«عايشين معانا... عائلة أخرى بيننا»
تاريخ النشر: 28th, October 2025 GMT
هل في الأدب أفكار رديئة وأخرى صالحة؟ أم أن كل فكرة تكتسب قيمتها من طريقة تناولها وتجسيدها؟
طُرح هذا السؤال في نقاشٍ أعقب مشاهدة المسلسل السعودي «عايشين معانا»، تأليف علاء حمزة، وإخراج مشاري المزيد. المسلسل من بطولة خالد صقر (شخصية أبو أنس)، وعائشة كاي، وأحمد الكعبي (شخصية عبودي)، وفهد سالم (شخصية سليمان).
سبب السؤال أن المسلسل يتناول فكرة غرائبية تتمثّل في حضور الكائنات الخفية وسلطتها، إذ تقرر عائلة (أبو أنس) من الجِنّ الانتقال من باطن الأرض -على افتراض أنها تعيش هناك- للعيش بين الناس في الرياض لتحقيق هدفٍ يخصّها. عُرض المسلسل في عشر حلقات، في قالبٍ حاول الاتزان بين الكوميديا والرومانسية، ضمن ما يُعرف بعالم الغرائبيات.
تُستهل الحلقات بزيارة عائلة أبي أنس -مخلوقٍ من الجِنّ- إلى مجمّعٍ سكني في الرياض، بحثًا عن خاتمٍ مفقود منذ ألفي عام يمتلكه أحد سكان المجمّع. ولتحقيق الهدف، يجب على عائلة أبي أنس التصرّف كأنهم بشر. تتوالى الأحداث لنتعرّف على قصص أبنائه مع البشر؛ كقصة حبّ ابنته ربى لإنسيٍّ يُدعى عبودي، وإعجاب الشباب بها. كما نتعرّف على زوجة أبي أنس وتوسّع علاقتها مع نساء المجمّع بتبادل الزيارات والاعتياد على عاداتهنّ وما يدور في مجالسهنّ من نميمة وثرثرة، لتصل في ختام الحلقات إلى مطالبة زوجها بالاستقلالية وحقوق المرأة. ولا ننسى محاولات الجنيّ أنس وأبيه السيطرة على سليمان لسرقة خاتمه الغامض، وما تخلّل ذلك من مواقف ضاحكة.
جرت أحداث الصراع بين عالمين مختلفين: عالم الإنس وعالم الجِنّ، ولكلٍّ منهما خصائصه. ويصعب تصوّر لقائهما إلا في عالمٍ ثالث هو الخيال. تُخاض كفّة الصراع عبر شخصية أبي أنس، الذي نراه مسيطرًا ونافذًا، في حين تظل شخصية سليمان محدودة؛ فهو يعيش في المجمّع السكني مرفوضًا من السكان بسبب معاقرته الخمر، لكنه يتمتع بنزعة طيبة أقرب إلى المثالية المفرطة؛ فهو متسامح، لا يتدخل في شؤون الآخرين، يفعل الخير لأجل الخير، يزور المرضى ويتصدق على الفقراء. في المقابل يمتلك خاتمًا غامضًا يجهل طاقته وهالته. وبمجرد دخول أبي أنس إلى الحلبة، تتغيّر موازين العلاقات بينهما. يُهزم أبو أنس في نهاية المطاف لتأخره في إنجاز المهمة، بظهور قوةٍ أكبر منه تهدده، وعندئذ يتحوّل مجرى الصراع إلى ضفّةٍ جديدة.
يستمد المسلسل حيويته من فكرةٍ مقلوبة، هي مصدر فكاهته وطزاجته. تنبع جماليته من مخالفتها للجملة المفتاح المعروفة في الذاكرة الشعبية لسرد الحكايات: «كان يا ما كان في قديم الزمان». كما أنه لا يلجأ إلى الطقوس التقليدية التي تُستدرج كلما طُرحت فكرة توظيف الجِنّ أو الخوارق؛ فلا بخورٌ يتصاعد، ولا ماءٌ معالج، ولا شخصياتٌ ترتدي ثيابًا مهلهلة أو تصرخ أو تتقافز. حتى الوجوه لا تُظهر التشنجات المعتادة. إن كائنات الجِنّ هي التي ترغب في أن تكون بشرًا، وحتى عندما نصل إلى نهاية الحلقات نشاهد الجني يُهزم ويغادر المجمّع السكني، بينما يُحجم الإنسان الخيّر عن استثمار الخاتم. وهذا قلبٌ للأفكار المكرورة، يُهدّد ثباتها الاجتماعي في الذهن.
