يشكّل إصدار الرئيس السوري أحمد الشرع في 17 مايو/ أيار الجاري مرسومين، يقضيان بإحداث هيئتين وطنيتين؛ واحدة للمفقودين، وأخرى للعدالة الانتقالية، خطوة هامة في بداية مسار إنصاف الضحايا في سوريا، وجبر الضرر الذي أصابهم، عبر كشف ما لحق بهم من فظائع وجرائم، وتحقيق المساءلة حيالها، حيث لم ينقطع أمل ذويهم في تحقيق العدالة، وإحقاق الحق عبر تطبيق عدالة القانون، الأمر الذي يفسر الترحيب الواسع في الشارع السوري الذي قوبل به تشكيل الهيئتين بعد طول انتظار.
ما يدعم حرية عمل الهيئتين، هو تمتع كل منهما "بشخصية اعتبارية"، واستقلالية إدارية ومالية، وتمارس كل منهما "عملها في جميع أنحاء البلاد"، حيث تعمل هيئة المفقودين على البحث والكشف عن مصير المفقودين والمختفين قسريًا، وتوثيق الحالات، وإنشاء قاعدة بيانات وطنية، وتقديم الدعم القانوني والإنساني لذويهم.
وبالنظر إلى كونها هيئة مستقلة، فإن عملها يقتضي تعاون وزارات عدة، من أجل جمع الأدلة والبراهين والقرائن القانونية ضد المتورطين، وإحالتهم إلى القضاء المختص المستقل عن السلطة التنفيذية، حتى تطال العدالة كل من ساهم في عمليات الاختفاء القسري، وبما يتفق مع إعلان حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1992، ويقضي بإحالة جميع المتهمين بارتكاب عمل من أعمال الاختفاء القسري، في دولة ما، إلى السلطات المدنية المختصة في تلك الدولة؛ لإقامة الدعوى والحكم عليهم.
إعلانإضافة إلى الاتفاقية الدولية حول المفقودين التي صدرت عام 2006، التي تنصّ على حظر التغييب القسري، وعلى الكشف عن مصير المغيبين قسريًا.
يمكن لهيئة المفقودين الاستناد إلى ما وثقته المنظمات الحقوقية الدولية والسورية، إذ سبق أن أوردت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" في تقاريرها، أنه ومنذ مارس/ آذار 2011 حتى مارس/ آذار 2024، بلغ عدد المغيبين قسريًا حتى 30 أغسطس/ آب 2023، ما لا يقلّ عن 112 ألفًا و713 شخصًا، معظمهم على يد نظام الأسد، فيما بلغ عدد المعتقلين تعسفيًا في سوريا ما لا يقل عن 156 ألفًا و775 شخصًا.
وعليه، فإن من المهم مشاركة المنظمات الحقوقية والمدنية السورية التي عملت لسنوات طويلة على توثيق عمليات الاختفاء القسري، وأضحت صاحبة خبرة كبيرة، خاصة أن الهيئة مطالبة بمعالجة إرث الاختفاء والتغييب القسري، من خلال جمع الحقائق المتعلقة بكيفية حصول عملية الاختفاء وزمانها ومكانها.
ويستلزم كل ذلك قدرة كبيرة على تسخير الموارد بغية تحديد أماكن المقابر الجماعية التي تعد بالمئات في سوريا، وكذلك المعتقلات السريّة، إلى جانب تحديد هويات الضحايا.
تحقيق العدالةتتمحور غاية العدالة الانتقالية حول عملية إعادة بناء المجتمع السوري بعد مرحلة من الانتهاكات الخطيرة لحقوق غالبية السوريين التي مارسها نظام الأسد البائد، لذلك ينبغي وضع آليات العدالة الانتقالية وتطبيقها في ضوء الظروف التي مرت بها سوريا، وتفضي إلى إعادة الثقة بين الدولة والمجتمع.
