واشنطن-  بعد لقائهما مرتين خلال الأشهر الماضية، الأولى في مايو/أيار بالرياض خلال زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى السعودية، والثانية في سبتمبر/أيلول الماضي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، يستضيف ترامب اليوم الاثنين الرئيس السوري أحمد الشرع في البيت الأبيض، في خطوة تحمل دلالات سياسية ورمزية بالغة الأهمية.

وتكتسب الزيارة أهميتها من كونها الأولى لرئيس سوري إلى العاصمة الأميركية، وهو ما يمنحها طابعا تاريخيا في وقت تتزاحم فيه ملفات شائكة على أجندة المحادثات الثنائية.

ومن المنتظر أن يوقع الشرع خلال الزيارة على انضمام بلاده رسميا للتحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ضد تنظيم الدولة الإسلامية، إضافة إلى بحث مستقبل العلاقة السورية الإسرائيلية، فضلا عن مساعيه لرفع ما تبقى من العقوبات الأميركية المفروضة على دمشق بشكل كامل.

وفي حديثه للجزيرة نت، يرى البروفيسور ستيفن هايدمان، رئيس قسم دراسات الشرق الأوسط بجامعة سميث في ماساتشوستس والخبير غير المقيم في مركز سياسات الشرق الأوسط بمعهد بروكينغز، أن "زيارة الشرع إلى البيت الأبيض تشكل محطة مفصلية في مسار العلاقات الأميركية السورية، فهذه هي المرة الأولى التي يلبي فيها رئيس سوري دعوة لزيارة البيت الأبيض، وهو ما يعكس حجم التحول الذي شهدته العلاقة منذ سقوط نظام بشار الأسد".

وتحمل الزيارة كذلك -وفق مراقبين- مؤشرا على الثقل الدبلوماسي الذي بات يمثله الشرع، إذ يسبق عددا من قادة دول عربية حليفة لواشنطن لم تتح لهم فرصة زيارة البيت الأبيض منذ تولي ترامب ولايته الثانية في يناير/كانون الثاني الماضي.

معضلة العقوبات

ورغم أن إدارة ترامب رفعت الجزء الأكبر من العقوبات المفروضة على سوريا، فإن سلطة إلغاء قانون قيصر تبقى بيد الكونغرس، الذي لم يمنح بعد موافقته على رفع شامل للعقوبات.

إعلان

ويقول أندرو تابلر، الخبير في معهد واشنطن والمسؤول السابق بالخارجية ومجلس الأمن القومي، في تقرير نشر حديثا، إن أداء الرئيس الشرع خلال الأشهر الستة الماضية "كان كافيا لتأمين لقاء تاريخي في المكتب البيضاوي، إلا أن إقناع الكونغرس بإلغاء العقوبات بالكامل قد يواجه صعوبات أكبر".

وفي ندوة نظمها المعهد، اعتبر السفير جيمس جيفري -الممثل الأميركي السابق في سوريا- أن "تقدم المفاوضات بشأن وقف إطلاق النار في غزة جعل الملف السوري أولوية واشنطن الأبرز في الشرق الأوسط".

وشدد على أن "الوحدة والاستقرار والتنمية الاقتصادية تمثل العناوين الأهم التي ينبغي التعامل معها في سوريا"، مضيفا أن "للمجتمع الدولي مصلحة في رؤية سوريا موحدة مع ضمان حماية الدروز والأكراد".

وفي حديث آخر للجزيرة نت، أوضح هايدمان أن دمشق تطمح، من خلال الزيارة، إلى "دفع واشنطن لإنهاء قانون قيصر، ومناقشة توفير دعم اقتصادي إضافي لمرحلة إعادة الإعمار، إضافة إلى بحث كيفية مساهمة الولايات المتحدة في ترسيخ الاستقرار على الحدود السورية الإسرائيلية بما ينسجم مع الموقف الأميركي المعلن الداعم لسيادة سوريا على كامل أراضيها".

