الجزيرة:
2025-10-22@21:43:03 GMT

ماذا يحدث في مدغشقر؟

تاريخ النشر: 22nd, October 2025 GMT

ماذا يحدث في مدغشقر؟

تمر مدغشقر بأزمة سياسية أدت في الأيام الماضية، لفرار رئيسها أندريه راجولينا من البلاد بعد أسابيع من الاحتجاجات التي قادتها حركة الجيل زد، ليستولي على السلطة الكولونيل مايكل راندريانيرينا، قائد وحدة النخبة العسكرية باسم "فيلق الموظفين والخدمات الإدارية والفنية" (أو "كابسات" باختصار).

وفي خطوة استباقية لسد الباب أمام الانتقادات وتفادي العقوبات الإقليمية الدولية؛ أفاد الكولونيل راندريانيرينا، عشية أدائه اليمين الدستورية رئيسا جديدا لمدغشقر، بأن استيلاءه على السلطة، "ليس انقلابا"، قائلا: للصحفيين إن "الانقلاب هو دخول جنود إلى القصر الرئاسي مسلحين، وهم يطلقون النار، وهناك سفك دماء.

. هذا ليس انقلابا".

ومع ذلك، ندد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بـ"التغيير غير الدستوري للحكومة"، وحث على "العودة إلى النظام الدستوري وسيادة القانون". وأعلن الاتحاد الأفريقي، الذي حظر عضوية مدغشقر، أنه أرسل بعثة إلى البلاد لمناقشة "استعادة النظام الدستوري". كما أرسلت "مجموعة تنمية الجنوب الأفريقي" (سادك) فريقا لتقصي الحقائق.

خلفية موجزة عن مدغشقر

مدغشقر دولة جزرية في المحيط الهندي، على بُعد حوالي 400 كيلومتر من الساحل الجنوبي الشرقي لأفريقيا، شرق موزمبيق. وتقع بين قناة موزمبيق والمحيط الهندي، وتحيط بها جزر طرفية أصغر. وعاصمتها، أنتاناناريفو، في المرتفعات الوسطى بالقرب من مركز الجزيرة.

ونظرا لعزلتها ومكانتها الجيولوجيتين تتسم مدغشقر بنظام بيئي فريد يجعلها كيانا جغرافيا وثقافيا حيويا مميزا قبالة الساحل الشرقي للقارة الأفريقية.

ويُقدر عدد سكانها في عام 2025 ما بين 31 و33 مليون شخص، مع متوسط ​​أعمار صغير يبلغ حوالي 19 عاما. ويعيش حوالي 40% منهم في المناطق الحضرية، مثل العاصمة أنتاناناريفو.

وتتنوع هوية مدغشقر الديمغرافية والثقافية نتيجة التأثيرات الأفريقية والأسترونيزية والعربية والأوروبية التي تنعكس في تنوعها الإثني، حيث تضم إثنيات رئيسية مثل الميرينا (أكبر إثنية في البلاد) في المرتفعات الوسطى و بيتسيميساراكا (ثاني أكبر إثنية) على الساحل الشرقي، وغيرهما. ولكل من هذه الإثنيات لهجاتها وممارساتها الثقافية الخاصة، مع امتزاج المسيحية بالمعتقدات المحلية، إلى جانب الإسلام و"اللادينية".

إعلان

ويعتمد اقتصاد مدغشقر على الزراعة وصيد الأسماك والحراجة، وكلها تشكل أكبر مصدر للعمالة وتوفر سبل العيش لغالبية السكان من خلال زراعة الكفاف والمحاصيل النقدية عالية القيمة مثل الفانيليا (التي تُعد مدغشقر أكبر منتج لها في العالم)، والقرنفل، والقهوة.

ويزداد تنوع اقتصادها بفضل استخراج معادن أساسية مثل النيكل والكوبالت والجرافيت والإلمنيت، وصناعة المنسوجات والملابس القوية، التي تستفيد من اتفاقيات التجارة التفضيلية، مثل: "قانون النمو والفرص في أفريقيا" (AGOA). كما يتصاعد الاهتمام الاقتصادي بقطاعي السياحة والاتصالات مؤخرا.

