عدم الرغبة في الذهاب إلى العمل.. عيادة تثير الجدل في الصين| ايه الحكاية
تاريخ النشر: 24th, July 2025 GMT
في خطوة غير تقليدية، استقطب مستشفى صيني اهتمامًا واسعًا على مستوى البلاد بإطلاقه عيادة جديدة تحمل اسم "عدم الرغبة في الذهاب إلى العمل"، وهي مبادرة تهدف إلى معالجة القلق والاكتئاب والإرهاق المرتبط بالضغوط المهنية، في ظل ازدياد أعداد الأشخاص الذين يشعرون بالإرهاق العاطفي والتعب من روتين العمل اليومي.
. ويعقب على الصفقات الجديدة| تفاصيل
تعود جذور هذه الفكرة إلى عيادة "عدم الرغبة في الذهاب إلى المدرسة"، التي أنشئت سابقًا لمساعدة الأطفال الذين يرفضون الذهاب إلى المدرسة بسبب الضغوط الدراسية أو المشاكل النفسية والعاطفية.
وقد اقترح بعض أولياء الأمور الذين اصطحبوا أبناءهم لتلك العيادة، إنشاء خدمة مشابهة للبالغين الذين يواجهون صعوبة في الذهاب إلى وظائفهم.
مستشفى تشينهوانغداو يتبنى المبادرةأطلق مستشفى تشينهوانغداو للطب الصيني التقليدي والغربي المتكامل، الواقع في مقاطعة خبى شمال الصين، هذه العيادة قبل شهرين، وتُعدّ هذه المبادرة واحدة من الخطوات الأولى في الصين التي تعترف رسميًا بالضغوط النفسية المرتبطة بسوق العمل.
وقال يوى ليمين، مدير قسم النوم وعلم النفس في المستشفى ورئيس العيادة: (عندما كنا نستقبل الأطفال الرافضين للمدرسة، كان بعض الآباء يتساءلون عن وجود خدمة مماثلة للبالغين الذين لا يرغبون في الذهاب إلى العمل).
الهدف من العيادة: تخفيف الوصمة وتقديم الدعم النفسيأوضح مدير قسم النوم وعلم النفس في المستشفى ورئيس العيادة أن الهدف من هذه التسمية غير الرسمية للعيادة هو تخفيف الشعور بالوصمة المرتبط بالاضطرابات النفسية، مثل الاكتئاب أو القلق، قائلاً: (اذ وصفنا الأمر بشكل مباشر على أنه اكتئاب أو قلق، فقد يشعر بعض المرضى بالخجل أو التردد. نحن نأمل أن يساعد الاسم غير الرسمي المرضى على زيارة العيادة دون أي ضغط نفسي).
وأضاف أن الكثير من الأعراض مثل الإرهاق العاطفي أو عدم الرغبة في العمل تنشأ من أسباب نفسية أو اجتماعية معقدة، ويكمن دور الأطباء في تحديد تلك الأسباب بدقة وتقديم الدعم المناسب.
عملية التشخيص والعلاجتتضمن خطوات التشخيص في العيادة مقابلات لتقييم الحالة النفسية للمرضى، بالإضافة إلى فحوصات بدنية تستهدف استبعاد وجود أسباب عضوية، مثل اضطرابات الغدة الدرقية.
وبناءً على نتائج التقييم، يتم إعداد خطة علاجية شخصية لكل مريض، تشمل الدعم النفسي وربما العلاج السلوكي أو الدوائي إذا لزم الأمر.
ردود الفعل بين الجدية والسخريةورغم الجدل الواسع الذي أثارته العيادة على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن عدد المرضى الذين ترددوا على العيادة لا يزال محدودًا، بحسب تصريحات يوى ليمين.
لكن التعليقات على الإنترنت حملت الكثير من الطرافة والسخرية، حيث قال أحد المستخدمين:
من فكر في هذه العيادة عبقري.فيما كتب آخر:
ربما تدخل العيادة ولا تجد أطباء، لأنهم أيضًا لا يريدون الذهاب إلى العمل.أما ثالث فقال مازحًا:
هل تتوقع أن تقع في حب عملك فجأة بعد زيارة واحدة؟المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الصين مستشفى صيني العمل
إقرأ أيضاً:
الحكاية بالحلم
ليسَ فينا مَن لم يَهْنأ بِحُلْم ولا مَن لم يأْرق بِحُلم أقضَّ مَرْقَده وأفسَد صحْوَه، فأصْبَح متقلِّبًا باحثًا عن ممكن فَكٍّ لرموز ذاك الحلم علّه يظفر بمعنى منه يُدرَك، الأحلام الباقية في مساحة وعْيِنَا هي قصص نُمسكُ بها لحظة اليقظة وقد تمرّ سلامًا، وقد تُلازم أذهاننا وتتلبّس بنا إلى أن نفكّكها ونُمسك منها معنى. لقد انتبه العرب قديمًا إلى أنَّ الحُلْم عالمٌ مليءٌ بالمعاني وبالدلالات المُشفَّرة، وأنّها مشاهد قصصيّة تُعيد تمثّل واقع انقضى أو تنذر أو تبشِّر بواقع قادم يحمل في طيّاته أملاً أو ألمًا، سعادةً أو تعسًا، فلم يكن الحُلْم في التصوُّرين الشعبيّ والعالم محْض توارد صُور أو مشاهد على نائم منغمس في نوْمه.
