صحيفة الأيام البحرينية:
2025-05-11@10:29:00 GMT

علي عمران: القصيدة التي لم تكتب

تاريخ النشر: 2nd, September 2023 GMT

علي عمران: القصيدة التي لم تكتب

ينزاح علي عمران من مملكة البحرين ليطال مطارح الجمال في تعبيره اللغويّ، وإلى أساليب التراكيب التي يذهب إليها، إذ يأخذنا معه لنقف على الجماليات في دعوة إلى الفرح، لا إلى تذكّر الركام، بل إلى تقبيل الجدران العامرة التي حوت تلك الأصالة والتراث لعبور آمن إلى الحداثة والمعاصرة. في مجموعة الأعمال الشعريّة الكاملة له، «ندى الأشواك، وبطاقة عشق»، مع ترجمة إلى الإنكليزيّة من الدكتور حميد مطر، ينشد عمران مملكة البحرين، فهي الأرض، وهي الأم، وهي الحبيبة، فيصرّح بوضوح: البحرين حبيبتي، فيمضي قائلًا «عيناكِ/‏، يا نخلة الأشواق من سوّاكِ؟/‏، أدمنت حبّك فالهوى عيناك/‏، عشق المنامة في دمي، والله/‏، إن تسأليني!! ما عشقتُ سواكِ»، (من افتتاحية الديوان).

يذكر مملكة البحرين لتكون غرّة الديوان، شوقًا وانصرافًا إلى تبيان فرادتها وفرادة عينيها، وندرة نخيلها المشتاق، فالتّجذر يشابه النخلة، يقول الروائي السوداني الطيب صالح في روايته موسم الهجرة إلى الشمال، إذ «أَنظر إلى جذعها القويّ المعتدل، وإلى عروقها الضاربة في الأرض، وإلى الجريد الأخضر المنهدل فوق هامتها، فأحسّ بالطمأنينة. أحسّ أنني لست ريشة في مهب الرّيح، ولكني مثل تلك النخلة، مخلوق له أصل، له جذور، له هدف». من هنا ألا تجمع النخلة بين العلوّ والانبساط؟ أو ليست على شاكلة المؤمنين، أعمدة سامقة إلى ربّها، وحنيّات راكعة مُصلّية؟. من هنا فإنّ الشكل العموديّ للنخلة يوافق حرف الألف. جاء عند الناقد اللبنانيّ عبد الحميد جيدة في كتابه إنشاء الكتابة عن العرب: «والألف، من بين سائر الحروف، انفردت عن أشكالها بأنّها لا تتصل بحرف في الخط، وسائر الحروف تتصل بها إلاّ حروفًا يسيرة، فينتبه العبد، عند تأمّل هذه الصّفة، إلى احتياج الخلق بجملتهم إلى المولى واستغنائه عن الجميع»، كما ينقل قولًا صوفيًّا:«النخلة الشاهقة التي ترى ما لم يره غيرها من الأشجار (...) إذا قطعت رأسها من دون الشّجر، ماتت كالإنسان». هذا يبرّر قول الشاعر السوريّ أدونيس (علي أحمد سعيد) في كتابه مفرد بصيغة الجمع:«سلامًا أيتها النخلة يا أختي». النخلة كائن حيّ، نبات يتنفّس، يشعر، يسمع. يقول الشاعر العراقيّ بدر شاكر السيّاب: «التّوت فوق الشاطىء الغربي، والسّعف الصموت لا يجهلان تنهداتي وهي بينهما...تموت». إنّ النخلة عند عمران هي الأرض، البحرين، الأم، الطفولة، كلّ هذا تهادى بعفوية. من هذه النخلة يمضي علي عمران إلى الطبيعة، إلى كلمتها الأولى، «وردة الربيع»، التي يتوجّه إليها أيضًا بصيغة المنادى، باحثًا عن خلودها (ص54) «في شراييني»، كي يكون من الرائين، كي لا ينزل «سواد الحزن في عينيك، والأحلام موصدة». يركّز علي عمران على الشريان الذي يسع العالم، ربّما لأنّ النبض هناك يجري، وهناك تشعر الحياة بوجوده، ليلقى الوجه الذي لا بديل عنه، هو نجاوى الشرايين، ولكن في حضور الملامح الأليفة: «هذا وجهك القمريّ/‏ يسكن في شراييني». يجمع علي عمران المتناقضات ليبرز الصورة الشعريّة المطلوبة، فعنوان ديوانه «ندى الأشواك» يشي بهذا التنافر بين الندى الرقيق والشوك المزعج. لكنه يستخدم عناصر الطبيعة، متداخل المشاعر معها، كما في قوله (ص 13): «كدمعة الندى»، يعيد التسميات إلى مواقعها مع انزياح واستفاضة في تلك الدمعة التي تجعله «غريبًا»، هذه غربة الشاعر، ولو أَلِفَ المكان وآلفَهُ، وكان له الفضاء مطرحًا، وإن جنح «عقلي الذاهب في جنح الظلام»، لكنه متمسّك بالضياء، ومسح الجراح، وخوض المغامرة «ونركب الشراع، ليومنا المعدّ للسفر». (ص 13)، هذا رحيل الشعراء إلى محجّات لا يدركها سواهم، خارجين من قمقم سواد محابرهم إلى نورانيّة الآتيات. إنّ قاموس علي عمران يندرج في هذا اللهب الشعريّ، إذ تكرّ مفردات الجرح المفتوح في القصيدة لتنمو (ص53): فالنار المقدّسة حارقة مطهّرة: «يلهبني، يحرقني، الشمس، النار»، والعين مبصرة قادرة على استشراف ما قد مضى، وما هو آت: «الأحداق، الأوراق»، لتغور المشاعر في الداخل الإنسانيّ فتحييه: «أحشائي»، كما تتساقط حبّات المطر في باطن الأرض العطشى: «الشتاء، الرمل»، فتخرج من بين «الأنقاض» الوردة الخالدة و«الأشواك»، دليل الحياة الموعودة. لكن بحثه في مواجهة الشمس، يرمز إلى الحقيقة، كما جرى مع «إيكار»، في الميتولوجيا اليونانيّة، الذي حلّق باتجاه الشمس/‏ الحقيقة، فأحرقت أجنحته وسقط، ولم يكتشف الحقيقة، بل يرى أنّ«لا حبّ يحملني،/‏ لا نار تحرقني/‏ لا أشواق/‏ أودّ لو كانت كتابتي... رموزا، وأحرفي... ألغازا (...). هذا البحث عن هويّة الرمز يشدّك في النزوع إلى الامتزاج بقضايا الناس وروح الطبيعة الفانية. لم يهرب عمران من الصورة بل غار فيها. هذا الغور يشكّل التمزّق بين المكان /‏ الأم، والأفق/‏ الآتي، شبيهًا بالتمزّق بين الذات وتصوّف الوجود، من أجل حضور جديد، أو التفتيش عن ذلك الحضور الذي لا ينتهي عند الشاعر. لذا يمضي إلى ثيمة الحبّ فيقول:» حبّك يا حبيبتي الشقراء،/‏ يقذفني/‏ يرميني/‏ يحرقني مثل الأوراق/‏«، لذا تبرز دعوته إلى المألوف الظاهر، ولو على غرابة الأعماق وغموضها،» اقتربي أو اغتربي يا حبيبتي/‏ فأنت في الأعماق/‏ فأنت في الأعماق (ص 55). علي عمران حصّاد في زمن البيادر القاحلة، يأتي بسنابله المنحنية الملأى بألف قصيدة وقصيدة، جامعًا التعابير من سهول طبيعة الألفاظ، طاحنًا حبّاتها، واضعًا رغيف الإيحاءات الإبداعيّة، موزّعًا ما لديه من جماليات على القرّاء، فيصير مع القارئ واحدًا، كما الرغيف المعجون بالأحلام.