ورغم ثروتها من الموارد الطبيعية وصناعاتها التي بدأت تحفز النمو، لا تزال مدغشقر تعاني من ارتفاع حاد في معدل الفقر الوطني، وضعف في البنية التحتية، وخاصة في مجالي الكهرباء والمياه، مع اعتمادها على القطاع غير الرسمي والمساعدات الخارجية.

وتشمل قائمة شركائها التجاريين الرئيسيين في مجال الصادرات: فرنسا، والولايات المتحدة، واليابان، وكوريا الجنوبية، والصين، بينما تأتي الواردات بشكل رئيسي من الصين، وعُمان، وفرنسا، والهند، وجنوب أفريقيا.

وكقوة استعمارية سابقة، تحافظ فرنسا على حضورها القوي سياسيا واقتصاديا وثقافيا في البلاد، وتلعب دورا متعدد الجوانب في اقتصادها، حيث تظل عميلا رئيسيا لصادراتها مثل؛ المنسوجات، والمنتجات الزراعية، والسمكية، ومورِدا رئيسيا للواردات مثل؛ الآلات، والأغذية المصنعة. بل وتتمتع الشركات الفرنسية بحضور قوي في قطاعات رئيسية مثل؛ البنوك، والطاقة، كما تعد باريس مانحا ثنائيا للمساعدات الإنمائية الرسمية المقدمة للبلاد.

وبالرغم من المرونة التي أظهرها اقتصاد مدغشقر في الآونة الأخيرة، حيث يُقدر نمو الناتج المحلي الإجمالي بنحو 4.2% إلى 4.4% في عام 2023، ويُتوقع أن يظل قويا عند حوالي 4.5% في عامي 2024 و2025، مدفوعا بالأداء القوي للصناعات الاستخراجية، وانتعاش السياحة، وزيادة الاستثمار العام في البنية التحتية؛ فإن هذا النمو غير متكافئ وغير كافٍ للحد من الفقر الذي تعانيه البلاد، والذي يؤثر على حوالي 75% من السكان، في ظل ارتفاع التضخم بمعدلات تتراوح بين 7% و9% في السنوات الأخيرة؛ بسبب استمرار ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة الذي يُضعف القدرة الشرائية لمعظم السكان.

ومن الناحية السياسية؛ اتسمت مدغشقر منذ استقلالها عام 1960 بعدم الاستقرار السياسي والانقلابات المتكررة وتغير التحالفات؛ إذ شهدت أول انقلاباتها عام 1972، والذي أطاح بأول رئيس، "فيليبرت تسيرانانا"، وسط احتجاجات واضطرابات اجتماعية.

وشهدت العقود اللاحقة عدة اضطرابات عسكرية وسياسية، بما في ذلك صعود ديدييه راتسيراكا عام 1975، الذي حكم كقائد عسكري اشتراكي حتى أجبرته انتفاضة عام 1991 على الانتقال إلى التعددية السياسية والديمقراطية الهشة، والتي اتسمت لاحقا بالانتخابات المتنازع عليها، والنزاعات على السلطة.

وكان الانقلاب السياسي المدعوم من قبل وحدة "كابسات" عام 2009 أبرز الانقلابات في الذاكرة الحديثة بمدغشقر؛ إذ رفضت الوحدة العسكرية النخبوية، التي تسيطر على اللوجيستيات والأفراد والإدارة للقوات المسلحة، دعم إجراءات إدارة الرئيس، مارك رافالومانانا ضد الاحتجاجات المناهضة لها والتي قادها زعيم المعارضة أندريه راجولينا آنذاك.

إعلان

ومن خلال الاستيلاء على طريق رئيسي وإدارة ظهرها عن رافالومانانا، أشارت "كابسات" إلى بقية قوات الأمن بأن رافالومانانا، قد فقد السيطرة على الجهاز العسكري، مما أدى إلى الإطاحة به، وتنصيب زعيم المعارضة راجولينا رئيسا للسلطة الانتقالية العليا.

