هل يحمي قانون تخليق الحياة السياسية سمعة البرلمان في المغرب؟
تاريخ النشر: 14th, November 2025 GMT
الرباط- في سياق الاستعدادات للانتخابات البرلمانية والبلدية المقررة العام المقبل، قدّم وزير الداخلية المغربي، عبد الواحد لفتيت، في البرلمان مشروع قانون لتغيير القانون التنظيمي لمجلس النواب، يهدف إلى تخليق، (تطوير العملية السياسية بقوانين وإجراءات لضمان النزاهة والشفافية)، العمل السياسي وحماية سمعة المؤسسة التشريعية، وذلك بعد تورُّط عدد من النواب في هذه الولاية بقضايا فساد.
وتورّط عشرات النواب في ملفات فساد وتبديد أموال عمومية، وصدرت في حق بعضهم أحكام نهائية، وآخرون لا يزالون رهن المحاكمة، في حين جُرد عدد منهم من عضويتهم في البرلمان.
ومن 375 نائبا في مجلس النواب، أصدرت المحكمة الدستورية في هذه الولاية التشريعية قرارات بتجريد 29 نائبا من عضوية المجلس بسبب تورطهم في قضايا فساد وخرق القانون، وكشفت مصادر إعلامية محلية أن 26 برلمانيا يتابعون في ملفات فساد، بعضهم أدين ابتدائيا وآخرون استئنافا، ومنهم من ينتظر مرحلة النقض.
وأظهر تقرير لوزارة الداخلية اطلعت عليه الجزيرة نت، أن 302 عضو في مجالس البلديات أُحيلوا على القضاء عام 2025 مقابل 137 العام الماضي، ويتعلق الأمر بـ 52 رئيس بلدية و57 من نواب الرئيس و124 عضوا و69 رئيسا سابقا.
المشروع وأهدافه
وقال وزير الداخلية عبد الواحد لفتيت، خلال تقديمه مشروع القانون أمام لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة والشؤون الإدارية في البرلمان، الأربعاء الماضي، إن المشروع يهدف إلى تقوية القواعد اللازمة لتخليق انتخابات أعضاء مجلس النواب ودعم شفافية الانتخابات.
وأضاف أن تحقيق هذه الغاية يشكل قناعة تتقاسمها جميع الأطراف المعنية بهدف صيانة سمعة المؤسسة النيابية لدى الرأي العام الوطني وأيضا الدولي، لافتا إلى أن القواعد التي يقترحها القانون استلهمت من العبر المستخلصة من الممارسة الانتخابية الوطنية طيلة الولايات السابقة ومما يجري العمل به في الديمقراطيات العريقة.
إعلانويهدف المشروع إلى تفعيل قواعد التخليق في مختلف مراحل المسلسل الانتخابي بدءا من فترة إيداع الترشيحات إلى المدة الانتدابية مرورا بفترة الحملة الانتخابية ويوم الاقتراع.
ويمنع مشروع القانون ترشح كل شخص ضبط متلبسا بارتكاب جرائم معينة، والأشخاص الصادرة في حقهم أحكام استئنافية بالإدانة تسقط أهليتهم الانتخابية، والأشخاص الذين صدرت في حقهم أحكام ابتدائية بالإدانة في جناية، فضلا عن الأشخاص الذين عُزلوا من مهمة انتدابية.
كما ينص على تشديد العقوبات السجنية والغرامات المالية بالنسبة للجرائم المرتكبة بمناسبة الانتخابات برفعها إلى الضعف على الأقل، وأيضا تجريد كل نائب يوجد رهن الاعتقال لمدة تعادل أو تفوق 6 أشهر من عضويته في البرلمان.
وصنف القانون بعض الجرائم من جنحة إلى جناية، مثل اقتحام مكاتب التصويت مع حمل السلاح لمنع الناخبين من التصويت، أو انتهاك العمليات الانتخابية من أجل تغيير نتيجة الانتخابات أو الاستيلاء على صندوق الاقتراع قبل فرز أوراق التصويت الموجودة بداخله.