ولا يمنع ذلك من النظر في التجارب الدولية العديدة للعدالة الانتقالية، التي ظهر أول تجسيداتها بعد الحرب العالمية الثانية، خاصة في ألمانيا مع محاكمات نورمبرغ التي استهدفت مجرمي الحرب النازيين، ثم تحولت العدالة الانتقالية في ثمانينيات القرن الماضي إلى مجال لمعالجة انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها الأنظمة الاستبدادية في جنوب أفريقيا ورواندا، ثم وظفت في دول أميركا اللاتينية، وأوروبا الشرقية، من أجل التعامل مع إرث النظم الاستبدادية والتسلّطية.
وبالتالي لا ضير من الاستفادة من نجاحات الآخرين في هذا المجال، ومما راكمته تجارب شعوب أخرى من آليات وإجراءات في إطار سعيها إلى معالجة إرث وتأثير تلك الانتهاكات، بغية جبر ضرر ضحاياها، وتشجيع الخطوات المؤسساتية التي تقوم بها الدولة من أجل إتاحة المجال للمحاسبة وفق حكم القانون، وإبعاد شبح الانتقام والثأر.
إعلانوعليه، فإن مهمة هيئة العدالة الانتقالية تتحدد في "كشف الحقيقة حول الانتهاكات الجسيمة التي تسبب فيها النظام البائد، ومساءلة ومحاسبة المسؤولين عنها بالتنسيق مع الجهات المعنية، وجبر الضرر الواقع على الضحايا، وترسيخ مبادئ عدم التكرار والمصالحة الوطنية".
وبالتالي فإن هذه الخطوة الإيجابية الهامة ستشكل تحولًا في مسار تحقيق العدالة، لذلك سيكون أمام أعضائها مهمة صعبة ودقيقة، وينبغي عليهم وضع ضوابط ومعايير كي لا تنحو باتجاه عدالة انتقائية، وتسهم بشكل فعلي في تحقيق عدالة انتقالية، تقود في النهاية إلى مصالحة اجتماعية، تعيد التماسك والترابط الاجتماعي بين جميع من فقدوا أبناءهم وآباءهم، وبما يسهم في تثبيت السلم الاجتماعي والالتفات نحو إعادة إنشاء الدولة، والانتقال بشكل نهائي من الشرعية الثورية إلى الشرعية القانونية، خاصة أن السلم الأهلي لن يتحقق ما لم تتحقق العدالة، ويتمّ إنصاف المظلومين وجبر الضرر عما لحق بهم وبذويهم.
تكتسب العدالة الانتقالية مشروعيتها في سوريا، وفي سواها أيضًا، من قدرة هيئتها على تحقيق مبدأ عدم الإفلات من العقاب، ومواجهة جميع الحقائق دون أي انتقائية، واعتماد مبدأ يعتبر أن الأساس في تحقيق العدالة الانتقالية، هو المحاسبة على الجريمة، وبما يصبّ في خانة ترسيخ فكرة أن جوهر العدالة هو الوصول إلى تحقيق الكرامة المتساوية لجميع الضحايا دون أي استثناء، ما يعني معالجة كافة مظالم الماضي، بصرف النظر عن الجهات التي ارتكبت الجرائم، وقامت بالانتهاكات.
وذلك من أجل تشييد طريق للعدالة يتمحور حول الضحايا، وعدم غض النظر عن محاسبة جميع الجناة، كي يسهم ذلك في الوصول إلى مصالحة وطنية، وضمان عدم تكرار الانتهاكات والجرائم، لذلك تبرز مهمة صعبة تقوم على الموازنة بين مسارين، أولهما مسار العدالة الانتقالية، وثانيهما مسار بناء سوريا الجديدة.
إعلان التحدياتيشير التزامن في تشكل الهيئتين إلى الترابط وثيق الصلة بين ملفَي المفقودين والعدالة الانتقالية، بوصفهما جزءًا من مسار متكامل ومترابط، يقتضي توفير سند قانوني وبيئة حقوقية، إلى جانب تسهيل عملهما عبر تعاون مختلف المؤسسات معهما، وتوفير كافة سبل الدعم لهما، بغية تذليل العقبات، ومواجهة التحديات الكثيرة.