وفي عهد الرئيس أندريه راجولينا، استمر الجدل السياسي رغم ما شهدته مدغشقر من جهود إصلاحية؛ إذ وعدت إدارته بمعالجة الفساد وتحسين الاقتصاد، ولكنها واجهت انتقادات لتوجهاتها التعسفية وفشلها في تحقيق تحسينات جوهرية للمواطنين الملغاشيين البسطاء، كما اتسمت فترة حكمه بتوتر العلاقات مع المعارضين السياسيين. وبعد فترة وجيزة من غيابه عن السلطة عقب انتخابات عام 2013، أُعيد انتخابه رئيسا عام 2018 وسط استقطاب سياسي ونتائج متنازع عليها.

أندريه راجولينا وعلاقته بفرنسا

كانت علاقة الرئيس راجولينا المطاح به الأسبوع الماضي محل نقاشات واسعة في مدغشقر؛ إذ يُنتقد من قبل العديد من الملغاشيين بـ "دمية في يد فرنسا" نظرا لتصورهم بأنه يخدم المصالح الفرنسية، ويُقوض سيادة مدغشقر.

وفي حين يرتبط هذا الاستياء بذكرى التاريخ الاستعماري الفرنسي في البلاد، فإنه يتعلق أيضا بأحداث مختلفة منذ 2011 تقريبا عندما كان الرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي، أول رئيس دولة أجنبية يعترف بـ "راجولينا" رئيسا بعد انقلاب 2009، مما منحه نوعا من الشرعية.

وهناك مزاعم بأن راجولينا تلقى مساعدات مالية من ساركوزي؛ دعما للاحتجاجات التي قادها كزعيم المعارضة عام 2009، وتأمينا للدعم العسكري للانقلاب.

وقد سعت إدارة راجولينا أيضا نحو فرنسا للحصول على دعم للتنمية الاقتصادية والبنية التحتية والتعليم والأمن، ومنحت عقودا كبرى لشركات فرنسية، مما غذّى حالة الاستياء في مدغشقر، كما أن هناك اتفاقيات دفاعية وتجارية راسخة بين فرنسا والبلاد.

وتُحافظ باريس على وجود عسكري في منطقة جنوب المحيط الهندي، مثل "القوات المسلحة لمنطقة جنوب المحيط الهندي" (FAZSOI) التي تعد إحدى الأدوات العديدة التي تستخدمها باريس؛ لتعزيز التعاون الإقليمي ودعم نفوذها الإقليمي، بما في ذلك مع مدغشقر.

على أن أكبر الحوادث التي صعّدت الاستياء العام وعدم الثقة في إدارة راجولينا قضية جنسيته الفرنسية المخفية. إذ كشفت تقارير إعلامية عام 2023 أن راجولينا حصل على الجنسية الفرنسية قبل تسع سنوات، وتحديدا في 2014.

وقد اعتبر العديد من الملغاشيين عدم الكشف عن جنسيته الفرنسية خيانة عظمى للبلاد. فكان موقف المعارضة سحب جنسيته الملغاشية، واستبعاده من الانتخابات الرئاسية عام 2023، التي فاز بها رغم مقاطعة المعارضة، وضعف الإقبال من الملغاشيين.

وقد عزز شعور كون راجولينا عميلا فرنسيا، في الأيام الماضية، نقله من مدغشقر على متن مروحية أو طائرة عسكرية فرنسية، تزامنا مع إعلان العفو الرئاسي عن مواطنين فرنسيين مسجونين في مدغشقر بتهم محاولة الانقلاب الفاشل في عام 2021، مما أثار تكهنات بشأن وجود صفقة مع فرنسا لإجلائه، وسط احتجاجات متصاعدة مناهضة لحكومته. وقد أدى هذا إلى رفع المحتجين لافتات تطلب خروج فرنسا وماكرون وراجولينا من البلاد.

الجيل زد والاحتجاج ضد الظروف السوسيواقتصادية والفساد

شهدت فترة ولاية راجولينا الثانية تزايد الاستياء العام؛ بسبب الصعوبات الاقتصادية، ومشاكل البنية التحتية، وتحديات الحوكمة. وبلغ الوضع ذروته في خروج الاحتجاجات الجماهيرية التي قادتها حركة الشباب "الجيل زد مدغشقر"، وبدأت 25 سبتمبر/أيلول 2025 كصرخة ضد الانقطاع المزمن والمعيق للمياه والكهرباء في العاصمة أنتاناناريفو.