معضلة الثقة
من جهته، قال المحلل السياسي محمد العمراني بوخبزة، إن الشروع في مناقشة مشاريع تهدف إلى تخليق العمل السياسي والبرلماني جاء بعدما أظهرت دراسات أن منسوب الثقة لدى المواطن المغربي في المؤسسات المنتخبة ضعيف جدا، خصوصا في البرلمان والحكومة والأحزاب السياسية.
وأوضح للجزيرة نت، أن هذه المعضلة "تمس جوهر العملية الديمقراطية"، ما يجعل اتخاذ إجراءات عملية لاستعادة الثقة أولوية كبرى في المرحلة الراهنة.
كما أكد المحلل السياسي محمد شقير، أن المشروع الذي قدمه وزير الداخلية يجب وضعه في سياقه السياسي العام، الذي يتسم بوجود إرادة سياسية واضحة لدى العاهل المغربي للحد من مظاهر الفساد التي تفاقمت خلال الولاية التشريعية الحالية.
وأضاف شقير للجزيرة نت، أن السلطات أبدت صرامة غير مسبوقة في ملاحقة المنتخبين المتورطين في قضايا الفساد سواء في البلديات أم في البرلمان.
وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس قد أكد في خطاب العرش في يوليو/تموز الماضي على ضرورة توفير المنظومة العامة المؤطرة للانتخابات البرلمانية، وأن تكون معتمدة ومعروفة قبل نهاية السنة الحالية، وأعطى توجيهاته لوزير الداخلية للإعداد الجيد للانتخابات التشريعية المقبلة، وفتح باب المشاورات السياسية مع مختلف الفاعلين.
وعقد وزير الداخلية اجتماعين، الصيف الماضي، مع زعماء الأحزاب السياسية، تم الاتفاق فيهما على تقديم الأحزاب مذكرات تتضمن تصوراتها لتنظيم الانتخابات المقبلة.
وأوضح المحلل شقير، أن المشروع المقدم للبرلمان هو ثمرة لهذا الحوار السياسي بين وزارة الداخلية والأحزاب بهدف إعادة الثقة في المؤسسات المنتخبة.
بينما أكد الخبير العمراني بوخبزة، أن وزارة الداخلية، ومنذ الخطاب الملكي الأخير، تعمل على تجويد النصوص القانونية المؤطرة للعملية الانتخابية والأحزاب السياسية بهدف معالجة الوضعية المقلقة التي يعيشها المشهد السياسي.
ولفت إلى أن هذه القوانين لا تستهدف فقط ضبط العملية الانتخابية أو رسم الخريطة السياسية كما في السابق، بل تروم في جوهرها إعادة ثقة المواطنين في البرلمان والمؤسسات المنتخبة وتخليق الحياة السياسية، داعيا إلى إصدار ميثاق للأخلاقيات داخل البرلمان.
وتزايدت أخيرا الانتقادات الموجهة للنخب السياسية الممثلة في البرلمان، خصوصا مع استعداد المملكة لتنظيم تظاهرات إقليمية ودولية كبرى.
إعلانوذهب المحلل شقير إلى أن المرحلة الراهنة تستدعي بروز نخب سياسية وإدارية كفؤة ونزيهة، معتبرا أن "النخب الحالية المتورطة في قضايا فساد أصبحت تشكل عبئا على المغرب وتسيء إلى سمعته في الخارج".
من جهة أخرى، أشار المتحدث نفسه إلى أن الإصلاحات المقترحة حاليا تأتي تجاوبا مع التعبيرات الشبابية التي ظهرت أخيرا ورفعت شعارات تطالب بمحاربة الفساد.
وكانت مجموعات شبابية أطلقت على نفسها حركة "جيل زد 212″ قد نظمت احتجاجات في عدد من المدن المغربية، الشهر الماضي، رافعة شعار "الشعب يريد إسقاط الفساد".
وقال شقير، إن المشروع الذي قدّمه وزير الداخلية في البرلمان جاء استجابة لهذه المطالب، خاصة محاصرة ترشيح النخب المشبوهة في البرلمان، وضبط تمويل الحملات الانتخابية، وإلزام الأحزاب والمترشحين بإحالة تقاريرهم المالية على المجلس الأعلى للحسابات.