المصدر: صحيفة الأيام البحرينية

كلمات دلالية: فيروس كورونا فيروس كورونا فيروس كورونا علی عمران

إقرأ أيضاً:

سمو ولي العهد يجري اتصالًا هاتفيًا بملك البحرين

جدة- واس
أجرى صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، اتصالاً هاتفيًا، بجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين. وجرى خلال الاتصال، استعراض العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين، وعددٍ من القضايا ذات الاهتمام المشترك.

مقالات مشابهة

  • وزراء ومسؤولون: زيارة أم الإمارات لتركيا تكتب فصلاً جديداً في مسيرة العلاقات الثنائية
  • إلهام أبو الفتح تكتب: الإيجار القديم بين العدالة والإنسانية
  • سمو ولي العهد يجري اتصالًا هاتفيًا بملك البحرين
  • 74 مسيرة غير مسبوقة في عمران احتفالًا بالنصر على أمريكا وإسنادا للشعب الفلسطيني
  • لمياء شرف تكتب: الأمر لم ينتهِ.. انهض.. الفشل جزء من النجاح
  • فعالية خطابية ثقافية لمنتسبي مستشفى الأمومة في عمران بذكرى الصرخة
  • عمران.. فعالية خطابية لمنتسبي مستشفى الامومة بذكرى الصرخة السنوية
  • الأرصاد اليمني يتوقع أمطار رعدية وأجواء مغبرة
  • توقعات بهطول أمطار رعدية غزيرة مصحوبة بالبرد على عدة محافظات
  • هطول أمطار رعدية وأجواء مغبرة خلال الساعات المقبلة