لجريدة عمان:
2025-07-26@23:29:57 GMT

سيرة ذاتية عن السينما

تاريخ النشر: 22nd, July 2025 GMT

يعرفُ السينمائيون أو المهتمون بالسينما المرات الأولى التي شاهدوا فيها فيلمًا. تبدأ العلاقة بالسينما في الغالب من تلك اللحظات الأولى التي تشرق في أرواحهم. لكنني لا أتذكر متى كانت مرتي الأولى، مع ذلك أتذكر جلوسي على سريري عندما كنتُ طالبة في سنتي الجامعية الثانية، أشاهدُ فيلم «خلف زجاج معتم» لبيرغمان، حينها تغيّرت علاقتي بالسينما.

ظللتُ لا أعرف بالضبط ما الذي يعنيه أن تكون في قاعة السينما، ذلك الإظلام الذي يُكتب عنه ثم الإضاءة، فالإظلام مجددًا، وأن تكون في حشد من المراقبين المتهيئين للدخول في التجربة، مسلِّمين أنفسهم طواعية للحياة في الشاشة. حتى عندما بدأتُ باختبار زيارة السينما كانت الأفلام في معظم الأحيان تصيبني بالشرود، لأنني أتوقف عند تعليقات المشاهدين غالبًا من الرجال الذين يريدون لفت انتباه المشاهدات، بل ويزعجني بتطرف صوت قضم المأكولات الخفيفة، قَرعتُ من صاحبني للسينما لذلك، فأصبح من المعروف أنني سأجلس في مقعد بعيد عن أي أحد يرافقني إلى هناك. ثم قررتُ أن أتخصص في الإخراج، ومضيتُ قدما في التخصص وصورتُ فيلم تخرج رديء لا أحتفظ بنسخة منه، لا يعرف أحد تقريبًا أن لديّ بكالوريوس في مسار الإخراج تحديدًا، لم أستطع للحظة واحدة أن أصدق أنني سأتمكن من الذهاب أبعد من تلك الرداءة. حاولت استدراك ذلك الفشل بكتابة سيناريو كان مضحكًا لفرط التجريد فيه، بدا كما لو أنني كتبتُ قصة عن ملائكة يتصارعون في السماء، إذ إنني كتبتُ عن نساء يخرجن بعباءات سوداء من البحر وهن يحملن مرايا أكبر من وزنهن، ومع ذلك لا يتوقفن عن المسير.

منذ عام ٢٠١٣ - ٢٠١٤ أدرتُ ناديًا للسينما يتبعُ المجلس الوطني للثقافة والفنون في الكويت، إذ كنتُ أدرسُ هناك، وكان عليّ اختيار أفلام لمشاهدتها بدأتها بفيلم come and see وفيلم white ribbon، لا أعرف لِمَ كان مزاجي قاتمًا إلى هذا الحد ولمَ اخترت فليمين بهذا العنف، ربما لأنني أردتُ بكل جوارحي أن يتعرف المنتسبون للنادي أو من يقررون مشاهدة الأفلام على سينما مختلفة بالفعل، سينما صاخبة على طريقتها، وفي تلك الأثناء انهالت عليّ الدعوات لإدارة فعاليات سينمائية كان منها، عرض فيلم «سوناتة الخريف» في جمعية الأدباء الكويتيين، والتي حدث فيها موقف مؤسف في نهاية الجلسة بعد عرض الفيلم والمداخلات التي قدمها بعض الحاضرين، وقد عقبتُ على بعض منها، فكان أن وقف أحدهم صارخًا بأنني هنا لأنني اخترت الفيلم وعليّ تدوير ناقل الصوت على من يريد تقديم أي مداخلة، لأنني لستُ جديرة بقول أي شيء، أصابتني لحظة ذهول وسرعان ما تحول الجمهور للرد عليه وطرده من القاعة. مع ذلك أخذتُ أعيد مشاهدة ذلك الفيلم وحيدة أحيانًا وفي جماعات أحيانًا أخرى.

أشعر بأنني نسيتُ هذا كله. وعندما أحاول التأكد من أن هذا ما حدث بالضبط، وأنني لم أرَ ذلك في منام عابر. وحتى مع استدعائي تلك المرحلة من حياتي، أعود طالبة مرة أخرى، أستاذي في مقرر الإخراج التلفزيوني يسألنا لماذا أنتم هنا؟ لماذا تدرسون الإخراج؟ كنا ثمانية طلاب فحسب، كان تخصص الإعلام، الإذاعة والتلفزيون، من التخصصات التي لا تستطيع دخولها بسهولة، ولم يكن هنالك عدد كافٍ من المدرسين في هذا القسم بعكس الصحافة والعلاقات العامة، مما دفع الجامعة لتجاوز قوانينها في دمج الطالبات والطلاب في صف واحد، حتى مع ذلك كان ينبغي أن ننظم أنفسنا نحن الثمانية من أجل ضمان نزول المقررات في الفصل القادم، حتى نستوفي الخطة الدراسية ونتخرج.

