لجريدة عمان:
2025-07-26@23:29:46 GMT

تجويع غزة.. عندما يصبح الصمت جريمة

تاريخ النشر: 22nd, July 2025 GMT

الجرائم ضد الإنسانية التي تمارسها دولة الاحتلال الصهيوني في غزة منذ عامين تقريبا لم يعد بإمكان أحد السكوت عليها بعد أن انتقلت إلى مرحلة غير مسبوقة في تاريخ البشرية، تجمع بين القتل اليومي للعشرات والمئات من طالبي المساعدات، والقتل بالتجويع من خلال منع وصول المساعدات الإنسانية إلى نحو مليوني إنسان لا يجدون كسرة خبز.

المعروف أن ما يتعرض له الفلسطينيون في غزة يندرج ضمن ما عرف تاريخيا باسم «حروب التجويع»، وهي استراتيجية عسكرية غير إنسانية بالمرة ابتدعها إنسان القوى الاستعمارية الغربي في الغالب، وتقوم على استخدام الجوع والتجويع كأدوات لإخضاع الخصم، وتشمل فرض حصار اقتصادي أو عسكري يمنع دخول الغذاء والدواء، وتدمير المحاصيل الزراعية ومصادر الغذاء، ومنع وصول المساعدات الإنسانية واستهداف قوافلها، وهو ما تستخدمه إسرائيل مع أهل غزة وأضافت إليه بصمتها الإجرامية الخاصة من خلال جمع الجوعى في أماكن محددة بزعم توزيع الغذاء عليهم ثم استهدافهم وقتلهم بالطائرات والمسيرات.

ورغم أن التاريخ الإنساني القديم والحديث والمعاصر شهد العديد من حروب التجويع ضد شعوب فقيرة من جانب قوى ودول استعمارية محتلة، فإن ما تفعله إسرائيل في غزة فاق كل هذه الحروب خسة وقذارة عندما حولت الوعد بالحصول على الغذاء إلى سلاح وظفته لاستهداف أكبر عدد من المدنيين بشكل مباشر لإضعاف إرادة المقاومة وتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية.

واقع الحال أن حرب التجويع الحالية ليست الأولى التي يشنها العدو الإسرائيلي على الأبرياء في غزة، وتعود بدايتها إلى يوليو من عام 2007. فردًا على سيطرة حركة حماس على القطاع، قام الصهاينة بإغلاق معظم المعابر الحدودية، وفرضوا قيودًا شديدة على حركة البضائع والأفراد، وتضييقًا غير مسبوق على دخول الغذاء والماء والوقود والدواء، وصفته منظمات حقوقية بأنه شكل من أشكال «العقاب الجماعي»، و«حرب تجويع شاملة». وقد أضافوا إلى الحصار البري الذي ساعدتهم فيه حكومات عربية وقتذاك حصارا بحريا بالإضافة إلى الحصار الجوي الذي بدأ مبكرا في 2001 بتدمير مطار غزة. وعلى هذا الأساس فإن الحصار الصهيوني على غزة أصبح يمثل أحد أطول حالات العقاب الجماعي في العالم في العصر الحديث، إذ تُحاصر إسرائيل أكثر من مليوني نسمة في منطقة لا تتجاوز مساحتها 360 كلم مربع.

الغريب في الأمر أن هذه الجرائم التي تجرى تحت سمع وبصر العالم والتي حركت دول بعيدة جغرافيا عن غزة ودعت بشكل واضح إلى إنهاء تجويع غزة ورفع الحصار الصهيوني عليها، وطالبت بالتحقيق في جرائم الحرب واستخدام التجويع ضد المدنيين، مثل إيرلندا، النرويج، السويد، إسبانيا، بلجيكا، وسويسرا، لم تحرك أي شكل من أشكال التعاطف لدى الأنظمة العربية حتى المجاورة لغزة، والتي ما زالت تنتظر ما وعدها نتيناهو به وهو القضاء التام على المقاومة، وإجبار أهل غزة أو من بقي منهم على قيد الحياة على الرحيل عن القطاع المنكوب، والبدء في تحقيق حلم إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات. ولولا دعوات خجولة من قادة رأي وقادة دينيين ونشطاء عرب على منصات التواصل الاجتماعي لقلنا إن العرب لم يعد يعنيهم أمر ما يحدث في غزة.

