ذكرى رحيل جمال عبد الناصر.. مسيرة الزعيم الوطنية محفورة فى وجدان الشعب
تاريخ النشر: 28th, September 2023 GMT
اعتاد العالم بحلول الثامن والعشرين من سبتمبر من كل عام رؤية آلاف من المصريين وهم يقومون بإحياء ذكرى رحيل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر؛ الرجل الذي لا يكف الكثيرون عن التشبث بذكراه كلما مرت بالوطن واحدة من الأزمات أو القضايا الخلافية الكبرى.
اعتدنا أن نسمع مقولة "لو كان عبد الناصر حيًا"، أو يخرج علينا واحدًا ممن عاصروه بقول "حدثت أزمة مُشابهة في عهد الرئيس عبد الناصر ففضل أن.
شهد عبد الناصر ثورة ١٩١٩ وعمره قد تجاوز العام بشهرين، لم يكن الطفل الذي لم يتعلم السير وحده بعد يُدرك أن الضجيج المحيط بمنزل العائلة، وقد يكون قد منعه من اللعب، هو نواة تمرد مصري كبير على المستعمر الإنجليزي، سيقوده ويتّوجه بالاستقلال بعد ثلاثة وثلاثين عامًا ابن وكيل مكتب بريد باكوس دائم الترحال؛ الذي اضطر لترك طفله في سن الثامنة -بعد أن توفت والدته وهي تضع شوقي ابنها الرابع- ليرحل جمال الصغير مع إخوته إلى منزل عمه فهمي بالقاهرة، ويستقر لسبع سنوات، قبل أن يعود والده لاصطحابه إلى منزله الجديد بعد نقله إلى القاهرة ليصبح مأمورًا للبريد في حي "الخرنفش" بين الأزبكية والعباسية.
عندما حصل جمال على شهادة الثانوية من مدرسة النهضة عام ١٩٣٧، كان يتوق إلى دراسة الحقوق، ولكنه ما لبث أن قرر دخول الكلية الحربية، بعد أن قضى بضعة أشهر في دراسة الحقوق، ليتغير مسار حياته نحو طريق الزعامة وسط ٩٠ طالبًا، كانوا تلك الدفعة الاستثنائية من أبناء المصريين، والتي قُدِّر للكثير منهم أن يحكموا مصر فيما بعد؛ منهم رفيقيه أنور السادات وزكريا محيي الدين، اللذان زاملاه بعد تخرجه في الكلية الحربية عام ١٩٣٨، والتحاقه بالكتيبة الثالثة بنادق، حيث تم نقله إلى "منقباد" بأسيوط؛ ثم عاد إلى محل ميلاده في الإسكندرية العام التالي، ليلتقي هناك برفيق الرحلة الأكثر التصاقًا به عبد الحكيم عامر، الذي كان قد تخرج في الدفعة التالية له من الكلية الحربية؛ وفي عام ١٩٤٢ تم نقله إلى معسكر العلمين، وما لبث أن نُقل إلى السودان- ومعه عامر- واستمر هناك حتى عاد ليتم تعيينه مدرسًا بالكلية الحربية، والتحق بكلية أركان الحرب.
كانت الفترة ما بين عامي ١٩٤٥ و١٩٤٧ هي البداية الحقيقية لتكوين نواة تنظيم الضباط الأحرار؛ فقد كان معظم الضباط، الذين صاروا فيما بعد اللجنة التنفيذية للتنظيم، يعملون في العديد من الوحدات القريبة من القاهرة، وكانت تربطهم علاقات قوية بزملائهم؛ فكسبوا من بينهم مؤيدين لهم؛ وكانت حرب فلسطين ١٩٤٨ التي انخرط فيها الكثير منهم هي الشرارة التي فجّرت عزمهم على الإطاحة بالحكم الملكي، بعد النكبة التي مُنِيَ بها العالم العربي في حرب فلسطين.
