ذَكَرَت بعض تقارير أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استطلع رأي مجموعة من الجمهوريين في مجلس النواب يوم الثلاثاء الماضي حول ما إذا كان ينبغي له إقالة رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، حتى أنه عرض عليهم مسودة خطاب إنهاء الخدمة. ستكون إقالة باول خطأ فادحا على أساس موضوعي ــ وسوف تتسبب بزيادة أسعار الفائدة في حين يريد ترامب أن يراها منخفضة.

مع تنامي إحباط ترامب إزاء باول، تصاعدت هجماته. أعطى ترامب رئيس الاحتياطي الفيدرالي كنية «بعد فوات الأوان»، في إشارة إلى فشل مجلس الاحتياطي الفيدرالي في إدراك التضخم المتسارع في عام 2021، وقرار باول بعدم خفض أسعار الفائدة في عام 2025. ثم أرسل إلى باول مذكرة مكتوبة بخط اليد زعم فيها إن الاحتياطي الفيدرالي «كلف الولايات المتحدة ثروة» بالامتناع عن خفض أسعار الفائدة. وهو الآن يلاحق باول بشأن تكلفة تجديد مقر الاحتياطي الفيدرالي.

حافظ باول وزملاؤه في الاحتياطي الفيدرالي على سعر الفائدة عند نحو 4.3% منذ تولي ترامب منصبه في يناير. يعتقد الرئيس أن سعر الفائدة الذي تفرضه سياسة الاحتياطي الفيدرالي يجب أن يكون قريبا من 1%. من الواضح أن ترامب مخطئ ــ وقد فعل الاحتياطي الفيدرالي الصواب بالامتناع عن خفض أسعار الفائدة هذا العام. لنتأمل هنا الظروف الاقتصادية والسوقية الحالية.

يشير حجم الأدلة المتوفرة بوضوح إلى أن قرار بنك الاحتياطي الفيدرالي بالامتناع عن خفض أسعار الفائدة في وقت سابق من هذا العام لم يؤد إلى ضعف سوق العمل، أو انخفاض التضخم إلى ما دون المستوى المستهدف ــ أو حتى تباطؤه بدرجة ملحوظة ــ أو إحكام الظروف المالية.

ومعدل البطالة منخفض ولا يتجه نحو الارتفاع، فهو ثابت عند مستوى 4.1% ــ وهو ذات المعدل الذي كان عليه قبل 12 شهرا. صحيح أن المعدل ارتفع بمقدار عشر نقاط أساس منذ يناير، لكنه انخفض في يونيو مقارنة بشهر مايو. وفقا لحساباتي، أضاف الاقتصاد 111 ألف وظيفة ثابتة جديدة صافية شهريا في المتوسط في الربع الأول من عام 2025، وهذا أقل من متوسط الربع الثاني، 150 ألف وظيفة.

ولا توجد أي إشارة في بيانات تسريح العمال أو مطالبات إعانات البطالة إلى أن هذا قد يتغير في أي وقت قريب. من ناحية أخرى، نجد أن تضخم أسعار المستهلك أعلى كثيرا من المستوى 2% الذي يستهدفه الاحتياطي الفيدرالي، وبوسعنا أن نقول إنه قد تسارع بشكل طفيف. في شهر يونيو، كان معدل التضخم الأساسي قياسا على مؤشر أسعار المستهلك (CPI) 2.9%، ارتفاعا من 2.8% في شهر مايو، وهو أعلى معدل شهري منذ شهر فبراير.

كما تسارع بشكل معتدل التضخم الأساسي قياسا على مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي (PCE) في الربع الثاني من هذا العام، وأتوقع أن تُظهر بيانات شهر يونيو (التي ستصدر في نهاية هذا الشهر) ارتفاع التضخم مقارنة بشهر مايو.

يُحدد بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة على أمل التأثير على الأوضاع المالية العامة، بما في ذلك قيم الأسهم في عموم الأمر، وأسعار الفائدة، وفروق أسعار الائتمان، وأسعار الصرف. ولا يبدو أن معدل الفائدة على الأموال الفيدرالية عند مستوى 4.3% كان مرتفعا بالقدر الكافي لجعل تلك الظروف مُـحـكَـمة. وفقا لمقياس جولدمان ساكس، على سبيل المثال، أصبحت الظروف المالية أكثر لينا مقارنة بما كانت عليه في بداية العام.

هذا لا يعني أن ترامب محق بشأن قرارات الاحتياطي الفيدرالي حول أسعار الفائدة في النصف الأول من عام 2025. لكن السياسة النقدية تعمل مع تأخير، وينبغي للاحتياطي الفيدرالي أن يتخذ قرارات بشأن أسعار الفائدة في النصف الثاني من هذا العام بهدف التأثير على الظروف الاقتصادية بدرجة أكبر في المستقبل.

في وقت كتابة هذا التعليق، تعتقد الأسواق أن احتمالات خفض أسعار الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي بحلول نهاية العام تزيد عن 93%. ربما، لكن الأمر لا يخلو من مخاطر واضحة ترتبط التوقعات. فقد استقر إنفاق المستهلك هذا العام. في الواقع، تُظهر بيانات مبيعات التجزئة الصادرة الأسبوع الماضي انخفاضا طفيفا في الإنفاق في شهر يونيو مقارنة بشهر مارس. وارتفاع الأسعار المرتبط بالرسوم الجمركية قادم، فضلا عن ذلك، وهذا من شأنه أن يقلص القوة الشرائية بين الأُسَر ويبطئ الإنفاق الاستهلاكي.

