بين سجن ساركوزي.. وسجن عمر البشير!
تاريخ النشر: 23rd, October 2025 GMT
بين سجن ساركوزي.. وسجن عمر البشير!
خالد أبو أحمد
منذ اللحظة التي شاهدتُ فيها خبر سجن الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي على الشاشات، والمشهد العجيب للناس تودّعه بالتصفيق والعناق الحار، دخلتُ في حالة تأمل غريبة، أقرب إلى التأمل الصوفي منها إلى السياسي.
هل هؤلاء بشر .. ونحن بشر؟!ساركوزي سُجن لأنه كما قالت العدالة الفرنسية تآمر لجمع أموال من ليبيا لتمويل حملته الانتخابية.
لاحظوا: تآمر لجمع أموال لا سرقها، ولا خبّأها تحت السرير، ولا بنى بها قصوراً، بل حتى التحقيق نفسه يؤكد أن تلك الأموال لم تدخل حسابه الشخصي أصلًا ومع ذلك دخل إلى السجن مثل أي مواطن عادي.
أما عندنا في السودان فبعد ثورة 2019، حين وقف المتحري في المحكمة وقال إن عمر البشير اعترف باستلامه تسعين مليون دولار من )السعودية( ومليون من )الإمارات(، لم يحدث شيء من هذا القبيل.
كل ما فعله البشير أنه هزّ رأسه وقال”هذه عطايا” كأنه يتحدث عن جوائز برنامج من سيربح المليون!
ثم تقفز إلى ذاكرتي تلك الخبطة الصحفية التي نشرتها في صحيفة الراكوبة سنة 2010، وكشفتُ فيها عن وجود تسعة مليارات دولار في حساب البشير في بنك (لويدز) الخاص بجنيف.
تسعة مليارات يا سادة! وفي الوقت الذي كان المواطن يلاحق رغيف الخبز، كان الرئيس يجمع الدولارات كما يجمع الأطفال الطوابع البريدية!
أما وداد بابكر، فكانت أكثر نعومة وأناقة في تعاملها مع المال العام؛ اشترت فللًا فخمة في مشروع النخلة بالإمارات، ومنتجعات في ماليزيا بين عامي 2008 و2010.
الزميل الصحفي الاستقصائي الاخ عبد الرحمن الأمين نشر كل الوثائق والمراسلات البنكية الخاصة بهذه الفضيحة كأنها شركة سياحية تدير أموال الوطن في الخارج.
حين خانوا الأمانة باسم الدينوطبعًا.. البشير لم يكن استثناءً، فالحركة (الإسلامية) التي رفعت شعار “هي لله، لا للسلطة ولا للجاه” تحوّلت إلى عصابةٍ منظّمةٍ في سرقة المال العام، شخصيًا عرفتُ الكثير منهم، وعشتُ بينهم ورأيتُ كيف كانوا يتلذذون بأكل الحرام دون أن ترجف لهم عين.
كانوا يقيمون الولائم الفاخرة طوال الأسبوع، يتنافسون في التفاخر بالأثاث والسيارات والعقارات، وينسون ما كانوا يردّدونه ذات ليالٍ من ورعٍ وتوبةٍ:
نبي الهُدى قد جفونا الكرى… وعفنا الشهي من المطعمِ
نهضنا إلى الله نجلو السُرى… بروعة قرآنهِ المحكمِ
لكن ما إن استلموا السلطة حتى انقلبت الموازين؛ ازدادوا شراهةً وشهوانيةً في كل ما له علاقة بالحرام: في الأكل، في الكذب، في الظلم، في النفاق، في النهب، في الاستبداد.
صاروا يقتلون الناس بدمٍ بارد، ثم يعودون إلى بيوتهم ليضحكوا مع أطفالهم ويقبّلوا زوجاتهم كأن شيئًا لم يكن، وكأنّ الذين أزهقوا أرواحهم ليسوا بشرًا لهم أهل وأمهات وأبناء ينتظرون عودتهم.
كيف يُمكن لإنسانٍ يخاف الله أن يقتل بغير حق؟
كيف ينام بعد أن سرق مال يتيمٍ أو مريضٍ أو فقيرٍ لا يجد قوت يومه؟
أين اختفى الخوف من الله؟ أين الحياء من الخلق؟
لقد صار الدين عند هؤلاء زيًّا يُرتدى وقت الخطاب، وشعارًا يُرفع وقت مناسباتهم التحشيدية، وسيفًا يُشهر في وجه الخصوم.
المسلم الصادق لا تُغريه المناصب ولا تُعميه الأموال، هو من يعرف أن الله مطّلع على السرائر، وأن كل درهمٍ حرامٍ كقطعةٍ من النار، المسلم الحقيقي من إذا جلس على الكرسي شعر أنه مؤتمن، لا متملك، وأن العدل فريضة لا خيار، هو الذي يخاف أن يظلم حتى من لا صوت له، ويحسب لكل كلمة وزنها، ولكل جنيه أو درهم حسابه، لأنّ الضمير الحي هو جوهر الإيمان.
