محمد سليم العوا.. صورة من بعيد!
تاريخ النشر: 17th, November 2025 GMT
"نريد عودة العدل الضائع، أما الخلافة فلا نسعى إليها"..
هذه مقولة للدكتور محمد سليم العوا، المفكر المعروف، في حوار صحفي أجريته معه، وكان من الطبيعي أن تكون العنوان الرئيس لهذا الحوار؛ فهي عبارة لا تنقصها الإثارة والجاذبية، والذي كان في الأصل لمناقشة موقفه من الغزو العراقي للكويت. وقد تذكرته بمناسبة الحملة عليه بعد مقابلته مع رباب المهدي في قناتها على يوتيوب!
كنا في عام 1990، وقد كتب الدكتور العوا مجموعة مقالات ضد الغزو نُشرت على ما أتذكر في جريدة "الوفد"، حوّلها صاحب دار الزهراء للإعلام العربي أحمد رائف إلى كتاب (كتيب للدقة)، وهو كان بدوره متحمسا ضد الرئيس العراقي لفعلته، وقبل فعلته، وقد صدر من الدار بعد الغزو عشرات الكتب دفعة واحدة وفي وقت قصير، ذلك بأن الكتب ضد صدام حسين كانت جاهزة لديه تنتظر الإذن بالطباعة، وقبل الغزو كان النظام المصري يسبغ حمايته على الرئيس العراقي، لدرجة اعتقال مصري هارب من حزب البعث، وفكر أن يكتب كتابا عن مرحلة تجنيده، وهو الكتاب الذي صدر وسط هذا الطوفان وحمل عنوان "يوميات بعثي سابق"!
وبسبب الحماس فقد جمع رائف مقالات خالد محمد خالد المنشورة بجريدة "الأخبار" في كتاب طبعه بدون موافقته، والذي أبلغ السلطات لمصادرته، ورفض أي عرض من الزهراء للإعلام العربي لتسوية الموقف والاستمرار في توزيعه.
وكنت متحمسا مثله، فعرضت كثيرا من الكتب التي صدرت، ومنها "يوميات بعثي سابق"، والذي أجريت حوارا مع مؤلفه سليمان فرحات، لكن لم يكن مناسبا عرض كتاب الدكتور العوا، لأنها مقالات منشورة في وقت قريب في صحيفة شقيقة، فكان الحوار لمناقشته في الموقف، بجانب قضايا خاصة بالحركة الإسلامية وقضاياها في هذه الفترة!
العوا.. الفقيه الشاب
ما أتذكره من تقديم الناشر أحمد رائف للدكتور سليم العوا، أنه وصفه بـ"الفقيه الشاب"، وعندما قمت بالوقوف على عمره في ذلك الوقت وجدته (48) عاما، ولا يمكن أن يحسب في زماننا هذا أنه سن يوصف صاحبه بـ"الشاب"، لكنها كانت مرحلة حرق الأجيال، والأجيال التي قرأت اسمها في كتب التاريخ كانت لا تزال تعيش وتتمدد. وكانت الحكومة المصرية من المعمّرين، لذا فقد أطلق على فاروق حسني الوزير الشاب، وقد تجاوز عمره الأربعين عندما عُين وزيرا، وكان جمال الغيطاني قد تجاوز الخمسين، ومع ذلك هو أديب الشباب، وعندما يقارن عمرا بالجيل المعمر مثل نجيب محفوظ وغيره، فإن كرم هذا الجيل الحاتمي يتمثل في الإغداق عليه باللقب!
كان موقف الفقيه الشاب واضحا في الغزو، ومع تحرير الكويت بأي شكل كان، وكان هذا رأيي أيضا، وكان طبيعيا أن نتطرق لموقف الإخوان وكانوا ضد الاستعانة بالقوات الأجنبية في عملية التحرير، فإذا سألت ما العمل والعرب أضعف من هذه العملية؟ لا تستطيع أن تتبين منهم الإجابة!
وبعد نشر الحوار الذي تمدد على صفحة كاملة من القطع الكبير، اتصل بي القيادي بجماعة الإخوان المستشار مأمون الهضيبي، وطلب إجراء حوار معه للرد على ما أثاره الدكتور العوا. وفي دار الجماعة بالتوفيقية التقيته، وعندما قام لصلاة الظهر، نظرت إلى جهاز الكاسيت وكان وقت الحديث يقترب من النصف ساعة، ما يعني قلب الشريط على الناحية الأخرى، كانت المفاجأة أنني نسيت تشغيل الجهاز، فلم نسجل شيئا، وفي تاريخ كل صحفي في جيلنا والأجيال السابقة موقف حرج كهذا!
