عربي21:
2025-10-18@17:53:04 GMT

الحرية الكاملة.. هدية غزة إلى العالم

تاريخ النشر: 17th, October 2025 GMT

لقد حررت غزة العالم، هذه قناعة شخصية ستبدو لكثيرين عجولة، ليبدأ التاريخ القادم من حرب الطوفان وتكون غزة الصغيرة مثل نقطة ضوء في ظلام العالم. لقد كانت شوارع العالم ميتة أو تكاد، وكانت تحركها -بأعداد قليلة- قضايا محلية مثل مظاهرات قوس قزح والعراة وحقوق البطريق في القطب الجنوبي. كثير من حراك الشوارع الغربية كان يستهجنه المتفرجون على المظاهرات، لقذ بدا لي أن شوارع الغرب قد عثرت على هوية جديدة، هوية إنسانية، هوية انبعاث الإنسان من ركام القضايا المزيفة التي ينفخ فيها إعلام دجنته الصهيونية العالمية.

لكنها حرية هشة بعد وتحتاج عقلا كونيا متحررا يدفع هذه الحرية/ الهدية إلى سقوف أعلى. فهل يلتقط المضطهَدون في العالم هذه الموجة ويركبونها نحو المزيد من الحرية؟ ومن يستطيع أن يدفع الناس في كل مكان نحو هذه السقوف الإنسانية؟

نقاشات قديمة مع غربيين

قُيضت لنا فرص نقاشات طويلة مع باحثين غربيين فرنسيين بحكم التماس اللغوي (كمستعمرين سابقين)، وكان النقاش يدور حول فلسطين وحول الدكتاتوريات العربية. وكنا ندفع المحاورين إلى نقطة محددة وهي أن الدكتاتوريات العربية هي صناعة غربية في منشأها وفي استمرارها وجبروتها، وأن الشعوب العربية (كحزء من شعوب العالم المضطهدة) ليست جاهلة بالديمقراطية ولا هي أقل من شعوب الغرب حقا فيها. وكنا نلاحظ دوما أن المحاور الغربي إذا أمِن لنا يخرج مكنون قلبه فيشكو لنا من أنظمة الغرب، فهي خاضعة بدورها إلى الصهيونية وأن الحديث في مسائل كثيرة في مقدمتها الحق الفلسطيني من المحرمات. بل يذهب الكثير من المحاورين إلى أن الديمقراطية الغربية نفسها قد فسدت باختراق صهيوني حد العظم، وأن رؤساء فرنسا مثلا هم اختيار صهيوني يمر عبر مسرحيات انتخابية، فالحال من بعضه؛ وإن كان بقي للمواطن الغربي هامش حريات ليسير في مظاهرات المثليين ولا يضربه البوليس.

وهذا الشعور بالاختراق والهيمنة الصهيونية محسوس بدرجات عالية في الوسط الأكاديمي، وكانت محاكمة غارودي تحضر في أغلب النقاشات. أما المؤرخون المراجعون لسردية الهولوكوست، فذكرهم علنا في وسط أكاديمي أو الإحالة إلى أعمالهم كذكر الشيطان في الكنيسة. لقد علمنا أنه توجد كتب تُقرأ في الغرب الديمقراطي سرا.

انفجار الشوارع الغربية الذي حرّضته مأساة غزة وملحمتها يأتي في تقديرنا أولا من شعور قاس بالمَظلمة (وهذا مستوى التعاطف الانساني الفطري)، ويأتي ثانيا من رغبة في التحرر من الهيمنة الصهيونية في الغرب نفسه (وهذا مستوى التحرر). لقد اتخذت هذه الشواراع غزة (بعد تريث وقراءة متأنية) ذريعة لتثور على أنظمتها، لذلك تجاوزت التعاطف مع المثير إلى رفع مطالب ذات كنه تحرري في أوطانها (مثل قطع العلاقات والمحاسبة)، سمعنا أولها في أسبانيا ونلتقط جمله حتى في هولندا وقد توهمنا دوما أن هولندا كانتون صهيوني. ومن كان يُظن أن برلين حاملة عقدة الهولكوست ستخرج عن بكرة أبيها لتناصر قضية تلعب فيها الصهيونية دور الجلاد.