لا نعرف سر صمت الحكومات العربية المريب على ما يجرى في غزة؟ من الذي أغلق الأفواه عن «أضعف الإيمان» التي جعلتنا نكتفي بإصدار بيانات الإدانة والشجب التي لا يعيرها أحد في العالم أي اهتمام. نعم هناك بيانات عربية لدول العربية نددت بتجويع غزة شاركت فيها معظم الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، لكنها بقت مجرد كلمات لم تغير من الواقع شيئا. أين جامعة الدول العربية التي لم نعد نسمع لها صوتا؟

هذا التقاعس العربي عن القيام بفعل يوقف حرب التجويع الهمجية الإسرائيلية في غزة، يمثل جريمة أخلاقية لا تقل بشاعة عن جرائم الحرب. جريمة لن تدان فيها إسرائيل وحلفاؤها الغربيون فقط، ولكن أيضا الحكومات العربية التي رأت وسمعت ولم تحرك ساكنا، بل ومنعت قوافل الإغاثة الدولية من تمرير المساعدات وكسر الحصار على غزة عبر أراضيها.

ما الذي أوصلنا إلى هذه الحالة من الوهن والعجز الذي جعلنا غير قادرين على إيصال كيس من الطحين إلى الجوعى في غزة؟ لماذا كل هذا الخوف من إسرائيل؟ ألم نتعلم شيئا من المقاومة الفلسطينية التي ما زالت توجعهم كل يوم رغم تدمير كل معالم الحياة في القطاع؟ هذا العدو لا يعرف سوى لغة القوة التي افتقدها العرب منذ سنوات.

إن على الأنظمة العربية أن تصحو من غفوتها بعد أن وصلت حرب التجويع الممنهجة ضد سكان غزة إلى محطتها الأخيرة، وبعد تفاقم الأوضاع الإنسانية في القطاع بشكل كارثي. رغم البيانات والإدانات فإن تأثير المواقف العربية ما زال أضعف من حجم الكارثة. إذا كنا عاجزين عن إقامة جسر بري وجوي دائم لتقديم المساعدات الغذائية للجوعى في غزة، وإذا كانت دول المعابر العربية عاجزة عن فتحها، فما زال أمامنا خيارات أخرى.

على الدول العربية الآن وليس غدا أن تتجاوز مرحلة الشجب والاستنكار والانتقال إلى مرحلة الفعل السياسي، والقانوني، والاقتصادي، والإعلامي. لقد حان الوقت لتدويل قضية تجويع أهل غزة باعتبارها جريمة حرب ومطالبة الأمم المتحدة بفتح تحقيقات فورية من خلال المحكمة الجنائية الدولية حول استخدام إسرائيل التجويع كسلاح. ما زالت في أيادينا أسلحة يمكن أن نضغط بها على عصابة نتنياهو أبرزها تعليق الدول المطبعة علاقاتها مع إسرائيل لحين إنهاء هذه الحرب، والضغط على الحلفاء الغربيين من خلال استدعاء سفراء الولايات المتحدة والدول الأوروبية الداعمة للصهاينة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: من خلال فی غزة

إقرأ أيضاً:

كيف حولت الإمارات المساعدات إلى أداة تجويع في غزة

ومع تصاعد التحذيرات من وكالات أممية وحقوقية، تتكشف أبعاد هذا السلاح الخفي الذي يتم استخدامه بكفاءة قاتلة، بمشاركة وتواطؤ أطراف دولية نافذة، في مقدمتها الولايات المتحدة والإمارات.

ولم يكن الحصار الإسرائيلي الجديد مجرد إجراء أمني، بل اتخذ أبعادًا إبادة جماعية واضحة. فبحسب تقارير موثقة، منعت إسرائيل بشكل متعمد دخول الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع، وهو ما تسبب في كارثة إنسانية شاملة.

ووصفت منظمة “هيومن رايتس ووتش” السياسات الإسرائيلية بأنها “جريمة إبادة جماعية عبر التجويع”، مشيرة إلى أن الهدف يتجاوز العقاب الجماعي، ليصل إلى تهجير السكان قسرًا أو تركهم يموتون ببطء.