ولم يظهر على الهضيبي أي ازعاج لإهدار وقته عندما علم بما حدث، وواقف أن يبدأ الحوار من بدايته، فقد كان مهما الرد على ما أثاره الدكتور العوا، والذي كان مؤثرا رغم أنه لا يزال في ريعان الشباب (48 عاما)، وبالقياس بكل أعضاء مكتب الإرشاد آنذاك بمن فيهم المرشد العام الشيخ حامد أبو النصر، فإنه "من دور أبنائهم"، ويمكن أن يكون حفيدا للمرشد!
مناظرة مع فرج فودة
وقيمة العوا أنه متدفق إذا تحدث، سريع البديهة وحاضر الرد، قوي المنطق، متمكن في موضوعات تخصصه، سواء القانونية أو الفقهية. ولعل الناس لا يعلمون أن مناظرة أخرى مع الدكتور فرج فودة كانت في مقر إحدى النقابات المهنية في الإسكندرية بعد قليل من مناظرة معرض الكتاب الشهيرة، وقد تحدث في التوازن الذي افتقدته ندوة المعرض (كانون الثاني/ يناير 1992)، لأن كليهما يملك نفس القدرات تقريبا!
بيد أن هذه المناظرة على أهميتها، لم تحظ بالاهتمام اللائق، لأنها بعيدة عن العاصمة والاهتمام الإعلامي من ناحية، ولأنها الثانية ومن الطبيعي أن تحظى الأولى بالاهتمام، ولأن وجود المستشار الهضيبي في مناظرة معرض الكتاب كان سببا في أن يحشد الإخوان لها هذا الحشد الهائل، الذي عندما رأيته قلت إن فرج فودة لن يستطيع أن ينطق جملة مكتملة من هول الموقف!
في ندوة المعرض، لعب فرج فودة على التناقض في خطاب الدكتور محمد عمارة والشيخ محمد الغزالي، وكان جاهزا بالأرشيف من خلال مقولات للأخير في الصحف، والتي تتناقض مع ما يقوله الدكتور عمارة في المناظرة، مثل حديثه عن الحكم الإسلامي الممتد والذي حقق فتوحات ونجاحات في زمن الخلافة الإسلامية عندما كان الإسلام يحكم، وما جاء في حديث صحفي للشيخ الغزالي من أنه بعد حكم الخلفاء الراشدين انتفت عن الخلافة صفة الرشد!
في مناظرة الإسكندرية لم كن هناك مادة للتناقض، وخطاب الدكتور العوا ليس فيه أي اضطراب منذ أن كان فقيها شابا وإلى الآن، وإن تحفظت على مواقفه السياسية بعد الثورة، فلم أكن مع ترشحه للرئاسة، وإن كانت التجربة أثبتت أنه كان من أكثر الإسلاميين استحقاقا للموقع، لأنه الوحيد من بينهم الذي يمكن يقال عنه إنه رجل دولة، كما أن خطه الفكري يهدئ من روع الخائفين، كما تحفظت على موقفه بعد الانقلاب، ربما لأنه لم يكن بالحدة اللازمة، وحالة الاستقطاب السياسي في هذه الفترة كان لها تأثيرها على الجميع، فتجاهلنا أن كلا ميسر لما خلق له، وقد تجاوز مرحلة "الفقيه الشاب"، فليس من المنطق أن نطلب منه أن يحتفظ بصفاته ومن بينها "التمرد"!
دوره في الثورة:
بيد أني لا أنسى أن الرجل عندما قامت ثورة يناير كان في ميدان التحرير، وعندما وقعت موقعة الجمل في يوم الفزع، عندما أحيط بالثورة من كل جانب، كان في الميدان وكانت مداخلاته في قناة الجزيرة هي الأكثر ثباتا في هذا اليوم، وأكثر نفيرا، ولم تكن تقبل المساومة، بينما الأمر لم يكن كذلك بالنسبة لمداخلات سياسيين محترفين استقر في وجدانهم أن نهاية الثورة هي مسألة وقت، وخلال سويعات سيكون نظام مبارك قد تمكن من الاستيلاء على ميدان التحرير!
