في مشهدٍ يعكس فخر المصريين وإعجاب الزوار من مختلف أنحاء العالم، يواصل المتحف المصري الكبير استقبال أعدادٍ قياسية من الزائرين منذ لحظة افتتاحه الرسمي مطلع نوفمبر الجاري. هذا الصرح العملاق الذي طال انتظاره، لم يعد مجرد متحف يضم كنوز الفراعنة، بل أصبح رمزًا عالميًا للحضارة المصرية الحديثة، يجمع بين عبق التاريخ وروعة الحاضر.

إقبال غير مسبوق منذ اليوم الأول

كشفت وزارة السياحة والآثار المصرية عن استمرار التدفق الكبير للزوار على المتحف المصري الكبير، حيث استقبل أكثر من 12 ألف زائر حتى منتصف اليوم السابع من افتتاحه للجمهور. وذكرت الوزارة، في منشور عبر صفحتها الرسمية على "فيسبوك"، أن متوسط عدد الزائرين بلغ نحو 19 ألف زائر يوميًا، وهو رقم يعكس حجم الشغف العالمي بالحضارة المصرية.

وأكد الدكتور أحمد غنيم، الرئيس التنفيذي لهيئة المتحف، أن الزيارات تسير بانسيابية وتنظيمٍ متميز، مشيرًا إلى أن المتحف استقبل يوم الأحد الماضي نحو 17 ألف زائر استمتعوا بتجربة فريدة تجمع بين الأصالة والتقنيات الحديثة في العرض المتحفي.

أسعار الزيارة وإقبال عالمي

حددت وزارة السياحة قيمة تذاكر الدخول للمتحف بـ 1450 جنيهًا للأجانب والعرب (ما يعادل نحو 30 دولارًا)، و200 جنيه للمصريين، و100 جنيه لطلبة المدارس.
وتسعى مصر من خلال هذا المشروع العملاق إلى استقطاب نحو 8 ملايين زائر سنويًا، ليصبح المتحف منافسًا مباشرًا لمتحف اللوفر في باريس، أحد أكثر المتاحف جذبًا للسياح حول العالم، والذي تتجاوز إيراداته السنوية 250 مليون دولار.

وبناءً على الأرقام الحالية، من المتوقع أن تصل إيرادات المتحف المصري الكبير إلى نحو 150 مليون دولار سنويًا من مبيعات التذاكر فقط، دون احتساب العوائد الإضافية من المطاعم والمقاهي والمتاجر ومناطق الضيافة داخل المتحف.

انعكاسات اقتصادية وسياحية واسعة

لم يقتصر تأثير المتحف المصري الكبير على الجانب الثقافي فقط، بل امتد إلى قطاع السياحة بأكمله. فبحسب مصادر في القطاع، ارتفعت نسب الإشغال الفندقي في القاهرة والمناطق المجاورة إلى مستوياتٍ قياسية، كما زاد متوسط إنفاق السائح خلال فترة إقامته بشكلٍ ملحوظ.

وأشار وزير السياحة المصري في تصريحاتٍ متلفزة إلى أن إيرادات مصر السياحية ستتجاوز 18 مليار دولار هذا العام، مع توقعاتٍ بمواصلة النمو لتصل إلى أكثر من 30 مليون سائح بحلول عام 2030، وهو ما يعزز مكانة مصر كأحد أبرز المقاصد السياحية في العالم.

صرح عالمي بكنوز لا مثيل لها

بلغت تكلفة إنشاء المتحف نحو 1.2 مليار دولار، واستغرق بناؤه أكثر من عشرين عامًا. ويضم المتحف أكثر من 100 ألف قطعة أثرية، من بينها الكنوز الكاملة للملك توت عنخ آمون، التي تُعرض لأول مرة في مكانٍ واحد.

وقد شهد حفل الافتتاح حضور 79 وفدًا رسميًا، من بينهم 39 رئيس دولة وملكًا وأميرًا، في تأكيدٍ واضحٍ على الأهمية الدولية لهذا الحدث الثقافي والتاريخي الفريد.

موسم سياحي واعد

ومع اقتراب موسم الإجازات الشتوية في أوروبا، تتوقع مصر موسمًا سياحيًا مزدحمًا، خاصة أن البلاد تُعد من الوجهات المفضلة للسياح الأوروبيين بفضل طقسها المعتدل وتنوع تجاربها السياحية بين التاريخ والثقافة والاستجمام.