وأوضح أن السلطات تُبدي رغبة صارمة في أن تكون الانتخابات المقبلة نزيهة وشفافة، مؤكدا أن هذه الصرامة تعكس توجها واضحا نحو تطهير المشهد السياسي من الممارسات التي أضرت بصورة المؤسسات وأعاقت إنجاز المشاريع الكبرى.
أما الخبير العمراني، فيرى أن الإصلاح السياسي عملية معقدة تواجهها دائما جيوب مقاومة، مضيفا أن التجارب السابقة لم تحقق النتائج المنتظرة، غير أن وجود إرادة سياسية واضحة وآليات جديدة للمراقبة قد يتيح للمغرب الانتقال إلى مستوى أكثر تقدما من الممارسة الديمقراطية وفق تعبيره.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات وزیر الداخلیة فی البرلمان إلى أن
إقرأ أيضاً:
البرلمان الباكستاني يقر تعديلا يمنح الجيش والرئيس حصانة مدى الحياة
أقر البرلمان الباكستاني، الخميس، تعديلا دستوريا مثيرا للجدل يمنح الرئيس وقائد الجيش الحالي حصانة مدى الحياة من أي ملاحقة قضائية، في خطوة اعتبرتها المعارضة "ضربة قاضية للديمقراطية" وتهديدا مباشرا لاستقلال القضاء وتقاسم السلطات في البلاد.
ويُعد هذا التعديل، وهو السابع والعشرون في دستور البلاد، من أبرز القرارات السياسية التي اتخذها البرلمان خلال الأعوام الأخيرة، إذ تم تمريره بغالبية الثلثين في الجمعية الوطنية ثم في مجلس الشيوخ، ليمنح صلاحيات واسعة إضافية للمؤسسة العسكرية على حساب السلطة القضائية.
وينص التعديل على استحداث منصب جديد هو "قائد قوات الدفاع"، يمنح لقائد الجيش الحالي الجنرال عاصم منير، ليصبح بذلك أعلى مرتبة من قادة القوات البحرية والجوية، ويكرس عمليا هيمنة الجيش على هرم المؤسسة العسكرية في باكستان. كما ينص القانون على أن كل من يمنح رتبة "مشير"، كما حدث مع منير في أيار/مايو الماضي بعد اشتباك حدودي مع الهند، سيحتفظ برتبته وامتيازاته مدى الحياة، ويتمتع بحصانة كاملة من أي مساءلة أو ملاحقة قضائية.
وبموجب التعديل ذاته، يحصل الرئيس آصف علي زرداري أيضا على حصانة دائمة مدى الحياة، ما أثار انتقادات واسعة من قوى المعارضة، التي اعتبرت أن الحكومة "تحصن نفسها والعسكر من أي محاسبة مستقبلية".
كما نص التعديل الجديد على إنشاء محكمة دستورية فدرالية تكون الجهة الوحيدة المخولة بالنظر في القضايا الدستورية، في خطوة تقلص من صلاحيات المحكمة العليا الباكستانية وتحد من استقلاليتها.
ويذكر أن الجنرال عاصم منير، الذي تولى قيادة الجيش في تشرين الثاني/نوفمبر 2022 خلفا للجنرال قمر جاويد باجوا، الذي عرف بتجنبه الأضواء الإعلامية واقتصاره على المناسبات الرسمية، قبل أن يخرج للعلن بعد هجوم بهلغام في إقليم كشمير في نيسان/أبريل الماضي٬ حيث ألقى خطابا تحذيريا للهند من فوق دبابة، متوعدا برد "سريع وصاعق" على أي "مغامرة عسكرية غير محسوبة"، ومؤكدا أن بلاده "لن تتخلى عن الكشميريين في نضالهم البطولي ضد الاحتلال الهندي".
ويعد الجيش الباكستاني المؤسسة الأقوى في البلاد، إذ حكمها بشكل مباشر لأكثر من نصف تاريخها منذ استقلالها عام 1947، ورغم نفيه المتكرر التدخل في السياسة، تتهمه المعارضة بالهيمنة على القرار الوطني، وهو ما كرسه التعديل الجديد الذي ينتظر توقيع الرئيس ليصبح قانونا نافذا.