مأساة “الفاشر” تكشف مَن يقف خلف إبادة السودانيين…
تاريخ النشر: 2nd, November 2025 GMT
تُلخِّص مأساة مدينة “الفاشر” اليوم بالسودان النتيجة التي يوصل إليها حتما الصراع بين الداخل والداخل وبينهما معا والخارج في إدارة الأزمات. عندما يَستقوي الداخل على بعضه البعض عبر دخول أحد أطرافه في اللعبة الدولية التي لا ترحم ويُصبح أداة ضد شعبه وبلده يرتكب الجرائم والإبادة الجماعية، ويتحول من معارض لنظام يختلف معه، إلى عميل يخدم أجندات أجنبية لا يهمه إن كان في ذلك تمزيق لبلده وتدمير كليا لكل منجزاته.
وهي حال ما يُعرف اليوم بقوات “الدعم السريع” المنفصلة عن الجيش السوداني. تم تشكيلها هذه القوات سنة2013 لتُحقق أهدافا عدة، من بينها توقيف حرب دارفور التي اندلعت سنة 2003 بين قبائل “الجنجويد” من جهة وهي الموالية آنذاك لسلطة “عمر البشير” المركزية، والتنظيمين الرئيسين المسلحين في المنطقة “حركة العدل والمساواة” و”حركة تحرير السودان” من جهة ثانية، اللتين تركزت مطالبهما في (التمثيل الفعّال في الحكم والتوزيع العادل للثروة) تحت شعار العدالة في السلطة والثروة.
وكان يُفترَض أن تكون هذه القوات أي “الدعم السريع” داعمة بالفعل للسلطة المركزية كجزء من الجيش السوداني. إلا أن اكتشاف الذهب في جبل عامر سنة2012 غرب دارفور بكميات كبيرة، واكتشاف معادن أخرى ثمينة في المنطقة كاليورانيوم والنحاس، وكميات من التربة النادرة الأخرى جعل من هذه القوات تدخل تدريجيا اللعبة الدولية من خلال تهريب الذهب، وبذلك تجاوزت الحكومة المركزية في علاقاتها الخارجية!
ثم ما لبثت أن تحولت إلى تعاون عسكري يتجاوز الجيش السوداني خاصة بعد مشاركتها في حرب اليمن. وكانت الفترة الممتدة من مارس 2015 إلى أفريل 2023 كافية لمضاعفة الثروة المالية لهذا الفصيل من خلال تهريب الذهب، وكافية أيضا لِتعزيز قدراته العسكرية عبر مزيد من التدريب والتسليح…
ويكفي أن نعرف أن الكميات المستخرجة من الذهب خلال هذه الفترة من منجم “سنجو” وحده قُدِّرت بنحو250 طنا هُرِّب معظمها إلى الخارج، لنعرف حجم القوة المالية التي أصبحت عند قوات الدعم السريع.
وإذا علمنا أن نحو 80% من الذهب المستخرَج من جبل عامر خاصة كان يُستَخرَج تقليديا وليس عبر شركات رسمية، وأن الجانب الرسمي في هذه العملية كانت تمثله شركة “الجُنيد” المملوكة لشقيق قائد الدعم السريع “حميداتي”، نعرف درجة الهيمنة على هذه الثروة المعدنية الثمينة!!
ومنه نفهم كيف دخل هذا الطرف الداخلي أي الدعم السريع في عمق اللعبة الدولية من خلال تجار الذهب وتجار السلاح المعروفين عالميا، وكيف تجرأ بعدها كنتيجة لِما امتلك من سلاح ومال إلى إعلان التمرد في 15أفريل من سنة 2023.
ومنه تَتبيَّن لنا الخلفية الحقيقية لهذه الإبادة الجماعية التي وقعت في مدينة “الفاشر” نهاية الشهر الماضي ومن يقف وراءها، وكيف كان “الدعم السريع” يعتبر أن السيطرة عليها تعني السيطرة على “جبل عامر” الغني بالذهب، وعلى باقي الثروات، والاستمرار في امتلاك عناصر القوة العسكرية والدعم الخارجي للإطاحة بالسلطة المركزية ولِمَ لا الاستيلاء على الحكم في الخرطوم.
