ما السر وراء سعي روسيا لتدمير سكك الحديد الأوكرانية؟
تاريخ النشر: 18th, November 2025 GMT
على مدى قرون شكّلت سكك الحديد في أوكرانيا أكثر من مجرد شبكة نقل. إذ كانت شريانا للحياة، ورمزا للتمدن، وعصبا للاقتصاد التاريخي تحت رايات الإمبراطوريات. ولكنها تحولت اليوم إلى ساحة صراع لوجستي في الحرب مع روسيا.
ولم يعد دور السكك الحديدية في أوكرانيا مقتصرا على نقل الركاب والبضائع فقط، بل باتت تحمل الجنود والإمدادات العسكرية إلى الجبهات، وتحافظ على اتصال المدن الكبرى على الرغم من الهجمات المستمرة عليها التي بلغت أكثر من 3700 هجوم منذ أغسطس/آب الماضي.
وبحسب مستشار وزير الدفاع الأوكراني السابق، يوري ساك، فإن السكك الحديد تمثل "شريانا لوجستيا حيويا للجيش الأوكراني" ويتعمد الروس استهدافها لإضعاف قدرة البلاد على الدفاع وإلحاق الضرر بحياة المدنيين.
جذور سكك حديد أوكرانياوقد نشأت خطوط حديدية عبر الأراضي الأوكرانية في سياق السيطرة الإمبراطورية بالقرن الـ19 لا لتخدم مصالح الإمبراطورية الروسية فقط، بل أيضا لتصل سككها لإمبراطورية النمسا المجرية لربط الأراضي الزراعية الغنية والمراكز الصناعية بالموانئ والتجارة العالمية.
ومن خلال هذه السكك، كان يتم نقل الحبوب والمعادن من قلب أوكرانيا إلى الموانئ البلطيقية، مما أمن للإمبراطوريات منفذا اقتصاديا إستراتيجيا.
ولم تُستخدم السكك الحديدية فقط لبناء الاقتصاد، بل دخلت عمق الثقافة الأوكرانية والسوفياتية. ففي حقبة سيطرة الاتحاد السوفياتي السابق، أصبحت السكك رمزا للعمل الجماعي والتضحية.
كما كانت ترد في أدب الروايات التي تمجد العمال والبنية التحتية كجزء من المشروع الاشتراكي، الأمر الذي عزز من مكانة السكك كجزء من الهوية الوطنية، ليس فقط للنقل، بل كرمز للمقاومة ونماء الدولة.
السكك الأوكرانية هدف إستراتيجيمع بدء الغزو الروسي في فبراير/شباط 2022، بدأت السكك الحديدية في أوكرانيا تلعب دورا لوجستيا بالغ الأهمية إذ تُستخدم لنقل الجنود، والإمدادات، والأسلحة، فضلا عن الحفاظ على الروابط المدنية بين المدن.
إعلانولكن هذا الدور جعل هذه السكك هدفا إستراتيجيا. ففي إحدى الغارات، أفاد وزير تنمية المجتمعات الأوكراني باستهداف محطة في منطقة تشيرنيغيف من قبل طائرات روسية، وتم إصلاح الأضرار باستخدام احتياطي من القاطرات التي تعمل بالديزل.
وبالإضافة إلى ذلك، أفاد التقرير الرسمي أن شبكة السكك الأوكرانية تعرضت لأضرار ضخمة وأن حوالي 10 آلاف كيلومتر من السكك الحديدية تضررت أو فقدت.
وتاريخيا، لعبت السكك الحديدية دورا مزدوجا اقتصاديا وإستراتيجيا، لكنها اليوم تمثل أيقونة المقاومة بين الإرث الثقافي والأدبي والتحدي العسكري المعاصر.
فقبل نحو 160 عاما، وضعت شبكة السكك الحديدية في أوكرانيا حجر الأساس لتصبح واحدة من أعظم شرايين النقل في أوروبا الشرقية، بين الإمبراطوريات الروسية والنمساوية والمجرية.
وعلى الرغم من هذا الدمار، تستمر أوكرزاليزنيتسا (شركة السكك الأوكرانية) في جهود الترميم، إذ أعادت تشغيل أكثر من 3600 كيلومتر من الخطوط و41 محطة حتى الآن، والتي تتولى نقل الثروات الزراعية والصناعية، وتسهم في بناء المجد خارج حدود البلاد.
دلالة رمزية وإستراتيجيةاستهداف السكك الأوكرانية ليس مجرد ضربة فيزيائية على الحديد والحديد الخرساني، بل هو هجوم على تراث طويل الأمد، فشبكة الحديد نشأت تحت إمبراطوريات، وترسخت في المشروع السوفياتي، وأصبحت اليوم قلب المقاومة الأوكرانية.