كان جوابي ساذجًا كعادتي، قلتُ يومها لأنني أحب انغمار بيرغمان، فعقب عليّ: آه الممثلة الجميلة جدًا، حينها أحبطتُ كثيرًا، قلت لا إنه مخرج سويدي، وانغريد بيرغمان مثلت في أحد أفلامه. كُنت حينها في الصف الأول من قاعة الدراسة، أحاول بشدة أن ألفت الانتباه لوجودي، إذ إنني لم أفلح في تحقيق ذلك في أي من مقررات تخصص الإعلام، عكس تخصصي في العلوم السياسية ودراستي لحوالي ١٨ مقررًا في الفلسفة، فيما كان يعرف آنذاك بالمقررات الاختيارية. أظن بأن علاقتي بذلك الأستاذ انتهت قبل أن تبدأ. كان يمكن أن يفكر وزملائي بأنني متحذلقة، لكنهم مع مرور الوقت بدأوا يتهامسون بغرابتي، وكيف أنني مسكينة جدًا. قاومتُ ذلك بإقناع نفسي أن مسكينة تعني حالمة، وأنني لن أستطيع تغيير ذلك على الأقل حينها.

حصلتُ على درجة متدنية في المقرر، لكنني حاولت جاهدة لأننا تعويض ذلك إذ إننا سندرس هذا المساق في ثلاث مقررات، قبل أن نبدأ في مقررات تتعلق بالتصوير وغيرها، لم أفلح في التقدم ولا خطوة واحدة، ورغم تحقيقي لعلامات عالية في التخصصات الأخرى، كان عليّ أن أتحمّل نتائج مواد تخصصي الدراسي الأساسي. استمرت مشاهدتي للسينما، تعرفتُ على مخرجين من كل العالم، تعلقتُ بأفلام أعدت مشاهدتها لوحدي، أفلام قلما يكون فيها أي حوار، هنالك الكثير من الصمت، والبطء الذي يعكس برودة ما، كانت شهية بالنسبة لمخرجي مراحل زمنية من تاريخ السينما. وكنتُ أفلح في متابعة الفيلم دفعة واحدة دون أن أمسك بهاتفي أو أتململ. أتذكرت أنني شاهدت فيلما لبيلا تار يتجاوز الثلاث ساعات بهذه الطريقة، سألني الأصدقاء الذين قرأوا توصيتي بالفيلم على تويتر، كيف تمكنتِ من مشاهدته؟ هل يتطلب ذلك لياقة ما؟ هل هذه سينما «محنكين» وهذه لفظة ساخرة انتشرت منذ ٢٠١٠ حتى ٢٠١٧ عن أولئك الذين يدعون الاستمتاع بفيلم ٤ ساعات لا يفهم منه أي شيء، بالإضافة لإثارته الملل. نستطيع أن نرى كيف أن السينما ومشاهدتها يعنيان بالفعل موقعنا داخل الحداثة، ونستطيع أيضًا أن نرى كيف هي في المجتمع وبأي نفوذ تدفعك إلى طبقة أو نخبة، أو جماعة معينة، الجماعة التي يشير موقعها مجددًا إلى موقع في الحداثة، بما يعنيه تشكلها ومن ينتسب إليها والفضاء العام الذي نشأت فيه، والأسباب التي دفعت لتشكيلها.

بعد عودتي إلى عمان وبعد أسبوع واحد، اكتشفت أن ارتياد السينما نادر جدًا، خصوصًا بالنسبة للنساء. غالبية الجمهور هنود، والأفلام التي تُعرض في دار عرض صغيرة جدًا وبائسة في صحار هندية في الغالب. عندما سألني أحد أقاربي وكان في بيتنا عن وجهتي، بدا أن العالم سينهار عليّ وعليه وعلى من في البيت، كيف تذهب فتاة إلى السينما؟ وليست أي فتاة، إنها ابنة العائلة الفلانية. كتمتُ بكائي، وعرفتُ أن طريق الصدام بين ما أصبحت عليه وما هو متوقع مني، تبدأ منذ تلك اللحظة. لذا قلتُ بحزم مهدد، رغم معرفتي أن عواقب ذلك قد يعني حرماني الكامل من الخروج ومصادرة هاتفي وغيرها، قلتُ بأنني درستُ السينما وهذا تخصصي، وأن أي قوة في العالم لن تثنيني عنها، وأنني سأذهب الآن «غصبًا عنكم». السينما مفترق الطريق، الثغرة التي ستخرج منها تلك الفتاة لمقاومة السلطة.