المتحف المصري الكبير لم يعد مجرد مبنى يعرض آثار الفراعنة، بل أصبح رمزًا وطنيًا وعالميًا يجسد روح مصر الحديثة، ويعيد إلى الأذهان أمجاد حضارةٍ عمرها آلاف السنين. ومع هذا الإقبال المتزايد من الزوار من مختلف أنحاء العالم، يبدو أن المتحف ماضٍ بثقة نحو أن يصبح واحدًا من أهم المتاحف في العالم، وواجهةً حضارية تليق بتاريخ مصر العريق ومستقبلها الواعد.

طباعة شارك المتحف المصري مصر اللوفر السيسي دولار السائح

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: المتحف المصري مصر اللوفر السيسي دولار السائح المتحف المصری الکبیر أکثر من

إقرأ أيضاً:

المتحف المصري الكبير: أهمية الحدث ودلالته

يحق للشعوب التي لها حضارات ضاربة في عمق التاريخ أن تتباهى بحضاراتها. لكن الأهم من التباهي هو السعي إلى إحياء إرثها الحضاري، لا بهدف العيش في الماضي من خلال توجهات نكوصية ارتدادية مثلما يفعل الإسلامويون في عالمنا العربي، الذين يريدون لنا أن نعيش في الماضي بكل مظاهره وتفاصيله الشكلية؛ وإنما بهدف بعث روح الإبداع الحضاري الماضوي في الحاضر الذي نعيشه.

وحينما تتكفل الدول صاحبة الحضارات بهذه المهمة، فإنها بذلك تستجيب لإرادة شعوبها التي تحمل إرث الماضي التليد في باطنها، ولا تقوم بتغييب هذا الإرث. وفي ضوء هذا أتحدث عن المتحف المصري الكبير كمثال راهن حي على ما أقول.

قصة إنشاء المتحف الكبير ترجع إلى سنة 1992 عندما طرح الفنان فاروق حسني ـ الذي أدار وزارة الثقافة المصرية طيلة ربع قرن ـ فكرة إنشاء المتحف على الرئيس الراحل حسني مبارك، من أجل إنقاذ الآثار المصرية المخزونة في المتحف القديم، وفي غيره من الأماكن الأثرية على نحو لا يليق بعظمة تلك الآثار.

استغرقت دراسات الجدوى والتوصل إلى مصادر التمويل عقدًا كاملًا إلى أن بدأ التنفيذ الفعلي سنة 2002 بوضع حجر الأساس والشروع في البناء الذي توقف بضع سنوات بعد أحداث ثورة يناير 2011.

ولذلك فإننا لا ينبغي أن ننسى أبدًا دور فاروق حسني في إنشاء هذا المتحف الذي هو صاحب فكرته والذي أشرف على بنائه سنوات عديدة. ولقد ساهم في إنشاء هذا المتحف مؤسسات دولية متخصصة في مجالات وتفاصيل كثيرة، تنتمي إلى اليابان وإيرلندا وهولندا وإنجلترا وألمانيا وإيطاليا وكندا، وغيرها، فضلًا عن المؤسسات المصرية.

بعد إنجاز المتحف الكبير، تم الاحتفاء بافتتاحه في حفل ضخم في أول نوفمبر. كان الحدث هائلًا ومثيرًا للإعجاب رغم ما شابه من بعض العيوب الفنية، خاصةً فيما يتعلق بالعروض الموسيقية التي لم تكن على مستوى الحدث، ولا ترقى إلى مستوى العرض الموسيقي في احتفالية موكب المومياوات في أثناء انتقالها إلى متحف الحضارة.

وأنا أقول ذلك باعتباري متخصصًا في مجال الجماليات، بما في ذلك جماليات الموسيقى. وكم كنت أتمنى أن يتولى الفنان الكبير فاروق حسني الإشراف ـ أو على الأقل المشاركة في الإشراف ـ على العروض الموسيقية باعتباره على ثقافة فنية وموسيقية رفيعة المستوى قلّما نجد لها مثيلًا، وهوـ كما ذكر لي ـ لم يكن ليتأخر عن هذه المهمة لو طُلِب منه ذلك. ولكن كل ذلك لا يطعن في أهمية الاحتفال وروعته في تفاصيل أخرى عديدة، ولا يطعن في أهمية الدلالة الكبرى التي يعبر عنها هذا الحدث.