ومن منظور أوكراني فإن هذه الهجمات تمثل محاولة لشل "شريان حياة" يربط بينها وبين ما تبقى من اقتصادها والبنية التحتية التي تضمن تواصل المدنيين والجيش.
أما من وجهة نظر روسيا، فإضعاف هذه السكك يهدف إلى تعطيل الجبهة اللوجستية الأوكرانية، وزرع الفوضى في حركة المدنيين والأسلحة، وربما تثبيط إرادة الصمود عبر ضرب البنية التحتية الأساسية.
وعلى الرغم من ذلك، تعمل السلطات الأوكرانية بشكل مستمر لإصلاح الأضرار، مؤكدة أن السكك الحديدية ستبقى رمز صمود الأوكرانيين ومفتاح حياتهم اليومية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات السکک الأوکرانیة السکک الحدیدیة السکک الحدید فی أوکرانیا
إقرأ أيضاً:
بولندا تندد بـ “تخريب” خط للسكك الحديد يؤدي إلى أوكرانيا
صراحة نيوز-ندّد رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك، الاثنين، بـ”عمل تخريبي غير مسبوق” إثر العثور على قضبان متضررة جراء انفجار على خط للسكك الحديد يؤدي إلى أوكرانيا.
ومنذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا في شباط 2022، أصبحت بولندا العضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو) والاتحاد الأوروبي مركزا لإرسال مساعدات عسكرية وإنسانية لجارتها أوكرانيا.
وكتب توسك على منصة “إكس” عقب زيارته موقع الحادث في ميكا على بعد 100 كيلومتر جنوب شرق وارسو الاثنين أن “تفجير خط السكك الحديد (…) عمل تخريبي غير مسبوق يستهدف أمن الدولة البولندية ومواطنيها”.
وأكد أن هذا الخط يستخدمه يوميا 115 قطارا مختلفا و”يُعد أيضا بالغ الأهمية لإيصال المساعدات إلى أوكرانيا”.
ولفت توسك إلى أن الضرر الذي لحق بهذا الجزء من السكة “كان يهدف على الأرجح إلى إخراج قطار عن مساره”، وتم تفادي ذلك بفضل يقظة سائق لاحظ الضرر وأبلغ عن الواقعة. ولم يُصب أحد بأذى.
وقال وزير الداخلية البولندي مارسين كيرفينسكي للصحافيين إن الانفجار فُعِّل بواسطة سلك عُثر على جزء منه في مكان الحادث.
وتوعد توسك بتوقيف “المسؤولين أيا كان راعيهم”.
وقال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته الاثنين في بروكسل إن الحلف “على اتصال وثيق بالسلطات البولندية” بشأن هذه المسألة، في انتظار نتائج تحقيق فتحته فورا الأجهزة البولندية.
من جانبه، أعرب وزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيغا عن “تضامنه مع بولندا الصديقة” ووعد بأن تقدّم أوكرانيا مساعدة في التحقيق الجاري “إذا لزم الأمر”.
ورأى أنه قد يكون “هجوما هجينا آخر من روسيا لاختبار ردود الفعل”.
وذكر وزير الداخلية البولندي أن خط السكك الحديد نفسه سبق أن تعرض لحادثتن ويجري تحليلهما حاليا.
وأوضح كيرفينسكي أن خطا علويا من السكك الحديد تضرر على طول عشرات الأمتار قرب بلدة بولاوي، ما تسبّب بتوقف قطار، وأن كابلا وضع على بعد مئات الأمتار ولكنه لم يتسبب بحادث.
وأعلنت النيابة العامة البولندية مساء الاثنين أنها ستفتح تحقيقا في الأضرار التي لحقت بخط السكك الحديد المؤدي إلى أوكرانيا.
واعتبر مكتب المدعي العام أنها أعمال “تخريبية لها طابع إرهابي (…) ارتُكبت لصالح منظمة أجنبية”.
وستُجري لجنة الأمن القومي، التي تضم قادة عسكريين، تحقيقا في الحادث صباح الثلاثاء.
وتقول بولندا إن محاولات تخريب استهدفتها منذ العام 2022 وتتهم روسيا بتدبيرها، لكن موسكو تنفي ذلك.
وردا على هذه المحاولات فرضت بولندا قيودا على حركة الدبلوماسيين الروس على أراضيها، وأمرت بإغلاق قنصليتين روسيتين في بوزنان (غرب) وكراكوف (جنوب)، وأوقفت ما مجموعه 55 شخصا تشتبه في أنهم ينشطون لصالح موسكو.