قراءة تحليلية في نتائج انتخابات مجلس الشعب السوري
تاريخ النشر: 22nd, October 2025 GMT
أظهرت نتائج انتخابات مجلس الشعب السوري جملة من المعطيات السياسية والاجتماعية التي كشفت عن ملامح عامة لطريقة تعاطي السوريين مع أول تجربة انتخابية محدودة منذ أكثر من ستة عقود، ويمكن من خلال تحليل نتائج الانتخابات فهم ديناميات السلوك الاجتماعي ما بعد التحرير؛ التي تتحكم بمزاج الناخب وأولوياته.
في البداية لا بد من الإشارة إلى أن الانتخابات لم تكن انتخابات شعبية عامة، بل كانت وفق نموذج الهيئات الناخبة التي تم تشكيلها ابتداء بناء على التزكيات، ثم تنافس المترشحون لعضوية المجلس ضمن إطار الهيئة الناخبة، وهو النموذج الهجين الأكثر فاعلية في ظل غياب البنية التحتية للانتخابات على مستوى المعلومات الإحصائية؛ بسبب التغييرات الكبيرة التي طرأت خلال سنوات الثورة على بيانات السجلات المدنية وعناوين إقامة السكان وغير ذلك.
الانتخابات لم تكن انتخابات شعبية عامة، بل كانت وفق نموذج الهيئات الناخبة التي تم تشكيلها ابتداء بناء على التزكيات، ثم تنافس المترشحون لعضوية المجلس ضمن إطار الهيئة الناخبة، وهو النموذج الهجين الأكثر فاعلية في ظل غياب البنية التحتية للانتخابات
ويمكن قراءة النتائج النهائية لهذه الانتخابات في سياقات اجتماعية وثورية ضمن ثلاثة نماذج سيتناول المقال تحليلها بصورة إجمالية:
النموذج الأول: نموذج انتخابات دمشق؛ حيث فازت الكتل التي انبثقت من رحم جماعات دعوية في مقدمتها "جماعة زيد"، وأحياء ثورية بارزة في مقدمتها جوبر والقابون، ضمن تحالفات اجتماعية ودينية وثورية عززت بالمحصلة تواجد الشخصيات الثورية في المشهد، في حين فشلت قائمة الكفاءات الدمشقية من الحصول على أي مقعد، إلا مقعدا ينتمي صاحبة إلى القائمة وإلى جماعة زيد في آنٍ معا.
في هذا المشهد يمكن فهم دور الجماعات الدينية وأثر الانتشار الشعبي في المجتمع الدمشقي على أنه عنصر أساسي في خوض العملية السياسية، وأن الكفاءة السياسية ليست كافية إذا لم تعضدها قوة شعبية وامتداد اجتماعي وديني!
وبغض النظر عما إذا كان بيان "جماعة زيد" بعدم المشاركة في انتخابات مجلس الشعب قرارا تمت مخالفته، أو ترددا تم حسمه، أو تشتيتا -كما يزعم البعض- لكن المؤكد أن المرشحين استفادوا من العمق الشعبي للجماعة المعمّرة في المجتمع الدمشقي، وهذا يُظهر صعوبة منافسة الجماعات الدينية الممتدة حين تقرر خوض الانتخابات. حتى في السياسة التركية -على سبيل المثال- لطالما لعبت الجماعات الدينية دورا محوريا في حسم الانتخابات، وهو ما يفسر اهتمام الأحزاب التركية بكسب ودّ الجماعات الدينية عند كل استحقاق انتخابي.
سيتعاظم هذا المشهد فيما لو تم سنّ قانون الأحزاب السياسية في سوريا مستقبلا، ويحتدم التنافس بصورة أوضح لا سيما إذا تحوّلت الانتخابات إلى نموذج الانتخابات الشعبية العامة؛ حتى القيادة السورية التي ستخوض غالبا حينها الانتخابات بحزب خاص ستضطر إلى إعادة ترتيب الأولويات لتركز على الخدمات والتنمية للاقتراب وملامسة الحالة الشعبية.
أما النموذج الثاني فهو نموذج انتخابات ريف دمشق، حيث نجحت الكفاءات الثورية بالوصول إلى المجلس بأغلبية واضحة من خلال التفاهمات التي اشتملت على وعي متقدّم، قلّل عنصر المنافسة وغلّب عنصر التوافق ضمن الهيئات الانتخابية، وهو ما جعل النتائج محسومة بصورة كبيرة حتى قبل خوض الاستحقاق الانتخابي.
