أنف الذكاء الاصطناعي ينافس البشر.. فهل يتفوق مستقبلا؟
تاريخ النشر: 7th, September 2023 GMT
خلال جائحة "كوفيد-19" كانت هناك تجارب لاستخدام الكلاب أداة لتشخيص الإصابة بالفيروس المسبب للمرض من خلال التعرف على الرائحة المميزة التي ينتجها الأشخاص المصابون، والتي لا يمكن أن يشمها الإنسان، فهل يمكن أن يقوم روبوت بهذه المهمة بدقة تفوق الكلاب التي كانت لديها نسبة خطأ تم تقديرها بحوالي 14%؟
ويعتقد خالد مصيلحي الأستاذ في قسم العقاقير والنباتات الطبية بكلية الصيدلة جامعة القاهرة أن الباحثين قطعوا خطوة كبيرة نحو ذلك باستخدام الذكاء الاصطناعي، إذ يتبقى معرفة الباحثين المركّب المسؤول عن تلك الرائحة حتى يتم تدريب شبكة عصبية على تحديده من بين المركّبات الأخرى التي يمكن أن ينتجها الأشخاص.
ويعد التشخيص الطبي بالروائح أحد التطبيقات التي يتوقع لها مستقبل كبير بعد الإنجاز الكبير الذي تم الإعلان عنه في 31 أغسطس/آب الماضي في دراسة نشرتها دورية "ساينس"، وأثبت عبرها باحثون أميركيون أن الذكاء الاصطناعي يمكنه المنافسة في هذا المجال.
ويقول مصيلحي في تصريحات للجزيرة نت "استطاع الذكاء الاصطناعي أن يؤدي في هذه الدراسة بأداء مقارب للبشر، لكن مع مزيد من التدريب والتعلم الذاتي سيتمكن مستقبلا من التفوق على البشر في التشخيص بالرائحة".
وخلال الدراسة استكشف الباحثون من جامعات ريدينغ البريطانية وبنسلفانيا وأريزونا الأميركية وشركة "أوسمو" -وهي شركة انبثقت عن مختبر التعلم الآلي التابع لشركة غوغل- العلاقة بين بنية المادة الكيميائية ورائحتها، وصمموا نوعا من نظام الذكاء الاصطناعي يسمى الشبكة العصبية يمكنها تخصيص كلمة أو أكثر من 55 كلمة لوصف الرائحة، وقاموا بتوجيه الشبكة لوصف رائحة ما يقارب خمسة آلاف مركّب، وقاموا أيضا بتوجيهها لتحليل البنية الكيميائية لكل رائحة لتحديد العلاقة بين البنية والرائحة.
وحددت الشبكة العصبية حوالي 250 ارتباطا بين أنماط محددة في بنية المادة الكيميائية ورائحة معينة، وقام الباحثون بدمج هذه الارتباطات في خريطة الرائحة الرئيسية التي يمكن للذكاء الاصطناعي الرجوع إليها عندما يُطلب منه التنبؤ برائحة جزيء جديد.
ولاختبار هذا النظام على أنوف البشر قام الباحثون بتدريب 15 متطوعا على ربط روائح معينة بنفس مجموعة الكلمات الوصفية التي يستخدمها الذكاء الاصطناعي.
وبعد ذلك جمع الباحثون المئات من الروائح التي لا وجود لها في الطبيعة، ولكنها مألوفة بدرجة كافية ليتمكن الناس من وصفها، وطلبوا من المتطوعين البشر وصف 323 منهم، ثم طلبوا من الذكاء الاصطناعي التنبؤ برائحة كل جزيء جديد على أساس تركيبه الكيميائي، وكان تخمين الذكاء الاصطناعي يميل إلى أن يكون قريبا جدا من متوسط الاستجابة التي يقدمها البشر، وغالبا ما يكون أسرع من تخمين أي فرد.
ثورة في أبحاث الشموتؤسس هذه النتائج لثورة في أبحاث حاسة الشم، حيث تضعها على قدم المساواة مع أبحاث البصر والسمع، وتقول جين باركر الباحثة المشاركة في الدراسة من جامعة ريدينغ في تقرير لموقع "ساينس" إن "لأبحاث الرؤية طولا موجيا، ولأبحاث السمع تردد، ويمكن قياسهما وتقييمهما بالأدوات، ولكن ماذا عن الرائحة فليس لدينا حاليا طريقة لقياس رائحة الجزيء أو التنبؤ بها بدقة بناء على تركيبه الجزيئي؟".