في صيف ١٩٤٩ نضجت فكرة إنشاء التنظيم، وتشكلت لجنة تأسيسية ضمت في بدايتها خمسة أعضاء فقط هم جمال عبد الناصر، وكمال الدين حسين، وحسن إبراهيم، وخالد محيي الدين، وعبد المنعم عبد الرءوف؛ ثم ارتفع عددهم إلى الضعف بعد أن انضم إليهم أنور السادات، وعبد الحكيم عامر، وعبد اللطيف بغدادي، وزكريا محيي الدين، وجمال سالم؛ بينما ظل خارج اللجنة ثروت عكاشة، وعلي صبري، ويوسف صديق؛ وفي ذلك الوقت تم تعيين عبد الناصر مدرسًا في كلية أركان الحرب، ومَنحُهُ رتبة بكباشي -مقدم- بعد حصوله على دبلوم أركان الحرب عام ١٩٥١- في أعقاب عودته من الحرب، وكان قد حوصر هو ومجموعة من رفاقه في "الفالوجا" أكثر من أربعة أشهر، وبلغ عدد الغارات الجوية عليها أثناء الحصار ٢٢٠ غارة.
ساعدت الأجواء المضطربة في البلاد التنظيم الذي ازدادت قوته في الجيش يومًا تلو الآخر على الوصول إلى ليلة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، لتقوم الحركة التي أطاحت بالملك فاروق، آخر أحفاد محمد علي في الحكم، فلم تلقَ مقاومة تُذكر -ولم يسقط في تلك الليلة سوى ضحيتين فقط هما الجنديان اللذان قُتلا عند اقتحام مبنى القيادة العامة- ويُعلن الجيش سيطرته على مقاليد الأمور في الإذاعة بصورت أنور السادات؛ وتم اختيار اللواء محمد نجيب رئيسًا، لِمَا يتمتع به من احترام وتقدير ضباط الجيش.
مع استقرار الثورة الجديدة لم ينس أحد في القيادة أن عبد الناصر هو القائد الفعلي للتنظيم؛ فنشأ ما أُطلق عليه "صراع على السلطة" بينه وبين نجيب، سرعان ما أنهاه عبد الناصر لصالحه في نوفمبر ١٩٥٤؛ وكان قبلها قد استطاع أن يعقد اتفاقية مع بريطانيا لجلاء قواتها عن مصر في أكتوبر من العام نفسه؛ وخاضت مصر تحت قيادته العديد من التحديات والقرارات التي غيرت مقادير البلاد، منها قوانين الإصلاح الزراعي، وبدء إنشاء الصناعة الوطنية وغيرها.
شهد عام ١٩٥٦ واحدًا من أكبر التحديات التي واجهت سلطة عبد الناصر وشعبيته، عندما قرر تأميم قناة السويس في احتفالات ذكرى الثورة؛ ما أدى إلى جنون بريطانيا وفرنسا، إضافة إلى إسرائيل الدولة الوليدة التي أعلن الزعيم عدائها منذ اللحظة الأولى، لتشهد ضفة القناة ملحمة شعبية دفاعًا عن الاستقلال عُرفت عالميًا بـ"حرب السويس"، وشعبيًا بـ"العدوان الثلاثي"، وانتهت بانسحاب قوات الدول المُعادية، بعد أن تدخلت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي -قطبي العالم بعد نهاية الحرب العالمية الثانية- في مجلس الأمن لإنهاء الحرب.
في عام ١٩٥٨ أقام الزعيم الراحل وحدةً اندماجية مع سوريا وسميت الدولة الوليدة بـ"الجمهورية العربية المتحدة"، ثم حدث انقلاب في الاقليم السوري عام ١٩٦١ أدى إلى إعلان الانفصال؛ ثم عقدت معاهدة وحدة متأنية مع العراق وسوريا عام ١٩٦٤، لكنها لم تستمر طويلًا.