أما هؤلاء، فقد فقدوا البوصلة الإيمانية فصاروا يعبدون الكرسي بدل الله، ويقدّسون التنظيم بدل الوطن، ويحسبون أنهم “الأوفياء الوطنيون”، وهم من سرقوا الوطن وقتلوا أبناءه، ثم ناموا ملءَ جفونهم.
من سرقة المال إلى سرقة الوعيفي وسائل التواصل الاجتماعي اليوم، يوزّع هؤلاء أتباعهم الأكاذيب والافتراءات ليعمّموا نشرها على نطاقٍ واسع في سياق حربهم ضد أبناء الشعب السوداني.
يا للعار!
فأتباعهم يقولون سمعًا وطاعة، وينشرون الكذب بكل جرأةٍ واطمئنان، كأنهم يُقيمون عبادةً جديدة اسمها “نُصرة التنظيم بالكذب”، لا يرتجف لهم ضمير، ولا يهتز فيهم إيمان، وهم يُشيعون الباطل على أنه الحق، ويُقدّمون الفتنة على أنها رسالة.
لقد صارت الأكاذيب عندهم سلاحًا، والتضليل منهجًا، والكذب واجبًا وطنيًا يُكافأ عليه في الدُنيا، ويُغفل حسابه في الآخرة، لذلك خرجوا من روح الدين إلى قشره، ومن جوهر الإسلام إلى زخرف الشعارات، ومن الخوف من الله إلى الخوف على المنصب، أضاعوا الأمانة، وأهدروا دماء الناس، ثم لبسوا عباءة الورع ليغطّوا بها سوآت قلوبهم.
عدالة الأرض وعدالة السماءساركوزي تآمر لجمع تمويلٍ انتخابي فدخل السجن، أما عندنا فالرئيس نهب البلد وجعلها وقفًا خاصًا للعائلة والحزب والحركة، ومع ذلك يُحاكم في قاعة مكيفة يُقدَّم له فيها الشاي بالحليب والابتسامات الرسمية، واليوم يعيش في منتجع بمدينة مروي تحت حماية تثير الدهشة!
فيا سبحان الله… ما أوسع الفارق بين عدالة فرنسا التي تحاكم الرؤساء، وعدالة السودان التي تحاكم المساكين.
هناك تُسجن السلطة حين تخطئ، وهنا تُسجن الحقيقة حين تتكلم.
وهنا يطفو السؤال الذي يؤرّق القلب.
لماذا نحن الذين ندّعي الإسلام ونرفع الأذان خمس مرات في اليوم، تغيب عنّا العدالة وهي أحد أسماء الله الحسنى؟، بينما الذين نصفهم بـ”الكفار” يعيشون تحت ظلال عدالةٍ تُنصف الضعيف من القوي، وتحاكم الحاكم قبل المحكوم؟.
هل فعلاً أن الله جل جلاله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ويخزي الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة؟.
سؤال موجع، لكنه الحقيقة التي نخاف أن نعترف بها، لأننا ببساطة نتزيّن بالدين، ولا نتديّن به، نجعل منه زينة للقول، لا ميزانًا للفعل.
العدل أساس الإيمانلقد علّمنا القرآن أن العدل هو ميزان السماء في الأرض، وأنه المعيار الذي تُوزن به الأمم لا الشعارات ولا المسميات.
قال تعالى” إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ”، ولم يقل يأمر بالصلاة والصوم فقط، لأن العدل هو جوهر الدين وروحه التي تحفظ للعبادة معناها.
وقال النبي ﷺ” إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد”، فوضع أصبعه على جرحنا المزمن: ازدواجية العدالة، التي تهلك الأمم مهما كانت مؤمنة باللسان، إذا كانت ظالمة بالفعل.
العدل لا يحتاج إلى لِحية ولا إلى عمامة، بل إلى ضمير حي يخاف الله في الناس.
فالدولة التي تُقيم العدل بين مواطنيها ولو لم تكن مسلمة أقرب إلى الله من دولةٍ ترفع راية الإسلام وتظلم خلقه.
العدل في جوهره عبادة، ومن يقيمه فقد عبد الله على بصيرة.
لكن أين نحن من هذا؟
إنّ الله لا يُقيم للأمم وزنًا إن خلت من العدل، ولو كانت تسجد ألف مرة في اليوم، فالعدل أساس الإيمان، ومَن هدم العدل فقد هدم الدين كلّه، مهما حفِظ من القرآن أو ادّعى التقوى.