وللأسف فإن الجماعات الإسلاموية (ولا أقول الإسلامية) راحت تطعن في قيمة هذه الاحتفالية وأهميتها في الدلالة على هذا الحدث العظيم؛ فذهب بعض أعضائها إلى القول بأن هذه الاحتفالية لا ضرورة لها من وجوه عديدة، ومن ذلك: القول بأن هذه الاحتفالية قد تكلفت كلفة باهظة في وقت تحتاج فيه الدولة إلى تلك الأموال التي تم إنفاقها.

بل زاد بعضهم على ذلك بالقول في استنكار: وما قيمة الاحتفال بأصنام الماضي من آل فرعون؟ وهو ما يكشف عن جهالة وعن نية سيئة في تسفيه دلالة الحدث؛ إذ راح بعضهم يتندر على قيمة التمثال المهيب لرمسيس الثاني، بل على قيمة وأهمية كل تماثيل الحضارة المصرية القديمة، وهم يستشهدون في موقفهم هذا بآيات القرآن التي تستنكر أفعال آل فرعون من دون أن يتساءلوا عن حقيقة الفرعون المقصود في القرآن: فكلمة فرعون في القرآن لا تعني كل أو أي فرعون حكم مصر، وإنما تشير إلى فرعون الخروج، وهو بالمناسبة ليس الملك العظيم رمسيس الثاني، وإنما هو على الأرجح ابنه مرنبتاح صاحب لوحة الانتصار التي ورد فيها النص الوحيد الذي قد يكون له صلة بذلك؛ إذ جاء فيه قوله: إنه الآن قد استأصل شأفة بني إسرائيل وقضى عبى ذريتهم؛ ولذلك يُعتقد أنه هو فرعون الخروج، وإن كان هذا غير مؤكد؛ إذ يُقال أيضًا أنه أحد ملوك الهكسوس الذي حكم مصر في فترة النبي موسى.

والحقيقة أن كلمة «فرعون» تعني البيت العالي، وهو أي بيت يسكنه الحاكم الملك، ولا تشير إلى حاكم بعينه.

ومن حسن الحظ أن مثل هؤلاء لا يمثلون جموع الشعب المصري الذي ظل يحفظ إرث الأجداد في باطنه، فحتى المصري العامي البسيط يحفظ هذا الإرث بطريقة مضمرة في لغته وإن كان بطريقة لا واعية؛ إذ إن اللغة العامية المصرية لا تزال تنطوي على آلاف الكلمات الهيروغليفية والمستمدة منها.

ومن هنا يمكن أن نفهم فرحة المصريين بافتتاح المتحف المصري، حتى إن حوالي مليوني مصري قد نشروا على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال الذكاء الاصطناعي صورًا لهم ولأطفالهم وقد ارتدوا الأزياء الفرعونية.

والحقيقة أن أغلب من طعنوا في أهمية افتتاح المتحف المصري هم من المتأسلمين الجاهلين بالحضارة المصرية القديمة، فهم لم يقرأوا شيئًا من الموسوعات العربية عن هذه الحضارة، ومنها موسوعة سليم حسن؛ بل لم يقرأوا حتى كتاب جيمس هنري برستيد بعنوان «فجر الضمير».

فالفراعنة لم يكونوا مستبدين بل كانوا يمتثلون لأحكام الآلهة «ماعت» آلهة التوازن في الكون والعدالة والأخلاق في النفس بالنسبة إلى الحكام والمحكومين؛ وتاريخ حضارتهم العظيمة هو الذي خلد ذكراهم وجعل العالم يفتتن بإنجازاتها في مجالات العلم والفن والأخلاق؛ ويا ليتنا نتأسى بشيء من ذلك في زماننا هذا.

مقالات مشابهة

  • بلومبرج: المتحف المصري الكبير يعزز الحضور العالمي لمصر في لحظة تاريخية
  • حدث ليلًا| تفاصيل نظام حجز تذاكر المتحف الكبير وتحذير من طقس الخميس
  • محاضرة تاريخية بجامعة القاهرة حول «المتحف المصري الكبير وتعزيز الهوية الوطنية»
  • المتحف المصري الكبير: أهمية الحدث ودلالته
  • المتحف المصري الكبير
  • رئيس الوزراء يوجه رسالة للمواطنين بشأن الممارسات السلبية في المتحف المصري الكبير
  • إقبال كثيف يعكس مكانته العالمية.. 19 ألف زائر يوميا للمتحف المصري الكبير منذ افتتاحه
  • أثناء لقاءه بالسفير المصرى.. رئيس جمهورية البرتغال يشيد بالمتحف المصري الكبير وحفل الافتتاح
  • المتحف المصري الكبير يستقبل أكثر من 12 ألف زائر في يومه الـ 7