تخرجتُ ٢٠١٥ وكانت أبواب التوظيف مغلقة، من انزعجوا من تخصصي في العائلة أو من ابتعاثي للدراسة، سخروا أمامي من أنني سأجلسُ في البيت «بلا شغلة ولا عملة» وأن قراراتي الغبية لن تأخذني إلى أبعد من ذلك. توظفتُ بعدها بثلاثة أشهر كصحفية، أتابع الأخبار المحلية، أوقف الناس في المجمعات التجارية لأسألهم عن انطباعهم حول أمر ما، لم يكن ذلك يشبهني بأي حال من الأحوال، وكان قلبي يخفق أمام احتمال أن يزدريني أحد منهم أثناء رفضه لإجراء أي مقابلة، تمامًا مثلما يُزدرى في العادة موظفو أكشاك العطور، الذي يركضون خلفك لكي تجرّب عطرهم وما إن تتوقف حتى تعرف أنك تورطت معهم. بعدها بثلاثة أشهر بالضبط قادتني الصدف لإذاعة سلطنة عمان؛ لأقدم برنامج «انطباعات سينمائية» وألتقي بأسماء أهم السينمائيين في المنطقة، الحلقة الأولى طبعًا كانت مع السينمائي والشاعر العماني عبدالله حبيب في حوار عن بازوليني. بعد عمل مضنٍ لثلاثة أشهر لم أتقاضَ مبلغًا يتجاوز ١٢٠ ريالا عمانيا، عن ١٢ حلقة، كتبت نصوصا تقديمها من الصفر، وبالاعتماد على مراجع فكرية وأدبية لم يترجم كثير منها. في السنة التالي سألتحق بماجستير جامعة السلطان قابوس وأنا أريد كتابة أطروحة عن المخرج التركي «نوري ب جيلان» فأُجابُ بأن عليّ أن أختار موضوعًا عن عُمان، حسنا، سأدرس سينما المرأة العمانية، الأفلام التي أخرجتها وأسئلة أخرى ذات طابع أنثروبولوجي، قال لي كل أساتذتي الذين عرفوا عن رغبتي ذلك: هل هنالك سينما عمانية، ليكون هنالك سينما امرأة عمانية، مع ضحكة ساخرة. ما فاتهم أن المسكينة طورت من أدائها وأنها سترد بطريقة ساخرة أيضًا على جهلهم. استسلمتُ بعدها لواقع الأمر ودرستُ موضوعًا لم أحبه ولا يعني لي أي شيء عن الإذاعة.

حاول أحدهم التواصل مع وزارة التعليم العالي دون أن يكون له أي صلة بي، للنظر في إمكانية أن أُبتعث في برامج الماجستير لدراسة السينما، كانت تلك حسرتي الكبيرة، فما فاتني من التعلم لن يعوضه أي من محاولتي للقراءة ومشاهدة الأفلام، باءت تلك كل المحاولات بالفشل. تقطع حضوري الذي يدور حول السينما، وكدت أقفز فرحًا في المرات التي قرر فيها محررو الملحق الثقافي في جريدة عمان وقبلها شرفات أن يستكتبوني من أجل موضوع سينمائي. قررتُ مؤخرًا أن أكتب عن السينما في مشروع سلسلة مقالات من المفروض أن يتم نشرها بداية من هذا الشهر. لكنني يأستُ مجددًا، ولا أريد أن أكتب أي شيء عن السينما بعد الآن. تُرى ألا يقول ذلك عن موقعنا من الحداثة مجددًا، أو ما بعد الحداثة أو ما بعد بعد الحداثة، أو أي شيء كهذا. أو كما يقول كاتب أحبه: شخابيط ملاليط.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: مع ذلک مجدد ا أی شیء

إقرأ أيضاً:

جمعية الخبراء تطالب بإعفاء دور السينما والمسارح من ضريبة الملاهي

رحبت جمعية خبراء الضرائب المصرية بقرار مجلس الوزراء بالموافقة على إعفاء المهرجانات ذات الطابع القومي التي تنظمها الهيئة العامة للمركز الثقافي القومي (دار الأوبرا) من ضريبة الملاهي، وطالبت الجمعية بأن يمتد الإعفاء إلى دور السينما والمسارح من أجل نشر الفنون الرفيعة والارتقاء بالذوق العام ووصول المنتج الثقافي والفني إلى أغلب فئات الشعب.

