قراءة في مضامين خطاب السيد القائد باستشهاد القائد الكبير محمد عبدالكريم الغماري
تاريخ النشر: 22nd, October 2025 GMT
يمانيون | تحليل
شهدت الساحة اليمنية يوم الاثنين تشييع الفريق الركن محمد عبدالكريم الغماري لحظة مفصلية جاءت محملة بالدلالات السياسية والرمزية.
في كلمته بمناسبة الاستشهاد، استخلص قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي “نصره الله” مجموعة محاور مركزية تشكل خريطة المعنى التي يريد أن يرسخها في الوجدان العام: تجذّر الرابط الشعبي بالجيش، تقديس الشهادة والهوية الجهادية، تقييم واقع الأمة والجيوش العربية، الاحتفاء بالإنجازات الوطنية في البُنية العسكرية، والاحتفاظ بخط تصعيدي رادع إزاء العدو.
الحضور الشعبي كقوة معنوية وسياسية
افتتح السيد القائد الخطاب من حيث انتهى مشهد التشييع: بالحضور الشعبي الواسع كدليل على تماسك المجتمع وتجانسه مع المؤسسة العسكرية. لم يقدّم القائد هذا المشهد كطقس عزاء فحسب، بل كرسالة سياسية مفادها أن المؤسسة المسلحة ليست كيانًا منفصلًا عن الشعب بل امتدادٌ له ومرآة لتوجهاته وقيمه.
هذه القراءة تُحوّل التشييع إلى فعل سياسي يقرأ باللغتين الرمزية والواقع الميداني، ويذهب بالخطاب من مقولة “خسارة فردية” إلى “درس جماعي” في المواجهة والثبات.
الشهادة والهوية القرآنية: مدرسة تربية وصياغة للمواقف
كرّس السيد القائد في الخطاب مكانة الشهادة كخاتمة مشروعة للحياة وبوابة لتمجيد القيم والفضائل : الإخلاص، الصبر، المبادرة، الابتكار، وحسن الخلق. الغماري عرض في الخطاب كنموذجٍ للتربية الإيمانية التي تصنع قادة لا يخضعون لحسابات القوة المادية فقط، بل للحسابات القيمية والقرآنية التي تشكّل “رؤية” وحافزًا للعمل.
بهذه الصيغة يتحوّل الشهيد إلى مُدرِّسٍ للأجيال، وإلى أداة تثقيفية تُبرّر استمرار المسار.
قراءة جيوسياسية: نقد للأداء العربي وإعادة تعريف مفهوم القوة
من أبرز مضامين الخطاب النقد الصريح لغياب الجيوش العربية والإسلامية أو ضعف أثرها، مع تحميل هذا الغياب سببَه إلى حسابات الإمكانات ونسيان البُعد الإيماني والروحي في مواجهة عدوان استثنائي.
القائد يسحب الخيط إلى توصيف سياسات “التسوية” و”التأقلم” بأنها مسارات فاشلة تقود إلى تبعية ومَهانة، ويقدّم موقف اليمن باعتباره نموذجا مضادًا يعتمد على التعبئة الشعبية والقدرات الذاتية. هذا الإطار يقرأ الصراع كميدان اختبارات للولاءات والرؤى أكثر من كونه مجرد ميزان قوى تقليدي.
الإنتاج الحربي والقدرة الذاتية: نقطة قوة
جاء في الخطاب الحديث بما أسماه “الإنجازات الحربية” المحلية — من تصنيع صغير كالأسلحة الفردية إلى منظومات متقدمة كالطائرات المسيّرة والصواريخ — كدليلٍ على قدرة البلد على صناعة أدوات المواجهة والاعتماد على الذات.
هذا البُعد له مردودان: داخلي يطمئن قواعد الخطاب ويعزّز الثقة، وخارجي يوجّه رسالة الردع للخصوم بأن القدرة على الصمود والتصعيد متاحة ومتصاعدة.
الاستعداد للتصعيد كأفق استراتيجي
من المحاور العملية في الخطاب ما يرتبط بتحذيرٍ واضح: الاستعداد للعودة إلى العمليات ورفع مستوى التصعيد إذا ما تواصلت “الإبادة” والجرائم ضد الشعب الفلسطيني.
هذه النغمة تُبقي باب التحرك العسكري والسياسي مفتوحًا كأداة ضغط واستجابة في آن واحد، وتُقرّنها بالدعوة للاستمرار في التعبئة والتأهيل والتدريب. بهذا تصبح الجاهزية مفهوماً ديناميكياً مرتبطاً بوقائع الميدان والمعايير الأخلاقية التي حددها الخطاب.
الخطاب كمشروع تربية وسياسة: أي أثر على الداخل والخارج؟
خطاب القائد هنا مؤسّس على مفهومين مترابطين: أولاً، أن السياسات الكبرى تُبنى على قوالب قيمية ودينية (الهوية القرآنية والجهادية)؛ وثانياً، أن الاستمرار في المواجهة يتطلب مزيجًا من التعبئة الشعبية والقدرة التقنية.
