جريدة الرؤية العمانية:
2025-10-07@23:19:49 GMT

غزة.. وعامان من الإبادة ونكبة العصر

تاريخ النشر: 7th, October 2025 GMT

غزة.. وعامان من الإبادة ونكبة العصر

 

سالم البادي (أبو معن)

أكتب هذا المقال، آملًا أن يكون بمثابة تذكير دائم بأهمية السعي نحو العدالة والرحمة، وأن نتمسك بالأمل في غدٍ أفضل لغزة وأهلها.

في أعماق الذاكرة، لذكرى شعب لا يغيب كالغروب، وإن غاب سرعان ما يعود، ليبقى شعب واحد كنبض واحد، كالجبل لا تحركه العواصف ولا تزيحه العواصف، تتردد أصداء الحرب، وتتراقص صورها في مخيلة الأطفال الذين لم يعيشوا براءة الأطفال؛ بل وُلدوا ليكونوا رجالًا شجعان.

بعد مرور عامين على هذه الحرب الصهيونية الشعواء الوحشية، لا تزال غزة الجريحة تنزف جراحًا وألمًا ودمًا، تواجه تحديات جمّة في سبيل الصمود والرباط والثبات، معتمدة على قوة إيمان وإرادة وعزيمة أبنائها الأوفياء ومجاهديها الأنقياء.

هذه الذكرى بمثابة وقفة تأملية، نستعرض فيها حجم المأساة الإنسانية التي خلفتها آلة الحرب الصهيوأمريكية الغربية، ونتذكر بطولات الشهداء، ونتألم لمعاناة الجرحى والمرضى، ونستشعر مرارة فقدان الأحبة ممن سبقونا إلى جنات الخلد، إلى دار البقاء.

كما أنها فرصة لتقييم الجهود المبذولة لإيقاف المجازر اليومية والإبادة الجماعية، وتسليط الضوء على العقبات التي تعترض طريق وقف الحرب وتحقيق السلام والأمن.

بعد مرور عامين على أحداث السابع من أكتوبر لعام 2023، تظل غزة تشهد صراعًا مستمرًا بين الألم والأمل، فمن ناحية، نرى آثار الدمار واضحة في كل زاوية وكل شبر من أرض غزة، من المنازل المدمرة إلى البنية التحتية المتهالكة، إلى الأراضي الممسوحة مسحًا والمجروفة جرفًا والمحروقة حرقًا؛ حيث إن العدو الصهيوني الهمجي لم يُبقِ على أرض صالحة للزراعة ولا للسكن، دمار شامل بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حرب لم تُبقِ ولم تذر.

ويعاني سكان غزة من انعدام في الخدمات الأساسية، مثل الغذاء والدواء والكهرباء والمياه النظيفة، مما يزيد من معاناتهم اليومية، إضافة إلى ذلك، يعاني العديد من السكان من صدمات نفسية نتيجة للحرب، مما يتطلب دعمًا صحيًا نفسيًا واجتماعيًا مكثفًا.

ويظهر الأمل في صمود الشعب الفلسطيني، وإصرارهم على الحياة، ونرى جهودًا حثيثة لإيقاف الحرب، على الرغم من الصعوبات التي يختلقها ويفتعلها العدو المحتل باستمرار.

وتبرز مبادرات مجتمعية تعزز التماسك الاجتماعي، وتوفر الدعم للمحتاجين، كما أن هناك أصواتًا تنادي بالسلام والعدالة، وتطالب بإنهاء الحصار، ووقف المجازر ووقف المجاعة وتحقيق حقوق الشعب الفلسطيني.

وبعد مرور عامين على طوفان الأقصى، لا يزال قطاع غزة يعاني من آثار الحرب، فقد أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن نسبة الدمار في القطاع الفلسطيني بلغت نحو 90% بعد عامين على الحرب التي يشنها الاحتلال الصهيوني، واصفًا ما حدث بأنه "إبادة جماعية مستمرة" تستهدف البشر والحجر.