وهو ما باتت تُحدِّث به قنوات ووسائل إعلام قوي دولية معروفة للجميع شريكة في الجرم ومُستفيدة من نهب ثروات السودان دون أي اكتراث للمآسي الإنسانية التي تقع به ولا لآلاف الضحايا الذين تم إعدامهم بدم بارد من قبل قوات الدعم السريع دون أن يُحرّك لها ذلك ساكنا…
عند هذه النقطة، يتبين لنا كيف أن المجرم الحقيقي ليس فقط هو من يُنفِّذ الجريمة، إنما مَن يصنعه ويدعمه ويُدرِّبه، تماما مثلما يحدث في فلسطين. فالكيان الصهيوني للأسف استطاع أن يستنسخ منه كيانات أخرى تشبهه في كثير من الصفات، تريد أن تجد لها مكانة “تحت الشمس”! على حد قول المجرم “نتن ياهو” ولو بقتل عشرات الآلاف من الأبرياء.. الأمر سيان بالنسبة لهولاء المجرمين في دارفور أو في غزة!!
هي ذي الحقيقة التي ينبغي أن نعيها إذا كان لنا أمل في المستقبل…
الشروق الجزائرية
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه الفاشر الدعم السريع السوداني السودان الدعم السريع الفاشر مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
آلاف السودانيين يواجهون خطرا وشيكا بعد سقوط الفاشر
بورت سودان (السودان)"أ ف ب": أعربت منظمة "أطباء بلا حدود" اليوم عن خشيتها من أن آلاف المدنيين عالقون في مدينة الفاشر السودانية ويواجهون خطرا وشيكا إثر سيطرة قوات الدعم السريع عليها، فيما أظهرت صور جديدة بالأقمار الاصطناعية أن المجازر ما زالت مستمرة في عاصمة ولاية شمال دارفور.
وفي سياق الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو، سيطرت قوات الدعم السريع الأحد الماضي على مدينة الفاشر، آخر معاقل الجيش في إقليم دارفور الذي يغطي ثلث مساحة السودان بعد حصار دام 18 شهرا.
ومنذ سقوط المدينة، توالت شهادات عن إعدامات ميدانية وعنف جنسي وهجمات على عمال الإغاثة وعمليات نهب وخطف، بينما لا تزال الاتصالات مقطوعة إلى حدّ كبير.
وأفاد ناجون وصلوا إلى بلدة طويلة القريبة عن عمليات قتل جماعية وإطلاق نار على أطفال أمام ذويهم وضرب ونهب للمدنيين أثناء محاولتهم الفرار.
قالت الأمم المتحدة إن أكثر من 65 ألف شخص فرّوا من مدينة الفاشر منذ الأحد، لكن عشرات الآلاف ما زالوا عالقين هناك، في حين كانت المدينة تؤوي نحو 260 ألف نسمة قبل الهجوم الأخير لقوات الدعم السريع.
وأوضحت منظمة "أطباء بلا حدود" أن "أعدادا كبيرة من المدنيين ما زالت تواجه خطرا شديدا وتُمنع من الوصول إلى مناطق أكثر أمانا من جانب قوات الدعم السريع وحلفائها".
وأضافت المنظمة أن نحو خمسة آلاف شخص فقط تمكنوا من الوصول إلى بلدة طويلة الواقعة على بُعد نحو 70 كيلومترا غرب المدينة.
وقال رئيس قسم الطوارئ في المنظمة ميشال أوليفييه لاشاريتيه إن "عدد الوافدين إلى طويلة لا يتطابق مع حجم الكارثة، في وقت تتزايد فيه الشهادات عن فظائع واسعة النطاق".
وتساءل "أين كل المفقودين الذين نجوا من شهور من الجوع والعنف في الفاشر؟"، مضيفا "الاحتمال الأكثر ترجيحا، والمروّع في الوقت نفسه، هو أنهم يُقتلون أو يُطاردون أثناء محاولتهم الفرار".
- "استمرار القتل الجماعي" -
وأفاد شهود عيان المنظمة أن نحو 500 مدني، بينهم جنود من الجيش وقوات حليفة له، حاولوا الفرار الأحد، لكن معظمهم قُتل أو أُسر على أيدي قوات الدعم السريع ومجموعات موالية لها.
