شرطة الأخلاق في إيران.. قوة أمنية لفرض قواعد الاحتشام
تاريخ النشر: 9th, November 2025 GMT
"شرطة الأخلاق" أو "شرطة الآداب" أو "دوريات التوجيه"، تسميات تدل كلها على قوة أمنية أُسست عام 2005 لتطبيق قانون الحجاب و"قواعد الاحتشام"، وفقا للتفسير الرسمي للشريعة الإسلامية في إيران، حتى أضحت تعرف في الجمهورية الإسلامية بـ"كشت إرشاد"، وارتبط اسمها باحتجاجات شعبية فجرها مقتل "مهسا أميني"، الشابة الكردية التي توفيت عام 2022 بعد 3 أيام من اعتقالها في أحد مقرات شرطة الأخلاق بالعاصمة طهران.
أعلن عن تسيير دوريات شرطة الأخلاق في إيران أول مرة عام 2005 إبان حقبة الرئيس المحافظ الأسبق محمود أحمدي نجاد، لتطبيق قانون "الحجاب والعفاف"، فكانت قوة أمنية جديدة تنتشر في الساحات العامة والأسواق، وتتشكل من رجال ونساء مهمتهم مراقبة التزام النساء بـ"الزي الإسلامي" الذي ينص عليه الدستور الإيراني.
بدأت القوة الفتية في بادئ الأمر بتوجيه إنذار إلى النساء اللواتي لا يلتزمن بالحجاب الإجباري في إطار قانون "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، إلى جانب توزيع الورود على المحجبات لتكريس ثقافة الحجاب في البلاد، لكن سرعان ما انتشرت أنباء اعتقالها "فتيات مخالفات"، مما أثار انقساما كبيرا في الأوساط الإيرانية.
الإطار التاريخيبعد الضجة التي أثارها النظام البهلوي السابق بشأن كشف الحجاب في إيران، وإقرار البهلوي الأول رضا شاه قانونا في يناير/كانون الثاني 1936 يلزم الإيرانيات بخلع حجابهن بذريعة أنه "من مظاهر التخلف"، تحولت مسألة الحجاب إلى رمز للثورة والرفض لحكم الحقبة البهلوية قبيل انتصار الثورة الإيرانية عام 1979، وأقبلت الإيرانيات على ارتداء العباءة الفارسية (التشادور) تأكيدا لنضالهن ضد النظام الشاهنشاهي.
وعقب انتصار الثورة الإيرانية، طالب علماء الدين، وعلى رأسهم مؤسس الجمهورية الإسلامية روح الله الخميني، بضرورة ارتداء المرأة الإيرانية الحجاب الإسلامي في الأماكن العامة، مما أدى إلى احتجاجات ومعارضة من شريحة من الإيرانيات، إلا أن القوانين الجديدة في ظل الثورة الإسلامية فرضت الحجاب على مراحل بين عامي 1981 و1983.
إعلانوفي المرحلة الأولى، أصبح ارتداء الحجاب إلزاميا في المؤسسات والدوائر الحكومية، إلى أن فرض على جميع الإيرانيات في الأماكن العامة بموجب القانون الذي أقر في المرحلة الثانية عقوبات علی اللواتي يظهرن في العلن بلا حجاب، الأمر الذي أثار بدوره ضجة بين موافق ومعارض.
وبعد أن أصدرت السلطات في الجمهورية الإسلامية الفتية قانونا بفرض ارتداء الحجاب على جميع النساء الإيرانيات وغير الإيرانيات -سواء المسلمات أو غير المسلمات- وأصبحت قضية الحجاب مقننة، شكلت الأوساط الثورية هيئات لتطبيق القانون.
وسيّرت دوريات تحت اسم "دوريات جند الله"، و"القوات الخاصة بمقارعة المنكرات" تارة، و"دوريات ثأر الله" و"دوريات أنصار" تارة أخرى، واستمر عمل هذه الدوريات في السنوات الماضية تحت مسميات مختلفة، إلى أن عرفت في العقدين الأولين من القرن الـ21 بدوريات شرطة الأخلاق أو الإرشاد أو ما يعرف بالفارسية بـ"كشت إرشاد".
