في مشهد يعكس تدهور المنظومة التعليمية في مناطق سيطرة ميليشيات الحوثي، يعيش طلاب المدارس الحكومية أزمة حادة في الحصول على الكتب المدرسية، بينما تُحوَّل المطابع الحكومية الخاضعة للجماعة إلى مصانع تدر أرباحًا عبر بيع الكتب على الأرصفة بأسعار باهظة. 

هذا الواقع لا يُظهر فقط فشل سلطة الحوثيين في أداء واجبها تجاه حق التعليم، بل يكشف أيضًا عن استثمار منظم لمعاناة أولياء الأمور، وتحويل المناهج الدراسية إلى سلعة تخضع لقوانين السوق السوداء.

في مديرية معين بأمانة العاصمة، تقف "أم دينا" شاهدة على حجم الأزمة. ابنتها، التي بدأت للتو عامها الدراسي الأول، انتظرت أكثر من شهر وعود إدارة المدرسة بصرف الكتب، لكن دون جدوى. في النهاية، اضطرت الأم للبحث في الأسواق الموازية، لتشتري كتبًا بأسعار مرتفعة من الأرصفة.

المفارقة التي لفتت نظرها أن الكتب لا تزال بطبعتها الحديثة، وتحمل شعار مطابع الكتاب المدرسي الخاضعة لسيطرة قيادات حوثية، في مشهد يعكس بوضوح أن هذه الكتب خرجت من المطابع إلى الشارع قبل أن تصل إلى الفصول الدراسية.

وأفادت مصادر تربوية  بأن قادة الحوثيين حولوا الأرصفة في صنعاء ومدن أخرى إلى أسواق سوداء لبيع المناهج الدراسية، فيما يشتكي عشرات الآلاف من أولياء الأمور من حرمان أبنائهم من الحصول على الكتب المقررة. هذه التجارة الممنهجة، بحسب المصادر، تُدار بشكل مباشر من قيادات في قطاع التربية والتعليم، بهدف تحقيق أرباح كبيرة على حساب مستقبل الطلاب.

مصادر تربوية كشفت لـ"نيوزيمن" أن عملية التلاعب بالكتب لم تتوقف عند القيادات العليا، بل امتدت إلى إدارات المدارس نفسها، التي تستلم شحنات الكتب للمخازن، قبل أن يتم تفريغها ليلًا وإرسالها إلى السوق السوداء. ويجري ذلك تحت غطاء مبررات واهية مثل "عدم وجود ميزانيات للطباعة"، وهي حجج وُصفت بأنها "مفضوحة ومكشوفة" في ظل استمرار تدفق الطبعات الجديدة إلى الأسواق غير الرسمية.

وانتقد القاضي عرفات جعفر في تغريدة على منصة إكس قيام سلطة الحوثي بطرح الطبعة الحديثة من الكتب المدرسية للبيع على الأرصفة بدلًا من توزيعها على الطلاب، معتبرًا ذلك دليلًا على عجزها عن توفير أبسط مستلزمات التعليم. 

وسخر القاضي من حقيقة ما يتم الترويج له بقدرة الجماعة على مواجهة وتحدي الدول العظمى بالقول: "نستطيع أن نواجه العالم لكن لا نستطيع توفير كتاب مدرسي لطالب". وأضاف أن الكتب المدرسية الجديدة "تُباع على الأرصفة وهي لا تزال حامية وطازجة، وكأنها وصلت إلى الرصيف قبل أن تصل إلى الطالب"، مختتمًا بالقول: "للأسف الشديد.. وكأنها طبعت للمتاجرة بها"، في إشارة إلى تنامي ظاهرة الاتجار بالمناهج الدراسية على حساب حق الطلاب في التعليم.

يرى تربويون أن استمرار هذا الوضع ينذر بكارثة تعليمية، حيث يضطر أولياء الأمور إلى دفع مبالغ طائلة لتأمين الكتب، ما يزيد من معدلات التسرب المدرسي، ويقوض تكافؤ الفرص في التعليم. كما حذروا من أن تحويل المناهج إلى تجارة سوداء يرسخ الفساد في قطاع التعليم ويضع مستقبل الأجيال القادمة في مهب المجهول.