ولعل أول التحديات التي تواجه عمل الهيئتين هو فقدان بعض الأدلة الهامة؛ نتيجة الفوضى وفراغ السلطة الذي حصل عند سقوط نظام الأسد، وما رافقه من عبث وتخريب خلال عمليات اقتحام مقرات أجهزة الأمن والسجون، إلى جانب الإتلاف المتعمّد للوثائق سواء من طرف عناصر النظام، أو من بعض العابثين، الأمر يصعب مسار العدالة المطلوبة.
لكن من الممكن الاستناد إلى آليات أخرى لجمع الأدلة والوثائق. كما يبرز التحدي المتمثل بعدم التعارض بين مسار العدالة واستقرار سوريا، وبما يقف حائلًا أمام الإفلات من العقاب، عبر التأسيس لنظام محاسبة، ينهض على المساءلة، وتعويض المتضررين، ويضمن عدم تكرار الانتهاكات في سوريا المستقبل.
ويبرز تحدٍ آخر، يتلخص في أن مسار العدالة الانتقالية ليس مجرد إجراء قانوني أو إداري، بل هو عملية تحوّل، هدفها إعادة بناء الثقة في المؤسسات، وإرساء أسس عقد اجتماعي جديد بين السوريين، حيث يشكّل حجم الانتهاكات الواسعة، وأعداد المتورطين فيها تحدّيًا كبيرًا، قد يتجاوز قدرة أي نظام قضائي على التعامل معه، خاصة أن الإدارة الجديدة مضطرة إلى إعادة بناء مؤسساتها السياسية والقضائية من جديد.
إضافة إلى أن العدالة الانتقالية تحمل في طياتها تحديات محاكمة عادلة للمتورّطين في العنف السياسي والعسكري، وضمان الاستقرار وصيانة السلم الاجتماعي في الوقت نفسه، الأمر الذي يعقد عملية الانتقال السياسي، وهنا تأتي العدالة الانتقالية كي تشكل فرصة لمعالجة الماضي، ورسم مستقبل جديد لسوريا، وضمان إعادة بناء المجتمع السوري الممزق بفعل عقود من الاستبداد والانقسام.
إعلانتحتاج سوريا الجديدة إلى العدالة الانتقالية بقدر حاجتها إلى الحرية والسلم والأمان، ولا يتحقق ذلك إلا بطي الصفحة المظلمة لنظام الأسد البائد، وفتح المجال أمام مسار للعدالة يُنصف الضحايا، ويمنع تكرار الجرائم، ويُعيد بناء مؤسسات الدولة على أُسسٍ راسخة، بما يضمن إعادة ثقة المجتمع فيها، بتبيان أن أية عملية عدالة انتقالية لا تعني معاقبة الجميع، ولن ترضي الجميع، خاصة في ظل صعوبة الوصول إلى كافة المتورّطين بالانتهاكات.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات العدالة الانتقالیة الاختفاء القسری تحقیق العدالة مسار العدالة نظام الأسد إعادة بناء فی سوریا من أجل
إقرأ أيضاً:
رأي.. إردام أوزان يكتب: سوريا بين المبادرة والتغيير الحقيقي.. وفرصة لن تنتظر
هذا المقال بقلم الدبلوماسي التركي إردام أوزان *، سفير أنقرة السابق لدى الأردن، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
إذا اختارت سوريا الشجاعة على الأداء، والرؤية على الارتجال، والشعب على السياسة، فإنها لا تزال قادرة على طي الصفحة. ولكن هذه الصفحة لن تطوي نفسها.تجد سوريا نفسها في منعطف حرج، تواجه فيه تناقضات تُشكّل حاضرها ومستقبلها. فمن جهة، ثمة بصيص أمل بغدٍ أكثر إشراقًا مع سقوط بشار الأسد وتخفيف العقوبات مؤخرًا؛ ومن جهة أخرى، يواجه المواطنون تضاؤلًا في فرص العمل وتزايدًا في التشكيك في الحكومة الانتقالية بقيادة أحمد الشرع.