الولايات المتحدة: المُمَكِّن الرئيسي

في قلب هذه المأساة، تقف الولايات المتحدة بوصفها الداعم السياسي واللوجستي الأول لإسرائيل، ولكنها ذهبت أبعد من ذلك. فقد قامت واشنطن بتمويل ما يُعرف بـ”مؤسسة غزة الإنسانية” (GHF)، وهي شبكة مساعدات بديلة تُدار تحت إشراف إسرائيلي أمريكي مشترك.

ووفقًا لمسؤولين أمميين، فإن هذه المؤسسة ليست سوى “غطاء للمزيد من النزوح”، إذ تتحول مواقعها إلى أفخاخ قاتلة يلقى فيها المدنيون مصرعهم أثناء محاولاتهم الحصول على الطعام.

وقد قُتل هذا الأسبوع وحده أكثر من 70 فلسطينيًا وأُصيب أكثر من 120 آخرين، أثناء تواجدهم في طوابير توزيع المساعدات قرب نقاط تابعة لـ GHF. منظمة العفو الدولية وصفت هذه المراكز بأنها “استخدام للتجويع كسلاح حرب”، ودعت إلى تفكيكها فورًا.

تستر أمريكي ورقابة مشددة

تتعمق الأزمة مع ورود معلومات عن ضغوط أمريكية لمنع الكشف عن الأوضاع الكارثية في غزة. فقد كشفت تقارير صادرة عن موظفين سابقين أن دبلوماسيين أمريكيين أُمروا بالتقليل من شأن حالات الوفاة بسبب الجوع في تقاريرهم الرسمية.

كما تم سحب تحذير من المجاعة الشاملة كان من المقرر أن تصدره الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، بعد ضغوط من البيت الأبيض.

الإمارات: دور تكميلي في هندسة الحصار

في مشهدٍ متوازٍ، تلعب الإمارات دورًا محوريًا لا يقل خطورة. ففي مايو/أيار 2025، توسطت أبوظبي في اتفاق مع إسرائيل لتسهيل عبور المساعدات، ضمن ما سُمّي “ممر المساعدات العالمي”.غير أن هذا المسار أثبت أنه ليس أكثر من وسيلة لتجميل الحصار وإدامته، حيث تم استخدامه لشرعنة سياسات إسرائيل في فرض الحصار الغذائي.

ويعزز تصنيف الإمارات كـ”شريك دفاعي رئيسي” للولايات المتحدة من الشكوك حول دورها الأمني في دعم هذا النهج، لا سيما في ظل علاقاتها الوثيقة بأجهزة الأمن الإسرائيلية.

أرقام مرعبة وخطر المجاعة الشاملة

النتائج لا تقبل الجدل: أكثر من 60 ألف طفل يعانون من سوء تغذية حاد، في حين يواجه ما يزيد عن 500 ألف فلسطيني خطر الموت الوشيك جوعًا.

وتُحذّر منظمة الصحة العالمية وبرنامج الغذاء العالمي من أن استمرار هذا الوضع سيقود إلى “مجاعة شاملة لا سابق لها في العصر الحديث”.

وفي ظل هذا الوضع الكارثي، لا تزال مئات الشاحنات المحمّلة بالمساعدات عالقة على المعابر، في وقت تُمنع فيه منظمات الإغاثة الدولية من العمل بحرية داخل القطاع.

 

 

مقالات مشابهة

  • الهباش: إسرائيل ترتكب جريمة تجويع جماعي وتحول سكان غزة إلى هياكل عظمية
  • نائب بولندي ينتقد موقف بلاده من جريمة الابادة التي ترتكبها “إسرائيل” في غزة
  • حين يصبح العتاب جريمة.. حكاية طالب الطب والفعل الفاضح بأكتوبر
  • حدث استثنائي في أجواء غزة… ما الذي سمحت به إسرائيل فجأة؟
  • المجلس العربي يدين جريمة التجويع في غزة ويطالب بوقف الحرب والعدوان
  • كيف حولت الإمارات المساعدات إلى أداة تجويع في غزة
  • الاستنكار لا يكفي.. رغد صدام حسين تثير تفاعلا بتدوينة عمَا يحدث في غزة
  • ناشطة في رحلتها التاسعة لغزة: نكسر الصمت العالمي لا الحصار فقط
  • حماس: الاحتلال يرتكب جريمة تجويع جماعي في غزة.. وصمة عار على جبين العالم
  • تجويع غزة فنٌّ يتقنه الاحتلال فما خيارات أهلها؟