وحسب الإحصائية الصادرة عن المكتب بمناسبة مرور عامين على الحرب، فقد دُمّر أو تعطّل 38 مستشفى في أنحاء القطاع، وسيطر جيش الاحتلال على نحو 80% من مساحة القطاع عبر الاجتياح والتهجير والقصف المتواصل.

وبحسب الأرقام التي أعلنها المكتب، فقد ألقى جيش الاحتلال أكثر من 200 ألف طن من المتفجرات على غزة منذ بدء الحرب، وقد تضررت 95% من مدارس القطاع بشكل جزئي أو كلي نتيجة القصف.

وأشار التقرير إلى أن عدد الشهداء والمفقودين بلغ 76693 شخصًا، بينهم 9500 مفقود لا يزال مصيرهم مجهولًا، ويبلغ عدد المصابين 169538 شخصًا، من بينهم 4800 حالة بتر أعضاء و1200 حالة شلل.

وتفيد التقارير الفلسطينية بأن 2700 أسرة أُبيدت بالكامل ومسحت من السجل المدني، في حين سُجّل أكثر من 12 ألف حالة إجهاض بسبب نقص الغذاء والرعاية الصحية.

وأشار التقرير كذلك إلى استشهاد 460 شخصًا بسبب حالات الجوع وسوء التغذية في ظل استمرار الحصار ونقص الإمدادات الإنسانية.

هذه الأرقام "تعكس حجم الكارثة الإنسانية غير المسبوقة" التي يعيشها سكان القطاع، داعيًا المجتمع الدولي إلى "تحمّل مسؤولياته ووقف الإبادة المستمرة بحق الشعب الفلسطيني".

بشكل عام، خلفت حرب غزة آثارًا مدمرة على جميع الأصعدة، ولا يزال القطاع يعاني من تداعياتها حتى اللحظة.

ويصادف ذكرى السابع من أكتوبر، انعقاد المفاوضات غير المباشرة الجارية في مدين شرم الشيخ في مصر، بين حركة المقاومة الإسلامية حماس والكيان الصهيوني؛ بهدف التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب في قطاع غزة، على ضوء خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

لقد شكّل طوفان الأقصى نقطة تحول كبرى في المنطقة، وأعاد ملف القضية الفلسطينية إلى الواجهة من جديد بعدما كان سيصبح في خبر كان.

وأحداث الطوفان الغزي أدخلت الكيان الصهيوني في دوامة من الأزمات الداخلية والعزلة الدولية غير المسبوقة منذ قيامها.

ونجحت فصائل المقاومة الفلسطينية، رغم الكلفة الإنسانية الباهظة والدمار، في إحياء القضية وكسر جدار التجاهل الدولي للحقوق الفلسطينية، وإعادة طرحها باعتبارها قضية تحرر وحقوق شعب تحت الاحتلال.

كذلك من نتائج هذه المعركة أن المساءلة الدولية لحكومة الكيان الصهيوني أخذت تتسع أكثر وأكثر، ومن أبرز ما أفرزته تداعيات الحرب هو اتساع نطاق التحقيقات والملاحقات القانونية الدولية بحق رئيس وزراء الكيان وأركان حربه وبعض وزرائه لارتكابهم جرائم ضد الإنسانية "جرائم حرب".

وتؤكد التقارير الاقتصادية أن اقتصاد الكيان الصهيوني تكبّد خسائر تفوق ربع تريليون شيكل خلال عامين، نتيجة العمليات العسكرية المستمرة وتراجع النشاط التجاري والسياحي. كما شهدت عملة الشيكل تراجعًا حادًا، وارتفعت معدلات التضخم والبطالة إلى مستويات غير مسبوقة.

ودفعت حرب الإبادة غير المسبوقة ضد قطاع غزة دول إيرلندا وإسبانيا والنرويج رسميًا للاعتراف بدولة فلسطين، في حين أبدت دول أخرى مثل سلوفينيا ومالطا اعتزامها اتخاذ خطوة مماثلة، وهو ما اعتُبر ثغرة في جدار الصد الأوروبي للحقوق الفلسطينية، ولو بحدها الأدنى.