ومن الواضح أن الطلب على العمالة آخذ في التراجع. كل هذا قد يعني ضمنا أن البنك المركزي الذي يتطلع إلى المستقبل يجب أن يفكر في خفض أسعار الفائدة في النصف الثاني من هذا العام. العامل الـمُـعَـقِّـد بالطبع هو زيادة الأسعار الناجمة عن التعريفات الجمركية.

يشير التحليل الأكاديمي إلى أن بنك الاحتياطي الفيدرالي ينبغي له أن يتجاهل الزيادات في التعريفات الجمركية، والتي تعد صدمة عرض لمرة واحدة من شأنها أن تغير الأسعار النسبية، وليس مستوى الأسعار الإجمالي. لكن أسباب القلق من أن تؤدي الحرب التجارية إلى زيادة التضخم الأساسي وفيرة. على سبيل المثال، وفقا لاستطلاع رأي المستهلكين الذي أجرته جامعة مشيجان، تُظهر توقعات الأسر للتضخم في الأمد المتوسط ارتفاعا كبيرا ومقلقا، ويرجع هذا في الأرجح إلى الحرب التجارية.

على الرغم من انحسار هذه التوقعات في الأشهر الأخيرة، فإنها لا تزال مرتفعة إلى حد مقلق. ونظرا لأهمية توقعات التضخم في تشكيل التضخم الفعلي، سيكون لزاما على الاحتياطي الفيدرالي أن يمضي قُـدُما بحذر في حين ينظر فيما إذا كان ليخفض أسعار الفائدة في وقت لاحق من هذا العام. يرغب ترامب في خفض أسعار الفائدة، لكن إقالة باول من شأنها أن تثير فزع الأسواق.

ورغم أن رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الجديد قد يخفض أسعار الفائدة القصيرة الأجل على الفور، فإن أسعار الفائدة الأطول أجلا التي تهم الأسر والشركات ــ معدلات القروض التجارية وقروض الرهن العقاري للمساكن، على سبيل المثال ــ تحددها الأسواق، وليس الاحتياطي الفيدرالي. وقد تُـفضي إقالة باول إلى توتر المستثمرين بشأن استقرار بنك الاحتياطي الفيدرالي وقدرته على تحقيق تضخم أسعار منخفض ومستقر.

هذا من شأنه أن يدفع أسعار الفائدة الطويلة الأجل إلى الارتفاع ــ وهذا عكس هدف ترامب. ولكن حتى لو انتظر ترامب حتى انتهاء فترة ولاية باول، فإن تعيين رئيس تعتقد الأسواق أنه سينفذ أوامر الرئيس سيكون له تأثير مماثل على أسعار الفائدة الطويلة الأجل. كانت استقلالية الاحتياطي الفيدرالي أحد أهم التطورات وأكثرها استقرارا في السياسة الاقتصادية في عقود من الزمن. لكن ترامب كفيل بإلحاق الأذى بالشركات والأسر بالإضرار بهذه الاستقلالية. لعل الأمر الأكثر أهمية بالنسبة للرئيس هو أن تقويض استقلالية الاحتياطي الفيدرالي سيضر حتما بأهدافه الاقتصادية والسياسية شخصيا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: بنک الاحتیاطی الفیدرالی خفض أسعار الفائدة فی من هذا العام

إقرأ أيضاً:

المركزي الأوروبي يبقي على أسعار الفائدة

ألمانيا – أبقى البنك المركزي الأوروبي، في اجتماعه امس الخميس، على أسعار الفائدة ثابتة، وسط استمرار حالة الغموض بشأن خطر زيادة الرسوم الجمركية الأمريكية.

وجاء قرار مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي متوقعا على نطاق واسع، ولا سيما أن التضخم في منطقة اليورو، التي تشمل 20 دولة، توقف عند هدف البنك المركزي 2% في يونيو الماضي.

وتظل الفائدة القياسية على الودائع، وهو أمر شديد الأهمية بالنسبة للبنوك والمدخرين من الأفراد، عند نسبة 2%، مقابل 4% في يونيو من عام 2024.

وكان البنك المركزي الأوروبي قد أجرى سبع عمليات خفض متتالية لأسعار الفائدة، قبل أن يصدر القرار الخاص بالفائدة اليوم الخميس.

المصدر: د ب أ

مقالات مشابهة

  • باول يواجه عاصفة ترامب .. صمود من أجل استقلالية الفيدرالي أم مواجهة تكسير عظام؟
  • 5 أسباب قد تجعل ترامب يندم على إقالة جيروم باول
  • جدل علني بين ترامب وباول داخل مقر البنك المركزي الأمريكي
  • جدال وتوتر خلال اجتماع ترامب ورئيس المركزي الأميركي
  • ترامب يضغط على باول لخفض الفائدة خلال زيارة للبنك المركزي
  • المركزي الأوروبي يبقي على أسعار الفائدة
  • ترامب لـ رئيس الاحتياطي الفيدرالي: أريدك أن تخفض الفائدة
  • ترامب يزيد الضغط على باول بزيارة المركزي الأميركي
  • البيت الأبيض: ترامب يزور مجلس الاحتياطي الفيدرالي
  • خلال 8 أشهر فقط.. ترامب يعلن مغادرة جيروم باول رئاسة الفيدرالي