وسرعان ما تفاقمت المظالم الأولية إلى تمرد منهجي أججه إحباط الشباب من الفقر وعدم المساواة وعقود من الإهمال الحكومي، إلى جانب محدودية فرص العمل، وصعوبة الحصول على التعليم العالي.

إعلان

وهكذا توسعت المطالب الرئيسية للمحتجين لتشمل استقالة راجولينا، وحل البرلمان، واستبدال أعضاء المحكمة الدستورية العليا، واللجنة الانتخابية مع شن حملة شاملة على الفساد والمحسوبية السياسية.

وتتسم "الجيل زد" في مدغشقر باعتمادها الكبير على المنصات الرقمية، مما يعكس حركات شبابية أفريقية وعالمية مماثلة. وقد نسق نشطاؤها جهودهم عبر قنوات مشفرة مثل "ديسكورد" و "سيغنال"، واستخدموا منصات عامة مثل فيسبوك وإنستغرام للتعبئة الجماهيرية، متجاوزين الهياكل السياسية، ووسائل الإعلام التقليدية.

كما اعتمدت الحركة رموزا ثقافية، أبرزها علَم الجمجمة والعظمتين، المتقاطعتين المُعدل من مسلسل الأنمي الياباني "ون بيس"، مُستبدلة قبعة القش بقبعة دلو الملغاشية التقليدية، مما يُبرز الطابع الحديث للحركة واستلهامها من انتفاضات الشباب الحديثة في دول مثل نيبال وإندونيسيا.

وقد تراوح رد الرئيس راجولينا على الاحتجاجات بين الإقالة في البداية، والمناورات السياسية التنازلية، والحملة الأمنية الصارمة، ومحاولة فرض سلطته قبل الفرار من البلاد.

ففي المرحلة الأولى من الاحتجاجات، حاول تهدئة الغضب الشعبي من خلال معالجة بعض المظالم الجوهرية والمباشرة؛ إذ في 29 سبتمبر/أيلول 2025، أقر علنا بالأزمة، وقدم تنازلا كبيرا بإعلان حل حكومته بالكامل، بمن في ذلك رئيس الوزراء، وعين الجنرال روفين فورتونات زافيسامبو، رئيسا للوزراء في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2025، في خطوة للتأكيد على جديته وضم شخصية قوية مدعومة عسكريا إلى السلطة التنفيذية. وكلف رئيس الوزراء الجديد علنا باستعادة النظام وثقة الشعب. كما سعى راجولينا إلى إيجاد مساحة للحوار مع الشباب المحتجين.

ومع ذلك، رفضت الحركة العرض، معتبرة إياه صرفا غير كافٍ عن الحاجة إلى تغيير النظام، ومضت قدما في مطالبها باستقالة راجولينا الكاملة، وإصلاحات مكافحة الفساد.

وحدة "كابسات" ودورها المتكرر كصانع الملوك

تتمثل نقطة التحول الحاسمة في الاحتجاجات الأخيرة في انشقاق وحدة "كابسات" التي رفضت الامتثال لأوامر الرئيس راجولينا بقمع المحتجين، وانضمت بدلا من ذلك إليهم. وهذه سمة متكررة في انقلابات مدغشقر.

وبصفته من كبار الضباط في "كابسات"، سجل الكولونيل مايكل راندريانيرينا (البالغ من العمر 51 عاما) مقطع فيديو في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2025، حث فيه قوات الأمن في مدغشقر على عصيان أوامر إطلاق النار على المحتجين، داعيا الجنود إلى حمايتهم بدلا من ذلك، وواصفا أوامر القمع بأنها غير قانونية. وقد لاقى هذا النداء صدى داخل الجيش الملغاشي، ودفع العديد من جنود "كابسات" إلى الانضمام إلى الاحتجاجات.

بعد إعلان راندريانيرينا، سيطرت "كابسات" على القوات المسلحة في جميع أنحاء البلاد. وأدى تأثير الانحياز إلى المحتجين إلى عزل الرئيس راجولينا سياسيا وعسكريا، ففرّ من البلاد بدعوى محاولة اغتياله، بينما انضمت عناصر أمنية أخرى مثل الدرك والشرطة رسميا إلى الحركة المناهضة لحكومته، كما صوتت الجمعية الوطنية على عزله لـ "فراره من الخدمة"، وهو ما حسم سقوطه. ومن ثم أعلن راندريانيرينا سيطرته على البلاد، وحل جميع المؤسسات باستثناء الجمعية الوطنية، وأدى اليمين الدستورية رئيسا مؤقتا، متعهدا بتشكيل حكومة انتقالية ووحدة وطنية.

