د. آية الهنداوي تكتب: الوجع الصامت… حين تدور الحرب داخل الروح
تاريخ النشر: 17th, November 2025 GMT
في السنوات الأخيرة ظهرت حالة نفسية معقدة أصبحت منتشرة بين مختلف الفئات العمرية، لكنها لا تتحدث عن نفسها كثيرًا ألا وهي "الوجع الصامت".
إنها تلك الحالة التي يبدو فيها الشخص طبيعيًا من الخارج يمارس حياته اليومية، يبتسم في الوقت المناسب، ويتحدث بثقة بينما في داخله تدور معركة كاملة لا يراها ولا يشعر بها أحد.
الوجع الصامت هو الوجع الذي لا يجد طريقًا للخروج. لا نوبات بكاء، ولا انهيارات واضحة، ولا صراخ لكنه موجود طوال الوقت يرافق صاحبه في العمل، وفي طريق العودة وحتى وهو بين أصدقائه. إنها مشاعر الضغط والخوف والتوقع الدائم للأسوأ لكنها مكتومة، خجولة، لا يستطيع الفرد الإعتراف بها أو التعبير عنها.
غالبًا ما ينشأ هذا النوع من الوجع عند الأشخاص الذين اعتادوا الصمت، أو الذين يخشون أن يكونوا عبئًا على الآخرين أو الذين تعلموا منذ الصغر أن “القوة” هي عدم الكلام. وهؤلاء يعيشون في صراع داخلي بين رغبتهم في التعبير ورغبتهم في الحفاظ على الصورة الهادئة التي اعتاد عليها الآخرون.
الوجع الصامت خطير لأنه لا يُكتشف بسهولة. قد يبدو صاحبه شخصًا منضبطًا، مركزًا، وناجحًا لكنه يتقوض من الداخل ببطء. وأحيانًا يصنع هذا القلق نمطًا من السلوكيات الخفية مثل النوم لساعات طويلة كوسيلة للهروب وفقدان الشهية أو الإفراط فيها، التردد المزمن، الحساسية العالية تجاه المواقف الصغيرة، أو فقدان القدرة على الإستمتاع بأي شيء.
الأخطر أن صاحب الوجع الصامت غالبًا لا يطلب المساعدة بنفسه لأنه لا يراها “ضرورة”، أو لأنه يخشى أن يُساء فهمه. لذلك، يصبح دور المحيط به مهمًا ملاحظة العلامات الصغيرة وسؤال الشخص عن حاله بصدق، وإعطاؤه مساحة آمنة للبوح من غير حكم أو ضغط.
ومن المفارقات المؤلمة أن بعض الناس لا يرون معاناة هذا الشخص، بل يحسدونه على ما يظنونه قوة وصبرًا واحتمالًا. ينظرون إلى ملامحه الثابتة فيظنون أن لديه قدرة خارقة على التحمل، بينما الحقيقة أن هذا الثبات ليس راحة، بل قناع مرهق يغطي وجعًا ثقيلًا.
هناك من يحسد الإنسان المتعب لأنه “لا ينهار”، أو لأنه “يستطيع الإحتفاظ بهدوئه”، أو لأنه “واقف على قدميه مهما حصل”، دون أن يدركوا أن هذا الوقوف غالبًا جزء من جرح، لا جزء من قوة.
هذا النوع من النظرات يزيد عزلة الشخص ويُشعره بأن ألمه غير مرئي وبأن صمته يُحاسَب عليه بدل أن يُفهَم. وهكذا يتضاعف الثقل الداخلي لأن أقسى المشاعر هي أن تتألم في صمت ثم تُحسَد على قدرتك على إخفاء الألم.
وأشير هنا إلي أحد أهم مفاتيح التعامل مع الوجع الصامت هو أن يستعيد الإنسان جزءًا من مساحته الداخلية التي فقدها تحت ضغط التوقعات والصمت الطويل. هذه المساحة يمكن أن تبدأ بفعل بسيط جدًّا الإعتراف لنفسه بأن ما يشعر به حقيقي ويستحق الإلتفات. فالوجع لا يهدأ بالإنكار، بل بالإحتواء.
أحيانًا يكفي أن يمنح الشخص نفسه عشر دقائق يوميًا يبتعد فيها عن الضوضاء يكتب ما يشعر به دون ترتيب أو يترك عقله يتنفس بلا أحكام. هذا النوع من التفريغ الهادئ يخفف التوتر المتراكم تدريجيًا لأنه يعيد للإنسان حقه الطبيعي في أن يشعر وفي أن يعبر ولو لنفسه فقط.
ومن أقوى طرق مواجهة الوجع الصامت أن يدرك الشخص أن طلب الدعم ليس ضعفًا، بل خطوة حقيقية نحو الشفاء. يمكن أن يبدأ الدعم من دائرة صغيرة وموثوقة صديق يُحسن الإستماع، أو فرد من العائلة يعرف معنى الإحتواء أو مختص نفسي يستطيع أن يساعده على فهم مشاعره وتنظيمها.
وإذا كان البوح صعبًا، يمكن للشخص أن يضع حدودًا جديدة في حياته يقلل من مصادر الضغط ويختار تدريجيًا ما يناسب صحته النفسية.
فالتغيير لا يأتي دفعة واحدة، لكنه يبدأ من قرار صغير “لن أحمل هذا وحدي بعد الآن”.
حينها يتحول القلق من معركة صامتة إلى مسار تعافٍ حقيقي ومن عبء داخلي إلى تجربة إنسانية يمكن تجاوزها خطوة خطوة.
في النهاية، الوجع الصامت ليس ضعفًا ولا فشلًا، بل نتيجة تراكم مشاعر لم تجد من يحتويها. والاعتراف به خطوة أولى نحو الراحة. فالكلمات التي لا تُقال تتحول داخل الإنسان إلى ثُقل ولن يخفّ هذا الثقل إلا عندما يجد طريقة للخروج.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الصمت
إقرأ أيضاً:
معتصم عبدالقادر: أطماع دولية في ثروات السودان وراء إطالة الحرب ودعم الميليشيات
أكد اللواء معتصم عبدالقادر، الخبير العسكري السوداني، أن إطالة أمد الحرب في السودان ترتبط بشكل مباشر بأطماع دولية في ثروات البلاد ومواردها الطبيعية ومواقعها الجغرافية الحساسة.
مصالح في النفاذ للمواردوقال إن معظم القوى الدولية، إضافة إلى بعض دول الجوار — باستثناء مصر وإريتريا وعدد من الدول الإقليمية — كانت لديها مصالح واضحة في النفاذ إلى هذه الموارد، وهو ما أشار إليه أيضًا الناطق باسم حقوق الإنسان فولكر تورك.
وأوضح عبدالقادر، في مداخلة هاتفية مع الإعلامية أمل الحناوي ببرنامج «عن قرب مع أمل الحناوي» على قناة «القاهرة الإخبارية»، أن المذابح والانتهاكات التي يشهدها السودان تأتي نتيجة لطمع قوى متعددة في الذهب والمياه والموانئ الاستراتيجية المطلة على خطوط اتصال تربط بين آسيا وأفريقيا وأوروبا.
وأشار إلى أن بعض الدول الوكيلة تسعى للسيطرة على موانئ ومنافذ حيوية داخل البلاد.
التنافس على موارد السودانوشدد الخبير العسكري على أن هذا التنافس على موارد السودان جعل من الحرب ساحة لتصفية الحسابات الدولية والإقليمية، على حساب الشعب السوداني، الذي يدفع ثمنًا باهظًا نتيجة سعي أطراف مختلفة للتمدد داخل الأراضي السودانية.