بطولة العالم للأشخاص ذوي الإعاقة.. حدث تاريخي يؤكد ريادة سلطنة عُمان في الرياضة البحرية

حاوره - عامر الأنصاري

كثيرة هي الفعاليات والبطولات التي تنظمها مؤسسة عُمان للإبحار، والتي يشهد لها الكثير بالنجاح والتنظيم الاحترافي المتقن، ورغم أن تجربتي في تغطية مناشط المؤسسة حديثة العهد، إلا أن ما خضته من تجارب ميدانية كان كفيلًا بترك انطباع إيجابي، بدءًا من مهرجان عُمان للتزلج المظلي الذي أقيم بمحافظة جنوب الشرقية في يوليو الماضي بمشاركة دولية، مرورًا بأيام المصنعة للإبحار الشراعي، وصولًا إلى بطولة آسيا وأوقيانوسيا لقوارب الأوبتمست الخاصة بالناشئين.

ذلك الانطباع لا يقتصر على الجانب الشخصي فحسب، بل يشاركني فيه معظم المشاركين من متسابقين ومنظمين، ممن عبّروا عن إعجابهم بالمستوى التنظيمي والروح التي تسود الفعاليات، سواء في اللقاءات الصحفية أو خلال الأحاديث الودية التي جمعتنا على هامش السباقات وفي أوقات الاستراحة المسائية.

جهود كبيرة يبذلها فريق عُمان للإبحار، تمتزج فيها روح المسؤولية بالمرح والطاقة الإيجابية. وها نحن اليوم على مشارف انطلاق بطولة العالم للإبحار الشراعي للأشخاص ذوي الإعاقة، حيث يواصل الفريق عطاءه دون انقطاع، بعد أقل من شهر على إسدال الستار عن بطولة آسيا وأوقيانوسيا.

حول هذه الجهود المتواصلة، والفريق المتكامل الشغوف بالعمل والعطاء، الذي يحمل روح الانتماء لمؤسسة عُمان للإبحار ويحرص على تمثيل سلطنة عمان بأبهى صورة، كان لنا هذا الحوار مع الدكتور خميس بن سالم الجابري، الرئيس التنفيذي لمؤسسة عُمان للإبحار، للحديث عن البطولة العالمية المرتقبة واستعدادات الفريق لاستضافتها.

•بداية لنتحدث عن استضافة أول بطولة خاصة للإبحار الشراعي لذوي الإعاقة، وعن عدد الدول المشاركة فيها، ومدة إقامتها؟

-تستعد سلطنة عُمان ممثلةً في مؤسسة عُمان للإبحار لاستضافة وتنظيم النسخة الأولى من "بطولة العالم للإبحار الشراعي للأشخاص ذوي الإعاقة 2025"، بعد فوزها بملف الاستضافة مطلع هذا العام، لتسجل بذلك إنجازاً تاريخياً كونها أول دولة في العالم تنظم وتستضيف هذا الحدث العالمي المخصص لرياضيي الإبحار من ذوي الإعاقة. ويعكس هذا الحدث مكانة سلطنة عُمان كوجهة رائدة عالمياً في رياضة الإبحار الشراعي، حيث استضافت مؤسسة عُمان للإبحار العديد من البطولات الدولية والإقليمية المرموقة، وذلك في مدرسة المصنعة للإبحار الشراعي الواقعة بمنتجع بارسيلو المصنعة، أحد أبرز مرافق التدريب والبطولات المتكاملة في المنطقة.

وتُقام البطولة خلال الفترة من 30 نوفمبر إلى 8 ديسمبر 2025 في مدرسة المصنعة للإبحار الشراعي، تزامناً مع اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة، بمشاركة من 150 إلى 200 بحّار وبحّارة من 34 دولة من مختلف دول العالم، يمثلون مدارس ومراكز إبحار متنوعة، ويخوضون منافسات ضمن خمس فئات من القوارب المعتمدة دوليًا.

أما عن أهداف هذه البطولة، فهي تهدف إلى تعزيز مبدأ الشمولية في الرياضة البحرية عبر دمج الرياضيين من مختلف الفئات دون تمييز، وتوفير منصة تنافسية عادلة تجمع البحّارة المصنّفين وغير المصنّفين في بيئة واحدة، بالإضافة إلى الترويج لسلطنة عُمان كوجهة عالمية لرياضات الإبحار والسياحة الرياضية والمغامرات. كما نهدف إلى دعم برامج التمكين المجتمعي وإتاحة الفرص للأشخاص ذوي الإعاقة للمشاركة في الأنشطة الرياضية الدولية، والمساهمة في تحقيق مستهدفات (رؤية عُمان 2040) في مجالات الرياضة والسياحة والتنمية المجتمعية.

