عربي21:
2025-12-07@18:00:06 GMT

إحياء المشروع الصهيوني لتفتيت المشرق العربي

تاريخ النشر: 23rd, July 2025 GMT

في مقال الأسبوع الماضي عن الاشتباكات الدامية في محافظة السويداء السورية، كتبتُ أن إسرائيل «تتمنى بالتأكيد تصاعد العنف كي تنتهزه فرصة لتعزيز وزن تلك الأقلية بين الدروز السوريين التي تتمنى إقامة نوع من الإمارة الدرزية تحت الحماية الإسرائيلية» («سوريا وخطورة اللعب بالنار»، «القدس العربي»، 15/7/2025).

ويجدر التذكير في هذا الصدد بفكرة طالما راودت الحركة الصهيونية، لاسيما جناح «الصقور» فيها، تقول إن مصلحة المشروع الصهيوني تقتضي تفتيت المشرق العربي بالعمل على إنشاء كيانات قائمة على الأقليات الطائفية والقومية بحيث ترتهن هذه الكيانات بالحماية الإسرائيلية، الأمر الذي من شأنه أن يتيح للدولة الصهيونية أن تبني إمبراطورية إقليمية تابعة لها بوصفها أعظم قوة عسكرية في المنطقة.



وإذ يبدو الحديث عن هذا المشروع كأنه مستمدٌ من خيال دعاة «نظرية المؤامرة»، فإن الوثيقة الأهم في كشفه أبعد ما تكون عن الخيال.

إنها أوراق موشيه شاريت (1894-1965) أحد مؤسسي دولة إسرائيل وثاني من تولّى رئاسة حكومتها، وذلك في نهاية عام 1953 إثر استقالة دافيد بن غوريون وتخلّيه المؤقت عن ذاك المنصب الذي عاد فتولّاه بعد سنتين. إن أوراق شاريت، الذي كان من «الحمائم»، هي ملاحظات كتبها خلال سنوات 1953-1957 في مدوّنة خاصة (غير مخصّصة للنشر) وقد نُشرت باللغة العبرية في عام 1979 في ثمانية مجلدات.

قرأتْ هذه المجلدات بعناية ليفيا روكاش، التي كانت صحافية إسرائيلية، عملت كمراسلة للإذاعة الإسرائيلية في الستينيات، قبل تحولها إلى ناقضة للحكم الصهيوني (توفيت انتحاراً في عام 1984). وكشفت روكاش أخطر ما في أوراق شاريت من خلال اقتباسات ترجمتها إلى الإنكليزية ونشرتها في كتاب صدر في مطلع عام 1980 عن «جمعية خريجي الجامعات العرب-الأمريكيين» التي كان نصير عاروري (1934-2015) وهو من أبرز المثقفين والنشطاء السياسيين الفلسطينيين، أحد مؤسسيها ورئيساً لها، وقد كتب مقدمة للكتاب جاءت بعد مقدمة أولى بقلم نعوم تشومسكي.

كشفت أوراق شاريت عن أمور كثيرة دارت حولها نقاشات في صفوف نخبة السلطة في الدولة الصهيونية، وشملت بين ما اشتملت عليه مشاريع احتلال جنوب سوريا، وإقامة دولة مارونية في لبنان، وانتزاع قطاع غزة من السيطرة المصرية التي كانت قائمة حتى احتلاله من قِبَل إسرائيل في عام 1967، وطرد الفلسطينيين اللاجئين من الأراضي التي استولت عليها الدولة الصهيونية في عام 1948، طردهم إلى خارج الأراضي الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط بدءا بطرد اللاجئين الفلسطينيين من قطاع غزة إلى الأراضي المصرية.

وفي عام 1982، نشرت «جمعية خريجي الجامعات العرب-الأمريكيين» ترجمة إنكليزية لوثيقة صهيونية أخرى، أنجز الترجمة وعلّق عليها إسرائيل شاحاك (1933-2001) أستاذ الكيمياء في الجامعة العبرية في القدس، أحد الناجين من الإبادة النازية لليهود الأوروبيين وقد أصبح أحد أبرز نقاد الصهيونية اليهود، مترئساً «العصبة الإسرائيلية لحقوق الإنسان والحقوق المدنية».

والوثيقة هي مقالة صدرت في شباط/ فبراير 1982 في إحدى المجلات الصهيونية، عُرفت لاحقاً تحت اسم «خطة ينون» نسبة إلى كاتبها عوديد ينون، أحد كبار موظفي وزارة الخارجية الإسرائيلية وقد عمل لوهلة كمستشار لأرئيل شارون، أحد زعماء أقصى اليمين الصهيوني في حينه، الذي أشرف على احتلال لبنان في عام 1982 بوصفه وزيراً للحرب في حكومة مناحيم بيغن، أول حكومة لحزب الليكود اليميني المتطرّف في تاريخ دولة إسرائيل.