وفي حين أبدى راندريانيرينا إرادته ضم أعضاء من الجيل زد المحتجة لإدارته، وانتخبت الجمعية الوطنية زعيم المعارضة سيتيني راندرياناسولونيايكو رئيسا جديدا لها؛ فإن النظر إلى الطبيعة السياسية الهشة لمدغشقر وتكرار دور وحدة "كابسات" في حسم الأزمات السياسية وإيصال من تؤيدها إلى سدة الحكم، يجعل البعض ينظرون إلى الاحتجاجات الأخيرة وشكاوى الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية على أنها مجرد عوامل سهلت تحقيق حلم الكولونيل راندريانيرينا في المقعد الرئاسي، ومحفزات لاستيلائه على السلطة، وخاصة أنه- أي الكولونيل راندريانيرينا- تولى رئاسة البلاد رغم أن الدستور استلزم أن يتولى رئيس البرلمان المنصب الرئاسي.

وقبل الانقلاب، كان راندريانيرينا مجهولا نسبيا لعامة الناس. شغل سابقا منصب حاكم منطقة "أندروي" من 2016 إلى 2018 خلال رئاسة هيري راجاوناريمامبيانينا (رئيس مدغشقر السابع من 2014 إلى 2018)، كما قاد كتيبة مشاة في "توليارا" حتى يوليو/تموز 2022، وترأس لاحقا وحدة "كابسات".

وكان من أشد منتقدي الرئيس راجولينا، كما أُلقي القبض عليه في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 بتهمة محاولة قيادة تمرد عسكري والتخطيط لانقلاب، ولكن أُطلق سراحه في أوائل 2024 مع وقف التنفيذ.

إعلان ما الذي يعنيه التطور الأخير؟

إن المفارقة في رفض "كابسات" أوامر الرئيس المعزول راجولينا، والانحياز للمحتجين مع الإطاحة به؛ أن هذه الوحدة النخبوية العسكرية هي نفسها التي أوصلت راجولينا إلى السلطة في انقلاب 2009.

وكذلك تحول الكولونيل راندريانيرينا لإعادة تنظيم الصفوف العسكرية لتواكب الأجيال الجديدة، وخاصة أن مؤيدي تحركاته ومنتقدي إدارة راجولينا يرون أن تحركاته استجابة لمطالب شعبية، وليست محاولة انقلاب تقليدية.

ومع ذلك، يبرز تورط "كابسات" في أحداث عامي 2009 و12 أكتوبر/تشرين الأول 2025، نمطا متكررا يتمثل في تصرف الوحدة النخبوية العسكرية كصاحب حُكم أو قرار سياسي نهائي، يمهد الاستياءُ الشعبي له الطريق.

وهناك من المحتجين من ينظرون إلى استيلاء الجيش على السلطة على أنه "نصف نصر"، ويتوقعون الآن من الحكومة الانتقالية تسريع معالجة القضايا الاجتماعية والاقتصادية. وقد يؤدي عدم القيام بذلك (وعدم اليقين المُحيط بمدة الفترة الانتقالية والإطار القانوني للانتخابات الجديدة) إلى موجة جديدة من عدم الاستقرار، وخاصة أن الرئيس الجديد الكولونيل راندريانيرينا، أعلن عن فترة انتقالية (مع الحديث عن مدة تصل إلى عامين)، مما قد يخلق أزمة دستورية، لا سيما مع إصدار المحكمة الدستورية العليا بيانا متضاربا يدعو إلى إجراء انتخابات خلال 60 يوما.