وقد سبق لعُمان للإبحار أن نظّمت واستضافت بطولة العالم لقوارب "آر.إس فنتشر" للأشخاص ذوي الإعاقة في عام 2022م، والتي حقّق خلالها الفريق العُماني الميدالية الذهبية في الفئة المفتوحة، في إنجازٍ يؤكد تطور رياضة الإبحار للأشخاص ذوي الإعاقة في سلطنة عُمان. أما بطولة العالم للإبحار الشراعي للأشخاص ذوي الإعاقة 2025، فتتميّز بكونها الحدث الأول من نوعه على مستوى العالم الذي يجمع مشاركين من مختلف أنواع الإعاقات، يتنافسون خلالها ضمن خمس فئات من القوارب، وهي: قوارب "آر. أس. فنتشر" المخصصة للفرق المصنّفة بارالمبيًا، وقوارب "آر. أس 21" فئة سباقات الفرق للمكفوفين، وقوارب "هانسا 303" المفتوحة لجميع البحّارة دون الحاجة لتصنيف، وقوارب "إلكا 6" لذوي الإعاقات الذهنية (فئة الأولمبياد الخاص)، وأخيراً قوارب "وينج فويل"، وهي فئة جديدة تُطرح للمرة الأولى في بطولة عالمية.

وسيُقام قبل انطلاق السباقات برنامج تطويري للدول الناشئة في رياضة الإبحار الشراعي وتحديداً الإبحار للأشخاص ذوي الإعاقة، يمتد لثلاثة أيام بإشراف الاتحاد الدولي للإبحار ودعم من الدولة المستضيفة، يهدف إلى رفع كفاءة المدربين ومسؤولي السباقات، وتطوير برامج الإبحار الشراعي للأشخاص ذوي الإعاقة في الدول المشاركة، ودعم المبادرات التي تعزز دمج وتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة مثل برنامج "أبحر بحرّية" الذي أطلقته عُمان للإبحار بالشراكة مع بي.بي عُمان واللجنة البارالمبية العُمانية.

•ماذا عن الجهات المتعاونة أو الداعمة في تنفيذ وتنظيم هذه البطولة؟

-يُقام الحدث تحت مظلة الاتحاد الدولي للإبحار الشراعي واللجنة البارالمبية العُمانية، كما يحظى بتعاون وتنسيق من وزارة الثقافة والرياضة والشباب ووزارة التراث والسياحة ومكتب محافظ جنوب الباطنة بوصفهم رعاة فضيين للبطولة، ويشارك في دعم الحدث عدد من شركاء القطاعين العام والخاص، من بينهم منتجع بارسيلو المصنعة وشركة أوكسيدنتال عُمان والمشغّل الوطني للسفر والشركة الوطنية للمرطبات (تنوف) وشركة مزون بوصفهم رعاة برونزيين، ويجسد هذا التعاون الواسع تكاتف الجهود بين مختلف الجهات والمؤسسات الحكومية والخاصة لإنجاح حدثٍ عالمي يُبرز مكانة سلطنة عُمان على الساحة الدولية.

•استضافة سلطنة عُمان لحدث عالمي بهذا الحجم تمثل مسؤولية كبيرة وفرصة إيجابية في الوقت ذاته، كيف تصفون ذلك؟

-ننظر إلى استضافة بطولة العالم للإبحار الشراعي للأشخاص ذوي الإعاقة 2025 باعتبارها مسؤولية وطنية وفرصة استراتيجية في الوقت ذاته، فهي تجسّد ثقة الاتحاد الدولي للإبحار في الإمكانات التنظيمية العالية التي تمتلكها سلطنة عُمان، وتعكس كفاءة الكوادر الوطنية التي باتت قادرة على إدارة وتنظيم أبرز الفعاليات العالمية بكفاءة واحترافية، كما تؤكد هذه الاستضافة ريادة سلطنة عُمان في ترسيخ مفهوم الرياضة للجميع، وترجمة التزامها بمبادئ الشمولية والمساواة في مختلف المجالات، ونعمل بكل حرص على أن تكون هذه البطولة نموذجاً يحتذى به في التنظيم والاحترافية على المستويين الإقليمي والدولي، بما يعزز مكانة سلطنة عُمان كوجهةٍ رائدة لفعاليات الإبحار العالمية.

أما على الصعيد الوطني، فإن هذا الحدث سيمثل رافداً مهماً للاقتصاد الوطني، من خلال تنشيط قطاعات السياحة والفندقة والخدمات والنقل، إلى جانب مساهمته في دعم "رؤية عُمان 2040" عبر الربط بين الرياضة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياحة المستدامة، وتشمل هذه المكاسب تشغيل مختلف البنى الأساسية في الدولة، كالفنادق والمنتجعات والمرافئ، وتنشيط قطاع الطيران عبر زيادة أعداد الزوار إلى سلطنة عُمان، ورفع نسب الإشغال الفندقي، إضافة إلى توفير فرص واسعة أمام المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لإبراز منتجاتها والمشاركة في الفعاليات المصاحبة.

وعلى مدى أكثر من ستة عشر عامًا من العمل والإنجاز، استطاعت عُمان للإبحار أن تحقق أثرًا اقتصاديًا مباشرًا وغير مباشر تجاوز 69 مليون ريال عُماني من خلال استضافة أكثر من 57 فعالية دولية، كما تجاوزت القيمة الإعلامية لأنشطة المؤسسة 125 مليون ريال عُماني بفضل التغطية الواسعة عبر أبرز القنوات والصحف العالمية، وهو ما أسهم في تعزيز صورة سلطنة عُمان كوجهة سياحية بحرية متميزة على خارطة الرياضة العالمية.

•ما يثلج الصدر أن نرى العديد من كوادر "عُمان للإبحار" هم أنفسهم المشرفون على تفاصيل التنظيم، بدءًا من المخاطبات الرسمية مع الوفود، مرورًا بعمليات الاستقبال والإعاشة، وصولًا إلى حفلَي الافتتاح والختام اللذين يغلب عليهما الطابع الإبداعي، حدثنا عن هذا التنظيم؟

-بالفعل، نفخر بأن كوادرنا الوطنية هي الأساس الذي نعتمد عليه في استضافة وتنظيم كل فعالية رياضية، من مراحل التخطيط والإدارة اللوجستية إلى العمليات الميدانية والتواصل الدولي، لدينا فرق متخصصة في إدارة السباقات والعلاقات الدولية، والإعلام، وتنظيم الفعاليات، جميعها تعمل بتناغم تام، مدعومة بخبرة تمتد لأكثر من 16 عامًا من تنظيم بطولات العالمية، وذلك وفق منظومة تضمن تجربة متكاملة للمشاركين والوفود.

هذا النجاح ناتج عن إيماننا بالكفاءات الوطنية وتمكينها على إدارة الأحداث الدولية باحترافية تضاهي أفضل المعايير العالمية، وقد توجت خلاله جهودنا بالحصول على الجائزة الذهبية كأفضل منظم أحداث رياضية وجائزة أفضل حدث رياضي ضمن حفل جوائز الصناعة الرياضية في الشرق الأوسط لعام 2021.

•اعتدنا في كل بطولة تنظمونها أن ترافقها مبادرات توعوية وبيئية، مثل حملات التنظيف وتعزيز مفهوم الحفاظ على البيئة البحرية. ما أبرز الفعاليات المصاحبة التي تخططون لإقامتها خلال هذه البطولة؟

-تماشيًا مع التزام عُمان للإبحار بمبادئ البيئة والاستدامة، تُنظم البطولة وفق معايير سباقات بحرية نظيفة (Clean Regatta)، وسترافقها مجموعة من المبادرات البيئية والمجتمعية تهدف إلى تعزيز الاستدامة وحماية البيئة البحرية. وتشمل هذه المبادرات الحد من استخدام المواد البلاستيكية أحادية الاستخدام، وتنظيم حملات تنظيف الشواطئ، وتوزيع عبوات مياه قابلة لإعادة الاستخدام، إضافة إلى تنفيذ برامج توعوية بالتعاون مع Sailors for the Sea Powered by Oceana، كما ستُقام جولات سياحية مخصصة لتعريف المشاركين بـ الثقافة العُمانية الأصيلة وتراث سلطنة عُمان العريق، بما يعكس قيم الضيافة والمسؤولية البيئية التي تتميز بها سلطنة عُمان.