مسالك متنوّعة تناولت ما يأتي النائم من أحلام، وتعاملت مع أنظمتها الرمزيّة بوعي شعبيّ له منطق ومشروعيّة في إدراك الحُلْم وفكّ ممكن دلالاته، أو بوعيٍ عالم، عارف، اطمأنّ قسم منه إلى الأرضيّة الإيمانيّة العَقَديّة التي لها في الأحلام قولٌ ورأيٌ ومعتقَد، وانشدّ قسمٌ منه إلى العمل على فهم ظاهرة الأحلام في أبعادها الرمزيّة والنفسيّة التحليليّة، ولعلّ أبرز من خصّ قسمًا من بحوثه في ذلك، سيجموند فرويد وجاك لاكان، نظرًا في الحُلم على أنّه تعبير على العقل الباطن الذي يُحدِّد أفعال البشر، وعن لا وعيٍ فاعلٍ في الوعي، لا وعي يتمثَّل الرغبات والأزمات والهزّات والمسرَّات والكبوات والانتصارات ويُعيد تنظيمها في حكاية رمزيّة وسرديّة حُلميّة لا يرقُبها العقل الواعي وإنّما هي دائرة في عمق اللّاوعي الذي يُحدّد أعمالنا وأفعالنا ومكبوتنا وظاهرنا، وقد تتبقّى من هذه السرديّة الحُلميّة فضْلة قصصيّة يذكرُها الحالم عند صحوه في سطح وعيه. لقد اهتمّ العقل العربيّ بالحُلْم ونظر إليه نظامًا رمزيّا في حاجة إلى تفكيك، مقامات شتّى احتوت الأحلام وخصّصت لها عقلاً وفهمًا، لعلّ أوكدها وأهمّها المقام الدينيّ الذي يؤمن برمزيّة الحُلم، ويشدّه إلى ثلاثة منابت أصليّة، المنبت الملائكيّ والمنبت الشيطاني والمنبت الشخصيّ، فأمّا الحلم الملائكي، فهو الموصول بالرؤيا، وقد أخذ حيّزًا من كتب وأخبار في تراث العرب، وفي كتاب «المنامات» لابن أبي الدنيا أحلام ترتبط بالرؤيا تأتّت للصالحين والتابعين وأهل العلم، وتأتّت أيضًا لخلْقٍ من البشر عاديين، تمثّلت لهم مشاهد في النوم هي متحقّقة في واقع الوعي.
والمثال الأوْفر في تاريخ المقام الدينيّ للحُلم هو حلم النبيّ يُوسف الذي تشاركته الأديان السماويّة وقدّم النموذج للحلم الرؤيا في قصّة رمزيّة يُحسن تأويلها أبوه ويُفكّك مغلقها. وأمّا المنبت الشيطاني فهو متجسّد في الكوابيس التي تُرعِبُ الحالم، وتؤرق منامه، ومنصوحٌ في السنّة بعدم قصّ ما يُرَى من مرعِب الأحلام ومفزعها، وقد أكّد الحديث النبويّ تأصيل هذين المنبتين للحلم، بقول الرسول عليه الصّلاة والسّلام، «إذا رَأَى أحَدُكُمُ الرُّؤْيا يُحِبُّها، فإنَّها مِنَ اللَّهِ، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عليها ولْيُحَدِّثْ بها، وإذا رَأَى غيرَ ذلكَ ممَّا يَكْرَهُ، فإنَّما هي مِنَ الشَّيْطانِ، فَلْيَسْتَعِذْ مِن شَرِّها، ولا يَذْكُرْها لأحَدٍ، فإنَّها لَنْ تَضُرَّهُ»، ويدخل ضمن نطاق سيّئ الأحلام ما يُمكن أن يكون من أضغاث الأحلام التي لا معنى لها ولا تفسير لشائكها. وأمّا المنبت الشخصيّ، فهو ما يتأتّى للإنسان في أحلامه من أعمالِ يومه وما يُمكن أن تختزنه الذاكرة من مواقف تعيد تشكيلها ساعة المنام.
