يواجه الآلاف من الموظفين الحكوميين في عدن والمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا في جنوب وشرق اليمن تدهورا مستمرا في مستوى معيشتهم في ظل عدم صرف رواتبهم لأشهر.

وعزت الحكومة اليمنية، التي تتخذ من مدينة عدن الساحلية في جنوب البلاد مقرا، السبب في تأخر صرف الرواتب إلى شح الموارد وخلافات إدارية وتنظيمية بشأن عائدات الدولة في المحافظات.

وقال مسؤولان في البنك المركزي اليمني في عدن لرويترز، طلبا عدم ذكر اسميهما، إن الحكومة تواجه أسوأ أزمة مالية وتمويلية على الإطلاق منذ بدء الحرب في 2015 نتيجة توقف الدعم والمنح المالية الخارجية وتأخر الدعم الخليجي لأشهر.

لكن بعد تلقي 90 مليون دولار هذا الأسبوع من أصل دعم سعودي بقيمة 368 مليون دولار استطاعت الحكومة صرف جزء من الرواتب المتأخرة.

وأكد مسؤول رفيع في البنك المركزي في عدن إن الدعم سيساعد أيضا في تعويض جزء من النقص الكبير في إيرادات الحكومة المعترف بها دوليا. وتكبدت الحكومة اليمنية المعترف بها خسائر تصل إلى أكثر من ثلاثة مليارات دولار خلال ثلاثة أعوام منذ توقف تصدير النفط الخام بعد هجمات الحوثيين على موانئ التصدير في جنوب البلاد وشرقها، ونفاد احتياطات البنك المركزي من النقد الأجنبي.

وأظهر تقرير "المرصد الاقتصادي لليمن" الذي يصدره البنك الدولي ونشر أمس الاثنين أن الاقتصاد اليمني واجه ضغوطا كبيرة خلال النصف الأول من عام 2025 "بسبب الحصار المستمر على صادرات النفط، وارتفاع معدلات التضخم، وتراجع حجم المعونات، في ظل تراكم آثار سنوات من الصراع والانقسام على مستوى مؤسسات الدولة".

وقال المستشار الاقتصادي في مكتب رئاسة الجمهورية اليمنية فارس النجار لرويترز إن تأخر صرف الرواتب ناتج عن "هبوط حاد في الإيرادات العامة عقب توقف صادرات النفط منذ أكتوبر 2022، ما تسبب في أزمة سيولة خانقة داخل المالية العامة".

وأضاف أن "فاتورة الأجور والمرتبات تبلغ نحو 83 مليار ريال شهريا (135 مليون دولار) وفقا لتقارير البنك المركزي بعدن لعام 2024، فيما وصلت النفقات العامة لعام 2024، إلى قرابة تريليوني ريال، غُطي منها نحو 60 إلى 70 بالمئة عبر المنحة السعودية".

الإيرادات وشروط المانحين

ذكرت ثلاثة مصادر حكومية رفيعة ومسؤولون في عدن لرويترز أن تفاقم أزمة تأخر مرتبات الموظفين وتصاعد الغضب الشعبي جراء تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية دفع مجلس القيادة الرئاسي باليمن في مطلع الشهر الجاري إلى إقرار خطة أولويات للإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية الشاملة قدمها رئيس الحكومة وحظيت بدعم دولي وإقليمي لكنها أثارت المخاوف داخليا.

وتهدف الخطة إلى ضبط الموارد العامة وتوحيدها تحت إشراف الحكومة المركزية والبنك المركزي اليمني في مدينة عدن الساحلية المعلنة عاصمة مؤقتة للبلاد ومقر الحكومة.

وكانت المجموعة الرباعية الدولية بشأن اليمن -الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات- اشترطت مع الجهات المانحة تطبيق إصلاحات مالية ومؤسسية شاملة قبل استئناف تقديم الدعم المالي والمساعدات لليمن المتوقف منذ سنوات.

وذكرت مصادر أن الرباعية الدولية أبلغت رئاسة مجلس القيادة الرئاسي بأنها بصدد فرض عقوبات دولية ضد أي معرقل لبرنامج الإصلاحات الاقتصادية والمالية لا سيما من المحافظين "باعتبارهم الذين يتقاعسون عن توريد العائدات للحكومة والبنك المركزي بعد انقضاء المهلة المحددة لتوريدها والتي باتت على وشك الانتهاء".

