الشيخ جراح المقدسي.. حي القنصليات العربية حتى عام 1967
تاريخ النشر: 13th, September 2023 GMT
على رأس تلة في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية، تبرز شجرة أرز طويلة هي الوحيدة من نوعها في المدينة.
الشجرة تجاور منزلا قديما مملوك لعائلة مقدسية وبات مقرا لإقامة دبلوماسي أيرلندي، ولكنه كان مقرا للقنصلية اللبنانية حتى عام 1967، حين أكملت إسرائيل احتلالها للمدينة.
وهذه لم تكن القنصلية العربية الوحيدة في المدينة حتى احتلالها، إذ توجد حتى الآن أبنية كانت قبل 1967 مقار للقنصليات المصرية والعراقية والسعودية والسورية.
غير أنه بعد ذلك العام اختفت القنصليات العربية وبقيت مقار قنصليات أخرى بينها التركية والفرنسية والبريطانية والإسبانية والبلجيكية والإيطالية والسويدية واليونانية.
وغالبية القنصليات التي كانت وتلك التي لا تزال قائمة، توجد حصرا في حي الشيخ جراح الذي يطلق عليه البعض "حي القنصليات".
وتوجد بعض القنصليات في مبان مملوكة لعائلات مقدسية ثرية وأخرى في أبنية مملوكة لدول منذ عقود.
والعديد من القنصليات التي كانت في القدس حتى 1967، كانت توجد حتى عام 1948 في حي الطالبية الذي بات منذ ذلك الحين جزءا من القدس الغربية.
وحاليا تُعد منطقة القنصليات في حي الشيخ جراح من أغلى المناطق في القدس الشرقية من حيث ثمن المنازل أو إيجاراتها الشهرية.
ويفضل الكثير من الدبلوماسيين الأجانب استئجار منازل لهم في المنطقة التي فيها أيضا فندق الأمبسادور ومستشفى العيون والمستشفى الفرنسي.
وارتبط الحي بالذاكرة الجمعية لأهل القدس وفلسطين كرمز للحداثة التي أصابت المجتمع المقدسي قبل الاحتلال البريطاني بفترة طويلة، وعبّر الحي عن التغيير الكبير في نمط الحياة الثقافية والاجتماعية للشعب الفلسطيني، وكان الأكثر نموا بعد النكبة، والخيار الأمثل لمقار القنصليات والسفارات الأجنبية والمستشفيات والفنادق التي فقدت مبانيها غرب القدس.
الخبير الفلسطيني في شؤون القدس خليل التفكجي قال للأناضول إن "هذه المنطقة كانت وما زالت طريق المواصلات العامة باتجاه الشمال، أي مدينة رام الله (وسط الضفة الغربية المحتلة) وغيرها من المدن، ولذلك كانت مرغوبة من قِبل الدبلوماسيين".
وأضاف "وأيضا هي منطقة مملوكة لعائلات ثرية فلسطينية شيّدت الأبنية الجيدة ذات المستوى الثقافي الرفيع، وأيضا في ذلك الوقت كانت هناك قنصليات عديدة، بما فيها التركية والفرنسية والإسبانية وأيضا المؤسسات الحكومية والثقافية، وبالتالي هي تعد منطقة مؤسسات حكومية وخاصة ودبلوماسية، وأقيمت فيها عدة فنادق".
وحاليا، لا توجد أي علامات على الأبنية تشير إلى القنصليات العربية التي كانت في الحي، ولكن كبار السن في المنطقة لا يزالون يذكرونها جيدا.
شجرة أرز لبنانيةولا تزال البناية التي كانت قنصلية لبنان تحافظ على جماليتها، ولكن العلم المرفوع عليها حاليا هو علم أيرلندا، وإلى جانب البناية، توجد شجرة أرز ضخمة.
وهو يشير إلى البناية، قال التفكجي "كانت القنصلية اللبنانية هنا، وكما تشاهدون فإن جزءا من هذا التراث هو شجرة الأرز اللبنانية".