وباعتبار أن عدم الاستقرار السياسي يعيق الاستثمار الأجنبي ويقوض الانتعاش الاقتصادي، وبصفة مدغشقر موردا عالميا رئيسيا للفانيليا والمعادن الأساسية (مثل الجرافيت والنيكل)، يُمكن لإطالة مدة الأزمة السياسية أو تجددها أن تعطل سلاسل التوريد العالمية، وتهدد مشاريع التعدين الأميركية وحلفائها. هذا، إلى جانب أن نهج النظام الجديد تحت قيادة راندريانيرينا تجاه هذه القطاعات الحيوية لا يزال مجهولا.

ويُمثل نجاح حركة الشباب في إجبار رئيس على التنحي أو الفرار، حتى مع التدخل العسكري، سابقة قوية؛ إذ يُراقب هذا التطور من كثب في جميع أنحاء أفريقيا، حيث تنشط احتجاجات مماثلة يقودها الشباب مدفوعة بالإحباط الاقتصادي، ومشاعر مناهضة للفساد.

والنجاح الذي حققته هذه الاحتجاجات الشبابية في الإطاحة بـ "راجولينا" قد يُلهم حركات لتجدد حراكاتها الاحتجاجية المُناهضة للحكومات في دول أفريقية أخرى تُعاني من سوء الإدارة والتحديات الأخرى.

ويُشكل الانقلاب الجديد تحديا مباشرا للكتلة القارية: الاتحاد الأفريقي، والكتلة الإقليمية: "مجموعة تنمية الجنوب الأفريقي" (سادك)، اللتين تنتهجان سياسة عدم التسامح المطلق مع التغييرات غير الدستورية للحكومات؛ إذ يعني وقوع انقلاب جديد في جنوب شرق أفريقيا (بعد عدة انقلابات في منطقة الساحل)، أن أمامهما اختبارا جديدا صعبا حول مدى مصداقية الكتلتين وفاعلية إطارهما في إنفاذ المبادئ الديمقراطية والتوسط في الأزمات. وستواجهان ضغوطا لتنسيق استجابتهما والدفع نحو عودة قصيرة وواضحة للحكم المدني.

ويؤثر عدم الاستقرار السياسي بشكل مباشر على الوصول العالمي إلى المعادن الحيوية في مدغشقر، حيث يضع المصالح الأميركية، والصينية، والروسية في المحيط الهندي تحت المجهر.

وقد يُنشئ ساحة جديدة للمناورة الجيوسياسية، وخاصة أن هناك ملامح غير واضحة بعدُ تؤشر على إمكانية تغيير هذه الأزمة السياسية نفوذ اللاعبين الدوليين الرئيسيين، وخاصة فرنسا التي احتفظت بنفوذ قوي في عهد راجولينا، حيث تجاوز حجم التجارة الثنائية بين باريس وأنتاناناريفو 1.1 مليار دولار سنويا في السنوات الثلاث الماضية.

وأصبح الرئيس إيمانويل ماكرون أول رئيس فرنسي يزور مدغشقر منذ ما يقرب من 20 عاما عندما زارها في أبريل/نيسان 2025 لإتمام اتفاقيات الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا والسياحة، مُعربا خلال زيارته عن اهتمامه بتطوير سلاسل التوريد والشراكة في المعادن الحيوية.

وعليه، قد يُغير الانقلاب العسكري مصالح فرنسا، لا سيما أن الانقلاب يتبع نمطا شوهد في العديد من المستعمرات الفرنسية السابقة في أفريقيا منذ 2020، مثل بوركينا فاسو، والنيجر، مما قد يعزز تنامي المشاعر المعادية لفرنسا في القارة.

وفي حين يبدو وكأن قائد الانقلاب والرئيس الجديد، الكولونيل راندريانيرينا، سينأى بنفسه عن الإرث الاستعماري نظرا للافتات المحتجين الشباب ضد فرنسا، ورفض رد راندريانيرينا باللغة الفرنسية خلال مقابلة له بعد الانقلاب، مُظهرا أولوية اللغة الملغاشية، إلا أن ذلك لا يثبت موقفا قاطعا معاديا لفرنسا، حيث إن حضور السفير الفرنسي في مدغشقر حفل تنصيبه يُشير إلى استمرار العلاقات الرسمية.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: غوث حريات دراسات أندریه راجولینا الرئیس راجولینا المحیط الهندی عدم الاستقرار مدغشقر على على السلطة فی مدغشقر العدید من من البلاد وخاصة أن الجیل زد فی عام