فقد نصّت مقالة ينون، التي عنونها كاتبها «استراتيجية لإسرائيل في الثمانينيات»، على خطة شملت قيام دولة قبطية في مصر على طريق تقسيم الدولة المصرية بما يجرّ تقسيم الدول المجاورة في السودان وليبيا، كما شملت تقسيم لبنان وسوريا والعراق إلى كيانات قائمة على أساس طائفي وإثني (بما فيها دولة درزية قد تُلحق هضبة الجولان بها حسب تصوّر ينون) وتخويل الفلسطينيين حكم الأردن بما يفسح المجال أمام تهجير سائر الفلسطينيين من غربي النهر إلى شرقيه.

وبالرغم من تلاشي الحديث عن هذا المشروع الصهيوني القديم خلال العقود المنصرمة، إذ اصطدم بقرار الولايات المتحدة الحفاظ على تقسيم خارطة المنطقة كما نجم عن السيطرة الاستعمارية الأوروبية التي تلت انهيار الإمبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى (هذا ولم تخلُ الولايات المتحدة من دعاة إلى تقسيم العراق وفق المنظور الصهيوني إبّان احتلاله) فإن بلوغ شطح المجتمع والحكم الإسرائيليين نحو اليمين أقصاه مع حكومة بنيامين نتنياهو الحالية، قد أعاد إحياء المشروع، بل منحه دفعة قوية جداً.

فقد انتهزت هذه الحكومة فرصة الرد على عملية «طوفان الأقصى» التي شنّتها «حماس» في السابع من أكتوبر 2023 كي تنقضّ ليس على الغزاويين وحدهم، وليس على الشعب الفلسطيني بكامل مكوناته القاطنة بين النهر والبحر وحسب، بل على لبنان وسوريا واليمن أيضاً، وهي بلدان ثلاثة شهدت أو لا زالت تشهد حروباً أهلية على أساس الانشطار الطائفي.

هذا وناهيك من العراق وهو بلد رابع في هذه الحال، لكنّه بقي حتى الآن بمنأى عن العدوان الإسرائيلي المباشر بعد تولّي الولايات المتحدة الأمريكية تدمير الدولة فيه منذ عام 1991 ومن ثمّ إعادة بنائها على قاعدة «فرّق تسُد» منذ عام 2003. كما ناهيك بالطبع من التقسيم الفعلي الذي أصاب كلا من ليبيا والسودان واليمن.

فالحصيلة أن المشرق العربي، وبوجه خاص بلدانه الثلاثة القريبة جغرافياً من الدولة الصهيونية، أي لبنان وسوريا والعراق، باتت الشروط فيه اليوم ملائمة أكثر مما في أي وقت مضى لإنجاز تقسيمها وفقاً للمنظور الصهيوني.

ويندرج سلوك إسرائيل الراهن إزاء سوريا ولبنان بصورة كاملة في هذا السياق. فإن التناقض بين هذا الطموح الإسرائيلي من جهة، ومصلحة الدول العربية ذات النفوذ على واشنطن، أي دول الخليج الثرية، من الجهة الأخرى، فضلاً عن مصلحة الدولة التركية، في الحؤول دون التقسيم المذكور، ذلك التناقض بلغ الآن أوجّه، وهو سبب امتعاض إدارة دونالد ترامب من سلوك حليفها الإسرائيلي إزاء سوريا بوجه خاص.

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه سوريا لبنان غزة سوريا لبنان غزة الاحتلال مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی عام

إقرأ أيضاً:

جامعة عين شمس تتصدر المشروعات القومية باختيار “تحالف وتنمية” لتعزيز الصناعة والأمن الغذائي

أعلن جامعة عين شمس برئاسة الدكتور محمد ضياء زين العابدين عن اختيار مشروعها القومي ضمن المبادرة الرئاسية “تحالف وتنمية”، وذلك عقب الخطاب الرسمي الذي تلقّته الجامعة من وزير التعليم العالي والبحث العلمي الاستاذ الدكتور أيمن عاشور ، والذي أكد فيه اختيار المشروع المقدم من الجامعة ضمن التحالفات الوطنية التي ستقود خطط الدولة في توطين الصناعة وتعزيز الأمن الغذائي.