وهذه المنابت الثلاثة داخلةٌ في المقام الديني، يُظهرها حديث الرّسول القائل، عَن أبي هُريرة، عن النَبِيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، قال: «الرُؤيَا ثلاَثٌ: فبُشْرى منَ اللهِ، وحَدِيثُ النَّفْسِ، وتَخْويفٌ من الشَّيْطَان، فإنْ رَأَى أحدُكُم رؤْيَا تُعجِبهُ فلْيقُصَّها، إِنْ شَاء، وإنْ رَأَى شيئًا يَكْرهُه، فلاَ يَقُصّه على أحَدٍ». وهذا بابٌ وسيعٌ فتّح للحُلم أبوابًا تلقّفها أصحاب الأدب وأهل المعنى والتعبير، حتّى أصبحت الأحلام منامات يُستَنَد إليها للحكاية ويُعتَمَد عليها شكلاً من أشكال القصص، وأخرجها أهل الأدب من سمتها التحليليّة التفسيريّة التي بلغت أوجها مع كتابٍ عالمٍ في الأصل، شعبيّ في الرّواج والنشر، وهو الكتاب المعروف بتفسير الأحلام لابن سيرين، الذي تلقّفه تجّار الناشرين لترويج تفسير أصليّ شرعيّ للأحلام، غير أنّ الكتاب في أصْل تأليفه يُرَدُّ فيما أجمع عليه أهل العلم إلى العالم المتصوّف أبي سعد عبدالملك بن محمّد الخركوشي (ت 407 هـ)، وأصل عنوان كتابه «البشارة والنذارة في تعبير الرؤيا»، وهو كتابٌ داخل تراكمٍ كتبيّ سابقٍ ومزامن في النظر في التعبير بالرؤيا، منها كتاب «تعبير الرؤيا» لابن قتيبة (ت 276 هـ) وكتاب «تحفة الملوك» للسجستاني، وكتاب «القادري في التعبير» للدينوري، وكتاب «الممتع في التعبير» لابن أبي طالب القيرواني، وكتاب «تعبير الرؤيا» لابن سينا.
تُستَثمَر هذه المنزلة التي تتنزّل فيها الأحلام عنايةً واهتمامًا، فيتلقّفُها الأدب، ويفرغ الوهراني إلى استثمار شكل الحلم ليؤلِّف قصّة ترتبط بأسبابٍ وأوتاد برسالة الغفران للمعرّي، وبرحلة المعراج، وبالقصص الدائر في فضاء الرحلة الأخرويّة بيانًا لمصائر العباد عقابًا وجزاءً، ويكتب كتابًا في المنامات، ليس له من المنام إلّا إطارَ المنطَلَق، وقولة يستهلّ بها قصّته، «ولقد فكّر الخادم ليلة وصول كتابه إليه في سوء رأيه فيه، وشدّة حقده عليه، وبقي طول ليلته متعجّبًا من مطالبته له بالأوتَار الهزليّة بعد الزمان الطويل، وامتنع عليه النوم لأجل هذا إلى هزيع من الليل.
ثمّ غلبته عينه بعد ذلك فرأى فيما يرى النائمُ كأنَّ القيامة قد قامت، وكأنّ المنادي يُنادي هلمُّوا إلى العرض على اللّه تعالى»، لتبدأ رحلة العبور، وقصّة الآخرة، جمْعًا بين رمزيّة الناثر السّاخر، والمرجعيّة الدينيّة لعوالم العقاب والجزاء، ويعوِّل الوهراني على شكل الحُلم ليفعل بالقصّة ما لا يفعل صاحب العقل، ليُحوّل العقل الأدبيّ حكايةَ الحُلم إلى الحكاية بالحُلْم، أي ليتحوّل من رواية ما يتأتّى على فاقد الوعي، المنغمس في اللّاوعي، من قصص تتهيَّأ له، إلى صناعة قصص واعية يردُّها العاقل المُدرك إلى بنية اللاوعي العميقة.
الحكايةُ بالحلم أداةٌ سنّها القدماء في بحثهم دومًا عن إطارٍ شكلٍ تُغلَّف به الحكاية التي يُريدونها، وأسّسوا بها لأدب في حاجة إلى عنايةٍ هو أدب المنامات، متوزّع في قديم الأدب، في أخبارٍ عديدة، وفي ألف ليلة وليلة، وفي مختلف كتب المنامات، وفي قصص أهل الحال، وفي القصص العقلي الفلسفي، وتوزّع أيضًا في حديث الأدب شعرًا وقصصًا.
ولعلّ من أهمّ أمثلة توظيف الشكل الحلمي في حديث السّرد، «أحلام فترة النقاهة» لنجيب محفوظ، و«حائك اللّيل» لطارق البكري، وقصّة «الجمل يا عبد المولى الجمل» لسعيد كفراوي، التي يُصدّرها بقوله: «في الحلم. يمتطي الصبيّ الجليل «عبد المولى» ظهر الأتان»، و«منامات» لجوخة الحارثي، وغيرها وفيرٌ ممّا توزّع في السّرد العربيّ بشكل جزئيّ أو كلّي. روايةُ الحلم والرواية بالحلم عالمان يدوران في اللاوعي وفي الوعي، اللّغة القصصيّة هي الجامعة بينهما.
محمد زرّوق ناقد وأكاديمي تونسي