لقد وضعت غزة قضية فلسطين في قلب العالم لكنها أيقضت قلب العالم على مآسيه الذاتية. ومن هنا بدأ التحرر الذي نظنه كونيا سيتجاوز المثير الفلسطيني إلى حركة تحرر عالمية بوسائل الديمقراطية المغدورة في حرياتها. إن الجُمل الجريئة ضد الكيان الغاصب بعد خوف وريبة، مثل الإقرار بالإبادة الجماعية، سيكون لها في تقديرنا أفق أوسع وستنتهي بدحض السردية الصهيونية وتمهد لإعادة كتابة تاريخ القرن العشرين برمته، وهو القرن الذي كتب تاريخه الصهاينة ليكونوا قلب الوقائع والأحداث، فكأنهم وحدهم من يسير على سطح البسيطة. لقد قال لهم أحد صنائعهم الإعلامية: شعب الله المختار لا يقتل الأطفال والنساء.

التشبيك العربي مع حركة التحرر العالمي

عاشت الأنظمة العربية الثوري منها والمطبع بخدمتها للكيان الصهيوني، فهي ليست سبب وجودها فحسب بل سبب بقائها وغطرستها، فهي قادرة على حرق الناس أحياء بلا وجل إذ يقف في ظهرها النظام العالمي المتصهين، وبقدر إخلاصها لهذه المهمة كانت تتصلب وتبقى وتقتل. كل رئيس عربي حكم أو ملك عربي اقترب من كرسي الحكم أرسل إشارات الخضوع للسردية فقُبل وشُرع وجوده. وما يزال هذا النظام يأمل في البقاء بقمع شعبه ومنعه من الخروج مع غزة، رغم أنه يشاهد مثلنا أن شوارع العالم خرجت وتحررت. وإنه ليخجلنا كعرب أن نتابع شوارع الغرب من أمام شاشانا ونتحسر من عجز وقلة حيلة، لكنها حسرة لا تبرئنا من إثم الخذلان.

في لحظات عجزنا العربي، جماعات وأفرادا ونخبا، نعلق أملا على أن تسقط شوارع الغرب السردية الصهيونية فتضعف قبضتها هناك فيفقد النظام العربي سبب بقائه، لكن هذا يزيد في حسرتنا فنحن في وضع الثعلب الجبان الذي ينتظر صيد الأسد ليأكل فضلته. فكيف يمكن الاستفادة من حركة الشوارع الغربية لتثوير العجز العربي الشعبي والنخبوي؟

هذا سؤال أقرب إلى الأمنيات، وأكتبه مسترجعا حالة انكسار الربيع العربي الذي سبق هذا الخريف الملتهب في الغرب. أمامي صور وول ستريت تقلد الثورة التونسية وترفع شعاراتها بعربية عجماء "الشعب يريد إسقاط وول ستريت". لقد كانت ثورة في سرعة رصاصة وصلت قلب العالم وارتدت بفعل نخبوي محلي أكثر من الاختراق السياسي الغربي.

لحظة غزة أيضا تكشف لي سبب ردة الربيع العربي، لقد كان النقاش ولا يزال حتى اللحظة يدور حول خطر انتصار حماس. فغزة عند كل من خرّب الربيع العربي هي حماس، وحماس هي الإخوان، والإخوان هم الإسلام السياسي، والإسلام السياسي لا حق له في الحياة. هنا يعسر علي تخيل عملية تشبيك يقودها مثقفون ونخب لم تؤمن بأهمية الحرية، وأوشك أن ألخِّص أن غزة التي حررت العالم لم تحرر جيرانها العرب، وهذا قول يؤلم الحجر.

من يكتب رسالة أولى إلى العالم المتحرك

بقي على من قدر على تجاوز هذه العقدة النخبوية المريضة أن يبادر بعقل يؤمن بالحرية ليقول قولا حاسما وينطلق في فعل تشبيك بأفق كوني. لقد لمستُ في قافلة الصمود التي رُدت على أعقابها لحظة تجاوز هذه العقدة، ولمست في أسطول الصمود وفي أسطول الحرية بداية التشبيك الذي بدأ بتجاوز عقدة النخب الهاربة من حقيقة بسيطة لن يمحها الإنكار؛ إن الإسلام السياسي مكون أساسي في المشهد السياسي العربي، ومهما تأخر الزمن وطال الإقصاء فهو صاحب حق وعليه دور ومسؤوليات. هذا مفتاح الباب الأول للتشبيك الكوني؛ مصالحات داخلية أو تجاوز فعال لنخب الاستئصال التي شاءت -أم أبت- تعيش من السردية الصهيونية كما تعيش الأنظمة من خدمة السردية إياها، فالصهاينة يعرفون من يزعجهم فعلا لا قولا.