واعتبارًا من سبتمبر 2025، اعتُرف بدولة فلسطين كدولة ذات سيادة من قبل 157 دولة من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة، أو ما يزيد قليلًا عن 81% من جميع أعضاء الأمم المتحدة. وقد كانت دولة مراقبة غير عضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ نوفمبر 2012.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

أبرز المحطات خلال عامين من حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة

عامان مرّا على حرب غير مسبوقة في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حرب بدّلت ملامح المنطقة وأعادت رسم خرائطها السياسية والإنسانية، فخلال 24 شهرا من القصف والدمار والمجاعة والتهجير في قطاع غزة شهد العالم فصولا متلاحقة من مأساة وُصفت بأنها الأشدّ دموية في القرن 21.

ويوثق تقرير مراسلة الجزيرة شيماء بوعلام أبرز محطات الحرب التي انطلقت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، حين شنت المقاومة الفلسطينية هجوما مفاجئا على المستوطنات المتاخمة لغزة، في عملية أربكت إسرائيل وأحدثت زلزالا عسكريا وسياسيا لم تعهده منذ عقود.

ففي ساعات قليلة، سقط مئات القتلى من الجنود والمستوطنين الإسرائيليين، وأُسر عشرات آخرون، ليتحول المشهد في غزة من حصار مزمن إلى مشهد مأساة صادمة، إذ ردّت إسرائيل بسياسات انتقامية غير مسبوقة في تطرفها شملت التدمير الشامل، والتجويع، والتهجير القسري لمئات الآلاف.

منذ ذلك اليوم، لم تعد غزة مجرد ساحة مواجهة محلية، بل بؤرة صراع أعادت ترتيب أجندات الإقليم والعالم، فالغارات الكثيفة والاجتياحات البرية الواسعة جعلت البحث عن الأسرى الإسرائيليين الـ251 هدفا مركزيا لحرب إبادة لم تستثنِ المستشفيات ولا مخيمات اللاجئين.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وُقّعت أول هدنة بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل لمدة 4 أيام، شابها استمرار القصف على المدنيين، أفرجت خلالها المقاومة عن 50 أسيرا مقابل إطلاق سراح نحو 150 امرأة وطفلا فلسطينيا من السجون الإسرائيلية.

ومع بداية عام 2024، دخلت ساحة العدالة الدولية على خط الأزمة، إذ أمرت محكمة العدل الدولية إسرائيل باتخاذ تدابير لمنع الإبادة في القطاع، وهو قرار غيّر توصيف الحرب من "نزاع مسلح" إلى "إبادة جماعية محتملة"، من دون أن يوقف نزيف الدم.

صدمة عارمة

وفي أبريل/نيسان 2024، دوّى الغضب الدولي بعد مقتل 7 من فريق منظمة "وورلد سنترال كيتشن" في غارة إسرائيلية، مما شكّل صدمة عارمة وفضح استهداف تل أبيب المتكرر للجهود الإنسانية، ودفع المجتمع الدولي إلى زيادة الضغط من أجل فتح ممرات آمنة للمساعدات.

إعلان

لكن في مايو/أيار من العام ذاته، بلغت الحرب ذروتها جنوبا، حين حاصرت إسرائيل مدينة رفح المكتظة بالنازحين، فبينما كان العالم يراقب بحذر، رأت إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن أن استمرار القصف تجاوز الخطوط الحمراء، فجمدت شحنة قنابل ضخمة متجهة إلى تل أبيب، لتظهر لأول مرة بوادر شرخ في الدعم الأميركي غير المشروط لإسرائيل.

وفي يونيو/حزيران، تمدد الصراع خارج حدود غزة، إذ حوّلت هجمات جماعة أنصار الله في البحر الأحمر الممرات الملاحية إلى ساحة مواجهة جديدة، وربطت الاقتصاد العالمي مباشرة بالحرب الدائرة في القطاع، ليتحول النزاع المحلي إلى أزمة دولية تمسّ التجارة والطاقة والملاحة.

بحلول سبتمبر/أيلول 2024، اشتعلت الحدود الشمالية بين إسرائيل وحزب الله في تصعيد غير مسبوق، بلغ ذروته باغتيال الأمين العام للحزب حسن نصر الله، في تطور هزّ المنطقة وفتح جبهة دعم مفتوحة لغزة من جنوب لبنان حتى الجولان.