ويعد خطاب وزير التعليم العالي والبحث العلمي تأكيدًا واضحًا على الثقة الكبيرة التي توليها الدولة للجامعة ولقيادتها الأكاديمية، وإدراكًا لدور جامعة عين شمس كإحدى أهم مؤسسات التعليم والبحث العلمي في مصر، وقدرتها على تقديم نماذج ابتكارية تتماشى مع الاحتياجات الوطنية في مجالات الصناعة والزراعة والاقتصاد المعرفي.

إيديكس 2025.. اتفاقيات عسكرية مع ألمانيا وباكستان والصين وفرنسا وأمريكامصر الخير تنظم ماراثون للدراجات.. والمشاركون يوزعون بطاطين الشتاء

وجاء اختيار المشروع تتويجًا لمكانة جامعة عين شمس كـ بيت خبرة وطني قادر على تحويل المعرفة والبحث العلمي إلى تطبيقات صناعية واقتصادية ذات أثر مباشر، بما ينسجم مع رؤية الدولة في توطين الصناعة، تقليل الواردات، وتحقيق الأمن الغذائي.

ويُعد المشروع نموذجًا متكاملاً يجمع بين كلية الزراعة والهندسة والتجارة وقطاع الابتكار والتدريب، وقد اجتاز بنجاح جميع مراحل التقييم المتقدمة، لينضم إلى تحالفات وطنية متعددة التخصصات تضم جامعات حكومية وخاصة وتكنولوجية، وهيئة الاستشعار عن بُعد وعلوم الفضاء، إلى جانب شركاء صناعيين بارزين. ويأتي ذلك كدليل على قوة النموذج المصري في الربط بين التعليم والبحث العلمي والقطاعات الإنتاجية.،
كما أكد  الأستاذ الدكتور محمد ضياء زين العابدين أن هذا الاختيار يعكس المكانة المرموقة للجامعة على المستوى الوطني، ويؤكد قدرة الباحثين والعلماء بها على تقديم حلول عملية تدعم الاقتصاد، مشيرًا إلى أن الجامعة تمتلك منظومة قوية من براءات الاختراع، المشروعات التطبيقية، والبرامج البحثية التي تمثل قيمة مضافة للصناعة المصرية.

ويستهدف المشروع تعزيز التصنيع المحلي، وفتح آفاق جديدة للإنتاج الزراعي والصناعي، ودعم سلاسل القيمة، وخلق فرص عمل، وتحقيق تنمية صناعية مستدامة تُسهم في تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد المصري.

كما يعكس انضمام شركاء من القطاع الصناعي داخل التحالف الثقة الكبيرة في جامعة عين شمس وقدرتها على تحويل الابتكار إلى منتجات قابلة للتسويق والتطبيق، بما يدعم توجه الدولة نحو اقتصاد قائم على المعرفة والبحث والتطوير.

وتؤكد جامعة عين شمس التزامها الكامل بدعم المبادرات الوطنية، وخاصة المبادرة الرئاسية “تحالف وتنمية”، استمرارًا لدورها الرائد كصرح علمي وطني يعمل لخدمة المجتمع والدولة المصرية، ويسهم في بناء مستقبل أكثر ابتكارًا واستدامة.
جامعة عين شمس… ريادة وطنية تصنع المستقبل.

طباعة شارك جامعة عين شمس المبادرة الرئاسية تحالف وتنمية التعليم العالي

مقالات مشابهة

  • منال عوض: الدولة المصرية تفتح ذراعيها أمام المستثمرين لتطوير منظومة المخلفات
  • رئيس الوزراء يتابع موقف مشروع إحياء وتطوير حديقتي الحيوان والأورمان
  • وزير الخارجية السوري: قلقون من سياسات إسرائيل التي تتعارض مع استقرارنا
  • “المنطقة تدرك نوايا إسرائيل”.. ماذا وراء التحرك العربي والإسلامي لدعم مصر؟
  • محافظ الأقصر والسفيرة الأمريكية يتفقدان مشروعات «إحياء إسنا التاريخية» بعد فوزها بجائزة الآغاخان 2025
  • محافظ الأقصر والسفيرة الأمريكية يتفقدان مشروعات «إحياء إسنا التاريخية»
  • الصهيونية في طور التشكل.. قراءة تاريخية وفكرية في إسرائيل المعاصرة
  • اختيار مشروع جامعة عين شمس ضمن المبادرة الرئاسية “تحالف وتنمية”
  • جامعة عين شمس تتصدر المشروعات القومية باختيار مشروعها ضمن المبادرة الرئاسية «تحالف وتنمية»
  • جامعة عين شمس تتصدر المشروعات القومية باختيار “تحالف وتنمية” لتعزيز الصناعة والأمن الغذائي