هذا زمن إرسال الرسائل إلى النخب التي تقود شوارع الغرب؛ جيرانكم العرب ضحية أخرى للصهيونية صانعة الأنظمة العميلة المتصهينة، وأنظمتكم المتصهينة لا ترسل الدعم العسكري والاقتصادي للكيان فقط بل تصنع أنظمة عربية لحمايته. هل هذا طلب نجدة يصدر عن كسالى متواكلين (بمنطق احمونا)؟ إذا أُرسلت مثل هذه الرسائل من شوارع نائمة فليكن الفناء جديرا بها فهي ميتة، ولكن إن خرجت من شوارع متحركة مؤمنة بوحدة المعركة الكونية ضد الصهيونية العالمية فسيكون لها صدى في شوارع الغرب. وكلما تأخرت هذه الرسائل برد الحدث وتفرغ الغربي لحريته وسيفرضها على حكومة بلده، وسيكون على العرب أن يكتفوا بفضلة الأسد مثل كل ثعلب جبان.. أحتاج إلى معجزة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه غزة الغربية الصهيونية حرية العربية غزة حرية الغرب عرب صهيونية مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

حان وقت محاكمة الصهيونية السياسية

آن الأوان، بل تأخّر كثيرا، لمحاكمة “الصهيونية السياسية”، التي بُنيت لخدمة مصالح الغرب، واستُخدِم اليهود فيها كجنودٍ مرتزقة رخيصو الثمن. فهذه الأيديولوجيا يجب أن تُدان كما أُدينت من قبل نازية هتلر وفاشية موسوليني، ويجب أن تُلقى في مزبلة التاريخ، باعتبار ذلك مسؤوليةً إنسانيةً لا تحتمل التأجيل. واليوم، بعد أن استيقظت شعوب العالم، بات من الملحّ محاسبة هذا النظام الفاشي العنصري، على ارتكابه المجازر والإبادات والتطهير العرقيّ في هذه المنطقة منذ أكثر من قرن.

إن الدعوة إلى محاكمة الصهيونية لا تأتي من غير اليهود فحسب، بل يطالب بها كثير من المفكرين والكتّاب والناشطين اليهود أنفسهم. فقد قالت الكاتبة والصحافية اليهودية الكندية الشهيرة نعومي كلاين في مقالٍ نُشر عام 2024 في صحيفة The Guardian تحت عنوان “نحن بحاجة إلى خروج من الصهيونية”: “لسنا بحاجة إلى الصهيونية، ولا نريد مثل هذا الإيمان. نريد أن نتخلّص من هذا المشروع الذي يرتكب إبادةً جماعية باسمنا”. كلاين تصف الصهيونية بأنها “صنم زائف”، وتضيف: “هذا الصنم يُساوي بين حرية اليهود وقنابل عنقودية تقتل أطفال فلسطين. هذا الصنم الزائف ليس نتنياهو وحده، بل العالم الذي صنعه وتغذّى عليه، إنّه الصهيونية نفسها”.

ويرتفع صوت ضمير حي مشابه من الفيلسوف والمفكر الفرنسي اليهودي إدغار موران، البالغ من العمر 104 أعوام، الذي قال عبارته الخالدة: “إن كان الظلم منّا، فأنا لستُ منّا”، مجسّدا صدى الضمير الإنسانيّ. وتحدّث موران عن غزّة بهذه الكلمات التي تلخّص قرناً من التجربة والمعاناة: “إنّ أحفاد شعبٍ تعرّض عبر القرون للاضطهاد الدينيّ والعرقيّ، يرتكبون اليوم مجزرة جماعية ضدّ سكان غزّة.