صباح الأربعاء 22 اكتوبر 2025م
الوسومالإسلام الحركة الإسلامية السودان جنيف خالد أبو أحمد عمر البشير فرنسا ليبيا نيكولا ساركوزيالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الإسلام الحركة الإسلامية السودان جنيف خالد أبو أحمد عمر البشير فرنسا ليبيا نيكولا ساركوزي عمر البشیر التی ت
إقرأ أيضاً:
هل يصل ثواب الصدقة التي نقدمها للميت؟.. الأزهر يوضح الحقيقة
يتساءل عدد كبير من الناس عن حكم تقديم الصدقة إلى المتوفى وهل يصل ثوابها إليهم، حيث يبحث كثيرون عن أفضل صدقة للميت ولكن يدور جدل كبير بين كثيرين حول حقيقة وصول ثواب الصدقة التي نقدمها للميت، ولتوضيح حقيقة الأمر حسمت الدكتورة إيمان أبو قورة، عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى هذه المسالة الفقهية، وفي السطور التالية نتعرف على حكم المسألة.
حقيقة وصول ثواب الصدقة التي نقدمها للميتأجابت الدكتورة إيمان أبو قورة، عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، أن كل ما يخرجه الإنسان من صدقة للميت ويقول: "اللهم اجعل ثواب ما فعلت يصل إلى الميت"، فإن ثوابه يصل بإذن الله للمتوفى، وهو رأي جمهور الفقهاء.
وقالت عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى، في تصريحات تلفزيونية، إن الصدقة هنا تطوعية وليست زكاة مفروضة، لأن الزكاة لها نصاب وشروط محددة، بينما الصدقة يمكن إخراجها بأي مقدار، ويُحتسب لها الثواب عند الله ويصل للميت.
وأوضحت عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى، أن هذه الأعمال التطوعية والدعاء للميت تعتبر صدقة نافعة، مؤكدة أهمية النية الصالحة في إخراج الصدقات والدعاء للمتوفى بالرحمة والمغفرة.
مد باب التقدم لمسابقة الأزهر الشريف السنوية في حفظ القرآن.. رابط التسجيل
هل الصلاة صحيحة إذا نسيت عدد الركعات بسبب المرض؟.. عضو الأزهر للفتوى توضح
يجب فهمه في سياقه.. أستاذ حديث بالأزهر يوضح معنى النساء ناقصات عقل ودين
وكيل الأزهر يعتمد نتيجة اختبارات العلوم الشرعية والعربية | رابط مباشر
وكان الدكتور محمد وسام، أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، قال إن كل خير يفعله الانسان بنية انه يطلب هبة ثوابه للمتوفى؛ فإن الله كريم يصل به اليه.
وأضاف أمين الفتوى في دار الإفتاء، أن أفضل صدقة للميت غير سقيا الماء هي علاج المرضى والمساهمة فى المشروعات الخيرية ومنها المستشفيات، مشيرا إلى أنه إذا صدق الإنسان في فعله فكل خير يصل مثل أجره للميت.
أفضل صدقة للميت جارية- سقاية الماء فهي من أفضل الصدقات عند الله؛ لما جاء في الحديث النبويّ عن سعد بن عبادة أنّه قال: «يا رسولَ اللهِ ! إنَّ أمي ماتت، أفأتصدقُ عنها؟ قال: نعم، قلتُ: فأيُّ الصدقةِ أفضلُ؟ قال: سقْيُ الماءِ»، والعِبرة ليست في السُّقيا فقط، وإنّما في كلّ شيء يحتاج إليه الناس.
- الصدقة على الأقارب، وذوي الأرحام الذين يُضمرون العداوة للإنسان وفي الحديث: «أفضلُ الصدقةِ الصدقةُ على ذي الرَّحِمِ الكاشِحِ»، والصدقة على الأقارب وأولي الأرحام تكون بشكل عامّ، قال -عليه الصلاة والسلام-: «إنَّ الصَّدقةَ على المسْكينِ صدقةٌ وعلى ذي الرَّحمِ اثنتانِ صدَقةٌ وصِلةٌ».
وقال -تعالى-: «يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّـهَ بِهِ عَلِيمٌ».
- جُهدُ المُقِلِّ وهو مقدار الصدقة التي يُقدّمها المسلم، وتكون مُعبِّرة عن سعة بَذله، وإنفاقه، مقارنة بما يملكه من المال؛ فمن يملك درهمَين فيتصدّق بدرهم واحد يكون بذلك قد تصدّق بنصف ماله، وهذا من أفضل الصدقات، وفي الحديث عن أبي هريرة أنّه قال: يا رسولَ اللَّهِ! أيُّ الصَّدَقةِ أفضلُ؟ قالَ: «جُهْدُ المقلِّ، وابدَأْ بمَنْ تعولُ».
- الصدقة التي تكون بعد أداء الواجبات والأولويّات وهي الصدقة التي تكون عن ظهر غنى، قال -عليه الصلاة والسلام-: «خيرُ الصَّدقةِ ما كان عَن ظهرِ غنًى ، واليدُ العُليا خيرٌ مِنَ اليدِ السُّفلَى ، وابدأ بمَن تَعولُ».
- الصدقة في حالة القوّة والقدرة فمن يعطي وهو صحيح الجسم، قليل المال، خيرٌ من الذي يُعطي وهو على فراش الموت في حالة الاحتضار، قال -تعالى-: «وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ».