الأحد, 10 سبتمبر 2023 3:55 م

د. سيف الدين زمان الدراجي

*باحث في شؤون السياسة الخارجية والأمن الدولي*
في عالم متغير بسرعة، وفي ظل تطورات الوضع الامني الدولي والاقليمي ، يواجه الأمن القومي تحديات متزايدة تتجاوز الحدود الوطنية والتهديدات التقليدية. وتتزايد فيها الحاجة لوضع خطط وسياسات واستراتيجيات تضمن مواجهة فعالة لتلك التطورات بما يضمن تحليلا دقيقا ومفصلا لما قد تواجهه الدولة.

ان مفهوم الأمن القومي يبين السعي الحثيث لمؤسسات الدولة للحفاظ على استقرارها واستمراريتها، وحماية مصالحها الوطنية وأمان مواطنيها. إلا أن مع تطور الزمن، باتت الفواعل غير الدولية تلعب دورًا أكبر وأكثر تعقيدًا في تشكيل تهديدات تؤثر على الأمن القومي للدول.
يمكن تعريف الامن القومي على أنه الحفاظ على استقرار الدولة وسيادتها من خلال حماية حدودها ومصالحها ومواطنيها. تشمل هذا الحماية من التهديدات المتعددة مثل الهجمات العسكرية، والإرهاب، والتجسس، والجريمة المنظمة، وتهديدات الأمن السيبراني، والتغير المناخي، والأمان الاقتصادي. فالأمن القومي يمثل مزيجًا معقدًا من الأبعاد العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
من جانب اخر فمن الضروري ان نبين المقصود بالفواعل غير الدولية والتي تشير إلى الجهات أو الكيانات التي لا تمثل دولة رسمية وليس لديها صفة دولية. إنها تشمل مجموعة متنوعة من الكيانات والجهات مثل الجماعات الإرهابية والمنظمات غير الحكومية والشركات الكبرى والجريمة المنظمة وحتى التحديات البيئية. تلك الفواعل تتأثر بالشؤون الدولية وتؤثر فيها بشكل كبير دون أن يكون لها حكم أو سيادة دولية. تتعامل هذه الفواعل بشكل عابر للحدود الوطنية وتعمل على تحديد سياستنا وأماننا بأشكال جديدة ومعقدة. من هنا، يأتي دور فهم تأثير هذه الفواعل غير الدولية على الأمن القومي كموضوع بحث حيوي وحاسم.
سنتناول في هذا المقال مدى تأثير الفواعل غير الدولية على الأمن القومي، لنطلع على كيفية تعامل الدول مع هذه التحديات المعاصرة واستراتيجيات مواجهتها. كما سنتناول أيضًا بعض الأمثلة البارزة لهذه الفواعل وتأثيرها على الأمن القومي للدول، سواء من خلال التهديدات المباشرة أو الآثار الجانبية.
تعد تهديدات الفواعل غير الدولية بانها مجموعة من العوامل والجهات والأنشطة التي تشكل تحديًا بل وتهديدا للأمن والاستقرار الوطني للدول. حيث تمتاز هذه التهديدات بأنها غالبًا ما تنشأ عن أنشطة تعتبر غير قانونية وتخالف الأنظمة والقوانين الوطنية والدولية. وتشمل هذه التهديدات نشاطات تتراوح من العنف والجريمة إلى التأثير على البيئة والاقتصاد. بالإضافة إلى ذلك، هذه التهديدات لا تتعاون مع الحكومات الوطنية أو لا تخضع للرقابة الحكومية، وهذا ما يجعلها تحديًا معقدًا يتطلب استجابة متعددة الأوجه وتعاون دولي لمكافحتها بفعالية. ويمكن تصنيف هذه التهديدات إلى أنماط رئيسية تشمل التهديدات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة و عصابات داعش ، والجريمة المنظمة مثل المافيات وكارتيلات المخدرات في أمريكا اللاتينية، والهجمات السيبرانية مثل هجمات القرصنة السيبرانية التي تستهدف البنوك والأجهزة الحكومية، والتغير المناخي الذي يشكل تهديدًا عابرًا للحدود يؤثر على الأمن الغذائي والبيئي والموارد المائية.
عادة ما تنتهج الدول استراتيجيات التأمين الوطني التي تمثل خطوات الاستجابة الاولى لهذه التهديدات بمجموعة من الإجراءات والسياسات التي تتخذها لضمان الحفاظ على أمنها القومي واستقرارها وحماية مواطنيها بما في ذلك تعزيز الأمن السيبراني، وتعزيز القدرات الاستخباراتية، وتعزيز الأمان الحدودي، وتكثيف التعاون الدولي، وتحسين التأهب والاستجابة، وتعزيز الأمن السياسي والدبلوماسي، والاستثمار في القوات المسلحة، وتعزيز الأمان الاقتصادي، والتأهب والتدريب، وتعزيز التمويل والموارد. هذه الاستراتيجيات تعتمد على طبيعة وأولويات كل دولة وشكل التهديدات غير الدولية التي تواجهها، ويتم تنفيذها بشكل تكميلي ومتناغم لتحقيق أقصى مستوى من الأمن.
إن أحد أبرز التأثيرات للفواعل غير الدولية على الأمن القومي هو تزايد مظاهر التهديدات العابرة للحدود. فالهجمات الإرهابية تتجاوز الحدود الوطنية بسهولة، والجريمة المنظمة تتشابك مع الأسواق والمؤسسات العالمية، والهجمات السيبرانية تأتي من مصادر مجهولة تكون في أماكن متفرقة من العالم. هذا يفرض تحديًا كبيرًا على القدرة التقليدية للدول على حماية أمنها وسيادتها. علاوة على ذلك، يتسبب التفاعل الاقتصادي العالمي في تكامل الاقتصادات والمصالح الوطنية والدولية، وهذا يعني أن أي تهديد غير دولي يمكن أن يكون له تأثير اقتصادي على مستوى العالم وليس على المستوى الوطني فحسب. على سبيل المثال، يمكن لأزمات مالية عالمية أن تؤدي إلى تدهور الأمن القومي للدول. لا يمكن تجاهل أيضًا تأثير الفواعل غير الدولية على السياسة الخارجية والعلاقات الدولية. فالدول تضطر في كثير من الأحيان للتعامل مع مجموعات أو كيانات غير حكومية في سياق القضايا الدولية. وقد تكون هذه التفاعلات تحالفات مؤقتة لمكافحة تهديد مشترك أو تفاوضًا لحل نزاع دولي او قد تضطر عبر دبلوماسيتها الحذرة او السرية الى عقد اتفاقات وتعاونات انية او دائمية وحسب ما تقتضيه المصلحة. كما حصل بين كولومبيا ومنظمة “فارك” وكذلك المكسيك وكارتلات المخدرات.
للتصدي لهذه التحديات، تحتاج الدول إلى تطوير استراتيجيات تأمين قوية ومنسقة. يجب أن تشمل هذه الاستراتيجيات التعاون الدولي الوثيق لمكافحة التهديدات المشتركة، وتحسين قدرات الاستخبارات والأمن السيبراني، وضمان الاستدامة البيئية والاقتصادية، وتطوير القوانين والتشريعات اللازمة، بالاضافة الى التوعية العامة وحث المواطنين على التبليغ عن اي توجهات او نشاطات مشبوهة قد تقوض الامن والاستقرار في الدولة. في الختام، يجب على الدول أن تكون مستعدة لمواجهة التهديدات غير الدولية بشكل فعال من خلال تطوير استراتيجيات تأمين مبتكرة ومنسقة تعكس التحديات الجديدة التي تواجهها في عالم متغير وبيئة اقليمية ودولية غير مستقرة نسبياً.