وقد ظهرت محاولات سابقة لتوصيف الروائح اعتمادا على البنية الجزيئية، ولكن كانت هناك العديد من الاستثناءات حيث لا تتطابق الرائحة والبنية، وهذا ما أربك النماذج السابقة.
وتوضح باركر أن "الشيء الرائع في هذا النموذج الجديد الذي أنشئ بواسطة التعلم الآلي هو أنه يتنبأ بشكل صحيح برائحة تلك الاستثناءات".
وتعود قصة العمل على هذا النموذج الجديد إلى عشر سنوات مضت، حيث كانت هناك مسابقة جماعية تتحدى الباحثين لاستخدام الذكاء الاصطناعي للتنبؤ برائحة المركّبات من البنية الجزيئية، وعندما طُلب من الخوارزميات الفائزة "شم" 69 مادة كيميائية تمكنت من انتقاء ثمانٍ من أصل 19 رائحة محتملة نسبها الأشخاص إلى هذه العينات، لكن لم تتمكن من تجميع العينات وفقا لمدى تشابه رائحتها كما يقول جويل ماينلاند عالم الأعصاب في مركز مونيل للحواس الكيميائية الذي ساعد في تنظيم التحدي، وهو أحد المشاركين في الدراسة الجديدة.
وكان ريتشارد جيركين عالم الأعصاب في شركة الذكاء الاصطناعي "أوسمو" أحد الفائزين، ونظرا لأن عدد جزيئات الرائحة المميزة لتدريب "الخوارزميات" في مجال الذكاء الاصطناعي قد زاد بشكل كبير منذ المنافسة فقد اعتقد أنه يمكنه القيام بعمل أفضل.
وبالتعاون مع ألكسندر ويلتشكو في شركة "أوسمو" قام جيركين وزملاؤه بإدخال الهياكل وأوصاف الرائحة لخمسة آلاف جزيء للشبكة العصبية التي تعلمت التعرف على الأنماط الموجودة في بيانات التدريب، وربط رائحة الجزيء بخصائص الذرات المكونة له، مثل هوياتها وأحجامها وروابطها المتصلة.
وعلى الرغم من أن الشبكة العصبية تظهر أنه من الممكن رسم بنية المادة الكيميائية حسب الرائحة فإنها تلقي القليل من الضوء على البيولوجيا الأساسية للرائحة كما تقول ليندا باك عالمة الأعصاب في مركز فريد هتشينسون للسرطان بالولايات المتحدة، والتي لم تشارك في الدراسة.
وتقول باك في التقرير الذي نشره موقع "ساينس" إن "الشبكة العصبية لم تثبت بعد قدرتها على تقييم خليط من الجزيئات، أي أنواع الروائح المعقدة التي نواجهها في العالم الحقيقي، وهذا ما نأمل أن تتعلم الخوارزميات كيفية القيام به".
ويؤكد ويلتشكو ما ذهبت إليه باك، ويقول إن "الخطوة التالية هي معرفة كيفية دمج الروائح والتنافس مع بعضها البعض لخلق ما يفسره الدماغ البشري على أنه رائحة مختلفة تماما عن رائحة كل مركّب على حدة، وهذا سيكون صعبا للغاية، لأن خلط 100 جزيء فقط في مجموعات مختلفة مكونة من عشرة جزيئات ينتج 17 تريليون تباين، وسرعان ما يصبح عدد المجموعات المحتملة أكبر بكثير من أن يتمكن الحاسوب من تحليلها".
ويتابع "لكن هذه هي الطريقة التي يشم بها البشر في الواقع، فحتى رائحة معينة مثل القهوة تحتوي على مئات من المواد الكيميائية، والتنبؤ برائحة المزيج هو التحدي القادم".
لكن أندرياس غراسكامب عالم الأحياء العصبية الذي يدرس الإدراك في معهد فراونهوفر الألماني لهندسة العمليات والتغليف يصف ما تحقق حتى الآن بأنه خطوة مهمة.
