حقيقة ما يجري في حضرموت.. صراع نفوذ لا علاقة له بمصلحة أبناء المحافظة
تاريخ النشر: 9th, December 2025 GMT
ما تشهده محافظة حضرموت اليوم ليس مجرد اضطرابات محلية أو مطالب حقوقية، بل هو امتداد لصراع إقليمي تقوده السعودية والإمارات عبر أدوات محلية من المرتزقة، هدفه الأساسي الاستحواذ على المحافظة الأكثر استراتيجية في اليمن. هذا الصراع المعقد لا ينفصل عن المشهد العام للعدوان على اليمن، بل يُعتبر واجهته الشرقية التي تسعى فيها دول التحالف لفرض أمر واقع يخدم أجنداتها الخاصة بعيدًا عن مصالح اليمنيين.
السعودية، التي تتمركز في سيئون، لم تخفِ أطماعها في مناطق الوادي والصحراء، خصوصًا في منفذ الوديعة الحيوي وحقول النفط في المسيلة. تعمل على تكريس حضورها الأمني والعسكري وتدير المشهد عبر أدوات أمنية محلية مدعومة بشكل مباشر. في المقابل، تفرض الإمارات سيطرتها على الساحل، وخصوصًا ميناء الضبة، من خلال تشكيلات “النخبة الحضرمية”، التي تُدار من خارج القرار اليمني وتتحرك وفق أوامر إماراتية بحتة.
في ظل هذا التنافس المكشوف، يُستخدم المرتزقة المحليون كواجهة لتسويق مشاريع الانقسام والتفكيك تحت عناوين مضللة مثل “التمكين الحضرمي” و”الإدارة الذاتية”. غير أن هذه المشاريع، في حقيقتها، لا تهدف إلى تمكين حضرموت أو أبنائها، بل إلى تمكين القوى الخارجية من ثروات المحافظة ومواقعها الجيوسياسية الحساسة، لتكون نقطة ارتكاز إقليمية بعيدة عن سلطة الدولة اليمنية.
المشهد لا ينفصل عن محاولات إضعاف المركز، وخلق كيانات تدين بالولاء الكامل للرياض أو أبو ظبي. الخطير في الأمر أن هذه المساعي تجري وسط غياب تام لأي مشروع وطني جامع، فيما أبناء حضرموت يدفعون الثمن من أمنهم واستقرارهم، ويجدون أنفسهم في مرمى صراعات لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
من المؤسف أن تتحول محافظة حضرموت، بتاريخها وثقلها، إلى ساحة لتصفية الحسابات بين أطراف دولية، مستغلة بعض الأدوات المحلية ممن ارتضوا لأنفسهم دور التابع مقابل المال والسلطة. وأمام هذا المشهد المعقد، تبرز الحاجة الملحّة إلى وعي شعبي واسع، يُدرك حقيقة المؤامرة، ويعيد الاعتبار للهوية الوطنية الجامعة التي وحدها الكفيلة بحماية حضرموت من الوقوع فريسة للأطماع الإقليمية.
إن ما يجري في حضرموت ليس فقط صراع نفوذ بين السعودية والإمارات، بل هو أيضًا انعكاس لتشابك مصالح قوى محلية على رأسها حزب “الإخوان المسلمين” (تجمع الإصلاح)، الذي استغل وجوده الطويل في مؤسسات الدولة بالوادي للتمكين السياسي والعسكري والاقتصادي لنفسه، عبر تحالفات مؤقتة مع قوى الخارج، بحسب ما تقتضيه مصالحه.
ففي حين يزعم الإصلاح رفضه للوصاية الإماراتية، إلا أنه في المقابل فتح المجال للسعودية لتثبيت نفوذها في وادي حضرموت، عبر دعم قوات موالية له تتقاسم الأدوار مع الرياض، وهو ما جعل من الإصلاح طرفًا ثالثًا في معادلة السيطرة على حضرموت، لا يقل خطورة عن أدوات السعودية والإمارات الأخرى.
هذه الازدواجية في المواقف، واستخدام ورقة السيادة حينًا، وورقة الدين حينًا آخر، ساهمت في خلط الأوراق وإطالة أمد الصراع، ما جعل حضرموت تدفع فاتورة تناقضات ومزايدات لا علاقة لها بمصالح أهلها، بل بمصالح تنظيمات تتقن التغلغل في ظل الأزمات وتغليب الأجندة الحزبية على الهم الوطني.
لذا، فإن أي مشروع وطني لإنقاذ حضرموت، لا يمكن أن ينجح دون مواجهة هذه الازدواجية، وكشف الدور التخريبي الذي تلعبه جماعة الإخوان ضمن لعبة المحاور، التي حوّلت المحافظة إلى ساحة صراع مفتوح بين أدوات إقليمية بأقنعة محلية.