وحذر صندوق النقد الدولي في أحدث بيان بشأن اليمن الشهر الماضي من التبعات الخطيرة لاحتجاز المحافظات اليمنية للإيرادات الضريبية والجمركية، مؤكدا أن هذه الممارسات تسببت في تضخم كبير لحجم الإيرادات "تحت التسوية" خلال عامي 2023 و2024، وأثرت سلبا على الخدمات العامة في المناطق الخاضعة للحكومة المعترف بها دوليا، وأثارت مخاوف واسعة بشأن الشفافية والمساءلة المالية.

أزمات منهكة

قال عقيل أحمد بن ثابت ( 55 عاما) الذي يعمل أستاذا بجامعة عدن لرويترز إن "الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلد نتيجة استمرار الحرب والأزمة السياسية ساهمت في تدهور الحالة المعيشية لجميع طبقات وشرائح المجتمع لأدنى مستوياتها".

وأضاف أن عدم امتلاك أستاذ أكاديمي ثمن أجرة مواصلات الذهاب إلى الجامعة "جريمة في حق المجتمع ترتكبها الدولة دون تقديم أي حلول تسرع من إنهاء هذه الأزمة الاقتصادية الخانقة".

كما عبر مواطنون وموظفون في محافظات عدن ولحج وأبين عن غضبهم وسخطهم من استمرار توقف الحكومة عن الرواتب المتأخرة مما زاد من أعباء الموظفين وانعكس بشكل مباشر على قدرتهم الشرائية لا سيما في ظل انعدام الخدمات الأساسية وارتفاع أسعار الغذاء والوقود والدواء.

وذكر العديد منهم أنهم اضطروا للجوء إلى الاقتراض لتغطية مصاريف المعيشة، في حين يعاني آخرون من نقص حاد في مستلزمات الحياة الأساسية.

وقال باسل عبد الرحمن أنعم، وهو موظف حكومي نازح من مناطق سيطرة الحوثيين إلى عدن قبل سبع سنوات، إن الموظفين النازحين وعددهم الآلاف يواجهون ظروفا اقتصادية ومعيشية قاسية تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة وتهديدات من ملاك المنازل بالطرد إلى الشارع لعجزهم عن سداد قيمة الإيجارات.

وأضاف "مفيش مرتب والحياة مستحيلة، هذا الوضع أثر علينا وهدد استقرارنا المعيشي والنفسي والاجتماعي، خاصة مع عدم وجود مصادر دخل أخرى لغالبية الموظفين النازحين الذين يعولون أسرهم".

وحذر تقرير "المرصد الاقتصادي لليمن" من أنه مع محدودية الدعم المقدم من المانحين، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وتراجع فرص العمل ومعدلات التشغيل "تواجه أكثر من 60 بالمئة من الأسر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليا والحوثيين أزمة في تأمين احتياجاتها الغذائية، ما يدفع العديد منها إلى اللجوء لآليات تكيف سلبية مثل التسول".

 

المصدر: مأرب برس

كلمات دلالية: المعترف بها دولیا الحکومة الیمنیة البنک المرکزی فی عدن

إقرأ أيضاً:

الحكومة اليمنية: 200 مهاجر أفريقي يصلون البلاد يوميا

أفادت الحكومة اليمنية بأن قرابة 200 مهاجر أفريقي يصلون إلى اليمن يوميا، في ظل الأزمة والصراع الذي تشهده البلاد منذ 11 عاما.

 

وقال وزير الصحة اليمني قاسم بحيبح في تصريحات للجزيرة نت إن اليمن يعاني من التدفق المستمر للمهاجرين من القرن الأفريقي، حيث يصل قرابة 200 مهاجر في اليوم الواحد.

 

وأكد أن ذلك يشكل ضغطا على القطاع الطبي الذي يواجه تحديات كبيرة مع وجود أكثر من 4 ملايين نازح يفتقرون إلى أبسط مقومات العيش الكريم، بما في ذلك خدمات الصحة.

 

وأشار إلى أن وجود هذه الأعداد الكبيرة من المهاجرين وتنقلهم بحرية بين المحافظات بطريقة غير مقننة، نظرا للظروف التي تمر بها اليمن يمثل "قنبلة موقوتة" للنظام الصحي.