المصدر: نيوزيمن

إقرأ أيضاً:

خصخصة التعليم في مصر.. حديث الإحصاءات

تتفاقم معاناة طلاب الثانوية العامة في مصر وأولياء أمورهم بشكل كبير عام بعد عام، بعد العنت الكبيرة الذي لاقوه طيلة عام كامل جراء الانفلات الجنوني في أسعار الدروس الخاصة، التي وجدوا أنفسهم مجبرين على الاعتماد عليها كليا، بعد النقص الشديد في معلمي المدارس، فضلا عن وجود العديد من المعوقات، منها صعوبة المناهج وعدم تهيئة المدارس لإتمام العملية التعليمية.

المشكلة الأهم التي يواجها الخريجون تتعلق بالتنامي الواضح لدور الجامعات والمعاهد الخاصة والأهلية وحلولها محل التعليم الجامعي الحكومي، حيث لجأ مئات الآلاف من الطلاب إليها بعد ارتفاع المجاميع المطلوبة لدخول الجامعات والمعاهد الحكومية بكافة أنواعها.

ملامح المعاناة

وتستطيع أن ترصد تطور هذه المعاناة الآخذة في التنامي عبر إحصاءات متنوعة لعقد من الزمان، ففي عام 2014 كان عدد خريجي الثانوية العامة (دور أول وثان) نحو 470 ألفا، قبلت الجامعات والمعاهد الحكومية منهم 400 ألف بما نسبته 82 في المئة، وضمت المرحلة الأولى وهي المؤهلة لكليات القمة 100 ألف، بما يصل إلى 25 في المئة من أعداد الطلاب.

إلا أنه بعد مرور خمس سنوات؛ بلغ عدد الطلاب الذين اجتازوا امتحانات الثانوية العامة بدوريها نحو 577 ألفا، قبلت الجامعات والمعاهد الحكومية والأزهرية 73.1 في المئة منهم بنقص يصل إلى 9 في المئة، فيما التحق الباقون بالجامعات والمعاهد الخاصة.

وفي نفس العام (2019) "خرجت" الجامعات الخاصة 28 ألفا، بنسبة 4.6 في المئة من إجمالي خريجي التعليم العالي البالغ عددهم 604 آلاف، بزيادة 17.8 في المئة عن عام 2018، فيما خرجت المعاهد العليا الخاصة 86 ألف طالب، بنسبة 14.2 في المئة من إجمالي خريجي العام، وبزيادة 1.5 في المئة عن خريجي 2018، فضلا عن 6.6 ألف من خريجي الأكاديميات بنسبة 1.1 في المئة، و55.3 ألف من خريجي المعاهد الفنية، بنسبة 9.1 في المئة، مقابل 47.6 ألف خريج عام 2018، بارتفاع 16.1 في المئة. وتستطيع أن تلاحظ بوضوح أن التعليم الخاص استحوذ على قرابة 30 في المئة من إجمالي خريجي هذا العام، مع ملاحظة أن هؤلاء بدأوا تعليمهم الخاص في سنوات سابقة كان فيها هذا التعليم يستحوذ على نسب إشغال أقل بكثير من السنوات التي تلتها.

أما العام الماضي، فعدد من أدوا الامتحانات 726 ألفا في الدورين، ضمت المرحلة الأولى ما يقل عن 24 ألف طالب، بنسبة تزيد قليلا عن 3 في المئة من إجمالي عدد الطلاب، وهي تضم شريحة ضيقة بشكل غير مسبوق بعد أن كانت قبل خمس سنوات تزيد عن 22 في المئة من أعداد الناجحين.

وتكشف نسبة المرحلة الأولى في ذاك العام عن انحسار كبير في أعداد طلاب الجامعات والمعاهد الحكومية، بدليل التكالب الشديد من الطلاب على الالتحاق بالجامعات الخاصة والأهلية حتى من بين طلاب تلك المرحلة، ما يكشف ضخامة حجم أعداد الذين سيدخلون سوق التعليم الخاص.

سبوبة بلا عائد وطني

في السنوات العشر الماضية تضاعفت أعداد الجامعات والمعاهد الخاصة والأهلية المعترف بها في مصر عدة مرات لتصل إلى 66 جامعة، بخلاف 6 جامعات دولية و7 أفرع لجامعات دولية، وقرابة 200 معهد خاص، كل ذلك مقابل 27 جامعة حكومية فقط وعشرات المعاهد.

ويتضح عدم جودة أداء هذه الجامعات وانصباب تركيزها الأساسي على الدور الاستثماري من عنصرين أساسيين؛ أولهما الرسوم التي تطلبها من الطلاب الوافدين، وهي التي تصل في بعضها لقرابة النصف مليون جنيه سنويا، فضلا عن انخفاض "المجاميع" التي تقبل بها لدرجة الاقتراب من حد الرسوب وذلك بهدف ضم شرائح واسعة من الطلاب.