ينشط المشهد السياسي من جديد، لكن هذه الحركة لا تُحركها الضغوط فحسب، بل تضافر الفرص النادرة. فبعد جهود ضغط فعّالة من السعودية وتركيا ودول أخرى، عرضت الولايات المتحدة مؤخرًا إعفاءً من العقوبات. ويتزامن هذا التطور مع زيارات الشرع إلى الرياض وأنقرة، مما يُشير إلى أن سوريا ربما تكون قد دخلت نافذةً حساسةً يُمكن فيها لقراراتٍ ذكية وسريعة ومدروسة أن تُعيد رسم مسارها بعد الحرب. ومع ذلك، فإن هذه النافذة ليست مفتوحةً إلى أجلٍ غير مسمى أو خاليةً من المخاطر.
لا تزال عناوين الأخبار السياسية تُسلّط الضوء على العنف ضد الأقليات، وعدم اليقين بشأن اندماج القوات الكردية، واستمرار عدم الاستقرار في الجنوب، ومزاعم اتخاذ إجراءات مثيرة للجدل مثل إغلاق الحانات وتطبيق حظر الكحول. تُشير هذه الإجراءات، إلى جانب المبادرات الدبلوماسية تجاه إسرائيل، مثل إعادة رفات إيلي كوهين، إلى تحول جيوسياسي كبير.
لفترة طويلة، اعتمدت السياسة السورية على مظاهر خارجية، مثل مبادرات الإصلاح، والشعارات المُعاد تدويرها، والانخراط الانتقائي. ومع ذلك، لا يزال الجمهور ساكنًا. تُثير الأفعال والتصريحات الرمزية عناوين الصحف، لكنها لا تُثير الأمل، مما يُقلل من شأن تلبية المطالب الأعمق لبلد لا يزال يواجه نزوحًا مستمرًا، وانهيارًا اقتصاديًا، وتفتتًا في السيادة.
ما تحتاجه سوريا الآن ليس مزيدًا من الإشارات، بل استراتيجية متماسكة تجمع إعادة الإعمار والعدالة والدبلوماسية في مشروع وطني واحد تطلعي. يجب تمهيد الطريق بعناية. تخفيف العقوبات، مهما كان محدودًا، لا يوفر فقط متنفسًا اقتصاديًا، بل رأس مال سياسي أيضًا. إذا استُخدم بحكمة، يُمكنه فتح آفاق المشاركة الإقليمية والدولية، وجذب تدفقات إعادة الإعمار، وتحسين تقديم الخدمات. أما إذا أُسيء استخدامه، فقد يُصبح فرصة ضائعة أخرى.
مع ذلك، فإن تخفيف العقوبات وحده لن يُقنع السوريين أو حلفائهم بأن التغيير الحقيقي جارٍ. فمصداقية العملية تعتمد على إحراز تقدم موازٍ في العدالة. فالعدالة الانتقالية في سوريا ميدان مشحون سياسيًا ومحفوف بالمشاعر. لا يزال عشرات الآلاف في عداد المفقودين، وتجارب التعذيب والحصار والهجمات الكيميائية والتهجير القسري ليست مجرد اتهامات قانونية؛ بل هي جزء من الذاكرة الجماعية. هذه الصدمات تطال كل المجتمعات، وتُغذي انعدام الثقة المستمر في هياكل الدولة.
يُعدّ إنشاء الهيئة الوطنية للمفقودين والهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية مؤخرًا خطوة مبدئية في الاتجاه الصحيح. ويجب ألا يقتصر الأمر على مجرد مبادرات استعراضية للاستهلاك الخارجي. يجب اعتبار العدالة الانتقالية أساسًا سياسيًا وأخلاقيًا للمصالحة الوطنية والشرعية. إذا ما تم التعامل معها بصدق، يُمكن أن تُصبح إطارًا موحدًا، يسمح لمختلف المجتمعات السورية بالبدء في إعادة بناء الثقة مع الدولة ومع بعضها البعض. يتطلب الأمر شفافية ومشاركة شعبية وسردًا يُؤكد بوضوح أن هذه العملية ملك للشعب، لا للنخب فحسب.
بينما يتزايد الزخم الدبلوماسي في دوائر النخبة، لا يزال الخطاب العام بعيدًا عن مساره. ينشغل جزء كبير من الحوار الداخلي بمواضيع رمزية وثانوية. تهيمن القيود الاجتماعية والمظالم الطائفية والمناوشات المحلية على المنصات العامة، حتى في ظل تجاهل قضايا هيكلية مثل مستقبل القوات الكردية وخطر عودة داعش. هذه الفجوة بين ما هو مهم وما يهيمن على النقاش العام خطيرة؛ فهي تسمح للحكومة بالعمل دون مساءلة، مما يُعرّضها لخطر إهدار فرص نادرة بفشلها في بناء زخم مجتمعي حولها.