إقرأ أيضاً:

عن الجريمة التي هزّت عنجر... توقيف سوريّ وهذا ما توصّلت إليه التحقيقات

بعد أقل من 24 ساعة على الجريمة المروّعة التي شهدتها بلدة عنجر وذهبت ضحيتها المسنّة سيراداي كاربيت دومانيان، علم "لبنان 24"، أنّه تمّ توقيف السوري ن.ش، وبوشرت التحقيقات معه بإشراف القضاء المختص.
وأفادت المعلومات بأن التحقيقات التي أجرتها مخابرات البقاع كشفت عن تورّط شخصين آخرين في عملية اقتحام منزل الضحيّة وطعنها، وهما سوريان كانا قد عملا سابقًا في تنظيف منزلها، وتركيب المدافئ الشتوية لها.     كما تبيّن من التحقيقات أن الضحية وشقيقتها فقدا قبل نحو أسبوع مفتاح أحد الأبواب الخلفية للمنزل، وقد تمّ استخدامه للدخول إلى البيت وتنفيذ الجريمة.           مواضيع ذات صلة دراسة عن سرطان الرئة.. هذا ما توصلت اليه Lebanon 24 دراسة عن سرطان الرئة.. هذا ما توصلت اليه 21/10/2025 18:03:38 21/10/2025 18:03:38 Lebanon 24 Lebanon 24 توقيف لبنانيّ في روسيا... وهذا ما كشفته التحقيقات Lebanon 24 توقيف لبنانيّ في روسيا... وهذا ما كشفته التحقيقات 21/10/2025 18:03:38 21/10/2025 18:03:38 Lebanon 24 Lebanon 24 تطور جديد في قضية فضل شاكر.. هذا آخر ما توصلت إليه التحقيقات Lebanon 24 تطور جديد في قضية فضل شاكر.. هذا آخر ما توصلت إليه التحقيقات 21/10/2025 18:03:38 21/10/2025 18:03:38 Lebanon 24 Lebanon 24 في طيرحرفا ومجدل عنجر... هذا ما سيفعله الجيش Lebanon 24 في طيرحرفا ومجدل عنجر... هذا ما سيفعله الجيش 21/10/2025 18:03:38 21/10/2025 18:03:38 Lebanon 24 Lebanon 24 قد يعجبك أيضاً "تشات جي بي تي" يتحدث عن "الحزب".. ماذا قال؟ Lebanon 24 "تشات جي بي تي" يتحدث عن "الحزب".. ماذا قال؟ 18:00 | 2025-10-21 21/10/2025 06:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 اعتداء على ناشطين بيئيين في عمشيت Lebanon 24 اعتداء على ناشطين بيئيين في عمشيت 17:52 | 2025-10-21 21/10/2025 05:52:29 Lebanon 24 Lebanon 24 لإحياء الذاكرة السينمائية.. مشاريع مشتركة بين وزارة الثقافة وجامعة اللويزة Lebanon 24 لإحياء الذاكرة السينمائية.. مشاريع مشتركة بين وزارة الثقافة وجامعة اللويزة 17:47 | 2025-10-21 21/10/2025 05:47:20 Lebanon 24 Lebanon 24 منسى التقى ضباط المفتشية العامة.. ويحث بشأن تحسين أوضاع العسكريين Lebanon 24 منسى التقى ضباط المفتشية العامة.. ويحث بشأن تحسين أوضاع العسكريين 17:42 | 2025-10-21 21/10/2025 05:42:19 Lebanon 24 Lebanon 24 تقرير إيراني: عزلة الجمهورية الإسلامية تتفاقم.. وهذا وضع "حزب الله" Lebanon 24 تقرير إيراني: عزلة الجمهورية الإسلامية تتفاقم.. وهذا وضع "حزب الله" 17:30 | 2025-10-21 21/10/2025 05:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة لمستخدمي "واتسآب" في لبنان.. تحذيرٌ مهم Lebanon 24 لمستخدمي "واتسآب" في لبنان.. تحذيرٌ مهم 21:34 | 2025-10-20 20/10/2025 09:34:58 Lebanon 24 Lebanon 24 منذ ساعات.. ماذا تشهد بيروت والضاحية؟ Lebanon 24 منذ ساعات.. ماذا تشهد بيروت والضاحية؟ 