4 مليارات درهم صافي أرباح "أبوظبي الإسلامي" قبل الضريبةالضرائب تذكر الممولين بالموعد النهائي للاستفادة من الحزمة الأولى للتسهيلاتوحدة التجارة الإلكترونية بمصلحة الضرائب تشارك في FRA Fintech Forumأخبار السيارات| حرب ترامب التجارية تضر أكبر شركة سيارات أمريكية.. وضريبة السلع الفاخرة الصينية تسحق شركة كبرى

وقال المحاسب الضريبي أشرف عبد الغني، مؤسس جمعية خبراء الضرائب المصرية، إن قرار مجلس الوزراء يشمل عروض الأوبرا في القاهرة والإسكندرية ودمنهور ومنها عروض أوبرا عايدة والمهرجان الصيفي للموسيقى والغناء ومهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية ومهرجان القلعة الدولي للموسيقى والغناء.

أضاف "عبد الغني"، أن القرار يمثل خطوة هامة لدعم القطاع الثقافي واستعادة مكانة مصر التي كانت تسمى هوليود الشرق، ولذلك نطالب أن يمتد الإعفاء إلى دور السينما والمسارح التي تعد أحد أهم عناصر القوة الناعمة لمصر التي كانت أول دولة في الشرق الأوسط تشهد افتتاح دار عرض سينمائي عام 1897.

أكد المحاسب الضريبي أشرف عبد الغني، أن دور السينما في مصر شهدت تراجعًا في الأعداد والإيرادات حيث كان عدد دور السينما في مصر 359 دار عرض عام 1958 وانخفض الآن إلى أقل من 60 دار عرض بسبب المنصات الإلكترونية وأعمال القرصنة الفنية وارتفاع الأسعار مع تزايد معدلات التضخم وتغلغل الأفكار الظلامية.

قال "مؤسس الجمعية"، إنه على النقيض شهدت مسارح الدولة طفرة في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي حيث تم إعادة تطوير وافتتاح العديد من المسارح العامة أهمها المسرح القومي ومسرح محمد عبد الوهاب بالإسكندرية ومسرح السلام بالقصر العيني ومسرح الطليعة في وسط البلد لكن مسارح القطاع الخاص تشهد تراجعًا في الأعداد والإيرادات.

أكد مؤسس جمعية خبراء الضرائب المصرية، أن إعفاء دور السينما والمسارح من ضريبة الملاهي سيساهم في إتاحة الفرصة أمام حضور اعداد أكبر من الجماهير خاصة أن حصيلة ضريبة الملاهي بكافة فروعها العام الماضي لم تتجاوز مليار جنيه وأضاعت هذه الضريبة علي مصر العديد من الفعاليات التي تم الغاؤها بسبب هذه الضريبة، كما أن معظم دول المنطقة قامت بإلغاء ضريبة الملاهي لتشجيع السياحة ومساندة الفنون الرفيعة.
 

طباعة شارك جمعية خبراء الضرائب الضرائب خبراء الضرائب الضرائب المصرية مجلس الوزراء

مقالات مشابهة

  • خطة وطنية شاملة لإحياء صناعة السينما المصرية .. تفاصيل الحكاية
  • إطلاق خطة شاملة لإحياء السينما المصرية.. ما تفاصيلها؟
  • فيلم «المشروع X» يحتل المركز قبل الأخير بشباك تذاكر السينما
  • مصر تطلق خطة وطنية لإحياء صناعة السينما
  • الجيش اللبناني: سقوط مُسيرة إسرائيلية تحمل قنبلة يدوية في ميس الجبل
  • السطوة الناعمة لهوليود.. كيف غيّرت أميركا شكل السينما العالمية؟
  • محافظ الغربية يفتتح مسجد آل الجابر بعد إحلاله وتوسعته بجهود ذاتية ..صور
  • جمعية الخبراء تطالب بإعفاء دور السينما والمسارح من ضريبة الملاهي
  • ميغان 2 دمية القرن الجديد التي أعادت تعريف رعب الدمى في السينما
  • أول تعليق لراشفورد عقب انضمامه لبرشلونة: أشعر أنني في المنزل