وتابع "بقيت القنصلية اللبنانية في هذا المبنى حتى العام 1967 عندما تم إغلاقها، ولكن شجرة الأرز ما زالت موجودة حتى الآن لتكون شاهدة على ذلك التاريخ".
إحدى البنايات الجميلة القريبة كانت حتى 1967 مقرا للقنصلية المصرية، بعد انتقالها إثر حرب 1948 من حي الطالبية في القدس الغربية.
وقال التفكجي "كانت القنصلية المصرية موجودة هنا في الشيخ جراح حتى 1967، وما بعد ذلك التاريخ أُغلقت ثم تحولت إلى مقر للقنصلية الفرنسية التي تستخدمها الآن كملحقية ثقافية واقتصادية".
وعلى مقربة منها كانت توجد القنصلية السورية العامة في القدس، والتي تحولت اليوم لبناية تُستخدم مسكنا لعائلة فلسطينية.
العاصمة الثانية للأردنوعلى مسافة غير بعيدة، كانت توجد القنصلية العراقية، التي توجدت في منزل لعائلة مقدسية، لا تزال تقيم فيه حتى الآن.
وهو يقف أمام المبنى، قال التفكجي "هنا كانت القنصلية العراقية قبل عام 1967، وكان هناك أيضا على مسافة ليست بعيدة منها القنصليات السعودية والمصرية والسورية واللبنانية وغيرها".
ولفت إلى أن القدس الشرقية كانت العاصمة الثانية للأردن بعد العاصمة عمان، ولذلك أُطلق على المقار الدبلوماسية اسم قنصلية وليس سفارة.
وأردف أن "العاصمة الثانية للمملكة الأردنية الهاشمية كانت في القدس، وفيها انتشرت القنصليات، أما السفارات فكانت في العواصم الرئيسية، وهي في هذه الحالة عمان".
منطقة استيطانية معزولةالتفكجي قال إن "القنصليات كانت كلها مستأجرة من عائلات مقدسية، بما فيها الحسيني والنشاشيبي وبركات وغيرها، والمنطقة كانت وما زالت هادئة، وهي بمثابة المركز الدبلوماسي وهي منطقة القنصليات".
ومنطقة الشيخ جراح من المناطق الأكثر استهدافا بالاستيطان الإسرائيلي في القدس الشرقية المحتلة، التي يتمسك بها الفلسطينيون عاصمةً لدولتهم المأمولة، استنادا إلى قرارات الشرعية الدولية، التي لا تعترف باحتلال إسرائيل للمدينة عام 1967 ولا بضمها إليها في 1981.
وبعد 3 سنوات من احتلال القدس الشرقية، صادق البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) عام 1970 على قانون يزعم وجود أراض وعقارات لليهود في الشيخ جراح، وادّعى أنهم تملكوا هذه الأراضي والعقارات قبل قيام إسرائيل.
ومنذ ذلك الحين تعاقبت الحكومات الإسرائيلية على زرع البؤر الاستيطانية وإحلال اليهود المتدينين "الحريديم" في قلب الحي بمسـتوطنة "شمعون هتصديق" ومسـتوطنة "فندق الشبرد" التي أقيمت عام 2011، ومقر قيادة شرطة الاحتلال وقيادة حرس الحدود ووزارة الداخلية الإسرائيلية التي تحاصر الوجود الفلسطيني بالحي.
و"ما يحدث في الشيخ جراح الآن هو تحويل هذه المنطقة من منطقة دبلوماسية إلى منطقة معزولة وتغيير معالمها سواء التاريخية أو المشهد العام"، وفق ما ختم التفكجي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: القدس الشرقیة فی الشیخ جراح التی کانت فی القدس کانت فی عام 1967
إقرأ أيضاً:
جراح مغربي: مساعدة غزة فرض على الأطباء و50 ألف عملية بالانتظار
قال الجراح المغربي عثمان زروال، إن قطاع غزة بحاجة كبيرة للكوادر الصحية والمعدات الطبية، وأكد أن مساعدة الفلسطينيين في القطاع هي "فرض عين" على كل طبيب.