18:13 | 2025-10-20 20/10/2025 06:13:23 Lebanon 24 Lebanon 24 ماذا كشف "ChatGPT" عن "حزب الله"؟ إقرأوا الخبر Lebanon 24 ماذا كشف "ChatGPT" عن "حزب الله"؟ إقرأوا الخبر 20:00 | 2025-10-20 20/10/2025 08:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 "توجعت كتير بس صرت منيحة"... إليكم ما حصل مع مذيعة الـ"أم تي في" (صور) Lebanon 24 "توجعت كتير بس صرت منيحة"... إليكم ما حصل مع مذيعة الـ"أم تي في" (صور) 14:10 | 2025-10-21 21/10/2025 02:10:00 Lebanon 24 Lebanon 24 هي فارقت الحياة وشقيقها أصيب.. هذا ما حصل في عنجر بدافع السرقة (صور) Lebanon 24 هي فارقت الحياة وشقيقها أصيب.. هذا ما حصل في عنجر بدافع السرقة (صور) 08:23 | 2025-10-21 21/10/2025 08:23:27 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك أيضاً في لبنان 18:00 | 2025-10-21 "تشات جي بي تي" يتحدث عن "الحزب".. ماذا قال؟ 17:52 | 2025-10-21 اعتداء على ناشطين بيئيين في عمشيت 17:47 | 2025-10-21 لإحياء الذاكرة السينمائية.. مشاريع مشتركة بين وزارة الثقافة وجامعة اللويزة 17:42 | 2025-10-21 منسى التقى ضباط المفتشية العامة.. ويحث بشأن تحسين أوضاع العسكريين 17:30 | 2025-10-21 تقرير إيراني: عزلة الجمهورية الإسلامية تتفاقم.. وهذا وضع "حزب الله" 17:10 | 2025-10-21 جلسة لمجلس الوزراء في قصر بعبدا... إليكم جدول أعمالها فيديو في الفاتيكان.. بدء مراسم إعلان قداسة المطران إغناطيوس مالويان Lebanon 24 في الفاتيكان.. بدء مراسم إعلان قداسة المطران إغناطيوس مالويان 10:16 | 2025-10-19 21/10/2025 18:03:38 Lebanon 24 Lebanon 24 ساعة ذكية جديدة من Oppo.. هذه مواصفاتها (فيديو) Lebanon 24 ساعة ذكية جديدة من Oppo.. هذه مواصفاتها (فيديو) 08:00 | 2025-10-18 21/10/2025 18:03:38 Lebanon 24 Lebanon 24 تجارة الحيوانات منتشرة وبقوة.. أُسود من لبنان إلى أفريقيا! Lebanon 24 تجارة الحيوانات منتشرة وبقوة.. أُسود من لبنان إلى أفريقيا! 11:30 | 2025-10-17 21/10/2025 18:03:38 Lebanon 24 Lebanon 24 Download our application مباشر الأبرز لبنان فيديو خاص إقتصاد عربي-دولي متفرقات أخبار عاجلة Download our application Follow Us Download our application بريد إلكتروني غير صالح Softimpact Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24

مقالات مشابهة

  • ماذا يحدث لضغط دمك عند إضافة المغنسيوم إلى نظامك الغذائي؟
  • عن الجريمة التي هزّت عنجر... توقيف سوريّ وهذا ما توصّلت إليه التحقيقات
  • من الصعود للتراجع.. ماذا يحدث في المعدن الأصفر؟
  • ماذا يحدث عند تناول القلقاس؟.. فوائد مذهلة ونصائح مهمة قبل الطهي
  • إن غاب الأب ماذا يحدث للأطفال؟ حضوره لا يقل عن الأمهات
  • ماذا يحدث لنومك عند تناول الشوكولاته قبل الذهاب للفراش؟
  • إجازة قسرية لموظفي الأمن النووي في أمريكا.. ماذا يحدث في واشنطن؟
  • ماذا يحدث لجسمك عند التوقف عن تناول الخبز والفينو؟
  • ماذا يحدث للجسم عند تناول 3 حبات من الجوز يوميا؟