يتضح عدم جودة أداء هذه الجامعات وانصباب تركيزها الأساسي على الدور الاستثماري من عنصرين أساسيين؛ أولهما الرسوم التي تطلبها من الطلاب الوافدين، وهي التي تصل في بعضها لقرابة النصف مليون جنيه سنويا، فضلا عن انخفاض "المجاميع" التي تقبل بها لدرجة الاقتراب من حد الرسوب وذلك بهدف ضم شرائح واسعة من الطلاب
لن نجتر الحديث المحق عن أن هذا النوع من التعليم حوّل الشهادة الجامعية إلى بضاعة تباع وتشترى مثلها مثل أي سلعة أخرى في الأسواق؛ يحصل عليها من يملك المال لا العلم، فهو حديث معروف وملموس لواقع جرى تطبيعه قسرا تحت سياسة الأمر الواقع في المجتمع المصري.

وصار معلوما أنه تحت شعار التيسير على الطلاب؛ تقوم كثير من تلك الجامعات قبيل الامتحانات بطرح مذكرات مختصرة فيها أسئلة وأجوبة يكون من المعلوم أنها تتضمن أسئلة الامتحانات القادمة، فيقوم الطلاب بمراجعتها في الأسبوع الأخير السابق للامتحانات واجتيازه بيسر والحصول على درجات التفوق، دون ممارسة أي نوع من عملية التعلم أو مراجعة المناهج.

تهافت التهافت

يتبدى تهافت تلك الجامعات على تحقيق المكاسب الاقتصادية من هذا النظام الذي يطبقونه في عملية التقديم لها، فإذا كان التقديم في الجامعات الحكومية يتم بنظام المراحل ويقدم الطالب رغباته طبقا للكليات المتاحة في كل مرحلة ويقوم بإرسالها يدويا أو الكترونيا، وينتظر النتيجة طبقا لدرجاته المؤهلة لهذه أو تلك دون أي غُرم عليه، نجد الأمر قد اختلف تماما مع الجامعات والمعاهد الخاصة. فالقبول هنا ليس بأعلى الدرجات، ولكن بأولوية الحجز ودفع المصروفات عن نصف العام الدراسي الأول، ومن يملك المال يتعلم، في حين أن الخطوة الأكثر ارتباكا وصعوبة على أولياء الأمور تسبق تلك الخطوة، وهي الصعوبة التي تسبب فيها غياب الشفافية والتنظيم، حيث إن الطالب حينما يقوم بالتقديم لدخول أي جامعة يجبر على دفع رسوم تتراوح بين 1500 جنيه حتى 5 آلاف جنيه مصري، وسواء تم قبوله أو لا فإن هذه المبالغ لا تسترد، ما يجعله مضطرا للتقديم في أكثر من جامعة ويدفع نفس الرسوم خشية أن لا يجد كلية شاغرة له.

ولك أن تتخيل أن رسوم التقديم لجامعة واحدة من أجل حجز دور مبدئي قد يُقبل أو يُرفض قد تعادل وحدها نصف أو كل راتب موظف حكومي في شهر، وتتخيل أيضا مدى تضخم الحصيلة المالية العائدة على الجامعات جراء هذا الإجراء فقط.

التعليم في مصر موت وخراب ديار.

مقالات مشابهة

  • بأسعار مُخفضة.. محافظ بني سويف يفتتح معرض«أهلاً مدارس» لتوفير المستلزمات الدراسية
  • محافظ بني سويف يفتتح معرض "أهلاً مدارس" لمستلزمات الدراسية بأسعار مُخفضة
  • محافظ بني سويف يفتتح معرض أهلاً مدارس لتوفير المستلزمات الدراسية بأسعار مُخفضة
  • وزير التعليم: تطوير المناهج لمواكبة التغيرات العالمية وترسيخ الهوية الوطنية برؤية ولي العهد .. فيديو
  • خصخصة التعليم في مصر.. حديث الإحصاءات
  • طب من 94%.. التعليم العالي تعلن الحدود الدنيا للشعب العلمية «نظام حديث»
  • ألسن من 92.8%.. التعليم العالي تعلن الحدود الدنيا للشعبة الأدبية «نظام حديث»
  • كاتب: التعليم تحدث ثورة في المناهج لمواكبة التطور العالمي.. تفاصيل
  • ضبط 1429 نسخة من الكتب الدراسية الخارجية بدون ترخيص