وأشار الناجون إلى أن الفارين فُصلوا بحسب الجنس والعمر والانتماء العرقي المفترض، وأن كثيرين ما زالوا محتجزين مقابل فدية.
وقالت حياة، وهي أم لخمسة أطفال فرت من الفاشر، إن "الشبان الذين كانوا يسافرون معنا أوقفهم المسلحون في الطريق، ولا نعرف ماذا حلّ بهم".
وقالت الأمم المتحدة الجمعة إن عدد القتلى جراء هجوم قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر قد يبلغ المئات، فيما اتهمت قوات حليفة للجيش السوداني الدعم السريع بقتل أكثر من ألفي مدني.
وقد أظهرت صور جديدة التُقطت بالأقمار الاصطناعية مؤشرات على استمرار عمليات القتل الجماعي داخل مدينة الفاشر ومحيطها في غرب السودان، وفق باحثين في جامعة ييل الأميركية.
وقال مختبر الأبحاث الإنسانية في الجامعة في تقرير الجمعة إن الصور الجديدة تُظهر مؤشرات على أن جزءا كبيرا من سكان المدينة "قُتلوا أو أُسروا أو يختبئون".
ورصد الباحثون ما لا يقل عن 31 مجموعة أجسام يُرجّح أنها لجثث بشرية بين الاثنين والجمعة، في أحياء سكنية وحرم جامعي ومواقع عسكرية.
وأضاف التقرير أن "مؤشرات استمرار القتل الجماعي واضحة للعيان".
- "مروّعة حقا" -
وخلال تواجده في مؤتمر "حوار المنامة" في العاصمة البحرينية السبت، قال وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول إن "السودان في وضع كارثي تماما. إنها أكبر أزمة إنسانية في العالم".
وأضاف أن "قوات الدعم السريع تعهّدت علنا حماية المدنيين وستحاسَب على هذه الأفعال".
وفي المؤتمر نفسه، نددت وزيرة الخارجية البريطانية إيفيت كوبر بالظروف "المروّعة" في السودان.
وقالت كوبر إن "التقارير الواردة من دارفور خلال الأيام الأخيرة مروّعة حقا.. فظاعات وإعدامات جماعية وتجويع واستخدام مدمّر للاغتصاب كسلاح في الحرب، فيما يتحمّل الأطفال والنساء وطأة أكبر أزمة إنسانية في القرن الحادي والعشرين".
وأعلنت قوات الدعم السريع تنفيذ عمليات توقيف عدة في صفوف المقاتلين عقب تقارير عن مقتل مئات الأشخاص.
وأعلنت قوات الدعم السريع الخميس توقيف عدد من عناصرها المتهمين بارتكاب انتهاكات، وتعهّد قائدها محمد حمدان دقلو (الملقب "حميدتي") بمحاسبة كل من يثبت تورطه.
لكن وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فليتشر شكك في جدية التزامها بالتحقيق.
وتواجه قوات الدعم السريع المنبثقة من ميليشيات الجنوجويد المتهمة بارتكاب إبادة جماعية في دارفور قبل عقدين، والجيش اتهامات بارتكاب جرائم وأعمال عنف خلال الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين.
وكانت الولايات المتحدة قد خلصت سابقا إلى أن قوات الدعم السريع ارتكبت "إبادة جماعية" في دارفور.
وذكرت تقارير أممية أن قوات الدعم السريع تلقت أسلحة وطائرات مسيّرة من الإمارات، إلا أن أبوظبي نفت تقديم أي دعم لها، بينما يحظى الجيش السوداني بدعم من مصر والسعودية وإيران وتركيا.
وسيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر تمنحها تحكما كاملا في العواصم الخمس لإقليم دارفور، ما يعني تقسيم السودان فعليا إلى محور شرقي-غربي، فيما يحتفظ الجيش بسيطرته على شمال البلاد وشرقها ووسطها.
وحذرت الأمم المتحدة من أن رقعة العنف بدأت تمتد إلى إقليم كردفان المجاور، وسط تقارير عن "فظائع واسعة النطاق" ترتكبها قوات الدعم السريع.