شهد عام ١٩٦٧ نهاية الحلم الناصري والانكسار الفعلي للزعيم، بعد أن قامت إسرائيل بالعديد من الأفعال الاستفزازية جعلته يُصدر قراره بإغلاق مضيق العقبة في وجه الملاحة الإسرائيلية؛ لتندلع "حرب الأيام الستة" كما أطلق عليها الغرب، أو "نكسة يونيو"، كما أطلق عليها الإعلام العربي؛ وخرج عبدالناصر على الجماهير طالبًا التنحي من منصبه، إلا أنه خرجت مظاهرات في العديد من مدن مصر، وخصوصًا في القاهرة طالبته بعدم التنحي عن رئاسة الجمهورية.
كانت آخر مهام عبد الناصر الوساطة لإيقاف أحداث أيلول الأسود بالأردن بين الحكومة الأردنية والمنظمات الفلسطينية في قمة القاهرة عام ١٩٧٠، حيث عاد من مطار القاهرة بعد أن ودّع أمير الكويت، لتداهمه نوبة قلبية عن عمر ناهز ٥٢ عامًا، وأعلن عن وفاته في ٢٨ سبتمبر ١٩٧٠، ليخرج فيما وصفته العديد من وسائل الإعلام في الغرب بأنها أكبر جنازة شعبية في التاريخ.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: ذكرى رحيل جمال عبد الناصر عبد الناصر العدید من بعد أن
إقرأ أيضاً:
في ذكرى معركة الكرامة.. حماد يشيد بالجيش ويجدد العهد بمواصلة البناء وتحقيق تطلعات الشعب
???? حماد: معركة الكرامة صحوة وطن واستعادة للسيادة الليبية ????????
ليبيا – أكد رئيس مجلس الوزراء في الحكومة الليبية أسامة حماد، في كلمته خلال الاحتفال بالذكرى الحادية عشرة لمعركة الكرامة، أن هذه المعركة كانت صحوة وطن وبداية طريق نحو استعادة الدولة والسيادة والهيبة، مشيدًا بتضحيات رجال القوات المسلحة والقوات المساندة الذين واجهوا الإرهاب والتطرف بكل شجاعة.
???? تضحيات رجال الجيش أنقذت الوطن ????️
وشدد حماد على أن رجال الجيش والقوات المساندة كانوا سيوفًا لا تلين وقلوبًا لا تهاب، حملوا راية الوطن في أصعب الظروف وانتفضوا ضد قوى الظلام والتطرف والإرهاب، وصانوا الأرض والكرامة والسيادة بدمائهم الطاهرة.
???? تجديد العهد بالبناء والوفاء ????
وأوضح رئيس الحكومة أن الاحتفال بهذه الذكرى ليس مجرد استذكار للماضي، بل هو تجديد للعهد بمواصلة البناء والوفاء للدماء التي بُذلت، وتعزيز مؤسسة عسكرية وطنية موحدة ومحترفة تسير وفق خطط مدروسة بقيادة حكيمة وقوية، مؤكدًا التزام حكومته بتوفير كافة سبل الدعم للقوات المسلحة.
???? القوات المسلحة هي من فتحت طريق التنمية ????️
ولفت حماد إلى أن الأمن والاستقرار الذي تحقق على أيدي القوات المسلحة في مناطق واسعة من ليبيا هو ما فتح الطريق أمام إعادة التنمية والإعمار في جنوب ليبيا وشرقها وأجزاء واسعة من المنطقة الغربية، مشددًا على استمرار جهود الحكومة لإعادة البناء وتحقيق تطلعات الشعب الليبي.
???? تحية لأسر الشهداء وجنود الوطن ????️
وتقدم حماد بتحية تقدير وعرفان لأسر الشهداء والجرحى والمصابين، ولكل أفراد القوات المسلحة المرابطين على الحدود والثغور والثكنات، واصفًا إياهم بصمام أمان الوطن، كما وجه الشكر والتقدير لقيادات المؤسسات التشريعية والعسكرية ولكل من ساهم في تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية الحالية.
???? تأكيد على الوفاء لدماء الشهداء ????????