من جانبه، يرى خبير الشؤون الإستراتيجية ومدير مؤسسة دراسات دول الخليج جورجيو كافيرو أن الشرع "من المرجح أن يسعى إلى رفع كامل للعقوبات الأميركية، وتوسيع الاستثمارات الأميركية في قطاع الطاقة، والحصول على دعم مباشر لعملية إعادة الإعمار".

ويضيف كافيرو في حديثه للجزيرة نت أن إدارة ترامب تسعى في المقابل إلى منع الشرع من الاقتراب المفرط من موسكو، وتعمل على تقديم واشنطن كشريك إستراتيجي طويل الأمد قادر على دعم استقرار سوريا وعودتها إلى المجتمع الدولي.

الأمن السوري ينفذ في وقت سابق حملة أمنية ضد خلية لتنظيم الدولة الإسلامية بمحافظة إدلب (سانا)تطلعات الجانب الأميركي

ويشير هايدمان إلى أن "استكمال ترتيبات مشاركة سوريا رسميا في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة يشكل هدفا محوريا للولايات المتحدة خلال الزيارة، إذ من شأن هذه الخطوة إقناع المعارضين داخل الكونغرس بضرورة رفع عقوبات قيصر".

ويضيف أن واشنطن قد تدفع أيضا باتجاه انضمام سوريا إلى الاتفاقيات الإبراهيمية، رغم أن احتمالات حدوث ذلك تبقى ضئيلة. وتشمل الملفات الأميركية المطروحة -وفق الخبير- معالجة ملف المقاتلين الأجانب، وإعادة هيكلة قطاع الأمن، وضمان حماية الأقليات، خصوصا في شمال شرقي البلاد وجنوبها.

ويتفق كافيرو مع هذا التقدير، مشيرا إلى أن "التوقعات تتزايد بأن تعلن سوريا رسميا انضمامها للتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، وهو ما قد يفتح الباب أمام تعاون عسكري أعمق وربما مفاوضات حول قاعدة جوية أميركية داخل سوريا".

ويلفت كافيرو إلى أن "السجل الطويل للشرع في التعامل مع الجماعات الجهادية في العراق وسوريا يجعل رمزية هذه الخطوة لافتة، لكنها في الوقت نفسه منطقية من منظور إستراتيجي، بالنظر إلى خبرة هيئة تحرير الشام -التي يقودها الشرع- في قتال تنظيم الدولة".

ويضيف أن عودة التنظيم للظهور في بعض مناطق سوريا، واعتماد واشنطن طويلا على قوات سوريا الديمقراطية، يدفع الإدارة الأميركية إلى إعادة النظر في ترتيبات مكافحة الإرهاب بالشراكة مع الحكومة المركزية في دمشق.

إعلان رسائل للداخل السوري

ويرى مراقبون أن الزيارة ستخضع لاهتمام كبير داخل سوريا، لما قد يترتب عليها من انعكاسات سياسية داخلية. وفي حديثه للجزيرة نت، قال الدبلوماسي السابق وخبير الشؤون الخارجية ولفغانغ بوستزتاي إن الزيارة تشير إلى أن أحمد الشرع أصبح مقبولا من قبل الولايات المتحدة كشريك ورجل دولة، بعد سنوات من إدراجه على لوائح الإرهاب عام 2013 ورصد مكافأة بقيمة 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه.

ويضيف بوستزتاي أن ذلك يعكس اقتناع واشنطن بجدية تعهداته بشأن مستقبل سوريا واعتباره حليفا مهما في مواجهة التنظيمات الجهادية.

ويختتم بوستزتاي بالقول إن الزيارة "ستعزز بلا شك موقع الشرع داخليا، كما تبعث برسائل واضحة للأكراد وحلفاء واشنطن الآخرين بأن الولايات المتحدة باتت تنظر إليه بوصفه شريكا أساسيا، وهو ما يعني ضرورة التعامل معه على هذا الأساس. كما تحمل رسالة للسوريين مفادها أن ترامب يرى في رئيسهم ركيزة محورية في معادلات المنطقة".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات البیت الأبیض للجزیرة نت إلى أن وهو ما

إقرأ أيضاً:

الشرع: سوريا حققت إنجازات كبيرة خلال 11 شهرا

قال الرئيس السوري أحمد الشرع، إن بلاده حققت خلال 11 شهرا إنجازات كبيرة بعد أن كانت معزولة تماما.