وآفة هذا الزمان، أن كلا منا يريد أن يكون الآخر نسخة كربونية منه، وأن فكر التكفير والهجرة انتقل من ميدان التدين إلى مجال السياسة، فإن لم يكن للآخر نفس الموقف تماما فإنه يستباح على قواعد الاستحلال، وكأن دخول السجون هدف، وكأنه لا بد للجميع أن يهاجروا للخارج لإثبات البراءة السياسية، وإن كان كثير ممن يرفعون هذه القواعد ليسوا في السجن وليسوا في الخارج؛ إنهم نائمون على "فيسبوك"، بيد أن واحدا مثل الدكتور العوا مطلوب لذاته لجلسات التشهير والتشويه، وهي أزمة الإنسان المستقل! هذا فضلا عن أن هناك على منصات التواصل الاجتماعي من يرون أن من أهدافهم السامية تشويه كل رمز، واغتيال كل شخصية مهمة، واستباحة كل كبير، وهي فوضى صنعتها السوشيال ميديا حتى عشنا في زمن الرويبضة.. لكنه ليس واحدا.. فما أكثرهم!
مقابلة الدكتور سليم العوا في بودكاست رباب المهدي استمرت ساعة ونصف، بيد أن القوم لم يجدوا فيها إلا عبارة واحدة مارسوا بسببها استباحة الرجل، وهي قوله "السيسي تحمل ما لا يتحمله إنسان في السنتين بتوع حرب غزة"! وهي عبارة يمكن أن تتفق فيها مع العوا ويمكن لك أن تختلف، وقد يكون دافعك ما تعرضت له غزة من حصار وتجويع، وقد تلتمس العذر للنظام وقد قدم دفوعه في هذا الصدد، لكن لماذا لا نسلم في قضية المقاومة بما يقره المقاومون، فهم من يحددون بوصلتهم، وهم يقولون في النظام المصري فيما يختص بقضيتهم كلاما رائعا حتى في الجلسات الخاصة التي تجمعنا ببعض القيادات، ولا نرى بأسا فيما يقولون، فهذه شهادة ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا. وهل نتجاهل أن النظام المصري رفض التهجير، والتقى حركة المقاومة، وكان وسيطا معقولا؟
وبعيدا عن هذا كله، فماذا في العبارة يمكن بها إدانة الدكتور العوا، ولا بد للنظام والحرب على حدوده، والحديث عن فرض التهجير، أن يشعر بالقلق؟ وليس في القول إنه تحمل ما لا يتحمله إنسان ما يعد نفاقا رخيصا! ولنفترض أن العبارة غير دقيقة، وأنها نتيجة اجتهاد خاطئ، فهل الأمر يستوجب اندفاع جماعات التكفير والهجرة للنيل من الرجل بهذه القسوة؟..
فماذا جرى لهذا كله؟!
x.com/selimazouz1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه سليم العوا المصري السيسي غزة مصر السيسي غزة اخوان سليم العوا مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة صحافة سياسة سياسة اقتصاد سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الدکتور العوا سلیم العوا فرج فودة بید أن لم یکن
إقرأ أيضاً:
مش إخواني.. أحمد موسى: العوا كان له دور تخريبي عقب أحداث 2011
قال الإعلامي أحمد موسى إن الدكتور محمد سليم العوا لعب دورًا وصفه بـ«التخريبي» عقب أحداث 2011، مشيرًا إلى أن العوا كان صاحب مواقف «تآمرية على الدولة» خلال فترة ما قبل وبعد ثورة 30 يونيو، رغم أنه ليس عضوًا في جماعة الإخوان.
موقف الرئيس عبد الفتاح السيسيوأوضح موسى، خلال تقديمه برنامج «على مسئوليتي» عبر قناة «صدى البلد»، أنه نشر تعليقًا على منصة «إكس» تناول فيه إشادة العوا بموقف الرئيس عبد الفتاح السيسي، مضيفًا أن غالبية التفاعلات جاءت مهاجمة للعوا بسبب ارتباط مواقفه السابقة بالجماعة، وقال: «98% من المتابعين رفضوا كلامه، لأن الشعب لا يقبل من دعم الإخوان أو وقف في صفهم».
وأضاف موسى أن «جميع المنصات واللجان التابعة للإخوان شنت هجومًا على سليم العوا» بعد تصريحاته عن الرئيس السيسي، لافتًا إلى أنهم «وصلوا إلى حد التكفير وإباحة دمه بسبب عدة كلمات قالها في مدح الرئيس».
وأشار الإعلامي في ختام حديثه إلى أن سليم العوا كان مرشحًا سابقًا للانتخابات الرئاسية، معتبرًا أنه «كان يستهدف الحصول على جزء من السلطة مثله مثل عبد المنعم أبو الفتوح وآخرين».