أشار زروال، عضو "التنسيقية المغربية أطباء من أجل فلسطين" "غير حكومية"، إلى أن "هناك نقص مروع في التجهيزات الطبية بغزة بسبب تدميرها من طرف إسرائيل".
وأضاف الطبيب، الذي زار غزة ما بين 20 تشرين الأول / أكتوبر و18 تشرين الثاني / نوفمبر الماضيين، أن سد النقص يقتضي من المنظمات العالمية زيادة أعداد الوفود المرسلة إلى قطاع غزة من أجل تقديم المساعدات.
وذكر زروال، أن العاملين بقطاع الصحة بفلسطين يتحدثون عن 50 ألف حالة مرضية تنتظر عمليات جراحية، مضيفا أن "مساعدة غزة فرض عين على كل طبيب بسبب الحالة الإنسانية الصعبة".
ودعا الأطباء إلى مساعدة الفلسطينيين في غزة، معتبرا ذلك "أقل واجب على كل الكوادر الصحية".
وأضاف أن "فرحا كبيرا ينتاب الفلسطينيين بعد قدوم الأطباء خاصة العرب أو المسلمين. فهناك حاجة كبيرة للأطباء والممرضين والكوادر الصحية والصيادلة وغيرهم".
مشاعر مختلطة
وذكر زروال أن أطباء تابعون "للتنسيقية المغربية أطباء من أجل فلسطين" تمكنوا من دخول قطاع غزة للمساهمة ولو بقليل في مساندة الفلسطينيين بغزة من الناحية الطبية والإنسانية، سواء خلال فترة الإبادة أو بعد ذلك.
وأضاف أنهم تمكنوا من دخول قطاع غزة عبر التنسيقية، ومنظمة تجمع الأطباء الفلسطينيين بأوروبا (غير حكومية)، بتنسيق مع منظمة الصحة العالمية.
وتابع: "كانت المشاعر مختلطة ما بين الفرح أن وطأت أقدامنا أرض العزة أرض غزة، وما بين الدمار الشديد الذي تعرض له القطاع، خاصة بالمناطق الشمالية التي لم يبق فيها حجر فوق حجر، فقوة النسف لم تجعل من المباني ركاما بل فتاتا".
وزاد: "بعد الدخول لغزة توجهنا إلى مجمع ناصر الطبي، وهو المستشفى الوحيد الذي بقي بالقطاع بسبب تدمير أغلبية المستشفيات كليا أو جزئيا".
نقص مروع
وقال زروال إن الجيش الإسرائيلي أثناء اجتياحه البري في قطاع غزة تعمد اقتحام مستشفيات القطاع خاصة مجمع ناصر الطبي الذي اقتحمه 3 مرات ودمر وخرب عددا كبيرا من المعدات الطبية به.
وأضاف أنه رغم شح المعدات تمكنوا من إجراء العديد من العمليات التي كانت تنتظر منذ أكثر من سنتين.
وتابع: "الحالات فظيعة بشكل كبير، والعديد من الحالات تتطلب العلاج خارج غزة وهو أمر صعب حاليا بسبب الحصار".
وأشار إلى أن هناك العديد من حالات السرطان تنتظر المغادرة خارج القطاع لتلقي العلاج الكيميائي والخضوع لعمليات معقدة أخرى.
وذكر أن كثيرا من المرضى فارقوا الحياة بسبب غياب المعدات اللازمة لعلاجهم.
وفيما يتعلق بجراحة القلب المفتوح، لفت إلى أن هناك أكثر من 500 حالة تنتظر دخول المعدات من أجل إجراء عمليات، أو السفر خارج القطاع لإجرائها ومواصلة العلاج.
وأشار إلى أنه كان ضمن الوفد طبيب اختصاصي بجراحة القلب المفتوح، إلا أن غياب المعدات جعلت من إجراءه للعمليات أمرا صعبا.
