودان
إقرأ أيضاً:
السودان يسقط من خارطة التعليم العالمي : حصاد عقود من الإهمال والتدهور
السودان يسقط من خارطة التعليم العالمي : حصاد عقود من الإهمال والتدهور
بقلم : صفاء الزين
هذا اليوم يسجل سقوطًا جديدًا في سجل التدهور الطويل: السودان خرج من التصنيف العالمي لجودة التعليم. خبر ثقيل، لكنه نتيجة سنوات من الإهمال المتواصل. مؤسسات التعليم تراجعت، المناهج تقادمت، المعلم يعيش في ظروف قاسية، والطلاب يتنقلون بين مدارس مهدمة وجامعات مشردة. بلد بهذا الواقع كان سيغادر أي قائمة محترمة عاجلًا أو آجلًا.
كيف يستمر السودان داخل أي مؤشر عالمي بينما أكثر من 19 مليون طفل – أي نحو 90% من إجمالي الأطفال في سن الدراسة – خارج الفصول أو بلا وصول منتظم إلى تعليم رسمي؟ وكيف تبقى دولة في خارطة التعليم والعالم يشهد أن نحو 7,000 مدرسة أصبحت خارج الخدمة بسبب الحرب، وأن أكثر من 13 مليون طالب تضرروا مباشرة جراء توقف العملية التعليمية؟ كيف يرتفع بلد يغيب فيه التخطيط، ويتراجع فيه الاستثمار في العقل، وينهار فيه كل ما يدعم بناء الإنسان؟ ما يحدث اليوم انعكاس مباشر لسنوات تراكمت، حتى صار التعليم مجرد اسم بلا مضمون.
دول أخرى في المنطقة تتحرك للأمام. قطر أصبحت الرابعة عالميًا والأولى عربيًا، الإمارات ضمن أفضل 20 دولة عالميًا في جودة التعليم الرقمي والبنية التعليمية، لبنان رغم أزماته يحافظ على المرتبة الثالثة عربيًا في جودة التعليم الجامعي. هذه الدول احترمت التعليم، واعتبرته مشروعًا مستمرًا لا يتبدل بتبدل الحكومات. ضخت الموارد، طورت المناهج، رفعت مكانة المعلم، وفتحت أبواب البحث العلمي. بينما السودان سار في الاتجاه المعاكس، حتى جاء وقت لم يجد فيه مكانًا بين دول العالم في أي تقييم جاد، بعد أن توقفت ميزانية التعليم عند أقل من 2% من الإنفاق الحكومي العام، في حين تتجاوز النسبة في الدول الناجحة 12% إلى 18%.
وسط هذا الخراب، يبرز صوت آخر يجب أن يقال بوضوح: أفيقوا أيها الجنرالات من صناعة الحروب، وأوقفوا هذا العبث من أجل نهضة البلاد. هناك جيل ضاع مستقبله تحت ظلال التصعيد المستمر. شباب لم يختاروا الحرب، لكنهم يعيشون آثارها كل يوم. قرار السلام لا يحتمل التأجيل، فهذه البلاد تحتاج توقف النزيف قبل أي خطوة أخرى. الجيل الذي يكبر اليوم يستحق مستقبلًا قائمًا على المعرفة، لا على الركام. التعليم هو الطريق الوحيد لنهضة الشعوب، وهو الأساس الذي لا يقوم بدونه أي مشروع وطني.
وخروج السودان من خارطة التعليم ما هو إلا إنذار أخير بأن البلاد تمشي نحو هاوية مفتوحة. ما لم يصبح التعليم أولوية أعلى من الصراع، سيبقى المستقبل محجوبًا عن جيل كامل ينتظر فرصة واحدة ليعيش حياة طبيعية. هذا السقوط لا يُعالج بالشعارات، بل بقرار واضح يعيد للعقل مكانه ولكرسي الدراسة قيمته… وإلا سنظل خارج القوائم، وخارج التاريخ.
الوسومالإهمال والتدهور الجنرالات من صناعة الحروب السودان يسقط حصاد عقود خارطة التعليم العالمي صفاء الزين