البرامج السياسية التي ركّز عليها المرشحون في هذه المرحلة بسيطة ومتوقعة، وذلك لوضوح الملفات ذات الأولوية وفي مقدمتها العدالة الانتقالية والخدمات الحياتية الأساسية، لكنها مع الوقت ستغدو أكثر تعقيدا مع اتضاح الحاجات الواسعة للشعب
في دائرة دوما مثلا، توافق أعضاء الهيئة الناخبة على ثلاثة مرشحين، وكذلك الأمر في دائرة الغوطة الشرقية. أما في دائر داريا فقد ظهر نموذج التوافق في صورة التنافس الشريف، حيث تنافس الصديقان المترشحان قبل أن يبارك الفائز منهما للآخر، فلا تدري مَن الفائز ومن الخاسر بينهما! كأنما يعتقدان أنهما فائزان بكل الأحوال..
في مقابل نموذج التوافق يبرز نموذج انتخابات بانياس، حيث لم يتمكن الأعضاء الذين ينتمون لخلفيات دينية وثورية -وهم أكثرية- من التوافق على مرشح، فتشتت أصواتهم وتمكّن مرشح من خلفية غير ثورية من الفوز بالمقعد المخصص، وهذا درس مهم للمستقبل في طريقة إدارة التوافقات والتحالفات قبل الوصول لصندوق الاقتراع.
من الجدير ذكره أن البرامج السياسية التي ركّز عليها المرشحون في هذه المرحلة بسيطة ومتوقعة، وذلك لوضوح الملفات ذات الأولوية وفي مقدمتها العدالة الانتقالية والخدمات الحياتية الأساسية، لكنها مع الوقت ستغدو أكثر تعقيدا مع اتضاح الحاجات الواسعة للشعب الذي خرج لتوّه من حرب طويلة على مستوى الواقع المعيشي والخدمات العامة والأمن الداخلي، وكذلك بالنسبة للأزمات الأساسية كالفقر والبطالة واستعادة الحقوق المدنية وغيرها، قبل أن تبرز قضايا السياسة الخارجية والملفات الإقليمية الأخرى..
بكل الأحوال فقد كانت التجربة السورية الأولى تجربة متقدمة في بلدٍ خرج لتوّه من استبداد مزمن وحرب طاحنة، وستكون هذه التجربة هي باكورة العمل السياسي وبداية مشوار إعادة بناء الدولة واستعادة سوريا من عمق التاريخ والجغرافيا.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء انتخابات مجلس الشعب المرشحين سوريا سوريا انتخابات مرشحين مجلس الشعب قضايا وآراء مدونات قضايا وآراء مدونات قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الجماعات الدینیة فی مقدمتها
إقرأ أيضاً:
نتائج الانتخابات الرئاسية في الكاميرون تُعلن الخميس
تتجه الأنظار في الكاميرون إلى قصر المؤتمرات في ياوندي، حيث يعقد المجلس الدستوري صباح بعد غد الخميس جلسة رسمية لإعلان النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية التي جرت في 12 من الشهر الجاري. وتنطلق الجلسة عند 10:30 بالتوقيت المحلي (09:00 بتوقيت غرينتش).
ومن المقرر أن ينظر المجلس خلال الجلسة في 3 طعون انتخابية تقدم بها مرشحو المعارضة: جوشوا أوسي عن الحزب الاجتماعي الديمقراطي، كابرال ليبي عن الحزب الجمهوري الشعبي، آدم ندوم نجوايا عن الاتحاد الديمقراطي الكاميروني، والذين طالبوا بإلغاء النتائج بدعوى وجود "خروقات" شابت العملية الانتخابية.
وفي المقابل، امتنع مرشح الجبهة الوطنية للتغيير عيسى تشيروما عن تقديم أي طعن، مؤكدا أن حزبه حقق فوزا واسعا في 18 دائرة انتخابية، لكنه اتهم مؤسسات الدولة بالسعي إلى "تزوير النتائج" لصالح الرئيس المنتهية ولايته بول بيا مرشح الحزب الحاكم.
وخلال أعمال لجنة الإحصاء الوطني للأصوات في قصر المؤتمرات، انسحب ممثل حزب تشيروما من القاعة، معتبرا أن استمرار المشاركة "لم يعد مجديا" في ظل ما وصفه بـ"انحياز" مسار العملية. وأوضح أحد مرافقيه أن قيادة الحزب هي التي وجهت بقرار الانسحاب.
وبهذا، تدخل الكاميرون مرحلة حاسمة من مسارها الانتخابي، حيث سيحسم المجلس الدستوري الجدل القائم بإعلان النتائج النهائية، وسط ترقب داخلي وخارجي لمآلات الاستحقاق الرئاسي.