مدير مكتب الجزيرة بطهران: المرشد قطع الشك باليقين والمنطقة ذاهبة إلى مستوى جديد من التصعيد
تاريخ النشر: 18th, June 2025 GMT
قال مدير مكتب الجزيرة في طهران، عبد القادر فايز، إن المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي وجه اليوم خطابا مباشرا إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن إيران لن تستلم لشروطه.
وقال خامنئي، إن إيران لن تقبل أن يُفرض عليها سلام أو حرب، وحذر الولايات المتحدة من "عواقب وخيمة لا يمكن إصلاحها" إذا قامت بالهجوم على إيران.
وبحسب فايز فإن "استهداف الأميركيين في المنطقة ليس صعبا على القوات المسلحة الإيرانية"، وأن الخبراء في السياسة الشرق أوسطية وفي الجغرافيا السياسية الشرق أوسطية بإمكانهم أن ينصحوا ترامب والأميركيين بأن إيران لديها قدرات كبيرة في هذا المجال.
وبخطابه اليوم، قطع المرشد الشك باليقين بأن إيران لن تذهب إلى توقيع اتفاق استسلام، وبحسب مدير مكتب الجزيرة، فإنه بناء على معلومات "يمكن الاعتماد عليها بشكل كبير" أن أمام إيران وإسرائيل والمنطقة ما يقارب 70 ساعة للوصول إلى شيء ما قبل تدخل واشنطن في الحرب.
ووجه الرئيس الأميركي أمس، تهديدا مباشرا باغتيال خامنئي، قائلا إنه "هدف سهل ونعرف أين يختبئ ولا نريد القضاء عليه في الوقت الحالي على الأقل"، طالبا استسلاما غير مشروط من إيران، مؤكدا أن الصبر الأميركي بدأ ينفد.
ويوضح مدير مكتب الجزيرة، أن العقيدة الدفاعية للقوات المسلحة الإيرانية نشأت في الأصل على التموضع الأميركي العسكري في المنطقة، وليس على مواجهة بعيدة المدى مع إسرائيل، مشيرا إلى أن إيران لديها صعوبة في الوصول إلى العمق الإسرائيلي، لأنها تستخدم فقط المنظومة الصاروخية والمسيّرات.
وقال إن القوة البحرية التابعة لـ الحرس الثوري الإيراني مكلفة بالمواجهة في المنطقة، ولذلك ليس لديها ما تفعله الآن سواء في المياه الخليجية، أم في مضيق هرمز، أم في المحيط الهندي، ولا في بحر عمان أو البحر الأحمر وباب المندب.
إعلانكذلك لا يوجد دور للقوة البحرية التابعة للحرس الثوري تفعله الآن في المواجهة العسكرية مع إسرائيل.
وساطاتوبخصوص الوساطات الخارجية بشأن إيقاف الحرب، أكد فايز أن روسيا عرضت وساطة، ونفس الشيء مصر وتركيا والدول العربية الخليجية ودول كثيرة في أوروبا والغرب، لكنه استبعد نجاح هذه الوساطات إذا كانت تحمل نفس الرؤية الأميركية.
وفي ضوء التطورات الراهنة لا يستبعد مدير مكتب الجزيرة في طهران، أن تذهب المنطقة إلى مستوى جديد من التصعيد، مستندا في توقعاته إلى معلومات تشير إلى أن هذا التصعيد سيكون على المستوى الإقليمي في حال دخلت الولايات المتحدة على خط الحرب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات مدیر مکتب الجزیرة أن إیران
إقرأ أيضاً:
الحرب التي أيقظت الحقيقة بين إيران وإسرائيل
محمد بن علي البادي
عندما تنطق الحرب... تسكت الروايات الكاذبة، وتتكشّف المعادن، ويسقط القناع عن الوجوه المصطنعة.
فالحرب ليست مجرد تبادل للضربات، بل امتحان للثبات، وميزان للقوة، وكاشفة للخونة قبل الأعداء.
والحرب الأخيرة بين إيران والكيان الصهيوني لم تكن استثناءً، بل كانت صاعقة أضاءت ظلام التردد، وزلزالًا هزّ المنطقة من أساسها.
فيها اختُبرت الإرادات، وانكشفت النوايا، وسُجلت دروس... من لم يفهمها اليوم، سيدفع ثمنها غدًا.
فهي ليست معركة صواريخ فحسب، بل معركة وعي، وسيادة، وبقاء.
لقد اهتزت لها غرف القرار الصهيوني، وارتبكت لأجلها أجهزة استخبارات دولية، وتزعزعت بسببها حسابات تحالفات عتيقة.
أما الدرس الأكبر، فهو أن الردع الحقيقي لا يُشترى، ولا يُستورد، بل يُصنع من الداخل: بالتطهير قبل التسليح، وبالثبات قبل الصواريخ.
من يتابع الشأن الإيراني عن قرب، يُدرك أن طهران لم تسقط تحت وطأة الضربة الإسرائيلية المباغتة، بل استفاقت منها بسرعة لافتة، والتقطت أنفاسها بثبات وهدوء، ثم شرعت في إعادة تموضعها العسكري والسياسي بحنكة نادرة.