داخليًا، يعمل هذا الخطاب على تقوية اللحمة بين المجتمع والجيش وشرعنة خيارات الصراع. خارجيًا، يرسل رسالة مزدوجة: رفض التنازل، واستعداد ملموس للردع.
خاتمة
خطاب السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي “رعاه الله” في استشهاد الفريق الركن هاشم الغماري لم يكتفِ بتأبينة قائداً عسكرياً؛ بل وظّف الحدث ليكرّس رواية تاريخية وسياسية: شعبٌ موحد، جيشٌ امتدادٌ له، شهادةٌ نموذجٌ لمعنى الارتقاء، وقدرةٌ وطنية في البناء العسكري، ورفضٌ قاطع للمهادنة مع العدوّ.
القراءة لهذا الخطاب تكشف أنه ليس مجرد خطاب عزاء، بل خارطة مقاصد سياسية وتربوية واستراتيجية تُراد منها إعادة إنتاج مشهد القوة والمعنى في زمن متقلب.
———————————————————————————————-
عبدالمؤمن محمد جحاف
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: فی الخطاب
إقرأ أيضاً:
في وداع السيد القائد للشهيد الغماري .. راية الجهاد ستبقى مرفوعة ومعركتنا مستمرة
ألقى السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، حفظه الله، كلمة مؤثرة وشاملة عقب مراسم التشييع الحاشدة التي أقيمت للشهيد القائد محمد عبد الكريم الغماري، رئيس هيئة الأركان العامة، الذي ارتقى إلى الله شهيداً في معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس، وتضمنت الكلمة مجموعة من الرسائل والدلالات الاستراتيجية التي ترسم أبعاد المشهد العسكري والسياسي والإقليمي الراهن
يمانيون / خاص
أكد السيد القائد أن الحضور الشعبي الواسع في تشييع الشهيد الغماري لم يكن مجرد مشاركة عاطفية، بل تعبير عميق عن تجذر العلاقة بين الشعب اليمني ومؤسساته العسكرية، باعتبارها يده الضاربة التي تعبّر عن طموحه وتطلعاته، هذه العلاقة، كما وصفها حفظه الله، حميمية ومبنية على الثقة والدم، حيث يرى الشعب نفسه في صورة جيشه ومقاومته.
وكرر السيد القائد في خطابه التأكيد على أن معركة اليمن، في دعمه لفلسطين، هي جهاد مقدس يستند إلى شرعية دينية وأخلاقية، وهي ليست خيارًا سياسيًا فحسب، بل التزام إيماني، وبهذا يعيد السيد القائد تأطير المواجهة في إطار الفتح الموعود ضد طاغوت العصر ، أمريكا وإسرائيل، معتبرًا الشهيد الغماري وأمثاله عنوانًا للصمود الصادق.
وفي خضم الحرب المفتوحة، شدد السيد القائد على أن اليمن قدّم خلال عامين من المواجهة المباشرة مع التحالف الصهيوني – الأمريكي، شهداء ودماء وموارد في سبيل نصرة فلسطين، دون منّة أو تردد، وقدّم النموذج الأكثر التزامًا من بين دول وشعوب الأمة، ليكون الموقف اليمني شرفًا وكرامة لا هامشيًا أو متهورًا”.
استخدم السيد القائد مفردات صارمة في توصيف معسكرات الخصوم، مؤكدًا أن كل من تحرك في دعم الكيان الإسرائيلي أو في صمت المتواطئين هو في موقف مخزٍ ومعيب وعار عليهم، مقابل الشرف والمجد الذي يناله المجاهدون ومن ساند القضية الفلسطينية، في إطار الحق مقابل الباطل، الإيمان مقابل النفاق.
ربط السيد القائد بين حجم التضحيات واستمراريتها وبين صدق الموقف، معتبرًا أن الدماء التي قدمها الشعب اليمني، لا سيما في بداية المواجهة ومع كل تصعيد، هي البرهان الأوضح على أنه شعب لا يساوم في قضاياه ولا يتراجع مهما كانت التكاليف، هذه الرسالة تعكس حرص القيادة على الحفاظ على الروح التعبوية العالية في صفوف المقاتلين والجماهير.
حملت كلمة السيد القائد يحفظه الله رسائل موجهة إلى الداخل اليمني لتجديد التماسك الشعبي خلف الجيش والقيادة، وإلى الخارج لتحذير الأعداء من أن معركة الفتح الموعود لم تنته، بل تدخل مرحلة أكثر حسمًا واستعدادًا للتضحيات.
مؤكداً أن اليمن لن يكون إلا في معسكر الأمة الحر، وأن دماء الشهداء ستظل وقودًا لمعركة لا تقبل بأنصاف المواقف.