 

ولفت إلى أن اليمن شهد موجة وباء الكوليرا في الأعوام السابقة، والتي انتقلت من خلال أحد المهاجرين من القرن الأفريقي وأدت إلى إصابة الملايين ووفاة الآلاف من المواطنين.

 

وشدد على أن اليمن يتعامل مع هذا الملف من منظور إنساني بحت، ويتم التنسيق مع المنظمات الدولية لضمان حصول الجميع، سواء كانوا يمنيين أو مهاجرين أو لاجئين على الخدمات الصحية الأساسية دون تمييز.

 

لكن استمرار هذه الجهود -بحسب الوزير- يحتاج إلى دعم وتمويل إضافيين حتى لا تتأثر المجتمعات المضيفة وتتراجع الخدمات الصحية الأساسية المتاحة.

 

وأشار الوزير إلى أن النظام الصحي في اليمن يعتمد على الدعم والمساعدات من قبل الجهات المانحة، وما يزيد الوضع تعقيدا وجود أكثر من 4 ملايين نازح نتيجة للحرب يتوزعون على عدد من المحافظات في مخيمات تفتقر إلى أبسط مقومات العيش الكريم، ومنها ضعف الخدمات الصحية الأساسية مثل المياه والصرف الصحي وأماكن المعيشة والسكن غير اللائق، مما يعرضهم لكثير من المخاطر الصحية والعنف الاجتماعي والأسري.

 

واعتبر بحيبح أن النازحين تسببوا بضغط كبير على الخدمات الصحية المقدمة للمجتمعات المضيفة، والتي تعمل أصلا بأقل من طاقتها المفترضة، مما يرفع معدلات الوفيات والأمراض بين النازحين، خاصة بين الفئات الأكثر ضعفا مثل الأطفال والأمهات والنساء.

 

وأضاف بحيبح أن هذا الوضع يمثل تحديا كبيرا لبرنامج الترصد الوبائي لمراقبة ومكافحة الأمراض والاستجابة السريعة لها.

 

ولفت إلى أن الاحتياجات في اليمن جسيمة وتتطلب استمرار الدعم واستجابة سريعة وتمويلا مستداما طويل الأمد إلى حين تعافي النظام الصحي والوضع الاقتصادي.

 

كما شدد على أن العمل المشترك بين الحكومة الوطنية والمنظمات الدولية والقطاع الخاص يعد ضرورة لإنقاذ النظام الصحي وإعادة بناء قدراته، محذرا من أن توقف المشروعات أو تقليص التمويل سيؤدي مباشرة إلى تهديد حياة الناس وارتفاع مخاطر تفشي الأوبئة.

 

يشار إلى أن الحرب اليمنية أدت إلى تدهور العديد من القطاعات الحيوية، بما في ذلك الجانب الصحي الذي تضرر بشكل كبير، وباتت نصف مرافقه متوقفة كليا أو جزئيا، بحسب تقارير أممية.

 

ويعاني اليمن هذا العام أكبر أزمة تمويل للمشاريع الإنسانية والصحية، وذلك للمرة الأولى منذ بدء الحرب قبل أكثر من 10 سنوات.


مقالات مشابهة

  • أزمة كهرباء خانقة في لحج وسط رفض حكومي لتزيد محطات المحافظة بالوقود
  • أزمة جديدة.. بعد تجاهل حكومة عدن صرف مرتبات موظفي هذه المحافظات من الوديعة السعودية
  • وزارة المالية تطلق تمويلات رواتب الموظفين لشهر تشرين الثاني
  • بينهم محافظون.. عقوبات دولية وشيكة ضد معرقلي الإصلاحات الاقتصادية في اليمن
  • ملاوي تمدد حالة الكارثة بسبب أزمة غذاء خانقة
  • اللجنة العليا لتنفيذ أولويات الإصلاحات الاقتصادية الشاملة تعقد أولى اجتماعاتها في عدن
  • فريق الإصلاحات الاقتصادية يعقد اجتماعه السنوي بسيئون ويدعو لتوحيد الإيرادات إنهاء الجبايات غير القانونية
  • الحكومة اليمنية: 200 مهاجر أفريقي يصلون البلاد يوميا
  • بالتزامن مع أزمة مالية خانقة.. السعودية تقدم 90 مليون دولار للبنك المركزي اليمني