وبالإضافة إلى التطبيقات الطبية التي تحدث عنها يرى غراسكامب في التقرير الذي نشره موقع "ساينس" أن "ما تحقق يؤسس لتطوير لاحق في التقنيات سيساعد على تسريع البحث عن منتجات استهلاكية ذات رائحة أفضل".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی
إقرأ أيضاً:
موتى يعملون بعد رحيلهم.. إلى أين يأخذنا الذكاء الاصطناعي؟
لم يعد الموت نهاية حتمية للصوت، أو المشاعر، أو حتى النصيحة، ففي عالم يتطور بسرعة مذهلة بفضل الذكاء الاصطناعي، قد يعود الجد المتوفى ليحكي لحفيدته كيف يُصلَح صنبور الماء، أو ينصحها بشأن اختيار شريك الحياة.
ويعد ذلك ليس خيالًا علميًا، بل واقع قيد التشكّل تسعى إليه شركات تقنية كبرى وناشئة، بدعم من أبحاث أكاديمية ومبادرات تجارية، في ما يُعرف اليوم بـ"الورثة الرقميين" أو "الأشباح التوليدية".
وتناولت دراسة حديثة صدرت في نيسان/ أبريل 2025 عن جامعة كولورادو بولدر بالتعاون مع "Google DeepMind"، بعنوان "حوار مع الراحلين"، استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في إنشاء روبوتات محادثة تُحاكي شخصيات الأموات، بناءً على سجلهم الرقمي.
وتعتمد هذه التكنولوجيا على أرشفة بيانات الشخص: الرسائل، التسجيلات الصوتية، منشورات مواقع التواصل، وحتى مقاطع الفيديو، لتكوين نموذج تفاعلي يُجري محادثات واقعية تحاكي شخصية المتوفى بدقة مذهلة.
وتتيح شركات مثل “HereAfter AI” و“StoryFile” و“Re;memory” دخلت هذا المجال بقوة.
وعلى سبيل المثال، يستطيع الأشخاص قبل وفاته تسجيل ردود مفصلة على أسئلة متنوعة، ليتم تحويلها بعد وفاته إلى مساعد صوتي يمكن للأقارب التحدث معه عبر الهاتف أو التطبيقات.
وفي كوريا الجنوبية، أطلقت شركة “DeepBrain AI” خدمة تعيد بناء الشخص كاملًا في هيئة مجسّم ثلاثي الأبعاد يتفاعل بالصوت والصورة.
ولا يقتصر التفاعل مع "أشباح رقمية" على الحنين، بل يتعداه إلى وظائف عملية، مثل شرح إجراءات قانونية، تقديم وصفات طعام عائلية، أو حتى إعطاء نصائح مالية، وفي بعض الحالات، يُتوقع أن تصبح هذه النماذج الرقمية مصادر دخل لأسر المتوفين، عبر بيع كتب أو محتوى تم إنتاجه باستخدام شخصياتهم الرقمية.
ويقابل الحماس التقني قلق أخلاقي متزايد، حيث حذر باحثون من جامعة كامبريدج من "العلاقة العاطفية القهرية" التي قد تنشأ بين الأحياء وهذه النماذج، مما يُعقّد عملية الحزن الطبيعي. كما نبّهوا إلى احتمال أن تُستخدم هذه النماذج في إيذاء الآخرين، أو نشر معلومات خاطئة تُنسب زورًا إلى المتوفى.
ويزيد القلق من إمكانيات إساءة الاستخدام التجاري، مثل بث إعلانات موجهة عبر صوت المتوفى، أو اختراق خصوصية العائلات. كما حذّرت تقارير من أن بعض النماذج قد تُنتج "هلوسات ذكائية" – أي معلومات ملفقة لا تستند إلى وقائع، مما قد يشوه إرث الراحل أو يكشف أسرارًا لم يكن يرغب في الإفصاح عنها.
أمام هذه الطفرة التكنولوجية، يبرز سؤال جوهري: من يمتلك حق التحكم في النسخة الرقمية من الشخص بعد وفاته؟ ومن يضمن ألا يُعاد استخدامه ضد إرادته؟ تدعو مؤسسات حقوقية وخبراء قانون إلى وضع أطر تشريعية صارمة لضمان الموافقة المسبقة، والحق في المحو، وعدم استخدام هذه النماذج في الإعلانات أو التلاعب العاطفي.
ومع اتساع انتشار هذه الظاهرة، يبدو أن الموت، كما عرفناه، لم يعد خط النهاية. بل أصبح فصلًا جديدًا تُكتبه خوارزميات، وتعيشه نسخ رقمية قد تنصح، تبتسم، وتشارك… من عالم ما بعد الحياة.