المصدر: المركز الخبري الوطني

كلمات دلالية: والجریمة المنظمة

إقرأ أيضاً:

المملكة تختتم رئاستها للسنة الدولية للإبليات 2024 وتؤكد أهمية القطاع في تحقيق الأمن الغذائي

سلطان المواش – الجزيرة

اختتمت المملكة العربية السعودية رئاستها للسنة الدولية للإبليات 2024م، التي أطلقتها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “الفاو” تعزيزًا لمكانة الإبل، كموروث ثقافي واجتماعي، وموردٍ اقتصادي مهم في حياة الشعوب، مؤكدةً حرصها على استثمار هذه المناسبة لتعزيز حضور الإبل في الوعي العالمي، بما يستحق العناية والبحث والتطوير.
جاء ذلك خلال الحفل الذي أقيم في العاصمة الإيطالية روما، بمناسبة ختام السنة الدولية للإبليات 2024م، التي تم تدشين رئاسة المملكة لها في شهر يونيو من العام الماضي، بالشراكة مع مجموعة دول أمريكا اللاتينية والكاريبي وتمثلها دولة بوليفيا.
وأكد الوكيل المساعد للثروة الحيوانية والسمكية بوزارة البيئة والمياه والزراعة الدكتور علي الشيخي، خلال كلمته في الحفل، أن المملكة حرصت خلال رئاستها للسنة الدولية للإبليات على استثمار هذه المناسبة لتعزيز حضور الإبل في الوعي العالمي؛ باعتبارها موردًا غذائيًا واقتصاديًا وثقافيًا مهمًا في حياة الشعوب، يستحق العناية والبحث والتطوير، مشيرًا إلى أن حضور المملكة في الملفات الدولية الزراعية لم يكن مجرّد حضور؛ بل كان قيادةً وريادة، سواء من خلال رئاستها للسنة الدولية لمصائد الأسماك وتربية الأحياء المائية، أو من خلال دورها المحوري في السنة الدولية للإبليات 2024م.
واستعرض الدكتور الشيخي أبرز الأنشطة والفعاليات التي نفذتها المملكة خلال رئاستها للسنة الدولية للإبليات 2024م، حيث قادت الوزارة هذا الملف بمشاركة (13) جهة حكومية، إضافةً إلى العديد من شركات القطاع الخاص، والجامعات بالمملكة، وتم تنفيذ أكثر من (50) فعالية محلية ودولية، وتقديم (15) منحة بحثية متخصصة، وعقد (18) اجتماعًا استراتيجيًا لتطوير هذا القطاع الحيوي، مضيفًا بأن المملكة أقامت (20) معرضًا دوليًا في مختلف دول العالم؛ لتعزيز الوعي العالمي بأهمية الإبليات، ودورها في حياة ومستقبل الشعوب؛ حيث أقيم أول معرض في مقر منظمة “الفاو” بروما، ثم معرض الأمم المتحدة في جنيف، وغيرها من المعارض التفاعلية والتوعوية في مختلف دول العالم.
وأبان الدكتور الشيخي أن السنة الدولية للإبليات شكّلت فرصة لتجديد العلاقة بين المجتمعات عبر هذا المورد الفريد، وتعزيز دوره في تحقيق الأمن الغذائي، وخلق الفرص الاقتصادية، إضافةً إلى إثراء المشهد الثقافي والبحثي، محليًا ودوليًا، مشيرًا إلى أن استثمارات المملكة خلال هذه الفعاليات تجاوزت المليار ريال إيمانًا منها بأهمية إبراز الصورة الحقيقية لهذا المورد الثمين، وتعزيز فرص التعاون الدولي في مجالات الإنتاج، والتربية، والبحث العلمي، منوهًا بأن العمل على استدامة هذا القطاع يُعد مسؤولية وطنية وعالمية، وفرصة واعدة للتنمية.
وأضاف بأن المملكة تُعد من الدول الرائدة عالميًا في قضايا الزراعة والأمن الغذائي انطلاقًا من رؤيتها الاستراتيجية الطموحة التي تستهدف تعزيز استدامة الإنتاج، وتحفيز الابتكار في القطاع الزراعي، إلى جانب تطوير سلاسل الإمداد الغذائي، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، واستثمار التقنية الحديثة لرفع كفاءة الإنتاج وجودته.
يُشار إلى أن الأمم المتحدة تهدف من إقامة السنة الدولية للإبليات إلى توعية الرأي العام والحكومات بأهمية الاعتراف بالقيمة الاقتصادية والثقافية للإبليات، وإبراز قيمتها في حياة الشعوب الأكثر معاناة وعرضة للفقر الشديد، وانعدام الأمن الغذائي، وضمان سبل عيش مستدامة، وخلق فرص عمل لها.

مقالات مشابهة

  • سفير مصر ببغداد يبحث مع مستشار الأمن القومي العراقي التعاون بين البلدين
  • المملكة تختتم رئاستها للسنة الدولية للإبليات 2024م وتؤكد دور القطاع بمجال الأمن الغذائي والتعاون الدولي
  • المملكة تختتم رئاستها للسنة الدولية للإبليات 2024 وتؤكد أهمية القطاع في تحقيق الأمن الغذائي
  • بدر بن حمد من القاهرة: "الأمن القومي العربي كلٌ لا يتجزأ".. وعُمان تؤكد الرفض القاطع لتهجير الفلسطينيين
  • بعد إعلان الوطنية للانتخابات.. مصر القومي يطالب الأحزاب بفتح الباب للراغبين في الترشح
  • وزير الأمن القومي يطالب الجيش بالحسم في غزة دون وضع اعتبار للأسرى
  • السيسي يستقبل حفتر في العلمين: استقرار ليبيا من ثوابت الأمن القومي المصري
  • الرئيس السيسي: استقرار ليبيا جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري
  • الرئيس السيسي للمشير خليفة حفتر: استقرار ليبيا جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري
  • (سمرة وكبرون .. تحديات الأمن القومي – الجزء الاول)