وأخذت دوريات الإرشاد على عاتقها مهمة تطبيق قانون الحجاب ومكافحة ما يعرف بـ"الحجاب السيئ"، لكنها كانت مثار جدل منذ تشكيلها بسبب سلوك عناصرها مع الإيرانيات غير المحجبات.
الفتوى الدينيةجاء في قسم الفتاوى الدينية على موقع المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية علي خامنئي ردا على سؤال "ما الحجاب المناسب للمرأة في المجتمع؟" أن "العباءة هي الحجاب الإسلامي الأفضل للمرأة. وكل لباس تتحقق فيه الشروط التالية يُعد حجابا إسلاميا:
أن يكون ساترا لكل البدن (ما عدا الوجه والكفين إلى الزندين). أن يكون ساترا لكل ما يعد زينة (حتى في الوجه واليدين إلى الزندين). ألا يكون لافتا لنظر الرجل الأجنبي عن المرأة. ألا يكون مبرزا لمفاتن البدن بطريقة مثيرة للشهوة أو تترتب عليها مفسدة. ألا يكون مما يُشير الناس إليه بالبنان. ألا يكون من الملابس الخاصة بالرجال. احتجاجات مقتل مهساأوقفت دوريات شرطة الأخلاق في 13 سبتمبر/أيلول 2022 الشابة الكردية مهسا أميني (22 عاما) بدعوى عدم التزامها بمعايير الحجاب، قرب محطة "حقاني" لقطار الأنفاق، وفقدت وعيها إثر اعتقالها في مراكز "وزراء" الأمني التابع للشرطة، وأعلن التلفزيون الرسمي وفاتها بعد أن قضت 3 أيام في غيبوبة بمستشفى "كسرى" شمالي العاصمة طهران.
وأثارت وفاتها غضبا عارما في الشارع الإيراني الذي خرج في مسيرات تحولت إلى موجة احتجاجات عارمة في عشرات المدن الإيرانية، ورفعت شعار "زن، زندكي، آزادي" الذي يعني "المرأة، الحياة، الحرية".
وأدت النساء الإيرانيات دورا بارزا في الاحتجاجات -التي عرفت حينها بـ"انتفاضة مهسا أميني"- مطالبات بإنهاء "التمييز الجنسي" و"القمع السياسي"، وذلك عبر خطوات رمزية تمثلت في قص الشعر تارة وإلقاء غطاء الرأس في النار تارة أخرى.
وبعد أن استمرت احتجاجات التضامن مع مهسا أميني نحو 4 أشهر، أعلن المدعي العام الإيراني محمد جعفر منتظري في ديسمبر/كانون الأول عام 2022 إلغاء عمل "شرطة الأخلاق"، واصفا القرار بأنه "مبدئي"، وأضاف قائلا إن "الجهات التي أنشأت منظومة شرطة الأخلاق هي التي اتخذت قرارا بوقف عملها في هذه المرحلة".
إعلانوفي العام التالي خمدت الاحتجاجات الميدانية، وعززت السلطات الإيرانية تطبيق قانون الحجاب الإلزامي باستخدام وسائل مراقبة أكثر تطورا، وقدمت مشروع قانون جديدا تحت عنوان "الحجاب والعفة"، يقضي بفرض عقوبات على المخالفات لقواعد الزي المحتشم.
وبعد مرور نحو 4 أشهر على الإعلان الرسمي عن إلغاء شرطة الأخلاق، بدأت قوات الشرطة الإيرانية في منتصف أبريل/نيسان 2023 تنفيذ عملية جديدة للتعامل مع الحجاب تحت عنوان "خطة نور الوطنية"، إذ أوضح قائد شرطة طهران آنذاك عباس علي محمديان، أنه سيتم تحذير النساء اللواتي لم ينتبهن لتحذيرات الشرطة السابقة بشكل خاص، وستُتخذ الإجراءات القانونية بحقهن.