يُجسّد ملف إعادة الإعمار هذه المسألة. فغالبًا ما يُنظر إليه كمسألة تقنية أو يُختزل إلى سياسات المانحين، إلا أنه ذو طابع سياسي عميق. تتعلق إعادة الإعمار بالملكية، أي بمن يتحكم في السردية، ومن يُكلّف بإعادة الإعمار، ولصالح من. وإذا تُرك دون استراتيجية واضحة، فإنه يُخاطر بترسيخ هياكل السلطة القديمة. ومع ذلك، إذا ارتبط برؤية قائمة على العدالة والشفافية والشمول، يُمكن أن يُصبح محركًا للتجديد الوطني.
لهذا السبب، يُعدّ تشكيل الخطاب العام أمرًا مُلِحًّا. يجب تشجيع السوريين على تحويل تركيزهم من الرمزي إلى الهيكلي. يجب على المنصات المدنية والنقابات المهنية ووسائل الإعلام ومنظمات الشتات إعادة توجيه اهتمامها نحو محوري تخفيف العقوبات والعدالة. هنا يُحدَّد مستقبل سوريا.
بالنسبة للشرع ومن حوله، لا يكمن التحدي الآن في الرؤية فحسب، بل في سرعة التحرك. فالسياق الإقليمي يشهد تحولات. السعودية تُرسّخ مكانتها بشكل متزايد كعامل استقرار إقليمي. وتركيا، التي تواجه إعادة تقييم اقتصادي وسياسي، منفتحة على المشاركة في التعاملات التجارية. وتسعى الولايات المتحدة إلى تقليص دورها مع الحفاظ على نفوذها. في هذه المرحلة من التقلب النسبي، لدى سوريا مساحة للمناورة، لكن ليس لديها وقت لتضييعه.
تتطلب القيادة الفعّالة اليوم فهمًا دقيقًا للوضع الراهن. من الضروري إدراك أن سوريا لا تواجه إعادة ضبط شاملة، بل فرصة محدودة وسط مجموعة معقدة من المصالح. وسيتوقف استعادة سيادتها أو استمرار تبعيتها على إجراءاتها الاستراتيجية والسريعة.
الرمزية لن تُحقق إعادة الإعمار، والخطابات لن تُعيد المفقودين، والدبلوماسية دون متابعة لن تُحقق استقرار البلاد. المطلوب هو خطة وطنية متكاملة، ترتكز على العدالة، وتدعمها رسائل واضحة، وترتبط بإغاثة ملموسة للمواطنين.
لا تزال هناك فرصة لاستعادة مسار سوريا، لكن هذه الفرصة لن تنتظر.
* نبذة عن الكاتب:
إردام أوزان دبلوماسي تركي متمرس يتمتع بخبرة 27 عامًا في الخدمة الدبلوماسية. وقد شغل العديد من المناصب البارزة، بما في ذلك منصبه الأخير كسفير لدى الأردن، بالإضافة إلى مناصب في الإمارات العربية المتحدة والنمسا وفرنسا ونيجيريا.
ولد في إزمير عام 1975، وتخرج بمرتبة الشرف من كلية العلوم السياسية بجامعة أنقرة. واكتسب معرفة واسعة بالمشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي في الشرق الأوسط، حيث قام بتحليل تعقيدات الصراعين السوري والفلسطيني، بما في ذلك جوانبهما الإنسانية وتداعياتهما الجيوسياسية.
كما شارك في العمليات الدبلوماسية المتعددة الأطراف، وتخصص في مجال حقوق الإنسان والتطورات السياسية الإقليمية. وتشمل مساهماته توصيات لتعزيز السلام والاستقرار من خلال الحوار والتفاوض بالتعاون مع المنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية. ويواصل حاليا دراساته عن الشرق الأوسط بينما يعمل مستشارا.