واليوم، وبعد سنوات من التمكين والسيطرة الناعمة التي مارسها حزب الإخوان المسلمين في وادي حضرموت، جاء دور الانقضاض عليه، ليس من قبل الشعب الحضرمي الذي عانى من ازدواجية قراراته، بل من حلفائه الإقليميين أنفسهم. فالسعودية التي كانت حاضنته السياسية والعسكرية بدأت تسحب البساط من تحت أقدامه، ممهدة الطريق أمام أدوات جديدة أكثر ولاءً لمشروعها المباشر، في حين تراقب الإمارات المشهد من زاويتها الخاصة، مستعدة لاقتناص الفرصة لتوسيع نفوذها في الساحل والوادي.
لم يعد الإصلاح بالنسبة لهؤلاء سوى ورقة تم استخدامها طويلاً، وحان وقت تمزيقها. والمفارقة أن ما زرعه الحزب من تداخل في ملفات الأمن والجيش والإدارة، عاد يرتد عليه، ليجد نفسه محاصرًا من كل اتجاه: من خصومه السياسيين، من أدوات الخارج، بل وحتى من قواعده الشعبية التي سئمت الخطابات المزدوجة وانعدام المشروع الحقيقي.
هذا الانقضاض ليس سوى نتيجة طبيعية لسياسات قائمة على الانتهازية والتحالفات المؤقتة، وهو ما يؤكد أن حضرموت لا تحتاج إلى مزيد من التبعية أو الصفقات السياسية، بل إلى مشروع وطني خالص، ينقذها من عبث الخارج وتقلبات من تحالفوا معه.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
كيف يوظف الاحتلال السعودي الإماراتي صراع الأدوات؟
التحركات العسكرية لأدوات الإمارات المتمثلة بما يسمى الانتقالي أفضت إلى اندفاع سعودي دبلوماسي وأمني واقتصادي، تُوِّج بإجلاء حكومة الفنادق من عدن، وبدء دراسة إجراءات عقابية ضد مرتزقة أبوظبي على خلفية سيطرتهم على حضرموت والمهرة وإعلانهم تصعيداً سياسياً و"شعبياً" في عدن.
مصادر إعلامية أكدت أن أعضاء حكومة الفنادق غادروا عدن في ظل اضطراب كبير، عقب خروج قوات الاحتلال السعودي وتصاعد التوتر مع مليشيا الانتقالي.
ونقلت رويترز عن ما أسمته قيادياً بارزاً في "الانتقالي" أن مغادرة حكومة المرتزقة تمت دون أن يطلب أدوات الإمارات ذلك، في إشارة إلى فقدان الحكومة السيطرة على مقراتها ونفوذها داخل المدينة، وأنها غادرت بتوجيه سعودي، ما يؤكد أن الرياض وأبوظبي تديران الصراعات بين الأدوات بما يحفظ مصالح قطبي الاحتلال.
وتزامنت المغادرة مع سفر رئيس مجلس الثمانية الخونة المرتزق رشاد العليمي ورئيس حكومة الفنادق سالم بن بريك إلى الرياض قبل يومين، حيث شنّ الخائن العليمي هجوماً لاذعاً على أدوات الإمارات، واصفاً تحركاتها العسكرية في حضرموت والمهرة بأنها انقلاب كامل على ما يسمى الشرعية، ومطالباً بسحب قواتها فوراً بما يتوافق مع الموقف السعودي.
وبحسب تقارير، فإن الرياض تدرس فرض إجراءات عقابية، بينها خفض أو رفع الدعم الاقتصادي عن سلطات المرتزقة في المحافظات الجنوبية والشرقية التي تواجه أزمات خانقة، ما يجعل مليشيات الانتقالي أمام تحدٍّ صعب وقد تصطدم بسخط شعبي جراء المعاناة المعيشية التي يكابدها سكان تلك المحافظات، والتي قد تزداد سوءاً عقب التصعيد الاقتصادي السعودي.
وفي السياق نفسه، اتخذت السعودية خطوة مباشرة بإغلاق المجال الجوي في عدن والمناطق المحتلة لفترة وجيزة، ما أدى إلى تعليق الرحلات من وإلى عدن، وفق ما أكدته وكالة أسوشيتد برس، التي نقلت عن مسؤول في حكومة الفنادق أن تحالف العدوان لم يصدر التصاريح اللازمة للطيران، فيما وصف المسؤول المرتزق الإجراء بأنه رسالة سعودية صريحة للانتقالي بعد توسعه العسكري الأخير في حضرموت، المحافظة الغنية بالنفط والمتاخمة للمملكة.