وأعلنت قيادة الشرطة الإيرانية، في بيان لها، أنه "في إطار المطالب العامة وانطلاقا من الواجبات الشرعية، سيتم اتباع خطة الحجاب والعفة بجدية أكبر بدءا من يوم السبت 13 أبريل/نيسان 2023، في كافة الطرق والأماكن العامة"، وهو ما اعتبره الشارع الإيراني عودة لشرطة الأخلاق والآداب للشوارع تحت غطاء جديد.
وإثر ذلك اجتمع مؤيدو "خطة نور" في العاصمة طهران ومدينة قم، وقال القائد العام لشرطة إيران أحمد رضا رادان أمام حشد من المؤيدين للخطة بالمدينة إن "الحجاب والعفة قضية ثقافية واجتماعية تماما، والعدو يحاول تحويلها إلى قضية أمنية"، مؤكدا أن الشرطة مستمرة بتنفيذ هذه الخطة بقوة.
قانون الحجابوفي أكتوبر/تشرين الأول 2025 أعلن أمين سر "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" روح الله مؤمن نسب عن تشكيل "غرفة وضعية العفاف والحجاب"، مما أثار الجدل حول السياسات الرسمية عن قضية الحجاب وعودة دوريات شرطة الأخلاق إلى الشوارع من جديد.
فقد أعلن مؤمن نسب تنظيم 80 ألف "آمر بالمعروف" وأكثر من 4 آلاف و500 مدرب وضابط قضائي لتنفيذ "قانون الحجاب والعفاف"، الذي كان قد أقره البرلمان سابقا، مؤكدا أن هذه العناصر "يمكن أن تُحدث تحولا كبيرا في محافظة طهران".
ولطالما ارتبط اسم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمشاريع وأفكار مثيرة للجدل لدى المجتمع الإيراني؛ منها دوريات شرطة الأخلاق و"عيادات معالجة عدم ارتداء الحجاب"، و"مشروع حراس الحجاب".
وسارعت العديد من الأوساط السياسية في إيران إلى التحذير من أن "أي إجراء متشدد في هذا التوقيت الدقيق قد يشكل وقودا لتوترات اجتماعية جديدة".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات قانون الحجاب مهسا أمینی فی إیران ألا یکون
إقرأ أيضاً:
جلسة طارئة بالأمم المتحدة حول الفاشر.. ومصر تتصدر الجهود الإقليمية لفرض هدنة شاملة في السودان
تعيش الساحة السودانية لحظة حرجة تتأرجح بين تصاعد العنف وتطلعات السلام، بعد أن تصدرت أنباء الفاشر عناوين التقارير الدولية إثر ورود معلومات عن عمليات قتل جماعي خلال سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة. وبينما تتسارع التحركات الدولية لوقف نزيف الدم، أعلنت الأمم المتحدة عقد جلسة طارئة لمجلس حقوق الإنسان لبحث الوضع المتدهور هناك، في خطوة تعكس القلق العالمي المتزايد من تدهور الحالة الإنسانية في دارفور.
وسط هذا المشهد المأزوم، برزت بوادر أمل بعد إعلان «قوات الدعم السريع» موافقتها على مقترح لوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية، ما أعاد الأضواء إلى الجهود الإقليمية والدولية، وخاصة الدور المصري الذي ظل ركيزة أساسية في دعم الاستقرار السوداني منذ اندلاع الأزمة.
الأمم المتحدة تتحرك... قلق دولي من أحداث الفاشركشفت مذكرة دبلوماسية للأمم المتحدة أن مجلس حقوق الإنسان سيعقد جلسة طارئة في 14 نوفمبر الجاري لبحث الوضع في الفاشر، عقب ورود تقارير عن انتهاكات خطيرة وعمليات قتل جماعي لمئات المدنيين والعُزل خلال سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة.
وأوضحت الوثيقة أن أكثر من 50 دولة أيدت الدعوة لعقد الجلسة، وهو مقترح تقدمت به بريطانيا وآيرلندا وألمانيا وهولندا والنرويج، بدعم من ثلث الأعضاء الحاليين في المجلس ممن يملكون حق التصويت.