عندما سُئل المؤلف عن منطلق فكرة العمل، أشار إلى رغبته في «تقديم معالجة مختلفة لعالم الجِنّ». وهذا يعيدنا إلى السؤال الذي افتتحت به المقالة. فالخيال عنصرٌ مركزي عند الرغبة في تأثيث عوالم غير حقيقية تدور حول الكائنات الخفية. والخيال، كما يعرّفه أحمد بلخيري في معجم المصطلحات المسرحية، هو: «شكلٌ من أشكال الخطاب يتعلّق بأشخاصٍ وأشياء لا وجود لها إلا في خيال كاتبها، ثم في خيال القارئ أو المتفرج. والخطاب الخيالي خطاب غير جاد، لا يلتزم بشيء، وهو موضوع كما وضعه الكاتب». وانطلاقًا من القول المأثور «يجوز للشاعر ما لا يجوز لغيره»، يُسمح للكاتب الدرامي أن «يكذب» دون عقابٍ، إذا كان الكذب فنًا جماليًا يعكس رؤية.
ساد الحلقاتَ مناخٌ خياليٌّ رومانسي، واتسمت بقصديةٍ من المؤلف لتلمّس واقع المجمّع السكني، وقد تمثّل ذلك في سعيه لإبراز مظاهر الحياة العصرية في الرياض من وجهة نظر الشخصيات: (سليمان وشقته، عاطفة الحب بين ربى ابنة الجني وعبودي، إعجاب الفتيات بأنس، وانبهار الشباب بأخته). وهذا ينقل زاوية النظر إلى جوانب إيجابية تنتصر للقيم وأخلاق البشر. أراد المؤلف -كما أسلفنا- دخول عالم الجِنّ وتقديم معالجة مختلفة له. ومن حيث الفكرة، فهي ليست رديئة؛ إذ استطاع المؤلف معالجتها في سياق الكوميديا النقدية الهادفة، وتمظهر ذلك في الحوارات المعاصرة التي يمكن للمرء أن يلتقط نظائرها في منصّات التواصل الافتراضي. لكن خلف هذا الطرح رؤية نقدية للمجتمعات العربية؛ فالفكرة المقلوبة تسعى إلى إثارة تهكّم المتفرجين وسخريتهم. والمتفرج المعاصر، بما لديه من إلمامٍ بمظاهر الحضارة وانفتاحٍ ذهني، لن يجد غضاضة في تقبّل الفكرة، ليس لأنها ضعيفة أو رديئة، بل لسهولة نجاحها في سوق الإنتاج الدرامي للمنصات المختلفة.
إن مسلسل «عايشين معانا» -على الرغم من بعض الهنات- استطاع أن ينجح بجدّية فكرته ومعالجته، إذ أضاف كاتبه علاء حمزة إلى رصيده عملًا أدخل معالجةً مختلفة لعالم الجِنّ إلى الدراما الخليجية. ولم يكن ذلك ممكنًا إلا بتمثّل عالم البشر أولًا، واستعارة ما يثير شهية الجِنّ منه ثانيًا، وتقديمه في قالبٍ مقلوبٍ ينتقد العالمين معًا، لكنه ينتصر في نهاية المطاف، عبر
نهايةٍ مفتوحة، لعالم البشر.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المجم ع
إقرأ أيضاً:
محمد بن ثعلوب يهنئ «عائلة الجودو» باليوم العالمي للسلام
أبوظبي (الاتحاد)
أخبار ذات صلةهنَّأ محمد بن ثعلوب الدرعي، رئيس اتحاد الجودو، سفير الاتحاد الدولي للجودو للصداقة والسلام والإنسانية، رئيس وأعضاء الاتحاد الدولي للجودو ورؤساء الاتحادات الوطنية، وعائلة الجودو في العالم، بمناسبة اليوم العالمي للجودو، الذي يصادف يوم 28 أكتوبر من كل عام، معرباً عن سعادته بالمشاركة «عبر تقنية الفيديو» في هذه المناسبة، التي ضمت أكثر من 180 رئيساً للاتحادات الوطنية الأعضاء من مختلف قارات العالم.
وأكد أن الجودو يمكن أن يكون جسراً حقيقياً، ومساحة للتواصل والتعاطف والحوار والوحدة في ظل التنوع، وأن يحقق السلام عندما تشتد الحاجة إليه، في ظل النداءات المتكررة للوحدة والسلام، موضحاً أن منظمة «الجودو من أجل السلام» تسعى من أجل السلام على مستوى العالم من خلال رياضة الفن النبيل، باحتضان قيم التسامح، وأن نصبح جميعاً سفراء للسلام والوئام، انطلاقاً من مجتمع الجودو، وهي دعوة للتأمل والعمل لنظهر أن السلام من الممكن أن يتحقق من خلال رياضتنا، وعلينا أن نعمل معاً من خلال الجودو، للمساهمة في بناء عالم أكثر سلاماً تحت شعار «قيم رياضة الجودو النبيلة»، انطلاقاً من «بساط» المنافسة الرياضي التنافسي وخارجه، بهدف التغلب على تحديات الحياة اليومية.