واختتم رئيس الحكومة كلمته بالترحم على أرواح الشهداء، مجددًا العهد بالبقاء أوفياء لدمائهم الزكية والاستمرار في طريق البناء والتوحيد والنهوض بليبيا الحرة المستقرة والآمنة.
وفيما يلي النص الكامل للكلمة كما ورد على لسان رئيس مجلس الوزراء أسامة حماد :
بسم الله الرحمن الرحيم:
السيد رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح، السيد القائد العام للقوات المسلحة العربية الليبية المشير أركان حرب بلقاسم حفتر، السادة منتسبو المؤسسة العسكرية، والسيدات والسادة الضيوف الكرام كلٌّ باسمه وجميل وصفه:
أرحب بكم جميعًا أجمل ترحيب في هذا اليوم الوطني المجيد، والذي نحتفل فيه بالذكرى الحادية عشرة لثورة الكرامة. نقف اليوم وقفة عز وإجلال أمام تضحيات رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، كانوا سيوفًا لا تلين، وقلوبًا لا تهاب، حملوا راية الوطن يوم خذله الكثيرون وانتفضوا ضد قوى الظلام والتطرف والإرهاب، وصانوا أرضه وكرامته وسيادته بدمائهم الزكية.
أيها السادة الحضور الكرام:
ثورة الكرامة لم تكن مجرد مواجهة مع الإرهاب، بل كانت صحوة وطن وبداية طريق جديد نحو تعزيز السيادة وبناء الدولة واستعادة الهيبة التي كادت أن تطمس لولا عزيمة الأبطال من أبناء القوات المسلحة والقوات المساندة. ونحن نشهد اليوم هذا العرض العسكري المهيب، فإننا لا نحيي الذكرى فقط، بل نجدد العهد؛ عهد البناء والوفاء لتلك الدماء الطاهرة، وعهد التمكين لمؤسسة عسكرية وطنية موحدة ومحترفة، تسير بخطى ثابتة وفقًا لخطط مدروسة وتحت قيادة حكيمة وقوية. وإذ نجدد التزامنا بمواصلة العمل المشترك وتوفير كل سبل الدعم الممكنة للقوات المسلحة الباسلة، انطلاقًا من إيماننا الراسخ بدورها المحوري في ترسيخ الاستقرار وبناء مستقبل ليبيا الذي ننشده جميعًا.
الأمن والأمان الذي تنعم به مناطق واسعة من وطننا اليوم، والذي تحقق على أيدي القوات المسلحة، هو من فتح الطريق أمام إعادة التنمية والأمن والاستقرار في جنوب ليبيا وشرقها وفي نطاق واسع من المنطقة الغربية، ونحن نؤكد على عزمنا الكامل على دعم كل الجهود الرامية لإعادة إعمار وبناء ليبيا وتنمية مؤسساتها والعمل من أجل مستقبل أفضل يحقق تطلعات الشعب الليبي.
وفي هذا المقام يشرفني أن أتوجه بتحية تقدير وعرفان لأُسر الشهداء والجرحى والمصابين، ولجميع أفراد القوات المسلحة الذين يواصلون أداء مهامهم الوطنية بكل إخلاص على الحدود وعلى الثغور وفي الثكنات، ويشكلون صمام الأمان لمسيرة الوطن. وكل الشكر والتقدير والامتنان لقياداتنا التشريعية والعسكرية ولكل من ساهم في تحقيق ما وصلنا إليه اليوم من أمن واستقرار وإعمار وتنمية، والشكر موصول أيضًا للسادة في رئاسة أركان الوحدات الأمنية على حسن التنظيم والاستعداد لهذا الحفل المهيب.
ختامًا:
نترحم على أرواح شهدائنا الأبرار، ونجدد العهد بأن نبقى أوفياء لدمائهم الزكية، وأن نستمر في طريق البناء والتوحيد والنهوض بالوطن العزيز.
عاشت ليبيا حرة وآمنة ومستقرة.