كانت الضربة موجعة، نعم... لكنّ إسرائيل تكبّدت خلالها خسائر بشرية وبنيوية وعسكرية كبرى، حاولت التعتيم عليها، غير أن الإعلام الخارجي سرعان ما فضح المستور، وكشف عمق الاختراق وردّة الفعل الإيرانية، وأثبت أن إيران ليست هدفًا سهلًا، ولا عدوًّا يُستهان به.
وفي سرعة هادئة، أطلقت إيران عملية شاملة لإعادة ترتيب الداخل: تعيين قادة جدد، وتحريك التحالفات، وترميم البنية التحتية، وإعادة توزيع مراكز القوة.
لكنّ الأهم من كل ذلك، أنها بدأت حيث يجب أن يبدأ أي مشروع نهوض حقيقي: من الداخل.
فلم تنتظر ترميم المباني، بل بدأت أولًا بتصفية الخونة والعملاء، وكأنّ الرسالة كانت: "لن نعيد البناء فوق فساد".
فكل يوم يمضي، إلا ويُكشف فيه عن جاسوس جديد يعمل لصالح الكيان الصهيوني أو أحد وكلائه.
إنه عمل أمني واستخباراتي عميق، يُدار ليلًا ونهارًا بلا ضجيج، ويقدّم درسًا استراتيجيًا بالغ الأهمية: أن التحصين الحقيقي يبدأ من الداخل، وأن الخيانة الداخلية أخطر من ألف دبابة على الحدود.
وقبل الحرب، وأثناء اشتعالها، كانت هناك جيوش إلكترونية منظمة تشن حملة دعائية شرسة ضد إيران، توازي الهجوم العسكري وتخدم أهدافه.
رُوّج حينها أن ما يجري ليس سوى "مسرحية مفبركة" متفق عليها بين أمريكا وإسرائيل وإيران، لتضليل الشعوب وإيهامها بعداء وهميّ لا وجود له.
وقد نجحت هذه الحملات مؤقتًا في زرع الشك، وزعزعة الثقة، ودفع بعض الناس إلى الاستهزاء بالمواقف، بل واتهام الضحية بالتواطؤ!
لكن الحرب نفسها جاءت لتفضح هذه الروايات السطحية، ولتُثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن ما دار كان حربًا حقيقية ضروسًا، تكبّد فيها الطرفان خسائر فادحة.
ولو لم تكن إيران تمتلك الجاهزية والقدرة وتماسك القرار، لما توقفت الحرب عند حدّ معين، بل كانت ستتدحرج لما هو أعنف.
وهكذا، سقطت كذبة "التمثيلية"، وتبيّن أن الصواريخ لا تُمثّل، وأن الدم لا يُهرق على خشبات المسارح.
ومع مرور الوقت، لا تكاد تمر فترة حتى تظهر تقارير إعلامية واستخباراتية تؤكد، تصريحًا أو تلميحًا، أن إسرائيل لم تكن وحدها في المشهد، بل كانت عنصرًا ضمن شبكة أوسع، اتفقت على ضرب إيران، أو على الأقل، غضّت الطرف عن ذلك.
ونحن هنا لسنا بصدد الدفاع عن إيران أو اتهام تلك الدول بالتآمر، فالحكمة تقتضي أن نُحسن قراءة الإشارات دون الجزم القاطع، فليس كل ما يُقال يُصدق، ولكن أيضًا: "لا دخان بلا نار"... هكذا علّمتنا السياسة والتجربة.
ولولا قوة الردع الإيرانية، لربما تباهت بعض الأطراف علنًا بسقوط طهران، وتقدّمت لتقطف ثمار الانهيار.
لكن الرد الإيراني الصلب جاء صفعة لإسرائيل، ورسالةً مشفّرة للمشغّلين الأساسيين في الخفاء: أن من يظن إيران لقمة سائغة... لم يفهم بعد طبيعة النار التي يحاول اللعب بها.
لقد أثبتت هذه الحرب أن الردع لا يُبنى في لحظة، ولا في اجتماع طارئ، بل هو ثمرة مسيرة طويلة من التحدي والاستعداد.
ورغم الحصار والعقوبات، استطاعت إيران أن تبني منظومة عسكرية واستخباراتية متماسكة، جاهزة لحرب مفاجئة في أي وقت، وقادرة على فرض معادلاتها.
وهنا يتجلى الدرس الكبير: أن العداوات قد تكون صامتة اليوم، لكنها قابلة للاشتعال في أي لحظة، وحينها لا وقت لبناء القوة... بل لا بد أن تكون القوة قائمة وجاهزة ومتجذّرة.
الخاتمة
إن أعظم ما أظهرته هذه التجربة، أن لا أمان لأمةٍ أو دولة، لا في حدودها القريبة، ولا في بعادها، بل ولا في أحشائها الداخلية. فالخيانة التي تنمو في صلب المجتمع قد تكون أخطر من أي عدوان خارجي.
إذ يمكن لخائنٍ واحد أن يُسقط هيبة دولة، ويفتح بوابات الدمار من الداخل.
لهذا، فإن التحصين الحقيقي لا يبدأ بسياج من الأسلاك الشائكة، ولا بصواريخ عابرة، بل يبدأ بغسل القلوب، وبناء الثقة، ومراقبة الداخل قبل الخارج.
فلا بد لكل وطن أن يدرك أن قوته الحقيقية تكمن في صفائه الداخلي… قبل أن يتصدى لأعدائه.