سوريا تستعد لطرح فرص استثمارية جديدة في قطاعات النفط والغاز والمياه سوريا تدخل مفاوضات تاريخية مع الولايات المتحدة لتحولات دبلوماسية وأمنية شاملة

وفي لقاء خلال زيارته الرسمية إلى الولايات المتحدة مع وفد من أبناء الجالية السورية في واشنطن، قال الشرع إن "الدبلوماسية السورية وعلى رأسها وزير الخارجية أسعد الشيباني استطاعت أن تصل إلى مراحل مهمة في وقت قصير".

وأضاف: "أعظم رأس مال لسوريا هو وحدة الشعب السوري في الداخل وليس بالضرورة أن نتفق تماما ولكن أن نتحد".

وتابع قائلا إن سوريا "محور ربط قوي لذلك كانت هدفا تاريخيا، وعندما نقول إننا نعيد سوريا إلى موقعها الطبيعي فذلك ليس فقط بزيارات سياسية".

وأشار إلى أنه "وضعنا استراتيجية قبل بدء معركة التحرير وكنا نخطط لمشاريع بناء سوريا رغم أنها لم تكن بين أيدينا وكل خطواتنا كانت مدروسة وموفقة".

وشدد على أن "الحفاظ على النصر كُلفته أكبر من تحقيق النصر ذاته والعمل أمامنا كبير ومكلف".

قال الشيباني خلال ذات اللقاء، إن "الشعب السوري محب للحياة وهذا في جيناته ونحن اليوم نبني بلدا لأبنائنا وللأجيال القادمة"، مضيفا: "لن نرضى بأخذ أي خطوة إلا إذا كان أساسها المصلحة الوطنية".

وأوضح أن "الواقعية شيء أساسي في سياستنا ولو راقبنا الـ11 شهرا الماضية فنحن الآن أكثر ثقة والرؤية أكثر وضوحا".

وأكد أن "الشعب السوري ناضل طويلا حتى تكون سوريا متحضرة وتحترم المرأة وتعطيها دورها الحقيقي".

واختتم الشيباني تصريحاته قائلا: "نحن اليوم نعمل كفريق واحد وليس كسلطة وطبقات. نريد سوريا في المستقبل دولة حديثة متطورة ونعمل على ذلك".

ووصل الشرع إلى الولايات المتحدة، السبت، في زيارة رسمية، حسبما أفادت وكالة الأنباء الرسمية السورية "سانا"، بعد يوم من إزالة واشنطن اسمه من قوائم الإرهاب.

ومن المقرر أن يلتقي الشرع في زيارته التاريخية الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وأجرى الرئيس السوري أول زيارة له إلى الولايات المتحدة للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك حيث ألقى كلمة، لكن زيارته إلى واشنطن هي الأولى لرئيس سوري منذ استقلال البلاد عام 1946.

مقالات مشابهة

  • سوريا: مؤسس ملفات قيصر يروي كيف هُرِّبت أدلة التعذيب من قلب أجهزة الأسد
  • خلال لقائه منظمات سورية في واشنطن.. الشرع: نعمل على اتفاق مع إسرائيل
  • من لوائح الإرهاب إلى البيت الأبيض.. لقاء تاريخي يجمع اليوم بين الشرع وترامب
  • الشرع: سوريا حققت إنجازات كبيرة خلال 11 شهرا
  • الشرع: سوريا حققت إنجازات كبيرة خلال 11 شهرا
  • ماذا بعد زيارة الشرع لواشنطن وأي ثمن ستدفعه دمشق؟
  • الشرع: العقوبات المفروضة على سوريا في مراحلها الأخيرة
  • وزير الخارجية التركي يزور واشنطن تزامنًا مع لقاء الشرع وترامب
  • قبل لقائه ترامب.. أحمد الشرع: العقوبات على سوريا في مراحلها الأخيرة