وفي 16 أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، وبعد دخول الحرب عامها الثاني، قُتل قائد حركة حماس يحيى السنوار في غارة إسرائيلية، فانقلبت موازين الميدان مجددا، وإثر ذلك شنت قوات الاحتلال اجتياحا جديدا لشمال غزة، مستهدفة جباليا ومحيطها، في محاولة لكسر بنية المقاومة المتماسكة.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني، زادت عزلة إسرائيل حين أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية طلب إصدار مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه آنذاك يواف غالانت، في خطوة غير مسبوقة لمحاكمة قادة إسرائيليين بتهم جرائم حرب.

مرحلة جديدة

وبحلول 20 يناير/كانون الثاني 2025، دخلت الحرب مرحلة سياسية جديدة مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، فقد ضاعف دعمه العسكري لإسرائيل وأفرج عن الأسلحة المجمدة، لكنه طرح في الوقت نفسه مبادرة سماها "الصفقة الكبرى"، تقوم على وقف الحرب مقابل تبادل الأسرى وترتيبات لإدارة انتقالية في غزة.

وبين فبراير/شباط ومارس/آذار من العام ذاته تم التوصل إلى اتفاق هشّ لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، سرعان ما تهاوى مع تكرار الخروقات، في وقت بدأ فيه الشارع الإسرائيلي يفقد شهيته للحرب، وارتفعت أصوات الغضب ضد طول أمدها وضبابية أهدافها.

في ربيع 2025، تمدد التضامن مع غزة عالميا؛ إذ اجتاحت المظاهرات الجامعات الأميركية وشوارع لندن وباريس ومدن أخرى، لتشكل موجة احتجاجات غير مسبوقة دفعت الغرب إلى مراجعة مواقفه الأخلاقية والسياسية تجاه إسرائيل.

وفي أغسطس/آب، أعلنت الأمم المتحدة رسميا دخول غزة في مرحلة المجاعة، في أول توثيق أممي لمجاعة بالمنطقة، بعد وفاة آلاف الأطفال جراء الجوع وسوء التغذية، لترسخ الحرب موقعها كإحدى أسوأ الكوارث الإنسانية في العصر الحديث.

أما في أكتوبر/تشرين الأول 2025، وبعد شهور من المفاوضات برعاية واشنطن والقاهرة والدوحة، أعلن الرئيس الأميركي ترامب خطة من 20 بندا لوقف إطلاق النار، وافقت عليها حركة حماس مبدئيا، لكنها بقيت رهينة جولات جديدة من التفاوض بشأن تفاصيل التنفيذ.

وهكذا، اختتم العامان الأخطر في تاريخ غزة والعالم العربي بمشهد لم يُكتب فصله الأخير بعد، فالحرب التي بدأت بهجوم مباغت تحولت إلى ملحمة صمود وتراجيديا إنسانية، ما زالت ترسم حدود المعركة بين العدالة والمأساة في فلسطين.

إعلان

مقالات مشابهة

  • أبرز المحطات خلال عامين من حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة
  • بعد عامين على حرب الإبادة وسياسة الأرض المحروقة.. غزة المدمرة ترنو إلى السلام
  • بعد عامين على الإبادة.. المقاومة في غزة تقصف مستوطنة نتيف هعسراه
  • بعد عامين من الإبادة: هنا غزة، هل تسمعوننا؟ أوقفوا الحرب
  • تعرف إلى واقع القطاع الطبي في غزة بعد عامين على حرب الإبادة (خريطة تفاعلية)
  • صدمة الإبادة التي تغيّر العالم.. إذا صَمَت الناس فلن يبقى أحد في أمان
  • بعد عامين على الإبادة في غزة.. كيف تآكل نفوذ اللوبي الصهيوني؟
  • أبرز الإنجازات العالمية التي تحققت للقضية الفلسطينية بعد عامين من الإبادة
  • إحصائيات صادمة بعد عامين من الإبادة.. 200 ألف طن متفجرات