ووفقًا لتقارير وكالة "رويترز"، فإن التحرك الأممي يعكس حجم القلق الدولي من تصاعد الانتهاكات، واحتمال انزلاق السودان إلى فوضى أوسع إذا لم يُكبح العنف في دارفور سريعاً.
من جانبه، أشار مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى أن ما جرى في الفاشر يمثل واحدة من أكثر الحوادث دموية منذ اندلاع الصراع في السودان، مؤكداً أن مئات المدنيين قُتلوا في ظروف مأساوية. وفي المقابل، أوضح السفير السوداني لدى الأمم المتحدة، حسن حامد حسن، أن بلاده ما زالت تدرس موقفها من هذا التدخل الدولي، رغم اعتراضها في السابق على أي تحقيق خارجي في انتهاكات حقوق الإنسان.
الهدنة الإنسانية... خطوة أولى نحو الحل السياسي
أكد الخبير الاستراتيجي اللواء نبيل السيد أن إعلان وقف إطلاق النار في السودان يمثل خطوة إيجابية ومحورية على طريق استعادة الأمن والاستقرار في هذا البلد الشقيق، مشيرًا إلى أن قبول الأطراف بمبدأ الهدنة يعكس وجود رغبة أولية في الحل السياسي بعد شهور طويلة من الصراع المسلح الذي أرهق الدولة السودانية وشعبها.
وأوضح اللواء نبيل السيد أن الهدنة الإنسانية ليست مجرد إجراء مؤقت لوقف القتال، بل هي نافذة أمل يمكن البناء عليها لتهيئة المناخ المناسب للحوار الوطني الشامل، مؤكداً أن معالجة جذور الأزمة يتطلب التزاماً حقيقياً من جميع الأطراف، بعيداً عن الحسابات الضيقة، من أجل تجنيب السودان مزيداً من المعاناة الإنسانية والانقسام.
وأضاف الخبير الاستراتيجي أن استمرار الانتهاكات في بعض المناطق، كمدينة الفاشر، يشكل تهديداً خطيراً لمسار الهدنة، وأن المجتمع الدولي مطالب بدعم جهود الرباعية الدولية مصر، الولايات المتحدة، الإمارات، والسعودية في ضمان تنفيذ الاتفاق على الأرض، ومراقبة أي خروقات قد تجهض الجهود المبذولة لإحلال السلام.
الدور المصري في دعم الهدنة واستقرار السودانوأكد اللواء نبيل السيد أن مصر لعبت ولا تزال تلعب دوراً محورياً ومسؤولاً في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء السودانيين، مستندة إلى علاقاتها التاريخية الممتدة مع السودان، لافتاً إلى أن مصر تؤمن بأن الحل في السودان يجب أن يكون نابعاً من الداخل السوداني نفسه، مع توفير الدعم العربي والإقليمي لتيسير هذا المسار.
وختم اللواء نبيل السيد تصريحاته بالتأكيد على أن المرحلة الحالية تتطلب استثمار الهدنة كفرصة لبناء الثقة بين القوى السودانية، مشيراً إلى أن مصر ستواصل جهودها الدبلوماسية والإنسانية في دعم الشعب السوداني وتخفيف معاناته، مؤكداً أن القاهرة كانت وستظل شريكاً صادقاً في مسيرة السلام والاستقرار في السودان والمنطقة بأكملها.
بين الألم والأمل
تبدو صورة السودان اليوم متشابكة بين الدمار والأمل، بين جراح الحرب ونبض الحياة الذي يحاول الصمود. ومع اقتراب موعد الجلسة الأممية المرتقبة، يترقب العالم ما ستؤول إليه التحركات الدولية والإقليمية.
لكن، وسط كل هذا، يبقى الأمل معقوداً على أن تكون الهدنة الإنسانية بداية صفحة جديدة، تضع حداً لدوامة الدم، وتعيد إلى السودان حقه في السلام والعيش الكريم. وفي هذا الطريق، تظل مصر حاضرة بثقلها وتاريخها، تدفع نحو الوفاق وتدعم استقرار الجار الجنوبي، كما كانت دوماً سنداً للأشقاء في أوقات المحن.