•ماذا عن المشاركات الخارجية القادمة لفريق "عُمان للإبحار"؟ ما أبرز المحطات أو المنافسات التي تستعدون لها في الفترة المقبلة؟

-شهد عام 2025 موسماً رياضياً حافلاً بالبطولات والفعاليات المحلية والدولية، كان من أبرزها استضافة سلطنة عُمان لبطولة آسيا وأوقيانوسيا للأوبتمست للمرة الثانية، والتي حققت نجاحاً لافتاً باستقطابها أكثر من 180 بحّاراً وبحّارة من 25 دولة من قارتي آسيا وأوقيانوسيا، كما نظّمت "عُمان للإبحار" النسخة الرابعة عشرة من أسبوع المصنعة للإبحار الشراعي، إلى جانب استعداد الفريق النسائي لقوارب الأوبتمست وإلكا 6 للمشاركة في النسخة الثانية من البطولة العربية للشراع للفتيات بدولة الكويت والتي ستقام في شهر ديسمبر المقبل، وفي عام 2026، تستعد الفرق الوطنية للمشاركة في عددٍ من البطولات الآسيوية والعالمية، بما في ذلك جولات الإبحار الأوروبية والمعسكرات التدريبية التي تهدف إلى تأهيل البحّارة للمنافسة في مختلف البطولات مثل المشاركة في دورة الألعاب الآسيوية المقبلة في اليابان ضمن فئات قوارب 49 والأوبتمست وفئة قوارب 29، والمقرر إقامتها خلال الفترة من 19 سبتمبر إلى 4 أكتوبر 2026.

•بطولة ذوي الإعاقة لها خصوصية تتطلب وتجهيزات خاصة لهذه الفئة، كيف تم تهيئة المرافق والمعدات لاستقبال الرياضيين من ذوي الإعاقة وضمان تيسير مشاركتهم؟

-تم تجهيز مدرسة المصنعة للإبحار الشراعي لتكون بيئة نموذجية صديقة وشاملة للرياضيين من الأشخاص ذوي الإعاقة، حيث تم تهيئتها بأعلى المعايير الدولية لضمان تجربة آمنة ومتكاملة للمشاركين، تضم المدرسة مرسي مجهز بالكامل وممرات وصول سهلة الاستخدام، إلى جانب ورشة مخصصة لصيانة القوارب صُممت وفق معايير عالمية، كما تتوفر مرافق إقامة فندقية متكاملة الخدمات داخل منتجع بارسيلو المصنعة، تم تهيئتها خصيصاً لتلبية احتياجات الرياضيين من ذوي الإعاقة.

ولضمان انسيابية الحركة وسلامة المشاركين، تم تخصيص وسائل نقل مجهزة لنقلهم من وإلى المطار والموقع، وتأكيداً لجاهزية المدرسة من الناحية التقنية والتنظيمية، فقد تم اعتمادها كمركز تدريب آسيوي من الفئة (أ) للمراكز عالية الأداء من قبل الاتحاد الآسيوي للإبحار، مما يعزز مكانتها كمرفق رائد لاحتضان البطولات الدولية وتطوير الكفاءات الرياضية في المنطقة.

•إلى أي مدى تم التعاون مع اللجنة البارالمبية العُمانية في التحضير لهذه البطولة، سواء من ناحية الجوانب الفنية أو اللوجستية أو آليات المشاركة؟

-تجمعنا شراكة استراتيجية مع اللجنة البارالمبية العُمانية بدأت منذ إطلاق برنامج "أبحر بحرّية" عام 2019، والذي يُعد أول برنامج وطني في المنطقة يُعنى بتعليم وتطوير مهارات الإبحار الشراعي للأشخاص ذوي الإعاقة، ومنذ ذلك الحين، تتواصل أوجه التعاون بين الجانبين في مختلف الجوانب الفنية، من بينها تدريب وتأهيل الكوادر الوطنية، وتبادل الخبرات في مجالات السلامة والتدريب، إلى جانب تمكين الرياضيين العُمانيين من ذوي الإعاقة للمشاركة في البطولات المحلية والدولية، بما يعزز حضور سلطنة عُمان على الساحة الرياضية البارالمبية الإقليمية والعالمية.

•بعد تنظيم هذه البطولة، ما الخطط المستقبلية لـ"عُمان للإبحار" في تعزيز استدامة هذه الفئة من المنافسات، وجعلها جزءًا دائمًا من أجندة الرياضة البحرية في السلطنة؟

-نؤمن أن هذه البطولة تمثل بداية لمسار طويل نحو ترسيخ ثقافة الإبحار الشمولي للأشخاص ذوي الإعاقة في سلطنة عُمان، وسنعمل بالتعاون مع الاتحاد الدولي للإبحار واللجنة البارالمبية العُمانية على إدراج منافسات الإبحار للأشخاص ذوي الإعاقة ضمن تقويم فعالياتنا السنوية، وإنشاء برامج تدريب وتأهيل مستدامة لبناء جيل من البحّارة القادرين على المنافسة عالمياً، هدفنا هو أن تصبح سلطنة عُمان مركزاً إقليمياً للإبحار البارالمبي في المنطقة.

المصدر: لجريدة عمان