وصمت الولايات المتحدة والعالم العربيّ وأوروبا يمثل مأساة كبرى للإنسانية. وإن لم نستطع المقاومة، فلنشهد؛ لنقاوم في عقولنا، لئلّا ننخدع، ولئلّا ننسى”. وكذلك شدّد كثير من المفكرين اليهود مثل إيلان بابي وآفي شلايم ونعوم تشومسكي ونورمان فينكلشتاين، مرارا على أنّ “الصهيونية السياسية” ألحقت الضرر لا بالشعوب الأخرى فحسب، بل باليهود أنفسهم. وقد كتب ج.

نويبرغر، الرئيس السابق لمنظمة أجوداث إسرائيل العالمية للشباب، في مقالٍ بعنوان “التمييز بين اليهودية والصهيونية” ما يلي: “في الولايات المتحدة اليوم، معارضة الصهيونية تحتاج إلى شجاعة كبيرة، تماما كما كانت معارضة الفاشية في إيطاليا أو النازية في ألمانيا، خلال الحرب العالمية الثانية عملاً بطوليّاً. الصهيونية انحرافٌ مؤقّت في التاريخ الطويل للشعب اليهودي”. كانت الأمم المتحدة قد وصفت الصهيونية في القرن العشرين بأنها “شكل من أشكال العنصرية”.
الصهيونية لم تحتلّ فلسطين وحدها، بل احتلّت ضمير الإنسانية جمعاء
وفي 10 نوفمبر/تشرين الثاني 1975، أقرّت الجمعية العامة القرار رقم 3379 الذي نصّ صراحة على أنّ الصهيونية شكلٌ من أشكال التمييز العنصري. غير أنّ هذا القرار أُلغي في 16 ديسمبر/كانون الأول 1991 بضغطٍ شديد من إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب، عبر القرار رقم 4686. لكن هذا الإلغاء لم يُلغِ الطابع العنصريّ للصهيونية، بل كشف فقط أنّ الأمم المتحدة خضعت للابتزاز السياسي وتستّرت على الحقيقة. لقد سعت إدارة بوش لإلغاء القرار الذي ساوى الصهيونية بالنازية والفاشية أكثر من سعي اللوبيات الصهيونية نفسها، في مشهدٍ يُظهِر كيف احتضنَت الإمبرياليةُ ابنَها غير الشرعيّ. إنّ انزعاج الولايات المتحدة من ذلك القرار كشف أنها لم تحمِ الكيان الصهيونيّ وحده، بل حَمَتْ أيضا أيديولوجيّته الرسمية، الصهيونية ذاتها.

خلاصة القول؛ يقف التاريخ اليوم عند مفترق طريق، فقد حوكِمَت النازية والفاشية ونظام الفصل العنصري، وحان الوقت لمحاكمة الصهيونية على المنبر نفسه. فالصهيونية لم تحتلّ فلسطين وحدها، بل احتلّت ضمير الإنسانية جمعاء. الأطفال الذين يرقدون تحت أنقاض غزّة لا يستدعون صمت العالم، بل يستدعون عدالة المستقبل. وعندما يحين ذلك اليوم، سيتردّد في قاعة التاريخ، كما في نورمبرغ، هذا الإعلان الجليل: “إنّ اسم الجرائم ضدّ الإنسانية والإبادة الجماعية هو الصهيونية”.

القدس العربي

مقالات مشابهة

  • عمرو الليثي: تكريم نعينع في منتدى الإعلام العربي الإسلامي في الفجيرة
  • معطى: 600 شهيد و17 مليون دولار خسائر قطاع الصيد في غزة منذ بدء الحرب الصهيونية
  • الراعي يقدم هدية رمزية للبابا تعبيراً عن العلاقة الأخوية بين الكنائس
  • روسيا: تسليم صواريخ توماهوك إلى أوكرانيا خطوة عدائية
  • هند الضاوي: اقتتال حماس والمليشيات بعد وقف النار "هدية مجانية لإسرائيل"
  • محلل سياسي عن اتفاق غزة: مصر تكتب فصلًا جديدًا في صناعة السلام
  • شباب العالم العربي يشيدون بدور مصر القيادي في المنطقة ودعم غزة
  • حان وقت محاكمة الصهيونية السياسية
  • والدة عثمان ديمبيلي في نزاع ضريبي بسبب هدية قيّمة