وبينما تقطعت السبل بمئات الركاب في مطار عدن لساعات، أُعيد فتح المجال الجوي لاحقاً، لكن الخطوة كشفت حجم التعمّد السعودي لمزج صراعات الأدوات بمعاناة المواطنين، وذلك لأغراض تسعى لها الرياض وأبوظبي.
ميدانياً، سيطرت القوات التابعة للإمارات على القصر الرئاسي في عدن خلال عطلة نهاية الأسبوع، وأجبرت الحرس على الإخلاء الكامل، وفق وسائل إعلام العدوان، في مؤشر على انتقال السيطرة الفعلية في المدينة إلى أدوات أبوظبي.
الخائن العليمي، الذي وصفته تقارير بأنه صنيعة الرياض، لجأ خلال الساعات الماضية إلى تحريك السلك الدبلوماسي الدولي عبر اجتماع عاجل مع سفراء الدول الراعية، متوسلاً ممارسة ضغط علني لإجبار ما يسمى الانتقالي على التراجع، في اعتراف صريح بعجزه عن اتخاذ أي قرار داخل المناطق التي يُفترض أنها خاضعة لسلطته، وأن ردود الفعل حيال المتغيرات التي حصلت مرهونة بما سيقرره مشغلو المرتزقة.
وخلال الاجتماع، حذّر الخائن العليمي من أن استمرار تمرد الانتقالي سيقود إلى كارثة اقتصادية وإنسانية، مشيراً إلى أن اضطراب حضرموت والمهرة ستكون له انعكاسات خطيرة على صرف المرتبات وتأمين الوقود والخدمات، متناسياً أن المعاناة المعيشية لسكان المحافظات المحتلة كانت في الذروة، في محاولة لتحميل أدوات الاحتلال الإماراتي المسؤولية.
وتأتي تحذيرات المرتزق العليمي بعد تقارير لوكالة رويترز نقلت عن ما أسمته مسؤولاً رفيعاً في فرع البنك المركزي بعدن قوله إن حكومة الفنادق تواجه أزمة مالية غير مسبوقة، ما يؤشر إلى تدهور متسارع في المؤشرات المالية داخل مناطق سيطرة تحالف العدوان على أعقاب انقساماته الشكلية المعمّدة بدماء المرتزقة.
ويرى محللون أن وجود توتر شكلي بين قطبي تحالف العدوان والاحتلال سينعكس مباشرة على سعر الصرف والاقتصاد والخدمات، وسط توقعات بانهيار واسع في المناطق التي يسيطر عليها مرتزقة الإمارات نتيجة هشاشة الوضع المالي واعتماده الكامل على فتات الدعم الخارجي الذي لم يتمكن أساساً من السيطرة على الانهيار الاقتصادي والأمني والمعيشي، الأمر الذي يجعل الصراع ظاهراً فقط في التداعيات التي ستصيب المواطنين بالدرجة الأولى.
وتحذر تقارير اقتصادية من أن تفاقم الصراع بين أدوات الاحتلال السعودي ونظيره الإماراتي سيؤدي إلى تدهور معيشي غير مسبوق، في وقت تعيش فيه عدن وبقية المناطق المحتلة أزمات خدمية متكررة وارتفاعاً حاداً في أسعار المواد الأساسية.
إلى ذلك، تشير التصريحات المنقولة على قناة الحدث السعودية إلى أن المرتزق العليمي بات يرفض أي منازعات داخل حكومة المرتزقة، داعياً لتدخل دولي لحماية حكومته من المجلس الانتقالي، غير أن الرياض لم تُبدِ موقفاً حازماً، ما يؤكد أن خيوط الصراع قد لا تتجاوز الأدوات، لتبقى عبارة عن مراكز نفوذ متصارعة تفجّر الوضع الأمني والسياسي والاقتصادي جنوب وشرق اليمن، لتمرير مصالح الرياض وأبوظبي على أنقاض معاناة الشعب.
التطورات الميدانية والاقتصادية الأخيرة تعكس بوضوح أن انقسام أدوات العدوان عبارة عن صراع نفوذ إقليمي محتدم يهدد بتمزيق ما تبقى من مؤسسات حكومة الفنادق، بغرض إبقاء إدارة المحافظات المحتلة عبر سياسات التجويع والفوضى من أجل تمرير المخططات والمصالح بعيداً عن أنظار الشعب المنشغل بالبحث عن الأمن والخدمة المتوفرة في أدنى مستوياتها، ما يفتح الباب أمام موجة جديدة من الانهيار المتعمد.