وأضاف أن الأطباء ينتابهم إحساس صعب عندما لا يجدون المعدات اللازمة لإجراء العمليات.
ويرى الطبيب المغربي أن الفلسطينيين في غزة أنهكوا بشكل كبير جراء حرب الإبادة التي استمرت لأكثر من عامين، "ناهيك عن النقص المروع في المعدات الطبية والأجهزة، الأمر الذي يقتضي من المنظمات العالمية زيادة أعداد الوافدين والوفود إلى قطاع غزة من أجل تقديم المساعدات".
شعب جبّار
ووصف عثمان زروال الشعب الفلسطيني بـ"الشعب الجبار الصامد على أرضه رغم كل الأهواء وكثرة الشهداء".
وأضاف أنهم "ثابتون على أرضهم، ولا يزالون ينتظرون أن تراهم الإنسانية بعين مشفقة".
وتابع: "الظروف الإنسانية التي رسخت في ذهني، هي وجود مرضى السرطان الذين ينتظرون العلاج الكيميائي، ومن بينهم أطفال، ينتظرون الخروج من غزة للعلاج خارج القطاع".
وفيما يتعلق بالدروس المستفادة من زيارته غزة قال زروال: "تأكدت أن الكرامة لا تقاس بثمن وأن الصبر والمثابرة رغم الاحتلال نابعان من تمسك الناس بأرضهم".
وتابع: " كانت عائلتي متخوفة قليلا عندما ذهبت إلى غزة. لكنهم كانوا متأكدين أنني لن أتردد في الذهاب للقيام بمساعدة أخوتنا في غزة عندما تسنح الفرصة".
فرض عين
الطبيب المغربي قال: "مساعدة غزة فرض عين على كل طبيب بسبب الحالة الإنسانية الصعبة، خاصة أن الأطباء أقسموا قسما بأن يقدموا المساعدة للصالح والطالح، وللعدو والصديق".
وأردف: "الحالة الإنسانية التي تحتاج من العالم الآن المساعدة العاجلة هي غزة، وعلى كل طبيب حر سواء في البلاد العربية أو في العالم أن يهب لمساعدة أهل غزة وهذا أقل واجب على كل الكوادر الصحية".
وبحسب التنسيقية المغربية أطباء من أجل فلسطين، فقد زار القطاع منذ تشرين الأول / أكتوبر 2023 وحتى اليوم 12 طبيبا مغربيا ينتمون للتنسيقية بالإضافة إلى أطباء آخرين يحملون جنسيات مزدوجة.
ومنذ بدء الإبادة في غزة تعمد جيش الاحتلال الإسرائيلي استهداف مستشفيات القطاع ومنظومته الصحية، ما أدى إلى خروج معظمها عن الخدمة وتعريض حياة المرضى والجرحى للخطر، وفق بيانات فلسطينية وأممية.
كما يمنع الاحتلال الإسرائيلي دخول المعدات والمستلزمات الطبية والأدوية إلى القطاع.
والأربعاء قال المدير العام لوزارة الصحة في قطاع غزة منير البرش إن نقص الأدوية الأساسية في القطاع يبلغ 54 بالمئة، بينما أصبحت 40 بالمئة من أدوية الطوارئ صفرية، وبلغ العجز الصفري في المستلزمات الطبية 71 بالمئة، وهو الأعلى في تاريخ غزة.
وأضاف أن "82 بالمئة من الأطفال دون عام مصابون بفقر الدم، و18 ألفا و100 مريض ينتظرون السفر للعلاج"، مؤكداً أن "حياتهم معلقة بقرار سياسي وليس طبيا".
وخلفت حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة التي بدأت في الثامن من تشرين الأول / أكتوبر 2023 واستمرت عامين بدعم أمريكي، أكثر من 70 ألف شهيد ونحو 171 ألف جريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، ودمارا هائلا مع كلفة إعادة إعمار قدرتها الأمم المتحدة بنحو 70 مليار دولار.